ثدي اللؤم وثدي المجد
بقلم: عيسى حسن الجراجرة*
يعتقد الكثير من رجال الفكر والتربية والتعليم وأهل الحكمة أن للأم التأثير البالغ على أبنائها من الذكور والإناث، في أمورهم وصفاتهم وسجاياهم الجسدية والنفسية والأخلاقية.
وفي الجانب الآخر يعتقد فريق آخر من المربين وأهل الحكمة ومن علماء النفس أن العوامل الوراثية تأتي وتنتقل من الوالدين في صفاتهم الجسدية والنفسية والأخلاقية،وهما صاحبا اليد الطولى في التأثير البالغ على الأبناء من الذكور والإناث في صفاتهم وسجاياهم الجسدية والنفسية والأخلاقية.
ولكن وقبل تقدم العلوم من مثل علم الوراثة، وعلم النفس العام، وعلم نفس التعلم، وعلم النفس التربوي فإن الأدباء والشعراء ورجال الفكر، وأهل الحكمة كانوا يعتقدون ومعهم الحق في هذا الاعتقاد، بأن الأم هي دون غيرها صاحبة التأثير الأكبر والأهم والأبلغ في أولادها وفلذات كبدها، لأن الأبناء يقضون السنوات الأولى من حياتهم مع أمهاتهم، تلك السنوات التي تسمى سنوات التنشئة والتربية. فالأم هي المدرسة الأولى، وهي التي ترضع وهي التي تربي وتعلم، وهي بالتالي القادرة أكثر من غيرها على أن تنقل الصفات الطيبة والذميمة على حد سواء لأولادها من الذكور والإناث، أكثر من الأب.
وكنى ورمز هؤلاء الأدباء والشعراء ورجال الفكر، وأهل الحكمة لوسيلة النقل والوراثة من الأم إلى أولادها بالرضاعة وبوسيلة الرضاعة وهو الثدي فقالوا: هو ابن أمه، وهو سليل ثدي مجد أو سليل ثدي لؤم.
ولعل من أوائل الشعراء الذين استعملوا هاتين الكنايتين اللطيفيتين هو الشاعر أوس بن مغراء إذ قال في ثدي اللؤم، على اعتبار أن اللؤم، هو الخلق المعاكس لخلق الكرم والنبل والطيبة. كما ويقولون في الأمثال لوصف الرجل الموغل في خلق اللؤم: ((قد تزوج في اللئام))، كما يقولون كذلك: ((من يعذر اللئام))، والجواب لا أحد يعذرهم، (ثمار القلوب340):
يشيبُ على لؤم الفعال كبيرُها ويُغذى بثدي اللؤم منها وليدُها
أما ثدي المجد فيكنون به إلى الراضع للصفات الكريمة الطيبة، وأن الراضع من ثدي المجد هو الشخص الشريف الطيب الفعال. وقد أخذ كناية ثدي اللؤم القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز فنقلها إلى المدح وزاد فيها أحسن زيادة طيبة وحسنة، عندما جعل ثدي اللؤم هو: ((ثدي المجد)) في قصيدة يمدح فيها الصاحب بن عباد عندما قال:
مُسترضعٌ بثدِي المجدِ مفترشٌ حجرَ المكارمِِ مفطوم عن البخلِ
اللهم اجعل شعبنا ممن يرضع ثدي المجد ويفطم عن البخل.
* صحفي وباحث له 27 كتاباً منشوراًًً egragrh@yahoo.com