منذ قرابة السنتين حصلت على مجموعة من أعداد مجلة العالم السوري The Syrian World التي صدرت باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة ما بين عامي 1926-1932(بحسب بعض المراجع).
هذه المجلة كانت موجهة في الأصل للأمريكيين بأقلام نخبة من أبناء الجالية السورية الذين نجحوا في إيصال صوتهم إلى المجتمع الأمريكي وتعريفه بالثقافة والعادات والتقاليد العربية. ومن بين أعداد هذه المجلة عدد تذكاري (نيسان 1931) مخصص في معظمه لذكرى
جبران خليل جبران.
ولدى مراجعة هذه الأعداد التي تعطينا فكرة جيدة عن المستوى الثقافي للجالية السورية آنذاك نفاجأ بأن الذي أرّخ للرابطة القلمية وأعني بذلك الأستاذ ميخائيل نعيمة لم يتطرق بما فيه الكفاية إلى عمالقة الأدب السوريين الذين كانوا يكتبون باللغة الإنكليزية بغية بناء الجسور بين الجالية والمجتمع الأمريكي.
صحيح أن الأستاذ ميخائيل كتب عن بعض أدبائنا المهجريين من أمثال جبران وأمين الريحاني ونسيب عريضة بصفتهم أعلام بارزين في التاريخ الأدبي للجالية، لكنه لم يحدثنا عن أدباء آخرين من أمثال سيد حسين والقس منصور وتوماس عيسى وإدنا سالومي وفيليب صباغ ولبيبة حنا وسلوم مكرزل وأمين بدر ولميس حاماتي وسليم الخازن وأندرو غريب وحبيب كاتبة وندى صبرية وبهية المشير... وغيرهم.
فهؤلاء – وربما هذا ينشر للمرة الأولى – كانوا البعد الإستراتيجي للرابطة القلمية. ففي حين استعمل أعضاء الرابطة اللغة العربية لنشر أفكارهم وإبداعاتهم كان لهم أخوة وأخوات في أميركا الشمالية يكتبون باللغة الإنكليزية بأسلوب مشرق وبيان متألق لا يقلان روعة عن أسلوب وبيان أشهر الكتاب الأمريكيين.
وكان المستوى الفني لمجلة العالم السوري يضارع مستوى أفخر المطبوعات الأمريكية من حيث التبويب والمواد ونوعية الورق والتغليف.
فهذا المؤرخ وأستاذ التاريخ الشهير فيليب حتي يكتب عن الفروسية في بلاد العرب والإسلام.
وهذا سلوم مكرزل يكتب عن زيارة لجبل العرب (لا سيما صلخد وشهبا) قام بها بصحبة فخري بك البارودي سنة 1931ويكتب في مكان آخر عن الأميرين حسن الأطرش في الجبل ومنير العباس في الساحل كزعيمين عصريين.
وهذا سليم الخازن يترجم أشعار المتنبي.
وهذا حبيب كاتبة يكتب تاريخاً موجزاً لمدينة دمشق.
وأولئك غيرهم من الكتاب يترجمون قصصاً وحِكم عربية إلى الإنكليزية.
وفي العدد التذكاري صورة فوتوغرافية لجبران لم أرها من قبل، وهو يرتدي ثوب الرسم ويضع ربما اللمسات الأخيرة على إحدى لوحاته والشموع من حوله.
هذا العدد – أو الجزء المخصص منه لجبران – يبدأ بصورة لجبران في غاية الروعة. نراه جالساً، مرتدياً بذلة أنيقة، يضع يده اليمنى في جيب بنطلونه ويقبض في يده اليسرى على عصا تعني الشيء الكثير بالنسبة له لأنها قريبة من قلبه ويمسكها بلهفة وشغف.
أما نظرته الساهمة فتوحي بما لا يتطرق إليه الشك بأنه كان في تلك اللحظة يفكر بأشياء كبيرة أو يصغي لأصوات قادمة من غير هذا العالم.
هذه الصورة تختزل مسيرة جبران وتتحدث بإقناع عن روعة الرجل وأبعاده اللامتناهية. وقد اختارتها إدارة المجلة لتقول للأمريكيين "هذا هو رَجُلنا" الذي تحتضنه منا القلوب ونفاخر به الشعوب!
كما يشتمل العدد على كلمة تمهيدية بعنوان "جبران خليل جبران" وعلى مقالة بعنوان "الأيام الأخيرة في حياة جبران" وهو وصف مؤثر لساعات جبران الوداعية.
وهناك وصف تفصيلي عن الجنازتين المهيبتين اللتين أقيمتا له في كل من نيويورك وبوسطن. وهناك أيضاً فصل مخصص للكلمات التأبينية التي ألقاها أصدقاء ومريدو جبران من الأمريكيين، وأيضاً لما قاله السوريون الأمريكيون في حبيبهم جبران.
وأيضاً هناك صفحة مخصصة لافتتاحية جريدة The Sun النيويوركية بعنوان (رحيل رجل الرؤى)، إضافة إلى وجدانيات عميقة وقصائد رقيقة مهداة لروح جبران الكبير.
هذه بعض العينات من محتويات العدد التذكاري لرحيل العبقري الخالد جبران خليل جبران الذي احتفل العالم بمرور قرن وربع على ولادته.
والسلام عليكم