براءة صدام حسين والسقوط الاخلاقي لاعداء العراق والامة

د. مثنى عبد الله

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
تبقى الحقيقة عصية على التغييب، مهما أوتي المزورون والموتورون من القوة ورباط الخيل الذي يرهبون به أبناء الامة، لتحقيق مصالحهم وأهدافهم في قيام عالم خال من أسلحة الارادة المستقلة، وبناء الامكانات الذاتية، والاستغلال الوطني للثروات الطبيعية والبشرية، وتحكمه الشركات الاحتكارية، وقوانين العولمة، وأقتصاد السوق، وهم لايتوانون من اجل تحقيق ذلك في جعل شعوب كاملة وقودا لانضاج طموحاتهم، وتدمير كيانات دولية مستقلة خدمة لاهدافهم . أنها أوهام الاقوياء الذين رانت على عقولهم أحكام القوة، فغابت الحكمة من الرؤوس، فأستحالت قوتهم الى قوة غاشمة تأكل الحق بأسم الحرية وتستعمر البلدان بأسم التحرير، وتستعبد الشعوب بأسم الديمقراطية، وتنهب الثروات بأسم الاستثمار، وتسلط القتلة واللصوص والمأجورين بصفة حكام ونواب، لكن منطق التاريخ يسير بعكس أتجاهاتهم، وحتميته قادرة على رفع الاقنعة عن وجوههم الكالحة، فيميط اللثام عن الحقيقة، بعد أن توهموا بأن مصير الشعوب لاثأر له .
لقد أزال توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، بتصريحاته الاخيرة، مساحيق الشرعية الدولية الزائفة، والارادة الكونية الكاذبة عن وجهه، ووجه شريكه في جريمة العصر بوش، تلك التي تبجحا بها في غزوهما للعراق، معترفا بان أسلحة الدمار الشامل التي دخل بها الحرب على العراق كانت حجة، و(لو لم تكن هذه الحجة موجودة لبحثنا عن أسباب وحجج أخرى) حسب قوله، منتهكا بذلك معاهدة جنيف لعام 1957، في الوقت الذي نصبوا أنفسهم كحراس لتطبيق القانون الدولي، ومبررا لنفسه ولحلفائه التدخل في شؤون دولة عضو في الامم المتحدة وتغيير نظامها السياسي بالقوة العسكرية، متسببا في قتل مليون ونصف المليون من الابرياء، وتهجير أكثر من أربعة ملايين مواطن، وتدمير البنية التحتية للبلد، وأدخاله في أتون حرب طائفية وقومية، وتحطيم كل الحواجز المؤسساتية الوطنية التي كانت مصدا متقدما للامتدادات الاستخبارية الاجنبية، التي أصبحت بعد الغزو تعبث في كل المفاصل الامنية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية العراقية .
لقد أزاحت لجنة شيلكوت البريطانية، جزءا يسيرا من اللعبة التي أعدت لتحطيم العراق، في الحقل السياسي البريطاني فقط، ولنا أن نتصور حجم السيناريو الذي أعد في الجبهات الاخرى خاصة في الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاوروبية التي شاركت في الغزو، وعظمة الحشد السياسي في أعلى المنابر الدولية، والجهد الاستخباري والاعلامي، ليكتشف العالم اليوم بأن كل ذلك كان كذبة !! وأن قدرة صدام حسين على جمع أسلحته الكيمياوية خلال 45 دقيقة ليدمر العالم بها كان هراء، وأن وقوف وزير خارجية الدولة الاعظم كولن باول من على منبر الامم المتحدة ملوحا بزجاجة تحوي سائلا كيمياويا، محذرا أياهم بان أبادة بني البشر قادمة لامحالة من العراق كان محض خداع، وأن تصريحاتهم بان أمتثال صدام حسين للقرارت الدولية ونزع أسلحته الكيمياوية يجنب العراق الكارثة كان هذاغش وأختباء، وأن لجانهم التفتيشية للبحث عن أسلحة الدمار الشامل التي كانت تجوب العراق من أقصاه الى أقصاه، وطائراتهم التي كانت تصور كل مافوق الارض وماتحت الثرى، كانت مجرد مجسات أمامية تعمل لحساب المخابرات الامريكية والموساد والوكالات الغربية الاخرى، لجمع المعلومات لتسهيل دخول قواتهم، فلقد كانت الحرب مقررة، ولم يعد سوى أقناع مؤسسات القرار السياسي لدولهم ومجلس الامن بأصدار قرار المشاركة، الذي كانوا قد أعدوا له السيناريو المطلوب من خلال أرسال طائرة تجسس أمريكية بدون طيار تحمل علم الامم المتحدة وشعارها، للطيران فوق العاصمة العراقية بصورة أستفزازية، وأن أسقاطها بالمقاومات الارضية العراقية، ستكون خير ذريعة لاتهام العراق بخرق قرارات الشرعية الدولية، ودافعا لمجلس الامن لاصدار قرار ثان بشن الحرب عليه، حسبما أتفق عليه بوش وبلير في وثيقة كتبها مستشار الآخير للشؤون الخارجية، والتي كشفتها الصحافة البريطانية مؤخرا .
لقد صدق الرئيس صدام حسين، حينما أعلن بأن العراق لايملك أسلحة دمار شامل، وفتح القصور والمواقع الحساسة للتفتيش، وطالب العالم المنصف ومنهم الانظمة العربية، بتشكيل لجان محايدة للتفتيش، لإثبات خلو العراق من الاسلحة، حرصا على مستقبل أبنائه، وكذب قادة العالم (الحر)، دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان، بوش وبلير وخوزيه ماريا، وأتباعهم من الذين شاركوهم في الغزو، كما لم تعد اليوم تصريحات هانس بليكس كبير مفتشي الامم المتحدة السابق في العراق ذات معنى، وهو يقول بأن (أسلحة الدمار المزعومة كانت مجرد ذريعة لتغيير النظام، وان بلير وتشيني تحايلوا للتعجيل بالحرب)، ولم يعد أسف البرادعي وصحوته المتأخرة تجدي نفعا وهو يتأسف على حياة المئات من الاف، الذين سقطوا في العراق بحرب قامت بحجج زائفة حسب قوله، فلقد أشترك الجميع بصناعة الكذبة ثم المذبحة، بعضهم بيده، والاخر بلسانه الذي أبتلعه خوفا على منصبه، على الرغم من يقينه بان العراق خال من أسلحة الدمار الشامل، وقسم ثالث بقلبه، الذي لم يشف غليله ثلاثة عشر عاما من الحصار الظالم، الذي قتل أكثر من مليون طفل، وجعل خبز العراقيين أسود اللون من كثرة الشوائب، بل راح يفتح أراضيه وخزائن أمواله ومياهه الاقليمية، وأجواءه لقوات الغزو، بل أن قادة عرب تطوعوا سرا لتلفيق معلومات تخدم الكذبة الدولية الكبرى، حينما أدعوا بأن الرئيس قد أطلعهم أثناء زياراتهم المتكررة الى العراق، على مصانع سرية لانتاج السلاح الكيمياوي .
لقد أوفى الرئيس صدام حسين بالتزاماته التي فرضتها جورا، قرارات الامم المتحدة المسلوبة الارادة، من خلال تدمير كافة الاسلحة التي حظرت عليه، بشهادة بليكس اليوم، وحاول جاهدا أنقاذ بلده وشعبه من الدمار، وهو الذي يصفونه بـ(الدكتاتور)، بينما القى قادة العالم (المتحضر) أعتراضات شعوبهم التي خرجت بتظاهرات مليونية منددة بالحرب، الى سلة القمامة، وجهدوا أنفسهم لتأليف الحجج والاكاذيب لاستغفال برلماناتهم الممثلة للشعب، ولتظليل الرأي العام العالمي، الذي يدعون أحترامه، من أجل غايات وأهداف دنيئة، أثبتت أيام الاحتلال في العراق زيفها، مما أضطرهم الى تبديل حجة أسلحة الدمار الشامل، الى حجة تخليص العراق من الحكم (الدكتاتوري) حسب وصفهم، ونشر الديمقراطية فيه، التي لم يحترموها هم في بلدانهم، حينما لم يصغوا الى أصوات مواطنيهم المعترضين، وقادوا جنودهم الى المحرقة، وبلدانهم الى أكبر كارثة أقتصادية تعانيها شعوبهم الان .
أنها مفارقة كبيرة أن تقف تلك المرأة العراقية القروية ذات السبعين عاما، أبنة قرية في محافظة ذي قارجنوب العراق صارخة من على شاشة أحدى الفضائيات، وهي تعاني من الجوع والمرض ورذالة العمرمتحسرة على عهد مضى سمي (دكتاتوريا)، لاعنة عهدا جديدا وصف (ديمقراطيا) وهي التي لم تعرف القراءة والكتابة، ولم تكن في يوما ما (صدامية) كما يقولون أو فقدت منصبها بقرارات الاجتثاث، بل هو شعور فطري أنساني بفداحة الكارثة، وفقدان الرأس المسؤول عن الرعية، في ظل تعدد السلطات الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية والعشائرية المتقاطعة فيما بينها والباحثة عن مصالحها الضيقة، مع يقيننا التام بأن تلك التجربة لم تكن تجربة ملائكة بل هي ككل التجارب الانسانية الاخرى، حوت الصواب والخطأ، وكانت أغلب أخطائها نتيجة القلق الذي أصابها بفعل التهديدات الخارجية، فالدول كما الانسان حين يصاب بالقلق فيعزز وجوده بمزيد من الخوف والتوجس من محيطه، فينتج عنها أزمات وأخطاء بحق نفسه وبحق الاخرين.
أن جريمة بحجم الجريمة الدولية التي تعرض لها العراق وشعبه، لايمكن لها أن تسقط بالتقادم.
فالدلائل الجرمية موجودة، والنية متوفرة، والمجرم أعترف بجرمه وغشه وخداعه، ولم يعد سوى صدور الحكم وأنصاف شعب ودولة، مازال يتسلط عليهم من أستخدموا برغبتهم كوسائل لهدف غير شريف، ولن يخرج علينا بعد اليوم مغفل، ليدعي بأن العراقيين مصابين بهوس نظرية المؤامرة، فهي مؤامرة بسبق الاصرار والترصد تلك الحرب الجنونة ضد العراق .

' باحث سياسي عراقي
شبكة البصرة