نقابة الصحفيين المصريين وتشويه التاريخ

كريم رمضان


أقامت لجنة الشئون العربية بنقابة الصحفيين المصريين حفلا في ذكرى معركة رأس العش وبداية حرب الاستنزاف كرمت من خلاله البطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم احد رجال الصاعقة المصرية.

كنت ولا ازال غير متحمس لحضور حفلات من هذا النوع التي يكتفى فيها بكلمة لا معنى لها من مقدم الحفل ثم عملية التكريم التي لا تتجاوز الدقائق ثم تطفئ انوار القاعة استعدادا للحفل الفني! في الوقت الذي تكتشف فيه ان معدة الحفل قد غادرت المكان.

هذة ليست المرة الأولى التي احضر فيها حفلا كهذا اقامته هئية ما لتكريم شخصية اختصرت فيها التاريخ كله، ويبدو أن هذة عادة مصرية صميمة فالممثل (س) هو في نظر الإعلام النجم الأوحد والمطرب (ص) هو استاذ الجيل ولاعب الكرة (ع) هو رمز الكرة المصرية .... الخ

لا ازال اتذكر كلمات اللواء طيار محمد عكاشة ، قال لي ان حرب أكتوبر كانت ايام السادات هي "قرار" الحرب بينما بعد وفاة السادات اصبحت هي "الضربة الجوية"!، هكذا بكل جراءة يتم اختصار هذة اللوحة العبقرية في ان الفرشاة كانت رائعة فحسب فتصبح حرب بهذة العظمة مجرد قرار، ثم تنحصر بعد ذلك لتصبح ضربة جوية وكأن ما حدث بعدها كان مجرد تحصيل حاصل، ويستدرك اللواء عكاشة فيقول: لو ان الرئيس التالي من سلاح الشرطة العسكرية فسيصبح الانتصار الذي حققناه مجرد ثمرة لحسن تنظيم المرور!

الحفل الذي اقامته لجنة الشئون العربية وهي لجنة لا اعرف كنهها حقيقة ولا القائمين عليها، كان كغيره من الحفلات المماثلة التي حضرت بعضها والتي ترتكز على تكريم شخصية واحدة او شخصيات عدة وتنسب اليهم الفضل كله، انا لا اعرف البطل عبد الجواد سويلم وكانت هذة هي المرة الأولى التي التقيه فيها فضلا عن انني لا اجد اسمه بين من شاركوا في معركة رأس العش، حقيقة ليس لدي اعتراض على تكريم الرجل وهو قد فقد نصف جسده تقريبا في الحرب لكن ما اعترض عليه وبشده هو ان نختصر المجهود والتضحيات التي بذلها الالاف في شخص واحد ايا كان.

لا يمكننا ان نكرم في شخص الرجل آلاف من المقاتلين الذين بذلوا جهودا اضخم واعمق لمجرد انهم عادوا منها بدون ان يفقدوا ايا من اعضائهم، لقد سبق لي وقابلت عدد من الرجال كلهم بلا استثناء خاضوا معارك لا يمكن تصورها، بعضها نشرت قصته والكثير لم تتح لي الفرصة لنشره بعد، لكن اود ان اقول ان هؤلاء جميعا كانوا صحيحوا الجسد وكانت لياقتهم البدنية وهم يفوقونني عمرا بكثير افضل مني انا شخصيا، احدهم على سبيل المثال كان عضوا في المجموعة 39 قتال وعرفت انه خاض 46 عملية خلف خطوط العدو وهو – متعه الله بالصحة والعافية – افضل مني لياقة ثم اكتشفت انه يقترب من عامه السبعين!

لقد ساءني ان يتقدم رجل واحد للتكريم ويظل رجال آخرون يستحقون التكريم واكثر جالسون في الصفوف الأولى يكتفون بالتصفيق ، انا اعلم علم اليقين ان احدا من هؤلاء لا يسعى وراء التكريم ولا يريد جائزة من أحد لأن جائزته الكبرى ليست في هذا العالم لكن احدا مهما كان مخلصا لا يحب ان تنسب اعماله الى غيره.

يكفي ان اذكر ان الصف الأول من القاعة التي كانت فارغة للأسف دليل على سوء تنظيم الحفل وعدم بذل اي مجهود للدعاية اليه، حتى انا عرفت عنه بالصدفة البحتة، اقول ان الصف الأول كان يمتلئ برجال عظام يمكنك ان تقبل اياديهم سواء من المجموعة 39 قتال او غيرهم.

فإذا كنا نبتغي تكريم من قاموا بعملية رأس العش فلماذا لم يحضروا الاحتفال واسماؤهم معروفة ويمكن الوصول اليهم ببعض الجهد، اما إذا كان الغرض هو تكريم شخص بعينه فلماذا لا يُكرم آخرون بذلوا مثل ما بذل وضحوا مثلما ضحى هو واكثر؟

اخيرا، يبدو ان صناعة التاريخ ورواية ما حدث على الجيل الجديد لاتزال مهمة لا يمكن تركها في يد من لا يمكنهم استيعاب اهمية التاريخ وتأثيره ولا من وقعوا اسرى للتنظيم التلفزيوني الأجوف الذي يختصر كل الأحداث الهامة في مجرد حفل فني لا يصفق له أحد!

عن موقع المؤرخ(نشرت في 2 تموز 2009)