قراءة لرواية :
مجرد لعبة حظ
لإبراهيم درغوثي

محمد بوحوش / تونس


هذه الرّواية العذبة ' مجرّد لعبة حظ ' لكاتبها إبراهيم الدّرغوثي ، تخرق كلّ السّـنن الرّوائيّـــة المتعارف عليـــــــــــها وفي مقدّمتها الشّكل حيث وردت في صيغة حواريّة بين شخصيتيـــــن رئيسيتين 'فائز وبثينة' لكنّـــها لم تخل من تعـــــدّد الأصوات والضّمـــائر والشّـــخصيـــــــات.
وهي رواية تقع في زمن انسيابي مسحور، حيث يتداخل الماضي البعيد والحاضر في طرافــة خلاّقــة وقد استفـــادت من ثلاثة مقوّمات : مغامرة التجريب ، استلهام التّـــراث ، وتوظيــــف التّـــــــقنـيات الرّوائية الحديثة . كما اعتمدت فنـّيا عــلى الاستعارة والانزياح والتخييل . فهـــي رواية التّعالق النصّي مع الموروث الشّعريّ والاستعارة الموسّعة لقصّة حب قديم بين جميـــــل وبثينة . وهي تريد أن تقـــول الحاضر باستعادة الماضي أوالتّاريخي وتحريفه عن دلالاتــــــــه الأصليّة في صيغـة تعتمد سيولة الشّطح التخييلي واللّغويّ ، والانزياحــــــات الدّلالية والتّـداخل بين الأزمنـــــــة والأمكنـــــة والشّـــخصيات والموضوعات . فمحورها علاقـــة عشقيّـــــة ذات مكوّنين : علاقة بثينة بجميل تبدأ بحــــــــبّ عذريّ وتنتهي بدراما القتــل ثمّ علاقة بثينة بفائــز التي تنتهي بالخيانة والانتقام .
لقد استعاد الكاتب موضوع الحبّ العذريّ بما يتّسم به من طهارة وعفّة وأصالــة ليحرّفــــــه فيصبح حباّ لاعذريّــــــا وينزاح به إلى حبّ في الزّمن الحاضر بين فائز وبثينة
فتتشابك العلاقات القائمة على القيم الماديّة والمنافع والتّناقضات والمال ..
إن هذه الرّواية وهي تعاود بحنين سرد قصّة حبّ تراثيّة ، باستدعائهـا من التّاريخ القديم تريـــد أن تقـول الحـــاضر بتناقضاته وعبثيّته وتراجيديته حيث تصبح بثــينة عرّافة وماجنــــــــــة في الفنـــــــــادق والملاهي وتصبح الحيــاة لعبـــــة ورق محكومة بالحظّ والقدر .
تتفوّق هذه الرّواية بتقنياتهـا ومسعاها التّجريبي إذ تعـمد إلى ترادف الأجنــــاس بتوظيــــف الشّـعر والسّيـرة والحكايـــــة التراثيّة والمقامة وضروب شتّى من الخطابات المتداخلة فضـــلا عن تعـــــدّد أساليب السّرد والضّمائر والأصداء المختلفة لنصوص أخرى .
لكنّها تضعنا أمام أسئلة محيّرة من حيث إطنابها في سرد سيرة المكان- وهو مدينة الحمّامات - وفي تناولها لقصّـــــة حبّ عذريّ والعدول به إلى دلالات أخرى منحرفــة ، فضلا عن سيولة الشّطـــــــح التّخيـيلــي واللّــــــــغويّ الذي اعتمده كاتبها ممّا جعل الموضوعات تترافد لتصبح مجــــرّد جـذاذات ولوحات ورؤى خاطفة .