( هل يمكن تصور أن يقوم الرئيس أوباما بخذلان الجنرال ماكريستال ويقرر تخفيف وتيرة تلك الحرب – أي حرب القوى العالمية الكبرى المتقدمة على واحدة من أفقر دول العالم وأكثرها تخلفا وهي أفغانستان - بدل تأجيجها ، وهي الحرب التي قال عنها إنها من أجل أمن وسلامة أميركا؟ ) , مقطع من مقال نشرته صحيفة الإيكونومست بتاريخ 30 / 9 / 2009 م 0
لا يبدو ان ذلك متوقعا او حتى محتملا حتى نهاية العقد القادم " على اقل تقدير " من الناحية الاستراتيجية , فكل الحقائق التي لا يمكن تجاهلها أو إنكارها في هذا السياق , تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك , بان الخارطة الأفغانية ستظل مرتعا خصبا لمركزية الصراع العالمي من اجل السيطرة على رقعة الشطرنج الدولية بشكل عام , والأسيوية على وجه الخصوص خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين , ووجبة دسمة لإطماع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وتلك المتمردة من اجل الوصول الى منافذ السيطرة على أهم خطوط النفط والغاز ومصادر الطاقة الطبيعية في العالم خلال الفترة القادمة , وان أي حديث غير هذا سيبقى في دائرة الخداع التكتيكي للمستعمر الأجنبي الذي يدرك منذ عقود طويلة تلك الأهمية الاستراتيجية المستقبلية للخارطة الافغانية0
وما يؤكد تلك الفكرة سالفة الذكر , ذلك التمسك العالمي والأميركي تحديدا بالبقاء في الأراضي الأفغانية , تحت شعارات ومسميات لم تعد تنطلي على احد , كحقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية وتحقيق السلام العالمي , بينما تثبت الوقائع الملموسة ان تلك التوجهات ليست أكثر من واجهة استعمارية لكثير من الأهداف والإطماع الاستراتيجية , فالولايات المتحدة الاميريكية على سبيل المثال لا الحصر , رأت في أفغانستان المكان المناسب لتحقيق رهاناتها السياسية – الطبيعية , كما وبدت أفغانستان في مخططات الولايات المتحدة الاميريكية منذ القديم المكان الملائم الذي تمر عبره مسالك خطوط الأنابيب والطرقات التي تفتح الدول السوفيتية السابقة على الحدود الجنوبية لروسيا نحو الأسواق العالمية , وكلنا يدرك اليوم أهمية ذلك المصدر المهم لاستمرار البقاء بالنسبة لإمبراطورية تعيش يوما بيوم 0
وبالطبع فان ذلك لن يختلف كثيرا من مستعمر الى آخر , فكلهم في نهاية المطاف يتربصون الفرصة للحصول على اكبر قدر ممكن من الفوائد والمصالح الاستراتيجية , وفي هذا السياق تعلق صحيفة وول ستريت في عددها الصادر بتاريخ 23/ 5 / 1997 قائلتا من : ( أن اهتمام اميريكا والحلفاء الغربيين الآخرين – بأفغانستان – يبرز من كون هذه الأخيرة " طريق نقل رئيسية لتصدير النفط والغاز والمصادر الطبيعية الأخرى الغزيرة ) 0
كما أن للولايات المتحدة الاميريكية على وجه الخصوص من وراء سيطرتها على أفغانستان أهداف مستقبلية اشد جرأة وخطورة , أهمها على الإطلاق رغبتها في بناء قواعد عسكرية تكون لها بمثابة الورقة الرابحة في هذه المنطقة في بعض الأوقات الحرجة , كما أن تواجدا قويا من هذا النوع وفي هذا المكان الحساس على الخارطة الدولية يعني حصارا قويا على أهم الدول التي تحيط بأفغانستان ولدى الولايات المتحدة الاميريكية خلافات إيديولوجية سياسية معها كروسيا والصين وإيران 0
فبحسب مصادر البنتاغون وكما أشارت لذلك صحيفة لوس أنجلس تايمز بتاريخ 6 / 1 / 2001 م , من إن ( الولايات المتحدة الاميريكية ترسم من وراء ستار الاتفاقيات السرية حلقة قواعد عسكرية منتشرة وجديدة تطوق أفغانستان وتعزز قدرة القوات المسلحة لضرب الأهداف في العالم الإسلامي اجمع .... - وبحسب نفس المصدر- فانه منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر نشأت مخيمات عسكرية في ثلاثة عشر موقعا في تسعة بلدان محاذية لأفغانستان , تمتد فيها شبكة القواعد في المنطقة ويعيش فيها ألان أكثر من ستين ألف موظف عسكري اميريكي من بلغاريا وأوزباكستان حتى تركيا والكويت ) , - يجب الملاحظة هنا ان ذلك العدد كان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م , فكيف بالأعداد المحتملة والمتوقعة حتى نهاية العام 2009م ؟-0
وها نحن اليوم وبعد مرور أكثر من نصف عقد – 8 سنوات تحديدا - على احتلال قوات التحالف الدولية تحت قيادة المركزية الاميركية لأفغانستان " عسكريا ", تتأكد لنا تلك الحقائق الاستعمارية الاستراتيجية من جديد , وخصوصا ان المخططات الدولية بشكل عام , والأميركية السياسية والعسكرية منها خلال العقد القادم على وجه الخصوص , قد وضعت أفغانستان على لائحة الدول التي ستظل تحت سيطرتها " احتلالها " لفترة زمنية قادمة , كما خططت لذلك قبل أحداث سبتمبر بــ 12 سنة تقريبا , وهو ما ينفي الادعاء الاميركي القائل : بان الحرب الاميركية على أفغانستان كانت نتيجة مباشرة لهجمات أيلول , أو تلك التي تدعي كذلك ان الولايات المتحدة الاميركية قد دخلت أفغانستان منذ البداية لتحقيق الديموقراطية والعدالة والمساواة لشعبها المتخلف 0
وهو تؤكده المقالة التي نشرها ستيل جونثان بصحيفة ذي غار ديان بتاريخ 22 / 9 / 2001 م , حيث جاء ما مفاده أن الولايات المتحدة الاميريكية قد وجهت لأسامة بن لادن – في ذلك الوقت - تهديدات حول إمكانية توجيه ضربات عسكرية اميريكة ضدهم قبل شهرين من الاعتداءات على نيويورك وواشنطن 0
كما نقل الباحث نفيز مصدق احمد في كتابه – الحرب على الحرية – من معهد الأبحاث والتطوير السياسي ما مفاده ان ( الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الاميريكية على أفغانستان في تشرين الأول / أكتوبر كان قد خطط لها بمعزل عن اعتداءات 11 / سبتمبر , فبدلا من أن تشكل الحرب ردا على هذه الاعتداءات إنما يبدو أن هذه الاعتداءات شكلت ذريعة تتسلح بها الولايات المتحدة لتبرر تنفيذ الخطط المعدة سابقا للقيام بتدخل عسكري , بالإضافة الى ذلك فقد تم وضع تلك المخططات المحددة بسبب عجز الطالبان عن تنفيذ شروط الولايات المتحدة المتعلقة بالأهداف الإستراتيجية والاقتصادية الإقليمية والتي كان من المقرر تنفيذها فـــي تشرين الأول / أكتوبر مـــن العام 2001 ) 0
وهي حقائق تاريخية لا يمكن تجاوزها او تجاهلها مطلقا , تتبين منها كل تلك الاحتمالات " الكاذبة " التي تشير الى دعوى احتمال مستقبلي " على المدى المتوسط على اقل تقدير " لانسحاب مدروس ومؤكد لقوات التحالف بشكل عام والأميركية تحديدا من أفغانستان في ظل حكم أوباما او غيره من الرؤساء الاميريكين القادمين , وهو ما أكدته تصريحات القائمين على رسم سياسات تلك الدول , فعلى سبيل المثال لا الحصر أكد وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي ايرفيه موران ، بقوله : ( اعتقد انه من المستحيل تحديد التاريخ ، الذي يمكن فيه ان نؤكد ان جميع القوات ستنسحب من أفغانستان ) 0
وهي ما عنيناه بالنظرة التي تشير الى عدم وجود الخطة الهادفة لعملية ترويض واحتواء ما أطلقت عليهم الولايات المتحدة الاميركية مسبقا بالهدف الحقيقي لاحتلال أفغانستان في العام 2001م , و- نقصد – القضاء على تنظيم طالبان أو القاعدة , وتحقيق الديموقراطية وحقوق الإنسان للشعب الأفغاني , وهنا تكمن مشكلة الاحتلال منذ فجر التاريخ , فأنت هنا لم تختر محاربة أشخاص بعينهم , يمكنك بالقضاء عليهم ان تضع حدا لأهدافك الاستراتيجية , بقدر ما أنت تحارب إيديولوجيا راديكالية تؤمن بقضية مصيرية , يستحيل القضاء عليها او تغييرها بسهولة , ان لم يكن القضاء عليها مستحيلا 0
وقد أشارت مجلة نيوزويك Newsweek في مقالة عنونتها بـ " عملية درع السهب " إن الجيش الأمريكي كان يحضر للقيام بعملية في كازاخستان , وتم التخطيط للعملية على غرار عملية درع الصحراء في الكويت والعراق التي أدت بنجاح الى إنشاء شبكة قاعدة عسكرية دائمة في المنطقة تابعة للولايات المتحدة الاميركية , ويعود بالتحديد مرد وضع خطة الحرب الاميريكية التي رأت النور منذ العام 1989 وهدفت الى غزو أفغانستان الى اهتمامات إستراتيجية واقتصادية في أسيا الوسطى , ويعتبر المسئولين الأمريكيين أفغانستان نافذة مفتوحة على أسيا الوسطى وبحر قزوين , وبالتالي منفذ يؤدي الى سيطرة شاملة على القارة الأسيوية ككل , ومنها السيطرة على أهم خطوط النفط والغاز في العالم .
بينما أعلن القائد المقبل للجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز أن التزام بريطانيا في أفغانستان سيستمر من " 30 الى 40 عاما " ، وذلك في مقابلة مع مجلة التايمز نشرتها معه بتاريخ 8 / 9 / 2009م , وأوضح ريتشاردز انه في الوقت الذي التزمت فيه القوات البريطانية على مدى متوسط في أفغانستان , فانه ليس أمام الحلف الأطلسي " أية فرصة " للانسحاب كليا وبالتالي فانه سيتوجب على بريطانيا ان تلعب دورها اكبر في هذا البلد , وهنا نطرح السؤال التالي : إذا كانت بريطانيا وهي ليست أكثر من مجرد " تابع " للسياسة الخارجية الاميركية الحديثة قد أعدت التزاماتها للبقاء في أفغانستان لأكثر من ثلاثة عقود , فكيف سيكون الالتزام الاميركي تجاه هذا البلد بما يملكه من مقومات إستراتيجية مختلفة ؟
وانطلاقا من استمرار تلك الأهمية الحيوية لواحد من أهم مركز الثقل الاستراتيجي العالمي المستقبلي – ونقصد – الخارطة الجغرافية الأفغانية , وفي ظل تلك التصريحات وغيرها يتبين ان القوات الدولية بوجه عام , و الاميركية والبريطانية تحديدا منها لا تملك الى الآن أي إستراتيجية واضحة للتواجد , او الانسحاب الدولي من أفغانستان , وهو ما دعي الرئيس الاميركي أوباما الى تجديد النظرة الاميركية الى أفغانستان خلال المرحلة القادمة 0
وفي هذا السياق قال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إن أوباما أوضح خلال لقائه بمستشاريه يوم الأربعاء الموافق30 / 9 /2009م خلال مباحثاتهم بخصوص أفغانستان " أنه سيقيّم بدقة التقدّم الذي أحرزناه ، وسيأخذ بضعة أسابيع لمراجعة إستراتيجيتنا " , وأشار تقرير سرّب عن القادة العسكريين في أفغانستان ، وهو تقرير الجنرال ماكريستال - الذي قيم فيه التحديات التي تواجه المهمة الأميركية بأفغانستان والذي سربت منه نسخة يوم 21 سبتمبر 2009م , قد أثار جدلا واسعا في واشنطن , حيث أكد التقرير بان الحرب الدولية على أفغانستان لا تسير على ما يرام ، وأن صبر الشعب الأميركي وبعض أعضاء الكونغرس بات ينفد مع مرور 8 سنوات على بدء الصراع الذي كبد الولايات المتحدة الاميركية وقوات التحالف الدولية الكثير من الأرواح والمليارات من الخسائر المادية حتى تاريخ تلك المراجعة 0
وفي تقييم استراتيجي لمستقبل التواجد الدولي في أفغانستان , وبناء على معطيات الأرض والواقع الملموس , ورجوعا الى حقائق التاريخ الاستعمارية القديمة والحديثة , والأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية للخارطة الأفغانية على رقعة الشطرنج الدولية , نؤكد – شخصيا – بان " بعض " قوات التحالف الدولي , وعلى رأسها قوات الولايات المتحدة الاميركية ستستمر في تواجدها بأفغانستان حتى نهاية العقد القادم من القرن الحادي والعشرين " على اقل تقدير " , وهو ما سيتأكد أكثر بموافقة الرئيس أوباما على إرسال المزيد من القوات الاميركية الى أفغانستان خلال الفترة القادمة , وذلك لتعزيز القوات الاميركية الموجودة أصلا والتي تصل الى 38 ألف جندي تقريبا , حيث نتوقع ان تصل القوات الاميركية وحدها في حال استمرار النهج الاستعماري في أفغانستان , الى ما يزيد عن الـ 60 ألف جندي مع نهاية العام 2010م , مع التأكيد على انسحاب العديد من دول التحالف من تلك الحرب الخاسرة أصلا لبعض الدول التي استغلتها ولا زالت الولايات المتحدة الاميركية 0
المفضلات