القهوة: من اليمن السعيد إلى العالم الجديد
هذا المشروب المحبب إلى النفس الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية..
وبات يعتبر ضرورياً لترويق المزاج..
وأصبح رمزاً للترحيب بالضيوف والتأهيل بهم..
لأجله صُنعت الدلال والفناجين ذات التصاميم الأنيقة..
وكذلك المطاحن اليدوية والآلية بعد أن كانت المحمصة أو (المحماس) الأداة التقليدية لتقليب حب البن أثناء تحميصه حتى يصبح بنياً تعبق رائحته الطيبة في الجو، مبشرة بفنجان أو فناجين من قهوة عربية أصيلة تنعش الذوق.
لم تكن القهوة معروفة في أوروبا قبل القرن السابع عشر، مع أنها كانت مشروب عِلية القوم قبل ذلك بقرون في كل من اليمن السعيد وأرض النجاشي ملك الأحباش.
لا نعرف متى بدأ شرب القهوة، وهناك حكايات كثيرة تدور حول اكتشاف شجرة البن. إحداها تقول أن بعض الرهبان المسيحيين فرّوا من الاضطهاد في القرن الثالث الميلادي إلى براري الحبشة. وكان عندهم قطيع من الغنم والماعز يرعى في الروابي والتلال المجاورة. وذات ليلة جاء أحد الرهبان الموكلين برعي القطيع مهرولاً إلى رئيس الرهبان وهو يصيح: "لقد انسحر القطيع يا أبتِ!"
قال ذلك لأنه رأى الماعز والأغنام وهي تنطط في عز الليل وكأنها تحت تأثير قوة غريبة.
انطلق باقي الرهبان على الفور ليتأكدوا بأنفسهم من الخبر فوجدوا القطيع منهمكاً بقضم أوراق شجر البن البري. في تلك الليلة مضغ صاحبنا رئيس الرهبان بعض حبات بُن فطارَ النوم من عينيه وظل ساهرا حتى الصباح يرعى النجوم والقطيع معاً.
لا نعرف بالضبط كيف توصل الإنسان إلى تحضير القهوة عن طريق تحميص الحبوب وسحنها وغليها وشرب خلاصتها. لكن من المرجح أنه عرف ذلك منذ القرن الخامس عشر.
في بلاد العرب اختلفت الآراء حول شربها وتم تحريمها في فترة من الزمن.
ومع حلول القرن السابع عشر غزت القهوة القارة الأوروبية فانتشرت المقاهي في كل مكان حيث كان الخلان يجتمعون لاحتساء فنجان من ذلك المشروب الشرقي الغريب ولتجاذب أطراف الحديث مع الرشفات.
تم افتتاح أول مقهى في بريطانيا في منتصف القرن السابع عشر. ويقال أنه في أيام العز.. أيام تشارلس الثاني والملكة آن كانت المقاهي الأماكن المفضلة لملتقى الشعراء والسياسيين ومروجي الدعايات ومحبي القيل والقال.
مقهى ويلز كان المكان المفضل للشاعر جون درايدن John Dryden حيث كان يتكئ على كرسيه المريح ويشرع بالدردشة ورواية الملاحم التاريخية شعراً ونثراً.
طبعاً الملك لم يكن مرتاحاً لهذا المشروب الجديد الذي ما أن يدور في الرأس حتى يستحث ويستحدث أفكاراً جديدة كانت مبعث قلق لجلالته لأنه كان يعاني من حساسية مفرطة إزاء تلك الأفكار. لكن عادة شرب القهوة عمّت القارة الأوروبية وغزت من بعدها القارة الأمريكية بطولها وعرضها.
في الماضي كانت زراعة البن مقتصرة على بلاد العرب (اليمن والحجاز)، ولغاية القرن السابع عشر لم يشرب الأوروبيون سوى القهوة العربية، أو بُن مخا من أرض اليمن السعيد، التي ما زالت محتفظة بشعبيتها في الغرب حتى اليوم.
بعدها أصبحت أشجار البن تزرع في جاوة وسيلان ثم في جمايكا وفي العديد من بلدان العالم الجديد.
القسم الأكبر من البن العالمي يتم إنتاجه اليوم في البرازيل حيث مزارع البن الواسعة في مقاطعة ساو باولو.
بعد البرازيل تأتي كولومبيا من حيث الإنتاج، ثم المكسيك وغواتيمالا.
ينمو شجر البن في المناطق الاستوائية أو شبه الاستوائية، ويناسبه المرتفعات الجيدة الري. شجرة البن دائمة الخضرة ويبلغ ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى ستة أمتار إن هي تركت دون تشجذيب أو تشحيل. لكن المزارعين يحاولون إبقاءها عند ارتفاع معين ليتمكن العمال من جني الثمر دون الاستعانة بالسلالم.
أوراق شجر البن طويلة وصقيلة أما الزهور فبيضاء وعطرية. الحبوب تكون أول ما تكون خضراء اللون ثم تتحول إلى صفراء وأخيراً إلى حمراء بلون الكرز.
عندما تنضج الحبوب يتم قطفها أو هزها كي تسقط على الأرض، ثم تجفف لاستخراج البن منها. يتم تصنيف البن بحسب حجمه ثم يوضع في أكياس قصد التصدير.
والسلام عليكم
المصدر: موسوعات
الترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.محمد فتحي الحريري
المفضلات