Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
أيام جزائرية

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: أيام جزائرية

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي أيام جزائرية

    أيام جزائرية..

    هي ليست قصة ولارواية ولامذكرات ولاخواطر ولاأي لون من ألوان الأدب المتعارف عليه ،بل هي مزيج من كل ذلك..الحقيقة أنني أكره التصنيفات في الكتابة ، ربما لأن الكتابة تكون وليدة الإحساس والشعور ، والكاتب الحقيقى في اعتقادى لايكتب لأن المطابع تلاحقه ، ولا لأن الناشر يستحثه ، إنه يكتب مايحس وقت يحس ، فيخرج العمل كما يحلو له أن يخرج ، شعراً أو نثراً ، وفي أى صورة يمكنها أن تحمل الإحساس إلى القارئ طازجاً ومدهشاً ، فتتحقق للكاتب والقارئ معاً متعة لاتدانيها متعة بين صدق الإحساس وروعة التلقي والدهشة.
    بهذا المفهوم ومن هذا المنطلق أقدم أيامي الجزائرية للقارئ لاباعتبارها عملاً روائياً ولاسجلاً منظماً ليومياتي وإنما هي محاولة للإبحار داخل النفس ، والغوص في أعماقها بعد أن اقترب قطار العمر من محطة الوصول النهائية، أقف بعد رحلة العمر الطويلة فوق تل من الذكريات والأحداث وأمد بصري إلى أبعد مايمكن أن تصل إليه القدرة على الرؤية ، لأتساءل ..
    لماذا حدث ماحدث ؟ ولماذا لم يحدث مالم يحدث ؟
    كيف تشعبت الطرق وتعددت المسالك ، وحين خدعتنا أنفسنا فصورت لنا أننا كنا أصحاب قرار نختار مانشاء ، وندقق فيما نريد فنقربه ، وفيما لانريد فنبعده ، إذا الرحلة قدر مقدور وحتمية لافكاك منها ولامهرب .
    من هنا تأتي ضرورة المراجعة ، برغم أن المراجعة لاتفيد ولكنها فرصة للتأمل واستعراض كل شئ ، فرصة لتذكر الضحكات المجلجلة والصرخات المدوية ، بل والأنين المكتوم ، ومن يدري لعلي أقدم دون أن أدري شهادتي على عصر أكل منا البراءة والصدق وقذف بنا إلى التصنع والزلفى..إنها زفرات قلب وومضات تاريخ…

    انتظروني…

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: أيام جزائرية

    1 - الجزائر (كلاكيت أول مرة )
    ————————–

    لاأذكر متى سمعت عن الجزائر لأول مرة..ربما من تلك القصة التي كانت مقررة علينا في المرحلة الإعدادية وكان اسمها ( زهرة من الجزائر ) ، ربما كانت هذه الرواية ومثيلاتها ممايمكن تسميته بالأدب القومي ،كانت تغذي فينا روح الانتماء لأمتنا العربية أيام المد القومي الناصري من ناحية ، ومن ناحية اخرى كانت هي البدايات الأولى للتعرف على عالم الرواية حين يلمس فينا تلك الروح الفتية ويغذي انتماءنا لأمتنا العربية ، رواية أخرى مشابهة درسناها عن ثورة اليمن وكان اسمها "بطولات في أرض السدود" ورواية ثالثة بدأ كتابتها الزعيم جمال عبد الناصر وكان اسمها "في سبيل الحرية " وكانت أحداثها تدور في منطقة رشيد شمال الدلتا حول حملة فريزر الأنجليزية على مصر ، والانتصار التاريخي لشعب رشيد ودحره للحملة الأنجليزية عن طريق المقاومة الشعبية وحدها دون اللجوء لحرب نظامية، كانت " رواية زهرة من الجزائر" تتحدث عن مظاهر القهر والملاحقة والتفتيش التي يتعرض لها شعب الجزائر على أيدي القوات الفرنسية وأحوال الأسر الجزائرية وهي تعاني من أجل التواصل مع بعضها البعض وكيف كان الفرنسيون يلاحقونهم من بيت إلى بيت ..القصة بالقياس إلى أعمارنا وقتذاك كانت من قصص المغامرات ولأنها كانت قصة مدرسية مقررة فربما تصورت في ذلك السن الصغير أن الجزائر هي مجموعة من الجزر ، ولكنني لم أكن أعلم أين تقع بالتحديد ولا صلتنا بها على وجه الخصوص ..إنها قصة مقررة للقراءة وغاية مانريده منها أن نلم بأحداثها حتى نحصل على درجة أو درجتين هي كل حظها من أسئلة إمتحان مادة اللغة العربية..لذلك لم نهتم بأن نعرف موقعها على الخريطة تحديداً وسط الكم الهائل من الأسماء التي كانت تتردد على مسامعنا وقتذاك مثل الكونغو برازافيل والكونغو كينشاسا دون أن نعي ماهي برازافيل ولاماهية كينشاسا ..أهي أسماء نحفظها والسلام ، لكن الجزائر فرضت نفسها على اهتماماتنا حين شاهدنا على الحوائط أفيشات لفيلم جميلة بوحريد المجاهدة الجزائرية التي عذبتها فرنسا في سجونها .
    أصبحت الجزائر مرتبطة في وعينا الطفولي بجميلة ، فكانت تبرز في الذهن عن طريق التداعي الحر بمجرد نطق اسم جميلة بوحريد ،ومنذ ذلك التاريخ كانت صورة الجزائر تتحدد أمام أعيننا كلما مر يوم جديد ، سمعنا عن طائرة الزعماء التاريخيين المخطوفة ، وسمعنا عن حرب تحرير الجزائر وعن بطولات المجاهدين في الجبال.
    لذلك لم يكن عجيباً أن نفرح بشدة حين سمعنا أنباء استقلال الجزائر عن فرنسا وأنها قد عادت إلى حظيرة العروبة والإسلام بعد أن تغربت لأكثر من مائة وثلاثين عاماً.
    أذكر أنني في ذلك الزمن البعيد قد شاهدت فيلماً سينمائياً قيل إنه باللهجة الجزائرية وقد جلست أمامه اتابع المناظر والشوارع الضيقة والممرات المدرجة دون أن أفهم ممايقال شيئا ، بالكاد كان يمكن استخلاص كلمة أو كلمتين من بين ثنايا الكلمات المبهمة واللغة غير المفهومة ، ومع ذلك فقد كان انبهارنا بالجزائر ومايجري على أرضها من بطولات يفوق كل وصف.
    وسرعان ماجرفنا تيار الأحداث والأيام فلم نعد نسمع عن الجزائر شيئاً ، ثم سرعان مابهرنا أحمد بن بيللا الزعيم الجديد لمرحلة مابعد الأستقلال حين ظهوره فى مؤتمر القمة العربية الأول ببزته العسكرية التى كانت عبارة عن "أوفرول" الميدان، كان شاباً ممتلئاً نضارة وحيوية وكان أحد الزعماء الذين اختطفت فرنسا طائرتهم ، هو ورابح بيطاط وحسين آية أحمد وبوضياف ..كانت هذه الأسماء تغذى خيالنا العطشان لأخبار البطولة وكنا ننظر لأحمد بن بيللا كماننظر لجمال عبد الناصر وقتها فهو البطل التاريخي المغوار الذي دوّخ فرنسا وأقضّ مضجعها مع رفاقه أبطال ثورة التحرير ..كانت هذه هي بداية التعرف على الجزائر ..الحلم والواقع…

    انتظروني.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: أيام جزائرية

    (2)


    كنت مستلقياً على الفراش بحجرتي باستراحة الأطباء بالمستشفى حين جاء من يبلغني بوجود زوار لي بصالون السكن..كان الوقت ظهراً ولم يكن من المعتاد أن يزورني أحد منذ نقلت إلى ذلك المستشفى الكبير ،الذي يبعد عن مدينتي بنحو مائة كيلومتر ، لم أكن قد اختلطت بعد بأهل تلك المنطقة بسبب الإقامة الدائمة بمستشفى الجامعة كما كان يحلو لهم تسميتها ،;كنا نحن شباب الأطباء نقضي فترات الراحة القليلة بعد ساعات العمل الطويلة في حالة استرخاء تام انتظاراً لاستدعاء قد يقلق راحتنا في أي وقت ، خرجت مندهشاً لأجد شاباً وسيماً في مثل عمري صحبة محمد حسن معاون الوحدة الريفية التي كنت أعمل بها قبل التحاقي بالمستشفى العام.
    انتفض محمد حسن واقفاً حين لمحني ثم سارع بتقديم الشاب لي.
    - الدكتور فخري.
    رحبت بهما وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث، وعرفت أن الدكتور فخري هو الطبيب الذي أوفد ليحل محلي بالوحدة الريفية.
    لم أكن متحمساً تماماً للزيارة في وقت راحتي الذي كانت تقطعه عادة استدعاءات متلاحقة لمناظرة مرضى الاستقبال، لكن مقتضيات الضيافة أجبرتني على أن أرحب بهما بحرارة ومع مظاهر التساؤل عن سبب الزيارة التي لابد أن تكون قد قد غزت ملامحي ،سارع الدكتور فخري ليؤكد أنه حرص على مقابلتي بعد أن سمع من أهل القرية التي نقل إليها عن الصفات الحسنة التي اتمتع بها وعن الخدمات التي كنت أقدمها لهم .
    مضى الحديث متراخياً تحفه لحظات من الصمت التام الذى يقطعه محمد حسن بإلقاء النكات التى سبق أن سمعتها منه عشرات المرات ، لكن ماجذب انتباهي تماماً وجعلني أصغي بكل جوارحي هو حديث الدكتور فخري عن عقد العمل الذى ضاع بسبب الروتين والتعقيدات الإدارية ، كان حلم جيلنا كله هو السفر إلى الخارج بأى ثمن، وكانت تلك مشكلة كبرى في الواقع حيث معظم الدول العربية التي تحيط بنا حديثة الأستقلال وتحتاج جهودنا للمشاركة في جهود التنمية ، وكان ذلك يجري بانتظام وفي إطار خطط الدولة في مساعدة الدول العربية بما لايؤثر على احتياجتنا الداخلية، كان الحلم يبدو بعيد المنال بالنسبة للأطباء بالذات ، السفر للعمل كان محظوراً على الأطباء بإعتبارهم من الفئات المطلوبة فى المجتمع ولذلك كان الحصول على عقد عمل والنجاح فى السفر ضرباً من المستحيل ..
    هكذا شدّ انتباهي حديث الدكتور فخري عن عقد العمل فرحت أمطره بالأسئلة حتى أعرف كيف حصل على ذلك العقد وعن الصعوبات التى منعته من السفر ، مازالت ملامحه المتغضنة بالحسرة والأسى ماثلة في ذاكرتي وهو يهز رأسه أسفاً على العقد الذى ضاع ، كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن ولاية مستغانم بالجزائر وهي الولاية التى تقرر أن يعمل بها الدكتور فخري ، لكنهم أمهلوه شهراً واحداً ليلتحق بالعمل ، وانتهى الشهر دون أن تنتهي التعقيدات التي صادفت محاولاته للسفر حتى انقضى الشهر وانقضت معه آماله وأحلامه.
    بمجرد انصراف محمد حسن والدكتور فخري انصرفت عني الرغبة في الاسترخاء والراحة وشرعت في التفكير في الأمر بجدية ، لاأنكر أن الشكوك كانت قد ساورتني لبعض الوقت في مدى صدق رواية الدكتور فخري عن سهولة حصوله على عقد عمل بالجزائر دون أن يكلفه الأمر أكثر من خطاب يبعث به إلى وزارة الصحة ،لكنني سرعان ماطردت تلك الشكوك وقلت فى نفسي لمَ لاأجرب حظي في أول خطوة فإن نجحت وجاءت مطابقة لروايته فهذا يعني أن بقية الخطوات لها نفس النصيب من المصداقية.

    انتظروني..

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: أيام جزائرية

    (3)


    طوال الفترة التي أعقبت انصراف الدكتور فخري صحبة محمد حسن ظل الحديث الذي دار بيننا يطاردني وكأنما مجيئهما قد أيقظ أحلامي وآمالي ، كنت أتوق للسفر والفرار من الجو الخانق الذي يحيط بي بأي شكل فالمستقبل شديد الغموض والحياة الأقتصادية حولي تنحدر من سئ إلى أسوأ وسط وعود لايتم الوفاء بها بإصلاح الحال وجلب الرخاء ، المرتب يضيع نصفه في التنقل بين الأسكندرية ودمنهور حيث مقر عملي، كانت حرب أكتوبر قد انتهت وبدأت المشاكل المؤجلة تطل برأسها.
    قررت أن أخوض التجربة التي لن تكلفني شيئاً أعددت رسالة عادية وجهتها لوزارة الصحة العمومية بالجزائر وبعد أسابيع قليلة تلقيت مظروفاً أصفر ينبئني بالموافقة على تعييني بالنظر لماجاء بطلبي من حديث عن شهادتي وعملي ، صدق الدكتور فخري إذن في حديثه معي ،الآن يطلبون نسخاً من أوراقي وبعد أسابيع قليلة يكون بين يدي عقد عمل حقيقي بمرتب وامتيازات لابأس بها ، فلماذا لاأخوض المغامرة إلى نهايتها..لكن مهلاً سيتحدد لي مهلة لاستلام العمل وربما وصلت للحائط المسدود من التعقيدات وهو ماعانى منه فخري من قبل وضاعت بسببه الفرصة السانحة ..عليّ إذن أن أكون أكثرحنكة ، وأن أستفيد من تجربته الفاشلة.
    قلت لنفسي لابد من التحايل على الأمر ولأبدأ بالخطوة الأولى دون إبطاء ، جهزت الأوراق المطلوبة ، كتبت طلباً للإدارة للموافقة على استخراج جواز سفر " باسبور" ومرت هذه الخطوة بسلام ثم بدأت أولى الخطوات الجادة بأن تقدمت بطلب للموافقة على أجازة مدتها أسبوعين وذلك لقضائها بالخارج..كنت أعرف أن هذه الخطوة هي العقبة الكئود في المشوار كله ..وضعت الطلب عند سكرتارية المدير وانصرفت على أن أعود في وقت لاحق ،في اليوم التالي ابلغتنى السكرتيرة أن مدير المستشفى رفض طلبي ، وكان ذلك متوقعاً ، فقد كانت التعليمات تقضي بعدم الموافقة على سفر أي طبيب خارج البلاد ، لعنت اليوم الذي امتهنت فيه هذه المهنة المقيدة للحرية وقررت أن أواجه المدير بطلبي شخصياً ووجهاً لوجه..
    جلست بغرفتي طويلاً أقلب الأمر على كافة الوجوه وأستعرض في خيالي كيف يمكن أن يدور الحوار بيننا والأسئلة المتوقعة وإجاباتها.
    كنا في شهر نوفمبر والخريف يستعد للرحيل النهائي مفسحاً الطريق لرياح باردة وعاتية تهب بين الحين والآخر، والأشجار العالية المحيطة بمبنى المستشفى تعزف سيمفونيتها العالية بفعل اصطدام الرياح القوية ، حين وجدت نفسي فى الممر المؤدي إلى غرفة المدير وجهاً لوجه أمام الدكتور "شبكة" مدير المستشفى ، لم يعد هناك مجال للتراجع ، حتى الأسئلة التي سهرت على تمثلها وإعداد إجاباتها طارت من رأسي في تلك اللحظة ، ووجدتني أقابله ويدي ممدودة بطلب الأجازة وقلت بلا تدبر
    - حضرتك مش موافق على أجازتي ليه؟
    أدار وجهه وتشاغل بالحديث مع مرافقه وقال :
    - مفيش سبب للأجازة يعني لاحج ولاعمرة.
    - هذه أجازة سياحية سأقضيها فى أوروبا.
    ترددت ضحكته العالية في جنبات الطرقة لدى نطقي بجملتي الأخيرة وكأنما ألقيت على مسامعه نكتة من النوع الممتاز ..شعرت بالحرج لبرهة ولم أفهم سبب ضحكته العالية وأنا أحاول تغطية كذبي بمزيد من الأكاذيب
    - وماذا يمنع ؟ هل السياحة في أوروبا حرام ؟.
    بان على وجهه الضيق وبدا كمن اكتشف كاذباً من العيار الثقيل فقال في ضيق:
    _ يابني لاحرام ولاحلال أنت اتجننت ، عايز تفهمني إنك رايح أوروبا سياحة وفي عز الشتاء.
    أسقط في يدي ولم أتبين حجم كذبتي حتى نطق بعبارته الأخيرة ، لم يخطر ببالي أن فصل الشتاء الذى بدأ يلقي بظله على كل شئ يفضح أكاذيبي فقلت بلا تدبر ممعناً في الكذب:
    - وماذا أفعل ولدي دعوة لزيارة عم زوجتي في إيطاليا .هل أنا المسئول عن توجيه دعوة لزيارة إيطاليا فى عز الشتاء؟
    لبرهة خشيت أن يطالبني بأن أظهر مايثبت أن هناك دعوة بالفعل لتلك الزيارة الوهمية ،لكنه قال فى هدوء استعداداً لإنهاء المناقشة
    - يابني ربنا عرفوه بالعقل ..لاأحد يسافر للنزهة في أوروبا في موسم الثلوج والأمطار ، حاول من فضلك أن تحترم عقل من تخاطبه.
    ثم أضاف كمن ينهي المناقشة
    - وأنا لن أوافق مطلقاً على أجازة لقضائها في الخارج بأي صورة وفي أي فصل.
    اندفعت كمن يتشبث بآخر بارقة للأمل وقلت
    - هل لديك مانع إذا طلبت الأجازة من مكتب وكيل الوزارة؟
    أشاح بيده وهو يدلف مسرعاً إلى مكتبه وقال في ضيق
    - اعمل اللى تعمله.

    انتظروني.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    أستاذ بارز الصورة الرمزية محمد فؤاد منصور
    تاريخ التسجيل
    10/05/2007
    العمر
    76
    المشاركات
    2,561
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: أيام جزائرية

    (4)

    كاد الحوار الذي دار بيني وبين الدكتور شبكة يثنيني عما انتويت ، البيروقراطية التي تعودنا عليها تؤكد استحالة أن يمر تصرف دون موافقة المدير المباشر ، وإذا كان الدكتور شبكة أعلنني صراحة برفضه لسفري فهذا يعني أن المحاولة محكوم عليها بالفشل ،عدت إلى غرفتي بالمستشفى مشحوناً بالغضب ، من حسن الحظ أن الخطاب لم يحدد مهلة لإرسال الرد بصور الأوراق والشهادات وإلا ضاعت الفرصة للأبد ..قلت لنفسي المحاولة الأخيرة ستكون في مكتب وكيل الوزارة الدكتور مردان وهو رجل سئ الطباع يتجنبه معظم الأطباء لسلاطة لسانه وتطاوله الدائم وعدم احترامه لأحد ، أوشكت على التراجع ونسف فكرة السفر من جذورها ، لكن هاجساً داخلياً سيطر على مشاعري ..
    لم لاتحاول ؟ لاداعى لمقابلته أو التحدث معه مباشرة ، يكفي أن تترك طلباً عند السكرتيرة ثم المرور لاحقاً لمعرفة النتيجة ، لاداعي للمواجهة حتى لاتنال نصيبك من سلاطة اللسان وسوء الأدب.
    تذكرت سخرية الدكتور شبكة من سفري للسياحة في عز الشتاء، وكيف وقفت أدعم موقفي بالمزيد من الأكاذيب ، قلت في نفسي والله معاه حق ..يالي من أحمق قليل التجارب ، كذبة بسيطة كانت كفيلة بفتح الأبواب المغلقة ومع ذلك لم أتقنها !
    في الطلب الجديد تجنبت حكاية السياحة وإيطاليا وهذه الخزعبلات ..فهذا الرجل لايعرف الهزار ولن يمررها بسلاسة كما فعل الدكتور شبكة ، ربما ظن أنني أسخر منه أو استهين بعقليته فينالني من رذاذ شتائمه نصيب، نسبة النجاح لم تكن تتعدى خمسة في المائة فليكن إذن طلباً عادياً حتى أقنع نفسي بأنني لم أترك باباً لم أطرقه وبعدها سأنسى الموضوع برمته.
    كتبت الطلب وتركته لدى السكرتيرة وانصرفت على عجل خشية أن يطلبني لمقابلته .
    في كل صباح ولمدة أسبوع كامل وأنا أتوجس شراً من ردة الفعل على طلب الأجازة ، أتسقط الأخبار لدى مكتب المدير ، أغازل السكرتيرة بكلمات الإطراء لعلها تلمح لأخبار أتت من مكتب وكيل الوزارة ،وكل يوم يمضي يزيدني قناعة بأن طلبي قد رفض وانتهى الأمر وأن الدكتور مردان رأى أنه لايستحق عناء الرد .
    ولم يكد ينقضي الأسبوع حتى أسرعت إلى مكتب وكيل الوزارة ، أعددت أكثر من سيناريو للسؤال عن مصير الطلب الذى لم أكتب فيه سوى رغبتي في الحصول على أجازة إعتيادية لمدة أسبوعين لقضائها فى الخارج ودون ان أوضح أين؟ كنت قد استوعبت درس الدكتور شبكة جيداً، أخذت أتسكع فى الممر أما م مكتب السكرتيرة دون أن أدخل إليه، لم تكن الخطوة القادمة قد تبلورت في تفكيري بعد ، فآثرت أن اتمشى لعل الله يفتح عليّ بالتصرف المناسب والذي لايوقعني في الحرج كما حدث في المرة الأولى..
    لمحتني السكرتيرة وأنا أتسكع أمام الباب المفتوح فصاحت بصوت عال
    - أنت فين يادكتور؟ .. صار لك أسبوع ولم تمر لأخذ الطلب.
    أخذ الطلب ؟.. ماذا تعني هذه العبارة ؟ !
    الرفض أم القبول أم لاشئ منهما؟
    دخلت إلى المكتب وأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى ، بينما راحت هي تفتش فيما أمامها من أوراق حتى عثرت على الطلب وناولتني إياه ، جرت عيناي مسرعة على التأشيرة الحمراء التي تذيله . دارت بي الأرض ولم أشعر بما حولي للحظات حتى استحثني صوت السكرتيرة الذي بدا لي وقتها أجمل صوت في الدنيا
    - لماذا تقف هكذا ..الحق وقتك واذهب إلى المحافظة لتحصل على الورقة الصفراء..
    كان الطلب مذيلاً بموافقة وكيل الوزارة ..لكن ماذا عن الورقة الصفراء ؟ ماهي ؟ ومالزومها؟ ومادخل المحافظ بالموضوع ؟ عشرات الأسئلة حاصرتني ، لم أتمالك نفسي فقبضت على يد السكرتيرة بكلتا يديّ وأنا أشكرها بحرارة وامتنان وكأنها هي التي وافقت..تضاحكت لتشاركني فرحتي وهمست
    - ياللا ..طيران على مكتب المحافظ ..الورقة الصفراء تصدر من هناك.

    انتظروني

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •