رحلة رومانسية مع الشاعر رافع حلبي
بقلم : مالك صلالحه قرية بيت جن الجليل الأعلى.
الشاعر: رافع خيري حلبي قرية دالية الكرمل بلد النور
البريد الإلكتروني: rafa2008@bezeqint.net


( قراءة في مجموعتيه : أنت معبدي وأنت وجه الملاك )
من بين الكلمات الجميلة التي وقعت عيناي عليها أثناء مطالعتي عن " قيمة الكلمة " شدني
ما كتبه ( عامر بن قيس )، حيث كتب في هذا السياق:
" الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب . . . وإذا خرجت من اللسان وقعت على الآذان "
أما الفضيل فيقول : " نعمة الهدية الكلمة من الحكمة . . . يحفظها الرجل حتى يلقيها لأخيه "
وقد أهداني صديقي وأخي الشاعر أبي عاصم رافع حلبي ابن الكرمل العامر بأهله . . . مجموعتيه الشعريتين ( أنت معبدي وأنت وجه الملاك ) بعد أن كان قد أصدر مجموعته الأولى: ( أنت كل النساء ) والتي اشرف على طباعتها دار الكلمة لصاحبها الأخ الشاعر والأديب الفيلسوف معين حاطوم.
وقد صدق في أبي عاصم ما جاء أعلاه . . . إذ أن كلماته في قصائد نثرية . . . خارجة من القلب وتقع مباشرة على القلب وأبى أن يحفظها في صدره فالقاه لأخوته في الإنسانية أينما كانوا . . . حيث جاءت كلماته متناغمة سلسة كترقرق المياه في الغدير الصافي . . . صادقة دون لف أو دوران . . .
إن من يقرأ كلمات أبي عاصم يستشف المحبة المتدفقة من قلبه كجداول وينابيع الكرمل . . . وقد تمحورت قصائده في الغزل العفيف المزوج بحبه للوطن الذي يرمز إليه من خلال حبه لحبيبته ولبلده دالية الكرمل فعبر عنها بكلمات رقيقة شفافة مفعمة بالعشق والغزل . . . ليذكرنا بعصر الرومانسية في الأدب . . .
فها هو يقول لحبيبته في قصيدة – أنت معبدي –
" حبيبتي . . .
أقوال الصحابة
وأحاديث النبؤة
بين جدران المعابد
بين جدران الهواجس
أعبدها من أجلك
أطلبها
بصدق الإيمان
والمحبة الكبرى . . .
أنت معبدي . . . ! "
ليعود في موضع آخر في قصيدة – لغة الأم – فيقول :
" فالسماء حبيبتي حدود محبتنا
وإن كان للسماء حدود
وأواخر الخطوط الوهمية
فبكل الأشياء أراك .
أنت تعطين الحياة معنى وتمنحيني الوجود
تنصرين الحق في عيون الصغار هبة منكِ
لتحفظي الحق والخير بدون سدود
وتهدين أهل الأرض جميعا ً
إلى الطريق الصحيح . . . "
كما أن الشاعر لم ينس مسقط رأسه وهو بعيد عنه في وطن الغربة فيخاطبه قائلا في قصيدة – آهات الغربة -
" في كرملي أطفال الصراخ
تناديني أن افرض وجودي
في ذروة مدامع الغربة
تسحقني أفكار الدروب
ومناي أن آتي إليك
أن أضع رأسي على حجر
في إحدى طرقات غربتنا
بل أضع رأسي على يدكِ
لأنسى كل جراحي
في أرض تذكرني بكِ . . . "
وفي قصيدة أخرى يثور الحس الإنساني عنده لهول ما يقرأه ويراه من دمار الحروب والمآسي التي تخلفها فيكتب في قصيدة - الحرب الدامية –
" لتمضي الحروب الدامية
تعلمت من وحش النازية
أن نعطي قيمة إنسانية
لكل أهل الأرض
دون استثناء . . . "
وفي قصائد أخرى يتحدث عن حبه للأوطان من خلال حبه لحبيبته هذين الحبيبين اللذين لا يستطيع العيش بدونهما إذ أن حبه لمعشوقته يوازي حبه للوطن فيقول في قصيدته – حبيبتي كل الأوطان –
" ويزيد شوقي إليكِ
إلى وطن أعرفه منكِ
إلى حب . . .
أحمله إلى كل الأوطان
أنت حبيبتي . . . وطني
بل كل الأوطان "
أما في كتابه - أنتِ وجه الملاك - فقد تمحورت قصائده في غالبيتها العظمى
حول الوجدان والعاطفة التي يصف بهما الشاعر أحاسيسه ومشاعره بمنتهى الصدق نحو حبيبته ليعبر لها عن مدى عشقه لها ومقدار الحزن والأسى الذي يسببه بعده عنها وبالعكس . . . ليؤكد لها أنها ملاكه الحارس الذي لا يمكنه الاستغناء عنه أو العيش بدونه إذ لا قيمة ولا طعم للحياة بدونها وليس من قبيل الصدف أن عبارة ( أنتِ وجه الملاك ) قد ترددت أكثر من خمسين مرة في قصائده . . . فها هو في قصيدة - أنتِ وجه الملاك - يقول لها:
" جمال عينيكِ
يحدثني عن أشياء لا تـُرى
وبدون كلمات
يشدني إلى داخل روحكِ
فأتحسَّسُ ما لا تعرفه البشر
وما لا تراه العيون "
إذ أن الشاعر يرى بحبيبته رمز الطهر والعفاف ويرجو منها ألا تبتعد عنه لأنه لا يستطيع العيش بدونها فيقول في قصيدة – وطني الوحيد –
" أخاف بُعدي عنكِ
يا وجه الملاك
مللت الاغتراب عن وطني
يا وطني العظيم . . . الوحيد . . . "
ثم يعود ليعبر لها عما يكنه لها من حب جارف مستعملا تعابير جاءت في العهد الجديد ككلمة طوبى ليقول في قصيدته - طوبى للأرض -
" طوبى لأرض تدوسين ثراها
طوبى لحجارة تلمسينها
فتـُحدِّث عن عيون التاريخ
والماضي الغابر . . . "
أما في قصيدة وجدانية قصيرة أخرى بعنوان – أنتِ الحضارة - فيكتب لها:
" ماذا يبقى بعد الحب حبيبتي
ماذا يبقى بعد الحضارة
فأنتِ يا وجه الملاك
حضارة أهل الأرض
والنجوم والسَّماء
ومن بعدكِ كل شيء في زوال ٍ
في انتهاء . . . "
وفي موقع آخر يخاطبها قائلا في قصيدته - قصص الأنبياء -
" أنتِ بيتي أميرتي
وأنا أسكنكِ بلا قيود
أنتِ وطني . . .
وتسكنين روحي منزلا ً
فطوبى لروحي . "
كما أن الشاعر طوع كلمة أجنبية ليدخلها إلى قاموسنا العربي ألا وهي كلمة - مساج أي تدليك حيث يقول في قصيدته - عيوني وجسدكِ الناعم -
" تـُمسِّج عيوني جسدكِ الناعم
فتحفظ مساماته عن ظهر قلب "
وفي موقع آخر يذكرنا بما جاء في الغزل العذري على لسان جميل بثينه حين قال
" لكل حديث بينهن بشاشة
وكل قتيل بينهن شهيد "

ليكتب أبي عاصم – في قصيدته - همسات الليل -
" وكم أهوى الموت بين يديكِ
فأخلد كشهداء العشق
يا وجه الملاك "
هذا غيض من فيض مما احتوته المجموعتان , أترك للقارئ فرصة كشف بقايا مكنوناتهما متمنيا له رحلة ممتعة عبر بحار الحروف والكلمات , شادا ً على يدي أخي لمزيد من العطاء . . .