* حادث كاد أن يودي بحياتى.
* إنتهاء حكم الإنفصال وإستلام حزب البعث للسلطه.
* من هو الفريق أمين الحافظ ؟


إخوتي واخواتي...
تعودت على الجو في مدينة بادوفا، حياة الطالب روتينيه، المحاضرات صباحآ والغداء في بيت الطلبه وبعد الظهر مختبرات والمساء للدراسه.
اما في ايام العطل الدافئه فكنت اقضي مع الأصدقاء يومنا في مدينة البندقيه والتي لا تبعد عن بادوفا سوى ثلاثين دقيقه بالقطار فكانت المكان المناسب لقضاء ايام الآحاد, مدينة البندقيه كانت على علاقات متميزه مع مدينتي حلب منذ مئات السنين, حيث كان خان البنادقه مركز إلتقاء تجار البندقيه فيه لعقد صفقات شراء الحرير القادم من الصين والبهارات الآتيه من الهند والسجاد العجمي من إيران وغيرها من البضائع حيث كانت حلب المركز التجاري الهام بين اوروبا والشرق وهذا الخان مازال قائمآ حتى الآن.
البندقيه مدينه تختلف عن كل مدن العالم تمتاز بأقنيتها المائيه
والجندول المتميز بسحره ليلآ على انغام جيتار صاحبه.
كان في بادوفا أعدادآ غفيره من الطلاب السوريين والعرب وكنا نعرف بعضنا جميعآ, إلا أن معظم الطلاب الأجانب كانوا من أفريقا السوداء يدرسون اللاهوت والسياسه والآداب الأوربيه، وكلهم يتلقون منحآ دراسيه من الفاتيكان فهم ثروتهم للمستقبل، حيث كانوا يزرعونهم بعد إنتهاء دراستهم في المناصب التي تخدم مصالحهم.
في صيف 1963 قررت مع بعض الأصدقاء تمضية إجازتنا في أوروبا على الدراجات الناريه الإيطاليه المعروفه بإسم لمبريتا كان مجموعنا 6 على 3 دراجات ناريه املك إحداها أتعاون مع أحد الأصدقاء عل قيادتها, دخلنا سويسرا من مدينة الكومو الجميله ببحيرتها الرائعه لم يكن في سويسرا اوتوستراد نظرآ لطبيعتها الجبليه وكانت السواقه متعه في هذه الطرق الملتويه، وصلنا لوزان واقمنا في بيت الشباب وقضينا يومنا في هذه البلده الجميله ثم إنطلقنا إلى جنيف وقضينا يومآ أخر هناك ومنها إلى العاصمه برن كنا نشاهد في طريقنا شبابآ يتنقلون بطريقة الأوتوستوب, كانوا يبدأون رحلتهم من أقصى شمال أوروبا إلى سواحل إيطاليا الجنوبيه بهذه الطريقه دون مشاكل تذكر، أما في أيامنا هذه فصارت هذه الطريقه من مخلفات الماضي حيث لا تستطيع اليوم ان تثق بأحد ولن يحملك أحد ولو كانت براءة الأطفال في عينيك.
في إتجاهنا الى العاصمه برن كان صديقي يقود الدراجه الناريه ، وقبل وصولنا إلى العاصمه بعشرين كم فقد صديقي توازنه وانحدرت الدراجه إلى واد صغير يمر منه قطار أصطدمنا بسكة القطار وأصبت بضربه قويه على رأسي جعلت الدماء تنهمر كالشلال كلما أحاول القيام أسقط على الأرض ثانية والشرر يتطاير من عيني أما صديقي فلم يصب بأي اذى الا أنه كان في حالة صدمه, كان الوضع صعبآ كفلم سينمائي, السيده المشرفه على هذا التقاطع كانت قد أغلقت الحاجز لإيقاف حركة السيارات والسماح للقطار بالعبور وهي تولول من الفزع ولا تدري ماذا تفعل وصفيرالقطار يسمع بوضوح وهو يقترب، والدراجه ملقاة على سكة القطار وأنا أقوم وأسقط على سكة القطار كالفرخة المذبوحه واصدقائى الاربعه الأخرين يهرعون لنجدتي وصديقي يهيب بهم أن يسرعوا، وصل الأصدقاء قبل وصول القطار بلحظات قليله وبسرعه أزاحوا الدراجه من فوق سكة القطار وحملوني بعيدآ خطوات معدوده ومر القطار بسلام ثم جاءت سيارة إسعاف وحملتني إلى المستشفى، كانت الساعه حوالي الخامسه عصرآ ومن لطف الله سبحانه وتعالى تواجد ثلاث أطباء متخصصين في جراحة الرأس على غير المألوف في مثل تلك الساعه، فأجروا لي عمليه كانت حصيلتها ثلاثين قطبه في فروة الرأس دون كسر والحمد لله، قال لي الطبيب بعد سبعة أيام تقريبآ حيث بدأت أسترد عافيتي قال لقد كانت جمجمتك صلبه كلإسمنت المسلح, عظم رأسك أنقذك من كارثه كبيره وهنا احب أن اعتذر من الحكام العرب لصلابة رؤوس شعوبهم صحيح انكم تبذلوا جهدآ كبيرآ في تكسير هالرووس بس, والله هالشغله ماهي بإيدنا، الله خلقنا هيك رأسنا صلب.
إنتهت هذه المحنه بلا مضاعفات وحمدت الله على ذلك. إقامتي في إيطاليا لم تنسن الوطن وكنت أتابع أخباره عن طريق راديو صغير من ماركة فيليبس، في يوم 8 آذار/ مارس 1963 قامت حركه إنقلابيه ضد ما كان يسمى بحكم الإنفصال كان الإنقلاب متوقعآ فلم يكن الوضع مستقرآ وبتحريضات خارجيه كان يتظاهر المعلمون مطالبين بزيادة رواتبهم فيستجاب لطلبهم،ثم يتحرك العمال لتحسين شروط معيشتهم فيستجاب لطلبهم وهكذا، ولا ادري لماذا لم تطالب هذه الجموع بتحسين أوضاعها قبل أشهر معدوده أيام حكم الوحده ؟ أم أن هذه الجموع إكتشفت فجأة سوء أوضاعها في عهد الإنفصال ؟
كان الإنقلاب ذو واجهتين، الواجهه الأولى ناصريه تريد إعادة الوحده فورآ ومن قياداتها الفريق لؤي الأتاسي واللواء زياد الحريري، والواجهة الثانيه كانت بعثيه ومن ضباطها الفريق أمين الحافظ وصلاح جديد وبدعم من الأمين العام للحزب ميشيل عفلق، بعد مرور أشهر معدوده إستطاع حزب البعث أن يسيطر على الأمور ويبعد الناصريين عن المشاركه بالحكم. جرى بعدها جولات من المناقشات في مصر لإعادة الوحده بطريقه مختلفه عن سابقتها وبنفوذ أكبر لحزب البعث إلا أن نتائج الإجتماعات باءت بالفشل، وعاشت بعدها الدولتان الشقيقتان مرحله مؤلمه من المهاترات.
بدأ النظام الجديد يبحث عن رجل عسكري يتمتع بالصرامه والقسوه ليقوم بمهمة ضبط الأمن وتخويف المعارضين في هذه المرحله من بداية الحكم فوجدوا ضالتهم بالعقيد أمين الحافظ، الرجل من مواليد حلب لعام 1911 ومن عائله حلبيه معروفه تسكن في منطقة البياضه التاريخيه داخل منطقة السور قريبآ من حارة بيت جدي، بدأ حياته معلمآ إنتسب للكليه العسكريه ثم عين ملحقآ عسكريآ في الأرجنتين في عهد الإنفصال،وكما هو معروف كانت الأرجنتين تغص بالمهاجرين السوريين واللبنانيين حيث بدأت هجرتهم في بدايات القرن العشرين, وهناك تعرف على رجل أعمال كبيرعرفه العرب بأنه سوري الأصل هاجر أبوه إلى الأرجنتين منذ فتره طويله إسمه جميل أمين ثابت، توطدت العلاقه بينهما دون أن يكتشف أمين الحافظ أن الرجل لم يكن سوى الجاسوس كوهين من أصل مصري زرعته المخابرات الإسرائيليه بين افراد الجاليه العربيه في الأرجنتين ولما أستدعي أمين الحافظ في بداية حكم حزب البعث ليتقلد مقاليد وزارة الداخليه، أحضر معه السيد أمين ثابت الذي عزز علاقته مع شخصيات سوريه كبيره وخاصة بعد أن إستلم الفريق أمين الحافظ رئاسة مجلس السياده وهي أعلى سلطه سياسيه، لاشك في تلك الفتره قدم كوهين معلومات قيمه لإسرائيل عبر جهاز لاسلكي يعمل على كهرباء المدينه، إكتشف أمره بعد أن أختلطت أشارات بثه مع إشارات بث السفاره الهنديه لوزارة خارجيتها، تم تحديد مكان البث عن طريق آليتين وضعتا في مكانين متقابلين كانتا ترسلان إشارات تصبح هذه الإشارات قويه كلما كانت على منحي جهاز البث, وبتقاطع الإشارتين المنبعثتين من الآليتين يتم تحديد إحداثيات جهاز البث بدقه، وكل ماذكر من روايات اخرى لم تكن ترقى لصدقية هذه الروايه حيث ان المصريين كان لهم روايتهم ايضآ وكان الغرض منها إظهار قوة مخابراتهم ونفوذها.
إلقي القبض عليه من قبل مجموعه يقودها اللواء عبد الكريم السويداني حوكم من قبل حاكم عسكري اللواء الضللي وعضوية الرائدين رباح الطويل وسليم حاطوم، وقيل يومها أن هذه المجموعه كانت من أصدقاء السهر والليالي الحمراء، حكم بالأعدام وأعدم في يوم 18 أيار مايو 1966.
أثناء تولي أمين الحافظ لوزارة الداخليه قام بإرهاب الشعب، كان يحب أن يخاطب ب أبو عبدو حيث كان يعتقد أن هذه الكنيه لها وقع مخيف على الشعب فهي رمز للقبضايات, اشتهر بالقسوة في معاملة معارضيه سمعت له خطبه كان يلقيها في مدينة إدلب يخاطب الناس الذين جمعوهم له، قال في معرض تهديده لخصومه: سأقطع أيديكم وأرميها للكلاب فإن الأمهات تلد منكم كثيرآ.../ هل يوجد أفضل من ذلك لإسرائيل، أقول للسيد الفريق المقيم حاليآ في حلب ردآ متآخرآ جدآ، عساه أن يقرأ محطتي هذه: لا ياسيادة الفريق، أمهاتنا من أشرف الأمهات وهن رضعن حليبهن مع أسماء، وبنت الأزور والخنساء وأولادهن أكثر الناس حبآ وتضحية للوطن. أيها الإخوه والأخوات قبل مغادرة هذه المحطه والتي إسترحنا فيها طويلا، كان لابد من إيجاز التطورات التي أعقبت حكم الفريق أمين الحافظ.
قاد صلاح جديد انقلاب 23 شباط 1966 الذي عزل أمين الحافظ من رئاسة الجمهورية السورية وأتى بنور الدين الأتاسي كان الأتاسي لعبة العسكريين المتنفذين وضحيتهم ايضآ. عين نور الدين الأتاسي رئيساً للدولة في عام 1966 أرسل القوات السورية إلى الأردن لدعم الفدائيين الفلسطينيين - وسأتوقف عند هذه الأحداث والتي تعرف بايلول الأسود في محطه قادمه إنشاء الله - أزيح من منصبه وسجن بعد الإنقلاب الذي قاده الفريق حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970, أطلق سراحه عام 1992.
أيها الإخوه والأخوات موعدنا مع محطه جديده وإلى اللقاء...
مع تحياتي