تركيا والكورد : صحوة متأخرة خير من غفوة دائمة
الكاتب : ألصحفي أكرم الملا
إن المستجدات الأخيرة في السياسة التركية الداخلية وعلى وجه الخصوص في شأن القضية الكردية في تركيا والخطاب التركي الجديد حول إيجاد سبيل لحل القضية الكردية بالتأكيد من منظور الحزب الحاكم ورئيسه رجب طيب أردوغان ، يستدعي هذا الخطاب الوقوف عليه بجدية وتحليله إلى عوامله الأولية ، وما هي الأسباب والدوافع التي حدت بتركيا الرسمية بطرح هذه المسألة للمناقشة وبالذات في هذه المرحلة ، وهل هذه مجرد قواعد اللعبة السياسية لأردوغان وحزبه ؟ ام هي فعلاً عودة الوعي المفقود من أمد طويل إلى عقول الفئة الحاكمة في تركيا ؟ ام أن البراغماتية في السياسة التركية بدأت بالتغلب على المفهوم القومي الطوراني الحاقد ؟
إن هناك عوامل كثيرة وأسباب عدة حدت بالسيد رجب طيب أردوغان وحزبه ومفكريه إلى القيام بمثل هذه الخطوة التي نعتبرها جداً طبيعية وليست قنبلة سياسية أو ثورة في المفهوم التركي كما يعتبرها الإعلام التركي بشقيه الحكومي والمستقل ، ولكن تعتبر هذه الخطوة من وجهة القومجيين الأتراك وأحزابهم الشوفينية انقلاباً على المبادئ الأتاتوركية ، وانحرافاً عن الطورانية السوداء ، وخيانة بحق تركيا .
إن المستجدات على الساحة الإقليمية في السنوات الأخيرة قد قلبت بعض الموازين بل المفاهيم أيضاً ، وأجبرت البعض على إعادة النظر في مواقفهم ومنهم تركيا متمثلة بأردوغان وحزبه الحاكم ، إن التغيرات التي حصلت في العراق وانهيار النظام القاتل بحزبه ورموزه ، وظهور واقع جديد تمثل في إقامة نظام ديمقراطي يعتمد الفيدرالية نظاماً للحكم والاعتراف بإقليم كردستان إقليماً فدرالياً في المواثيق العراقية والدولية أي واقعاً سياسياً وجغرافياً لا مجال للشك فيهما ، كل هذه العوامل دفعت القيادة السياسية التركية إلى إعادة النظر في أجندتها السياسية تجاه الشعب الكوردي وحقوقه المشروعة في كردستان تركيا ، وذلك انطلاقاً من القناعة التامة لدى الحكومة التركية بالواقع الإقليمي الجديد وسياسة الأمر الواقع ، وهناك عوامل عدة داخلية وخارجية جعلت تركيا تعيد النظر في الموقف من المسألة الكوردية والمبادرة إلى حلها طبعاً وفق مفهومها السياسي ومن منظورها الرسمي .
داخلياً –
1- إن حزب أردوغان هو حزب الأكثرية في البرلمان وهو بالتالي الحزب الحاكم في تركيا ، لذا البقاء في الحكم يعتمد على أصوات الناخبين ومحاولة كسبها بأي شكل كان ، والصوت الكوردي في الانتخابات التركية قوي وفاعل ، ومحاولة كسب هذه الأصوات لا تغيب عن بال أردوغان وحزبه وخاصة عندما فقد في الانتخابات الأخيرة الكثير من المحافظات الكوردية لصالح حزب المجتمع الديمقراطي ( حزب كوردي ) وهذا ما يجعل حزب العدالة والتنمية من التقرب من هموم الكورد ومشاكلهم ومحاولة احتواء حالة الاستياء واليأس لدى أبناء الشعب الكوردي في كوردستان تركيا .
2- إن اردوغان وفي السنوات الأخيرة يعمل جاهداً على التقليل من نفوذ الجندرمة العسكرية في السياسة التركية محاولاً خلع الخوذة العسكرية عن رأس السياسيين الأتراك ، نجح إلى حد ما في هذا العمل ، لذا بإمكانه الآن وكما يفعل من طرح بعض " الحلول " لقضية الشعب الكوردي ، ولكن دونما الاقتراب من الخطوط الحمراء المرسومة من قبل الجيش واليمين التركي القومي كمسألة تقرير المصير أو حتى الحكم الذاتي ، وحرية الحركة في المجال الكوردي لدى أردوغان تأتي من قناعته التامة بأن الجيش لم ولن يقوم باي انقلاب عسكري كالعهود السابقة لأن العلاقات الدولية الجديدة ومسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوربي سوف لن تقبل اية انقلابات عسكرية جديدة وستدخل تركيا في عزلة إن لم تكن دولية فأوربية على الأقل .
3- إن الصحوة التركية هذه تجاه القضية الكوردية نابعة من قناعة لدى الساسة الأتراك بأن مسألة وجود الشعب الكوردي على أرضه التاريخية هي واقع تاريخي وجغرافي ، وأن هذه القناعة أصبحت موجودة لدى أبناء الشعب التركي ولو بشكل نسبي بأن هناك شعب كوردي هو شريك للشعب التركي في إدارة هذا البلد ، وإن له حقوقه المشروعة والدستورية في العيش المشترك ، وهذا بدوره يخلق الأرضية المناسبة لطرح الخطاب السياسي الجديد حول المسألة الكوردية .
4- من خلال هذه السياسات يحاول أردوغان أن يثبت بأنه غير بعيد عن العلمانية وذلك بطرحه مسألة حقوق الكورد ( حتى الآن في المجال الثقافي ) والاعتراف بوجودهم كشعب أصيل غير تركي لأن الاعتراف بحقوق الغير ووجودهم هو الديمقراطية بعينها ، والديمقراطية كما نعلم هي الطفل المدلل لدى أي نظام علماني وهو بهذا يحاول كم أفواه الأحزاب القومية التركية التي تتهمه وحزبه بالبعد عن العلمانية .
خارجياً –
1- إن السلطة التركية الحاكمة تأكد لديها وبشكل قاطع بان المسألة الكوردية في منطقة الشرق الأوسط أصبحت واقعاً لا يمكن تجاوزه شاءت أنظمة المنطقة أم لا وأن أية محاولة لإبعاد القضية الكوردية من السياسة الإقليمية ومحاولة طي الورقة الكوردية ، كل هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل الذريع ، لذا محاولات الدولة التركية ليست إلا خطوة استباقية لمحاولة احتواء اليقظة الكوردية ، ومحاولة الالتفاف على زخم الشعور القومي لدى ابناء الشعب الكوردي باتباع الدبلوماسية السلسة والناعمة .
2- إن الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في كوردستان العراق ةالتي فازت فيها القائمة الكوردستانية في برلمان الإقليم فوزاً صريحاً وكبيراً للرئيس مسعود البارزاني ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فوز نهج البارزاني الخالد ، النهج الذي لا يقبل المساومة والتنازل عن الحق الكوردي ، هذا الفوز الذي جاء رغم الكثير من المحاولات الداخلية والإقليمية ومنها تركيا لإسقاط هذا النهج ، ولكن هيهات ، حيث جرت الرياح الكوردية بما لا تشتهي سفن بعض دول الجوار ، فاضطرت تركيا إلى التعامل مع الواقع الجديد ، وفكرت أن الأفضل البدء من الداخل التركي ، لم لا ؟ والقضية واحدة ومتشابهة في الشكل والمضمون .
3- إن تركيا وهي تلعب الآن دور الشرطي في المنطقة للتوسط بين سوريا وإسرائيل رغم أنها تمثل الشرطي غير النزيه فهي ضد الاحتلال الإسرائيلي ( على أساس ) ولكنها تحتل نصف جزيرة قبرص وهي مع حق الفلسطينيين ولكن تبتلع حقوق الشعب الكوردي ، ولكن تركيا تسير وفق خطة مرسومة لأسبابها الخاصة ومصالحها الاستراتيجية وبدأت باستغلال فرصة انهماك إيران في الصراع مع الغرب بسبب برنامجها النووي وفراغ الساحة عربياً ، ولكن هكذا دور يتطلب وضعاً داخلياً آمناً ومستقراً ، والقضية الكوردية كانت دائماً الشوكةالتي تؤلم الخاصرة التركية ، لذا المحاولات الأردوغانية هذه ليست إلا مجرد خلق جو هادئ وآمن للانطلاق بدبلوماسيته إلى خارج الحدود .
إن السياسة لا تتعامل أبداً مع النيات والعواطف ، وإنما مع المصالح المتبادلة ، والمصلحة المشتركة ، إن تركيا قدمت أكثر من مرة غصن الزيتون لأبناء الكورد ولكن للأسف كان هذا الغصن دائماً إما يسقط من طائرة حربية أو على مواسير الدبابات التي تفتك بالكورد وبأرضهم ، نأمل بأن تكون هذه المبادرة صحوة للنظام التركي وعودة للوعي لا أن تكون من قواعد اللعبة السياسية لأردوغان وأعوانه .