في منتصف القرن التاسع عشر كانت خريطة أفريقيا تشمل مجالاً واسعاً يغطي جزءاً كبيراً من قلب القارة السمراء ويحمل عبارة "منطقة لم تستكشف".
لم يعرف أحد أية جبال أو بحيرات أو أنهار قد تكون داخل تلك المنطقة، أو منابع الأنهار العظيمة التي تصب في البحر.
لم يكن غير البراري الموحشة والأدغال الكثيفة التي تغص بالحرارة والرطوبة الإستوائية وتعج بالجراثيم الفتاكة والوحوش الضارية والقبائل المتوحشة. كما كانت ذبابة تسي تسي الرهيبة بالمرصاد للمستكشفين البيض والسكان الأصليين على السواء.
لم يجرؤ أحد على اختراق تلك المجاهل باستثناء بعض المبشرين والنخاسين الذين كانوا يتاجرون بالعبيد. وكانت هناك طرقات وممرات لا حصر لها لم تطأها أقدام الرجل الأبيض من قبل.
في عام 1840 قررت جمعية التبشير اللندنية إرسال أحد أعضائها الدكتور ديفيد ليفنغستون إلى تلك المناطق المجهولة.
كان رجلاً بارعاً في التعامل مع الأحداث والقبائل بحيث استأنس أفراد تلك القبائل به وراحوا يرافقونه في تنقلاته عبر قارتهم البكر.
لقد أحبوه لأنه عاملهم بمحبة واحترام. فعاش في أكواخهم وتناول طعامهم وحاول فهم طرقهم.
لم يكن الدكتور ليفنغستون قد أمضى فترة طويلة في أفريقيا حتى حصلت له حادثة مروعة تركت أثراً دائماً عليه طوال حياته.
إذ أمسك به أسدٌ وخضه خضاً عنيفاً كما لو كان هرة صغيرة بين مخالبه.
ونتيجة لذلك سُحقت إحدى ذراعيه ولم يتمكن من استعمالها ثانية.
وقد فضح ممارسات تجار الرقيق وكتب تقارير مطولة عنهم، فكان لجهوده أكبر الأثر في تقريب نهاية تلك الحقبة الملعونة.
أحد أصدقائه الأفارقة كان الزعيم سيكيليتو الذي أرسل معه قرابة الثلاثين فرداً من قبيلته لمرافقته في إحدى رحلاته وأعطاهم أوامر صارمة للعناية بالدكتور ومساعدته في كل ما يحتاجه.
انطلقت الحملة، وبعد خمسة شهور من الصعوبات والمغامرات وصلوا إلى الساحل الغربي لأنغولا. وبالرغم من كل محاولات مرافقيه فقد كاد الدكتور يهلك من الجوع والحمى والزحار.
وخلال تلك الرحلة الاستكشافية الطويلة تمكن ليفنغستون من دراسة منظومة الأنهار ومعرفة الكثير عنها.
عاد جميع أفراد الحملة سالمين وأهدى ليفنغستون إلى صديقه الزعيم سيكيليتو بذلة عسكرية تقديراً له على إرسال رجاله لمرافقته.
بعد ذلك توجه شرقاً لأن الطرق الغربية لم يجدها واعدة بمكتشفات هامة.
في عام 1855 انطلق شرقاً عبر نهر زامبيسي وفي تلك الرحلة اكتشف شلالات فيكتوريا. وكان السكان الأفارقة قد حذروه أنه سيجد دخاناً تنطلق منه أصوات!
لم يعرف ما قصدوه حتى رأى بأم عينه أجمل شلالات الدنيا.. شلالات أقوى وأغزر وأكثر روعة من شلالات نياغرا.
واصل ليفغنستون السير فوصل شرق أفريقيا البرتغالية في السنة التالية وسار بمفرده حتى وصل الساحل بعد شهرين.
وهكذا تمكن من قطع القارة من أحد ساحليها إلى الساحل الآخر وجمع معلومات علمية قيمة ساعدت كثيراً في فهم جغرافية القارة السوداء وطباع وطبيعة سكانها.
والسلام عليكم

المصدر: موسوعات
ت: محمود مسعود