تقديم: معجم تراجم شعراء ديوان الحماسة وتفسير معاني أسمائهم
بقلم: الأستاذ الدكتور عبد الحق حمادي الهواس/
أستاذ الأدب الجاهلي في العديد من الجامعات العربية
* * (1) * *
وأحمد الله على نعمائه، وأصلي وأسلم على حبيبه ومصطفاه، محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين وبعد..
بدايةً أودُّ أن أشير إلى غنى التجربة الأدبية والفكرية للأستاذ عيسى حسن الجراجرة، سواء على مستوى الرؤية الإبداعية، أو على مستوى البحث والدراسة الأدبية، ذلك لأني أجد أن تجربته الأدبية والفكرية الإبداعية، غنية بموضوعاتها ممتدة في زمانها ومكانها، ومتشعبة في ميادينها ومحيطة بأهدافها ووسائلها وريادية في موضوعاتها وتجلياتها الإبداعية والبحثية، سواء بسواء.
وقد أنجز الأستاذ صاحب:((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أسمائهم))، الأستاذ عيسى الجراجرة، حتى اليوم سبعة وعشرين مؤلفاً منشوراً،ً إضافة إلى أربعة من المعاجم في طريقها إلى النشر، غير هذا الكتاب، الذي بين يدي القراء، كما أنجز الباحث العديد من الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، في المجلات المحكمة وغير المحكمة. وما تزال جذوة الإبداع والعطاء في ذاته متوقدة ومتعددة في إبداعاتها في جميع المجالات الأدبية والفكرية والإبداعية.
ويلاحظ الباحث المتفحص لمنجزات الأستاذ الجراجرة الأدبية والفكرية والإبداعية، إلى إنه لم يكن يختار من الموضوعات السهل القريب، والمطروح المعروف، بل يختار الصعب الشائك والمبهم والذي يحتاج إلى عمل دؤوب موصول بدأب وجلد شديدين، واطلاع واسع، ونظر ثاقب.
* * (2) * *
والكتاب المعجمي الذي بين أيدينا ((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أٍسمائهم)) واحد من الأمثلة والنماذج الطيبة على ما يختار الأستاذ الجراجرة من أبحاث فكرية وأدبية ودراسات وأبحاث علمية لينجزها في كتاب واحد.
ومن صفات الباحث وشمائله وعاداته في البحث والدراسات التي يتصدى للقيام بها، أنه يحيط بموضوعه من جميع جهاته وأوجهه المختلفة، ويأخذ بالموازنة بين الآراء وأساليب البحث والدراسة، ليرسم خطه الفكري، الذي يمكن أن يقود إلى الرأي الراجح في نظره. وذلك من خلال منهجية علمية صارمة، في الجمع المستقصي، والبحث المتأني لمادة الدراسة أو الكتاب، الذي يؤلفه لاستخراج النصوص من مصادرها الأصلية ومظانها الرئيسية.
ويجد الباحث المتفحص كذلك أن جهود الأستاذ الجراجرة الأدبية والفكرية، تتوزع على ميادين ومجالات متعددة في الأدب والفكر واللغة والتحقيق والبحث والدراسة وغيرها.
* * (3) * *
وقد حفل الكتاب الجديد للأستاذ الجراجرة: ((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أٍسمائهم))، بملاحظات نقدية وفنية عميقة، تنم عن وعيٍ عميق بالأدب القديم والحديث، وإدراك لرسالته، عندما انطلق في تقييمه للشعراء، وفي إصدار معظم أحكامه عليهم، من أسس تجمع بين أسس النقد القديم، التي تنحاز للفظ الجزل، واللغة المتينة، والأسلوب الفخم، المتسم بعمق المعنى. رابطاً ذلك بالحياة والمجتمع والأحداث، مقدماً آراء سديدة في سيرة هؤلاء الشعراء.
وهو في سرده لسير الشعراء، مشرق العبارة، ناصع البيان، متسلسل الفكر، قريباً إلى الفهم، خفيفاً على النفس، ليسره ووضوحه، فهو يخاطب بعقله ووجدانه عقول ووجدان قارئيه وسامعيه، ليبلغ غايته القصوى في التوضيح والإفهام. وكل ذلك لأن الباحث الجراجرة يكتب ويعبر من أعمق أعماق حشاشة قلبه، ومن لباب ذوب نفسه.
* * (4) * *
يقال: إنه لكل أمةٍ متنبيها وشاعرها المتميز، فإذا كان أبو الطيِّب المتنبي: أحمد بن الحسين، هو شاعر العربية من غير منازع، فللإنجليزية شكسيبير، وللألمان غوته، وللأسبان سيرفنتيس، وللفرنسيين موليير، وللإيطاليين دانتي، وللروس بوشكين.
ولكل أمةٍ كذلك رمزها الإبداعي الذي عايشها، والذي جاء بعده المئات من الشعراء والمبدعين ولكن صوت هذا المبدع، وهو هنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، والذي ما انفك يدوي بلا انقطاع في سمع الأجيال بعد الأجيال، وعلى مرِّ العصور والدهور، رغم تعاقب الأحداث ومرور الأيام، وتتابع الشهور والسنوات.
ويكاد يكون أبو تمام: حبيب بن أوس الطائي، هو الظاهرة الفريدة في الأدب العربي، التي تركت وراءها كل هذا الضجيج والشهرة والإبداع، والذي امتدَّ الاعتراف به والإشادة بحماسته الفريدة حتى عصرنا الحاضر. ولم يكن بمقدور أية ظاهرة إبداعية في الشعر والمختارات الشعرية، غير ظاهرة إبداع أبي تمام في شعره ومختاراته، أن تبقى وتخلد، عبر كل المحطات الأدبية، وأن تشغل الناس كما شغلتهم ظاهرته، فاتفقوا واختلفوا فيه وفي شعره ومختاراته.
وتميز أبو تمام بأنه أول شاعرٍ مجيدٍ مبدع يصنع مجموعة مختارات شعرية بديعة، هي ما سماه ديوان الحماسة، والذي تتابعت بعده، وعلى مثاله ونحوه الحماسات، للبحتري والخالديان وابن الشجري وأبو هلال العسكري والأعلم الشنتمري والبياسي الأندلسي وغيرهم كثير كثير.
* * (5) * *
إن كتاب ((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أسمائهم))، للباحث عيسى الجراجرة، يشكل سفراً جديداً متميزاً، يضاف إلى ما سبق من بحوث ودراسات متميزة، تناولت ديوان حماسة أبي تمام بالبحث والدراسة، والذي ما زال صوته وإنجازاته تدوي في أسماع الباحثين والشعراء العرب ووجدانهم، على مرِّ العصور والأجيال. ولا أخال أن صوت أبي تمام سينقطع عن الدوي والتأثير مع الأيام مهما ابتعدت أجيال الإبداع العربي عن زمن ظهور هذه القمة الشامخة، والعلامة الفارقة في أدبنا العربي القديم.
فهذا الكتاب، أقصد كتاب: ((ديوان حماسة أبي تمام))، هو كتاب: جمع بين دفتيه من الفوائد الشعرية والأدبية، ما يفرح قلب القارئ، ويشفي غِّلة الباحث، ويلبي حاجة الطالب والدارس.
وعندما دفع إليَّ أخي الباحث الجاد النابه الأستاذ عيسى الجراجرة كتابه : ((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أسمائهم)) أي حماسة أبي تمام ما غيرها. كان السؤال يستطيل أمام ناظريَّ وخاطري: ما عساه صنع؟؟؟ وماذا قدم من جديد؟؟؟ وأية مادة علمية قد سطرها تحت هذا العنوان؟؟؟
* * (6) * *
وما أن بدأت قراءة هذا الكتاب، حتى توضحت لي أهمية هذا السفر، وتبين لي: إن هذا الكتاب، أقصد كتاب: ((معجم تراجم شعراء الحماسة وتفسير معاني أسمائهم))، للباحث عيسى الجراجرة، هو كتاب: جمع بين دفتيه كذلك من الفوائد ما يسعد قلب القارئ العربي، ويفرح فؤاد الباحث، ويلبي حاجة الطالب والدارس. كما تنين لي بوضوح ما بعده وضوح: جهد المؤلف الرائع في تأليف كتابه، ودقة عمله في الانتقاء والتبوبب والترتيب. فقد توافر لهذا الكتاب المعجمي ثلاث من المميزات والخصائص ارتفعت به جميعاً إلى مصاف أمات الكتب العلمية في البحث والدراسة وهي:
** أولاً: منهجه، إذ اتبع فيه الباحث الترتيب المعجمي الألف بائي الهجائي. وقد راعى في ذلك شهرة الشاعر، إن في اللقب أو الكنية، أو في اسم الشهرة، الذي غلب على الشاعر، واشتهر وعرف به. فكان الباحث لا يألو جهداً في الإشارة والإحالة، وإرشاد القارئ إلى المكان المترجم به، لذلك الشاعر أو لذلك العلم من الأعلام، من خلال تكراره الإحالة والإشارة لذلك الشاعر أو العلم في غير موضع، كلما تكرر ورود اسمه أو لقبه أو كنيته أو اسم شهرته.
** ثانياً: المادة العلمية: فقد جمعها الباحث من المظان المتعددة للحماسات المختلفة والمتعددة، ووحدها بأسلوبه العلمي الرائع الصارم، مع الإشارة إلى الزيادة والتفرد في مادة كتابه، عند الترجمة لبعض الأعلام دون بعضهم الآخر.
** ثالثاً: وليس هذا وحده، الذي يميز هذا الكتاب المعجمي، فالباحث لم يركن إلى هذه المظان، على كثرتها وتعددها، وإنما اتكأ على ثقافته الأدبية والمعرفية الواسعة، ومخزونه الثقافي، في تغليب بعض الآراء وجهات النظر، والتعمق بشرح ما يحتاج لشرح من معاني أسماء الشعراء والأعلام، وفي الرجوع إلى ما قيل في الموضوع، وتصويب ما يحتاج إلى تصويب وتصحيح. وقد انسحب عمله على الوقوف الطويل المتأني، على مختلف الآراء الأدبية والنحوية والعروضية، مطيلاً البحث والدراسة حول الآراء المختلفة جميعها، ومسترشداً بأكثر من حجة ورأي ومرجعٍ في تقرير صحة ما يراه منها.
ولم يكتفِ الباحث بآراء القدامى وتقديمها، بل راح يبحث في آراء المحدثين والمعاصرين، وما استجد من آراء مختلفة، ودراساتٍ وأبحاث جديدة، واكتشافات أدبية حديثة، تغني البحث والدراسة، وتسد حاجة القارئ الكريم، فيما يطلبه ويصبو إليه من معرفة ومعلومات.
* * (7) * *
فالكتاب لم يكن عملاً جمعياً يرتب الباحث المادة فيه، ويصنفها ويقدمها للقارئ تسهيلاً له وإرشاداً إلى ما يريده منه، وإنما أضاف عليه فوائد تمس جوهر المادة في التصويب والتصحيح والتنقيح والإغناء، وفي تتبع ما قيل وما استجدَّ من أبحاث ودراسات العلماء والباحثين في واحدة من تلك القضايا التي بحثها المؤلف في الكتاب.
وكذلك فإن العملَ في مثل هذا الكتاب، يتطلب إلماماً عميقاً بالعلوم الإنسانية المختلفة، والأدب والتاريخ والعلوم اللغوية، كما يحتاج إلى ذوق أدبي رفيع، وثقافة واسعة في التعامل مع موضوع الكتاب، وأسلوب موضوعي، لا بل موغل في موضوعيته، وهذه المتطلبات كلها، تنسجم تماماً مع شخصية الباحث الأستاذ عيسى الجراجرة العلمية، كما تنسجم بالكامل مع أسلوبه في إعداد الدراسة في هذا الكتاب المعجمي أولاً،وفي طريقته في منهجية المادة العلمية والدراسية في الكتاب ثانياً.
فإذا ما وضعنا هذه المقاييس العلمية، والمعايير الموضوعية، وأخضعنا عمل الباحث لها، نرى أنه قد أحكم صنع كتابه، وتدبر أمره على خير وجه، ووفق في غايته غاية التوفيق، ولم يترك شاردة أو واردة أو غريبة أو مسألة معقدة، أو قضية واردة وفيها رأي أو نظر، إلا وعالجها وهيأ سبل الوصول إليها دونما تكلف أو تعقيد.
فالكتاب سهل المنال، مطواع لقارئه، متعدد الفوائد، يرى فيه أصحاب الاختصاصات المختلفة ما يتصل باختصصاتهم العديدة، مثلما يلبي حاجة العالم الموسوعي لمن أراد إلى ذلك سبيلا.
* * (8) * *
لقد كان لي شرف الإشراف اللغوي والمراجعة العلمية لمواده ومباحثه، وبقدر ما بذلت فيه من جهد، كانت فائدته لي كباحث أكبر، فقد قدم لي هذا الكتاب أكثر من ظني به في أول الأمر، وغدا الكتاب عندي مبعث سروري، ومثار آمالي في أن يأخذ طريقه إلى النشر سريعاً، ليصبح في مكتبتنا العربية لبنة متينة في جدارها الشامخ، ومورداً بالغ العذوبة لكل من به ظمأ شديد إلى المزيد من الجهد في بعث كنوز تراث أمتنا الخالد. ودعائي إلى الله العزيز القدير أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يضعه في ميزان أعمال الباحث وأن ينفع به أمته.
عمان في 4 / 4 /2004م.
الأستاذ الدكتور عبد الحق حمادي الهواس