فرنسيس بيكون

هو ثاني أكبر شخصية أدبية بعد شكسبير في العهد الإليزابيثي في بريطانيا. لقد كان فيلسوفا ورجل دولة وعمل في سلك القضاء لكنه لم يتحلَ دوماً بمزايا العظماء، بل على العكس من ذلك برهن في بعض الحالات والمواقف عن خسة في خلقه ووضاعة في شخصيته، بما في ذلك نكران الجميل لأحد أولياء نعمته مما دفع الشاعر بوب للقول بأنه كان أحكم الناس وألمعهم وأكثرهم لؤما، فاعتبر البعض أن في هذا الوصف إجحافا بحق الرجل. (ولنترك الحكم للقارئ)

وُلد بيكون سنة 1561 وتوفي في عام 1626 وقد تمتع بامتيازات عديدة منذ ولادته. فوالده كان أمين خاتم ملك بريطانيا (أي كان خاتم الملك في حوزته)، ولذلك فقد صرف سنوات طفولته في البلاط الإليزابيثي يسرح ويمرح مع الأمراء والأميرات. في سن الثانية عشرة دخل كلية الثالوث في جامعة كمبردج، لكنه لم يبق فيها سوى ثلاث سنوات لأنه اعتبر أن أسلوب التعليم مغلوط من أساسه. بعد ذلك تم إرساله إلى فرنسا مع السفير الإنكليزي على أمل أن يتعلم فن السياسة.

وضع موت والده حدا لطموحاته في العمل في الديوان الملكي. وإذ حرم من الامتيازات التي كان يتمتع بها سابقاً وجـّه همه نحو دراسة القانون فنجح نجاحا باهرا وفـُتحت أمامه الأبواب، إذ كان متحدثاً بارعاً مقنعاً ومحامياً قوي العارضة. وكتب ذات مرة العبارة التالية:

"ما من رذيلة تمرّغ الإنسان بالخزي والعار مثل الغدر."


مع ذلك فقد رد جميل ولي نعمته السابق روبرت ديفرو (إرل أوف أسكس) بأن ساعد على تثبيت الجرم عليه مما أدى إلى إعدامه بقطع رأسه بتهمة التآمر على صاحبة الجلالة. حدث ذلك عندما كلفت الملكة إليزابيث الأولى بيكون تولي التحقيق في تهم ضد ديفرو تتعلق بإعادة المذهب الكاثوليكي إلى بريطانيا.

وكان كل من يسمعه في مرافعاته القضائية ترتعد فرائصه خوفا من إطلاقه أحكاماً نهائية غير قابلة للاستئناف.

ارتقى بيكون بسرعة إلى رتبة وزير العدل وأخيراً إلى رئيس المجلس القضائي الملكي ورئيس مجلس اللوردات.

كان واحدا من أهم رجال الدولة في ذلك العصر. ويقال أنه أعطى النصيحة التالية للملك جيمس الأول:

"لا تطلب الغنى الفاحش بل اسعَ للحصول على المال بالعدل والإنصاف واصرفه في وجوه معقولة ووزعه بقلب مبتهج واتركه بقناعة ورضى."

لكن بيكون نفسه اتهم بتقبل الرشاوى فتم تجريمه وتجريده من مناصبه. وقد حكم عليه بالسجن وبدفع غرامة كبيرة جدا ومُنع بعدها من العمل في المرافق الحكومية.

كثيراً ما تبجح بأنه كان عادلا في أحكامه القضائية غير أنه اعترف أيضا بأن العقاب الذي طبق بحقه (كان عادلا من أجل الإصلاح) لأن القوانين القديمة التي عمل بموجبها كانت جامدة فاسدة.

تم إخراجه من السجن بعد أقل من أسبوع وأعفي من دفع الغرامة لكنه ظل ممنوعا من شغل الوظائف العامة. وإذ حرم من عمله المفضل، وجّه همه وجهوده للعمل الأدبي والعلمي. ويعود الفضل له بإخضاع كل الاستنتاجات العلمية للتجربة العملية. ولهذا يعتبر أحد مؤسسي أسلوب الاستقراء أو البحث العلمي. أما مقالاته فتزخر بالملاحظات الدقيقة والعميقة.

وبينما كان يحاول إثبات ما إذا كان الثلج يحفظ اللحم، تسلل البرد إلى لحمه وعظمه فقضى عليه وهكذا كانت نهايته.

في القرن التاسع عشر حاول العديد من الكتـّاب أن يثبتوا بأن بيكون هو الذي ألف روايات شكسبير الخالدة، لكن معظم طلاب الأدب لم يقتنعوا بتلك المقولة ولم يأخذوا بها.

المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود عباس مسعود