الحلقة الأولى

العصيان المدني.. مقاومة أم احتجاج

"إن المقاومة تعني العصيان أو الرفض"
المقاومة والاحتجاج

يحكي بير هيرنجرين حكاية له مع أخيه الصغير وهو طفل: "من الدروس الأولى التي تعلمتها في العصيان المدني كان عند ولادة أخي الصغير ... ولقد كنت مفتوناً بإصراره البريء على تنفيذ ما يشاء وبالطريقة التي يشاء، وعندما لا يرغب في عمل شئ فإنه ببساطة يرفض ولا يساوم على هذا الرفض وهو ما كان مغايراً تماماً لما كنت عليه حيث أنني كنت ابناً مطيعاً جداً.

ولا أقصد بهذا أنني لم أكن أحتج (protest) فلقد كنت أصيح بشكل عنيف وأصرخ وأجادل، ولكن عندما ينتهي هذا الاحتجاج والصراخ فإنني أنصاع في نهاية الأمر. كان هذا هو التباين بيني وبين أخي والذي ساعدني كثيراً في أن أفهم بوضوح الاختلاف بين مفهوم المقاومة (resistance) ومفهوم الاحتجاج (protest)."

وتتسم كلمة المقاومة اليوم بالنمطية وذلك لأن كل أشكال الاحتجاج – وللأسف - أصبحت فجأة تسمى مقاومة.

إن الاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف إزاء قانون ما، أو موقف ما، ثم العودة والإذعان. أما المقاومة فتسعى إلى إلغاء القرار، أو تحدي القانون. إنها ترفض الإذعان أو الطاعة.

إن المقاومة في جوهرها هي العصيان. وقد يكون الاحتجاج أكثر قبولاً في بعض الحالات إلا أن تأثيره ليس كتأثير المقاومة (رغم أن الاحتجاج بالنسبة لنظام دكتاتوري يُعد شكلاً من أشكال المقاومة لأنه عمل غير مشروع في نظر الديكتاتورية شأنه شأن المقاومة).

جذور العصيان المدني

كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي هنري دايفيد ثوراو في مقاله الشهير "العصيان المدني" المنشور في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.

تعريف العصيان المدني

يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة ..ممارسة العصيان المدني" بأنه:

• نشاط شعبي متحضر

• يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف.
• أنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون.
• هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على أو يغير ظاهرة معينة في المجتمع.
• النتائج أو التبعات الشخصية جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.
ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين. ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه.

الجمهور هو المستهدف

إن المقاومة يجب أن توجه خطابها إلى المواطنين المذعنين. و يعتقد "ثوراو" أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأهم في الحلقة الأولى

العصيان المدني.. مقاومة أم احتجاج

"إن المقاومة تعني العصيان أو الرفض"
المقاومة والاحتجاج

يحكي بير هيرنجرين حكاية له مع أخيه الصغير وهو طفل: "من الدروس الأولى التي تعلمتها في العصيان المدني كان عند ولادة أخي الصغير ... ولقد كنت مفتوناً بإصراره البريء على تنفيذ ما يشاء وبالطريقة التي يشاء، وعندما لا يرغب في عمل شئ فإنه ببساطة يرفض ولا يساوم على هذا الرفض وهو ما كان مغايراً تماماً لما كنت عليه حيث أنني كنت ابناً مطيعاً جداً.

ولا أقصد بهذا أنني لم أكن أحتج (protest) فلقد كنت أصيح بشكل عنيف وأصرخ وأجادل، ولكن عندما ينتهي هذا الاحتجاج والصراخ فإنني أنصاع في نهاية الأمر. كان هذا هو التباين بيني وبين أخي والذي ساعدني كثيراً في أن أفهم بوضوح الاختلاف بين مفهوم المقاومة (resistance) ومفهوم الاحتجاج (protest)."

وتتسم كلمة المقاومة اليوم بالنمطية وذلك لأن كل أشكال الاحتجاج – وللأسف - أصبحت فجأة تسمى مقاومة.

إن الاحتجاج قد يكون مجرد تعبير عن موقف إزاء قانون ما، أو موقف ما، ثم العودة والإذعان. أما المقاومة فتسعى إلى إلغاء القرار، أو تحدي القانون. إنها ترفض الإذعان أو الطاعة.

إن المقاومة في جوهرها هي العصيان. وقد يكون الاحتجاج أكثر قبولاً في بعض الحالات إلا أن تأثيره ليس كتأثير المقاومة (رغم أن الاحتجاج بالنسبة لنظام دكتاتوري يُعد شكلاً من أشكال المقاومة لأنه عمل غير مشروع في نظر الديكتاتورية شأنه شأن المقاومة).

جذور العصيان المدني

كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى فكرته هو الكاتب الأمريكي هنري دايفيد ثوراو في مقاله الشهير "العصيان المدني" المنشور في سنة 1849. وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد والحرب التي كانت تخوضها الولايات المتحدة ضد المكسيك. ولم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وإنما استعملها مناهضو الاسترقاق وآخرون غيرهم. وكذلك لجأ كارل ماركس إلى هذه الفكرة حين حاول أن ينظم حملة لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848م.

تعريف العصيان المدني

يعرف بير هيرنجرين العصيان المدني في كتابه "طريق المقاومة ..ممارسة العصيان المدني" بأنه:

• نشاط شعبي متحضر

• يعتمد أساساً على مبدأ اللاعنف.
• أنشطة العصيان المدني هي عبارة عن تحدٍ لأمر ما أو لقرار ما حتى ولو كانت غير مقيدة بالقانون.
• هدف النشاط المباشر هو أن يحافظ على أو يغير ظاهرة معينة في المجتمع.
• النتائج أو التبعات الشخصية جزء مهم من النشاط ولا ينظر إليها على أنها نتيجة سلبية.
ويجب الانتباه إلى أن العصيان المدني تقوم أنشطته على التحدي، فلا تقيده قوانين النظام، أوقراراته، وإن كان أحياناً يتم عبر القوانين. ومن ثم لا يستطيع النظام أن يفرض على حركة العصيان نشاطاً بعينه أو يمنعها من نشاط، أو يفرض عليها ميداناً بعينه.

الجمهور هو المستهدف

إن المقاومة يجب أن توجه خطابها إلى المواطنين المذعنين. و يعتقد "ثوراو" أن المواطنين هم الذين يشكلون ويصنعون الجزء الأهم في جماعة العصيان المدني. كما يري أن أكبر الداعمين للأنظمة الجائرة والذين يمثلون أخطر وأكبر المعوقات أمام حركة المقاومة هم أولئك الذين يعترضون ثم يذعنون ويقدمون للنظم الولاء والدعم في النهاية.

وينبغي ألا تنشغل حركة العصيان المدني بتوجيه خطابها إلى الحاكم أو النظام، وتغفل عن اختيار خطاب مناسب للجماهير، يدعوهم للمشاركة في العصيان، ويحرضهم عليه، ويربط مستقبلهم بنجاحه. طالما أنها قررت المقاومة ... وليس الاحتجاج.

لقد أوضح المهاتما غاندي - الذي قاد النضال ضد الاستعمار البريطاني في الهند - بشكل لا يقبل الشك أن العصيان يقوض من سلطة الدولة إلى حد بعيد، إذ يقول "لو أن الرجل يشعر أنه ليس من الرجولة أن يطيع القوانين الجائرة فلن يستطيع أي طاغية أن يستعبده".

وتكمن المشكلة الحقيقية في إذعان أكثر المواطنين وكونهم ضمن شريحة المجتمع المطيعة، وحين يستطيع ناشطو العصيان المدني تحفيز الآخرين علي تحدي القوانين والتعليمات الجائرة عن طريق استثمار النتائج والعواقب المترتبة على الممارسة الحقيقية لأنشطة العصيان المدني، فإنهم ينجحون في مساعدة الجمهور كي يتغلب على حاجز الخوف من العقوبات الشخصية.
إن العصيان المدني ينبغي أن ينظر له كوحدة متكاملة، حيث تكون العقوبة بنفس أهمية الأنشطة. إن العقوبات أو بالأحرى التغلب على الخوف من العقوبة أساس في مبدأ العصيان المدني.
والعصيان المدني لا يهدف فحسب إلى التأثير في الرأي العام؛ ولكنه يتجاوز ذلك ليصبح طريقة لتحفيز المواطنين على العصيان. والفعل أو النشاط وحده لا يكفي لتحقيق هذا الهدف. ولكن امتزاج عنصر الأنشطة بعنصر العقوبات يحدث الحافز القوي للعصيان والتغلب على الخوف من العقوبات.
لذلك يتم اكتساب الجماهير من خلال تقديم النموذج، الذي يرفض الانصياع للأوامر، وكلما صمد هذا النموذج أمام العقوبات كلما ازداد عدد المنضمين للعصيان. وعادة ما يكون دور حركات العصيان هو إشعال فتيل المقاومة وتقديم النموذج ليتبعها الأحرار ويقول جون راؤول في كتابه "نظرية العدالة":"ليس من الصعب أن تبرر حالة العصيان المدني في نظام غير عادل لا يتبع رأي الأغلبية، ولكن حينما يكون النظام عادلاً إلى حد ما تبرز مشكلة ألا وهي أن من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الأقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكأنها موجهة ضد رأي الأغلبية في المجتمع ". لذلك تستفيد حركات العصيان من الظلم والتسلط، وتوظفهما في عملية التحريض، وكلما ازداد الظلم كلما كان ذلك في صالح حركات العصيان، وكلما زادت الجرائم المعلنة للنظام كلما كان ذلك سبيلاً إلى اجتذاب الجماهير. لذلك تستفيد حركات العصيان من أخطاء النظام، وتوظفها بشكل دقيق لجذب المزيد من الأحرار، ولتسقط شرعيته وهيبته.

وسائل العصيان لا تعرف السرية

تبعاً لقواعد العصيان المدني فإن المشاركين لا يتعمدون إخفاء وسائل أنشطتهم عن السلطة، وبهذا فإنهم لا يتعمدون تجنب النتائج أو التبعات السلبية لهذه الأنشطة. ولذا فإن كتابة شعار سياسي أو رسالة ما على حائط أو جدار ما تحت جنح الظلام يعتبر نوعاً من أنواع الاحتجاج، وليس المقاومة (إلا في ظروف معينة) رغم أن ذلك قد يعطي نتائج سياسية مرضية.

ولذلك ينبغي لحركات العصيان أن تعي هذه النقطة جيداً. أن المواطنين هم المستهدف الرئيس للعصيان، أن يرى الناس أفراداً من الشعب يمارسون العصيان جهاراً..ويتحملون عواقبه .. والأعمال التي تتم في جنح الظلام لا تشجع الآخرين على أن يقوموا بنفس العمل. لذلك قد لا تعد عصياناً.. فالعصيان هو رفض للنظام وكسر لقانون أو وضع ما جائر دون تخفي.

وتكون مهارة الحركة في أن يستثمر جهازها الإعلامي هذه الأنشطة، وكلما زاد القمع وبدأ التحرش بالمشاركين، كلما كان ذلك مؤشراً على نجاح العصيان. وحينها يستفيد الجهاز الإعلامي المقاوم من كل تحرش، أو صدام، أو كلمة نابية، أو فلتة لسان، أو عمل لا أخلاقي، أو مقتل لأحد المقاومين ليمتلك ورقة رابحة ودليلاً دامغاً على أن الشعب قرر العصيان. وإذا فوت الجهاز الإعلامي هذه الأحداث يكون قد فرط في أداة قوية من أدوات نجاح العصيان. إن قوة النشاط في فقه العصيان قد تكمن في العقوبة التي ستوجه إلى المقاومين، والتي سيستثمرها إعلام المقاومة..