" من يقول ان من الممكن التوصل في السنوات القادمة لمعاهدة سلام شاملة – ‏بالطبع الخطاب هنا موجه للعرب - , فهو ببساطة لا يفهم الواقع " انه ينشر أوهاما وفي النهاية ‏يسبب الإحباط ", كانت تلك هي العبارة التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ‏بتاريخ 8 / 10 / 2009م , قبل اجتماعه مع المبعوث الاميركي للسلام في الشرق الأوسط ‏السناتور جورج ميتشل 0 ‏
‏ ونحن هنا لا نستغرب هذا الاستعجال من قبل ليبرمان لإطلاق هذه العبارة الاستباقية ‏القاضية على جل آمال وطموحات ميتشل لتحقيق السلام في الشرق الأوسط , فليبرمان هنا ‏يتعامل مع القضية من باب معرفته بمساعي الإدارة الاميركية الجديدة وأهدافها , وهو وبالتالي ‏يؤكد النظرة القديمة المتجددة للصهيونية تجاه هذا النوع من التوجهات والقضايا السياسية ‏الاستراتيجية التي تمس مستقبل المستعمرة الإسرائيلية الكبرى بطريقة او بأخرى , والتي يمكن ‏لها ان تخنق الأنفاس الإسرائيلية من خلال تنازلات مؤلمة لا ترغب فيها , أو بالأدق " لن ‏تنفذها مطلقا " ومهما كلفها ذلك من ثمن , وبالتالي فهي تطلق الإشارات الرافضة لأي محاولة ‏للتنازل يمكن ان تفرضها الإدارة الاميركية الجديدة عليها بهدف تحريك عملية السلام 0‏
‏ ولكن ما نستغربه بالفعل , هو ردة فعل الإدارة الاميركية الجديدة , تجاه تلك ‏التصرفات الإسرائيلية المتكررة , والتي بدأت تثبت للمجتمع الدولي بوجه عام , والحكومات ‏العربية على وجه الخصوص من خلال تسويقها لطريقة التعامل والتصرف مع إسرائيل من ‏جهة بأنها لن تختلف كثيرا عمن سبقها من الحكومات الاميركية , حتى وان كانت تلك ‏التصرفات الخارجة عن القانون ستضر بسياساتها وأهدافها في الشرق الأوسط , وخصوصا تلك ‏الهادفة لتحقيق السلام 0 ‏
‏ فالحقيقة بأنه وفي أي تدقيق في سجلات تاريخ المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , يظهر ‏أنها كانت تفضل الأرض على السلام , وترفض تقديم أي تنازلات ولو بسيطة , حتى ان ‏صديقا لإسرائيل من وزن هنري كيسنجر اعترف بذلك بكل صراحة – ونتمنى ان يقرا ‏المفاوض والسياسي العربي هذه العبارة بشكل جيد – حيث يقول هنري كيسنجر ( لقد بنى ‏الفلسطينيين سياساتهم طوال نصف قرن تقريبا على الأمل في النهاية , لخلق مجموعة من ‏الضغوط الدولية لتدمير دولة إسرائيل 000 وفي مواجهة هذه المواقف تبنت إسرائيل المماطلة ‏بوصفها أفضل إستراتيجية ) ,لاحتواء تلك المساعي الفلسطينية والعربية 0 ‏
‏ وسجل بن غوريون في يومياته ملاحظة للدبلوماسي الإسرائيلي – وزير الخارجية ‏الإسرائيلي السابق - " أبا أيبان " جاء فيها : ( أن الهدنة – مع العرب – تكفينا , فإذا سعينا ‏وراء السلام سيطالبنا العرب بثمن يشمل الحدود أو اللاجئين أو كليهما ) , وهو بذلك – أي - ‏بن غوريون , يضع القاعدة الدبلوماسية الصهيونية المستقبلية لمن سيأتي بعده , في طريقة ‏التعامل مع مفهوم السلام مع العرب 0 ‏
‏ هكذا نتأكد من خلال ما سبق ذكره بان وجهة النظر الإسرائيلية تجاه السلام في الشرق ‏الأوسط بشكل عام , ومن قضية الصراع مع العرب على وجه الخصوص منذ أكثر من نصف ‏قرن , لم تتغير ولن تتغير , فقد عرفت تلك النظرة بالثبات في أسلوب المماطلة كأفضل ‏إستراتيجية للحوار , حيث كانت طوال تلك السنين تتمحور حول البحث عن كل الطرق القانونية ‏وغير القانونية لكسب أكبر قدر ممكن من الإرباح والفوائد السياسية والدبلوماسية والجغرافية من ‏المباحثات واللقاءات والمؤتمرات وغيرها 0‏
‏ في وقت لم يحصل فيه الطرف الآخر " المفاوض العربي " – وللأسف الشديد – ‏سوى على وعود كاذبة وشعارات جوفاء كانت تذر كالرماد في العيون " التي لم تقرأ التاريخ ‏ولم تتعلم منه " وذلك بهدف قلب الوقائع والحقائق وخداع الذقون والشوارب العربية , والتي لا ‏زالت الى يومنا هذا تؤكد – من وجه نظرها – إمكانية المشاركة وتقاسم الأرض والسلام مع ‏العدو الصهيوني الإرهابي , والذي طالما اثبت عكس ذلك من خلال تصرفاته الإجرامية ‏الإرهابية , بداية بموجات المجازر والتوسع ومرورا بالقتل والاعتقالات والاغتيالات وليس ‏انتهاء بانتهاك المقدسات وتجريف المزروعات واستخدام الأسلحة المحرمة حتى الساعة 0‏
‏ والحقيقة أنني لم أجد قضية سياسية عبر التاريخ شهدت كل هذا الكم الهائل من ‏المماطلات والتسويف والخداع والأكاذيب الدولية كما شهدتها قضية الصراع العربي مع العدو ‏الصهيوني , في وقت كانت فيه الحقائق على ارض الواقع واضحة لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ‏السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ منذ اليوم الأول لاختلاق هذا " السرطان " المدعو إسرائيل في قلب الأمة ‏الإسلامية وقلبها العربي بقرار ظالم من هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947م 0 ‏
‏ ولو عدنا قليلا الى تاريخ الصراع مع هذه المستعمرة وكيانها الغاصب الإجرامي , ‏والذي نتمنى ان يقرءاه من مصادره الصحيحة كل سياسي ومؤرخ ودبلوماسي ومثقف وباحث ‏وحاكم عربي , فلعله يستنبط منه أحكام السلام الواهم في محراب العدالة الدولية بشكل عام , ‏والصهيواميركية على وجه الخصوص , فلربما يتعلم منه طريقة الخروج بانتصار صغير , ‏يحفظ له ماء الوجه والشرف يوما , حين ستستذكر الأجيال العربية القادمة سلسلة الهزائم ‏والانتكاسات التي كنا " نحن " من سيطلق علينا يوما " أجيال العار " جزء منها 0‏
‏ وليس ذلك نتاج نظرة ثقافية أو سياسية متعصبة أو متشائمة نحو السلام تحاول الدفع ‏بهذه القضية الى الأبواب المغلقة من الناحية السياسية , رغم ان ما يحدث على ارض الواقع ‏يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأننا والى الآن لم " ولن " نتوصل بعد بهذه الطريقة الى مفاتيح ‏تلك الأبواب التي أغلقتها إسرائيل منذ البداية , بل ولم تترك أي أمل لفتحها من جديد , في ‏وقت يحاول البعض الآخر " المعتدلين الحالمين " الدفع بهذه القضية الى الأمام , بقدر ما هي ‏رؤية تحمل في طياتها ذلك القدر المتوازن من العقلانية والمنطقية والواقعية الباحثة عن الحقوق ‏العربية الفلسطينية المسلوبة والمغتصبة باسم القوة والقانون الدولي الظالم , والتي لابد ان يتم ‏الحصول عليها بعد كل تلك السنوات من تجرع ويلات الحرب والغربة التي يعيشها الشعب ‏الفلسطيني الأعزل 0‏
‏ وختاما فإننا نطرح الأسئلة التالية على "المفاوض الرسمي العربي " فلعل ذلك ‏يقرب وجهة النظر الأخرى من هذه القضية بعد كل تلك السنين من المفاوضات والشد والجذب ‏‏: ما هو التقييم الاستراتيجي الذي يمكن أن يمنح لقضية الصراع العربي مع إسرائيل , ونستطيع ‏من خلاله أن نضع علامات للنجاح والفشل في مسار واتجاهات مستقبل السلام في هذه القضية ‏بعد مضي أكثر من 60 سنة من هذا الصراع ؟ وهل هناك من تغيير يذكر في السياسة ‏الإسرائيلية تجاه قضايا الوضع النهائي – القدس واللاجئين والحدود النهائية - مع مستعمرة ‏الكيان الصهيوني , نستطيع ان نطلق عليها " ببصيص الأمل " لتحقيق السلام بعد كل هذه ‏السنوات الطويلة ؟ 0 ‏