السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* الموضوع : دعوة صريحة، للمقاومة الفكرية ... / للكاتب الأستاذ ابن عباد
* همسة : أعضاء واتا الأعزاء ،
اسمحوا أن أعرض في هذا المتصفح موضاعا شد اهتمامي نظرا لما جاء فيه من أفكار ، و ما طرحت فيه
من تساِؤلات
و لقد اشتاذنت كاتبه ، الأستاذ ابن عباد / من المغرب في نشره على أعمدة واتا ، فوافق
و هو على أتم استعداد لمناقشته مع أعضاء واتا
فلا تبخلوا علينا بالمرور و القراءة ، بل و الحوار ولكم جزيل الشكر



كيف نمارس المقاومة الفكريــــــــــــــــــة

قليلةٌ هي الأخبار السارة التي ترِدنا من ساحة الأحداث على مستوى ساحتنا العربية...، والخبر الوحيد الذي لفت انتباهي في الأسبوع الماضي ـــ و أظن أنه أعاد الأمل إلى الملايين من المتتبعين العرب ــ هو ما حققته المقاومة العراقية من إنجازتمثل في توصلها إلى اختراق نظام طائرات التجسس الأمريكية و إحداث نقلة نوعية في ميدان المعارك.

إذا أجرينا فحصا للحالة الصحية للمقاومة العربية المسلحة، فسنخلص إلى نتيجة مفادها أن المقاومة ما زالت تتمتع بقوة و عنفوان و أنها استطاعت أن تغير المعادلات في منطقة الشرق الأوسط و أن تربك حسابات أمريكا ــ التي كانت تسعى من وراء غزوها للعراق ــ إلى فرض واقع مغاير و رسم خريطة سياسية جديدة على غرار معاهدة "سايكس بيكو" سنة 1916م.

و عندما نتحدث عن المقاومة المسلحة، فإننا نقصد المقاومة العراقية الشريفة، و فصائل المقاومة في فلسطين ـــ و على رأسها حركة حماس ـــ و مقاومة حزب الله في جنوب لبنان.

لكن الجانب الآخر من الفحص، يوضح لنا خللا في إستراتيجية المقاومة التي تستمر في الارتكاز على جناح واحد ـــ وهو الجناح المسلح ـــ و تعاني من جناحها الثاني ـــ وهو الجناح السياسي ـــ ، فحزب الله في لبنان يعاني من معارضة سياسية و سجال داخلي ـــ حول موضوع السلاح ـــ لم يستطع حسمه لصالحه، و حركة حماس تتأرجح بين الشرعية السياسية و الضغوط الخارجية التي تُوجت بالجدارالفولاذي الذي تقيمه مصر على طول حدودها مع غزة، أما فصائل المقاومة في العراق ـــ و مكوناتها ـــ فلم تتفق على برنامج سياسي بديل قادر على تسيير العراق و ملء الفراغ الذي قد ينتج عن رحيل القوات الأمريكية.

الجناح السياسي للمقاومة يعاني ــ بمجمله ــ بسبب الضغوطات الخارجية، تارة بطريقة مباشرة، وتارة أخرى عن طريق الأنظمة التي ترى في فلسفة المقاومة شبحا يهدد بقائها.

من هذه الأرضية، تنبثق علاقة التأثير المتبادلة بين الأنظمة و المقاومة، والتي لم تنته بنتيجة محددة بسبب غياب عنصر هام عن هذه المعادلة: و هو "الشعب".
ورغم أن الشعب يميل بقلبه إلى خيار المقاومة، فإن تأثيره يظل شبه منعدم في ساحة الأحداث، و يبدو أنه ــ منذ حرب الخليج الثانية ــ عمل بمقولة بني إسرائيل المذكورة في القرآن الكريم:
{لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} .

وإذا قمنا بمقارنة الجيل العربي الذي قاد حركات التحريرفي بدايات القرن الماضي و ما حققه من تغييرات و ثورات ــ رغم قلة موارده المادية بسبب الاستعمار المباشر ــ ، و بين جيلنا المعاصر ، فسنجد فرقا صارخا ، من حيث التفاعل مع القضايا المصيرية للأمة.

والسبب في ذلك يعود إلى أن الإمبريالية الرأسمالية استطاعت أن تنجح في تحويل المواطن العربي ــ خلال مرحلة الاستقلال ــ من مواطن ثائر إلى مواطن وديع و مستسلم.... يتعامل بإيجابية مع ثقافة الاستهلاك و "الماركتين" إلى حد الإدمان..... ما أدى إلى تغيير سلم الأوليات لديه.... حيث أصبحت انشغالاته اليومية ــ التي ضُخمت بفعل الإعلام المستأجَرــ تمنعه من المشاركة الفعلية في قضايا أمته.

و من هنا يمكن القول، أن الإمبريالية الرأسمالية، نجحت خلال مرحلة "الهدنة" أن تفتح "الشهية الغريزية" للمواطن العربي ــ على اختلاف انتمائه الطبقي ــ مدشنةً بذلك عهدا جديدا من الاسترقاق و العبودية، يسهل معه تمييع قضايانا المصيرية و انتهاك حرماتنا و مقدساتنا دون الخوف من أي ردة فعل تحسب من جانبنا .
وفي نظري، هذا النوع من الرضوخ و التبعية هو أخطر بكثير من الاستعمار المباشر الذي مارسته أوربا في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين في شمال إفريقيا و المشرق العربي .

و انطلاقا من هذا الوضع، يصبح الرهان على تحرير إرادة الإنسان العربي أمرا ضروريا، عن طريق خوض "مقاومة فكرية" لا تلتزم بأي ميثاق من مواثيق الهدنة.

فكيف يجب أن تكون "المقاومة الفكرية" :
كما هو معلوم، فالتاريخ تتحكم في مساره الشعوب و الأمم، وهي التي تحدد فتراته الفاصلة.
و قد يلاحظ دارس التاريخ، أن التغييرات الإنسانية الكبرى، قادها أفراد أو جماعات معينة لم تكن في حوزتهم إمكانيات مادية مهمة، لكنهم استطاعوا ــ عن طريق رهانهم على المجتمع ــ أن يحولوا مسار التاريخ.
و لنا في رسالة رسول الله (ص) عبرة بليغة، حيث بدأ نشرها باعتماد خطاب فكري سري يحاور الأفراد و عقول الناس، ليعمل بعد ذلك على تأسيس أول جمعية في تاريخ الإسلام ـ إن صح التعبير ــ هي جمعية
ــ دار الأرقم بن الأرقم ــ التي كان يرأسها محمد بن عبد الله، و ينتمي إليها أعضاء بارزون و هم : أبو بكر الصديق، عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف، طلحة بن عبيد الله، أبو عبيد الجراح و طائفة من الموالي و الفقراء.... أما قانونها الأساسي فهو كتاب الله وسنة نبيه.... ومن "دار الأرقم بن الأرقم" انطلقت الدعوة لينضم إليها أكثر من مليار و نصف المليار مسلم في وقتنا الحاضر.


و التاريخ الإنساني ــ بصفة عامة ــ يحتوي على العديد من الحركات التحررية التي خاضتها الشعوب لتغيير أوضاعها، و أكتفي بالتطرق لمثال قريب منا ــ من حيث الزمان و المكان ــ والمتجسد في الثورة الفرنسية خلال القرن الثامن عشر، والتي مهد لها مفكرون كبار من بينهم : مونتسكيو و فولتير و روسو صاحب
" العقد الإجتماعي".
و قد كان للثورة الفرنسية ــ رغم ما صاحبها من أخطاء ــ الفضل في إحداث تغييرات ما يزال مفعولها ساريا في أوربا إلى غاية اللحظة.


بيْد أن وتيرة الثورات السياسية الكبرى تبدو في انخفاض متزايد في ظل سيطرةٍ أحادية الجانب، و هذا ما دفع ببعض المفكرين بالحديث عن "نهاية التاريخ"، أمثال "فوكوياما" الذي روج لفكرة سيطرة نمط سياسي وثقافي واحد قادر على فرض قواعده.
مٍثل هذه النظريات لاقت ترحيبا و استحسانا من طرف المحافظين الجدد الذين استعملوا كل الوسائل في سبيل إخضاع العالم و السيطرة على موارده و فرض منطق آلية السوق .


فالتحدي الذي يواجه الشعوب العربية في الوقت الراهن هو أكبر من الإستعمار المباشر:
فهناك من يتحكم في خيوط اللعبة وِفق مصالحه مستعملا أنظمةً فاقدةً للسيادة و القرار... فواهمٌ، إذن من ينتظر من هذه الأنظمة أن تتقدم بإصلاحات سياسية لأنها لا تملك أدنى هامش للقيام بمناورة أو تحرك.... ويبقى الحل قائما على مدى قدرة الشعوب على تبني خيار "المقاومة الفكرية" التي يجب أن تشمل كل جوانب حياة المواطن العربي على اختلاف انتمائه الإجتماعي و الطبقي و السياسي.


فالمقاومة الفكرية التي ننشدها من خلال هذا المقال، لايجب أن تقتصر على النخب و إنما تسلتزم مشاركة جميع فئات الشعب كي يكون و قعها مدوياً.
و "المقاومة الفكرية" في نظري، تبدأ بالاقتناع العميق بضرورة تغيير الواقع المعاش، عن طريق رفض جميع الأنماط الثقافية الفاسدة، التي يراد بواسطتها تمييع الإنسان العربي:
كالمهرجانات الساقطة و الفن البذيء و الأدب المنحط و الصحافة التي تمتهن نوعا من الاسترزاق الثقافي و الإعلامي.
و الشباب مطالبون اليوم، أكثر من أي وقت مضى،بأن يعملوا على استثمار قدراتهم في سبيل نشر التوعية، و تأسيس الجمعيات، و تحريك المجتمع المدني، و المساهمة في القضاء على الأمية، و توظيف شبكة الإنترنت لمد جسور التواصل مع المجتمعات الأجنبية لإقناعهم بعدالة قضايانا.
كما يجب التركيز على مجال الترجمة ، وتشجيع الخطاب السياسي الواعي و المنفتح وتعميمه على كل فئات المجتمع من أجل اكتساب المناعة ضد أي مشروع يراد من خلاله المس بخطوطنا الحمراء وهي :
العقيدة،الهوية ،اللغة، الأرض والمقاومة المسلحة.


و قد لفت انتباهي ما قاله الشاعر الفلسطيني "سميح قاسم" في حوار سبق أن أجراه مع قناة الجزيرة حيث طلب ــ خلال حديثه ــ من المواطن العربي أن
" لا يضحك و لا يرقص"، وإن اقتضى الأمر، فعليه أن يفعل ذلك بخجل،لأننا في وضع مشين، كما يرى الشاعر.

و الحقيقة، أننا في حالة دفاعية لا يصح معها فقدان التركيز.... فالتفعيل المستمر لمبدإ المقاومة يعتبر ضروريا لإثبات وجودنا.... و عليه، فإننا مطالبون بممارسة "المقاومة الفكرية" في جميع ميادين حياتنا: في المدرسة، في السوق، في مكان العمل، في المؤسسات العمومية، في الشارع و في أي مكان آخر... لكي تتحول إلى ثقافة و عادة تؤدي إلى خلق مواطن قوي و أسرة قوية، و بالتالي مجتمع قوي قادر على إحداث تغييرات و إصلاحات جذرية، لأن المناخ العام سيكون مناسبا لاحتضان هذا التغيير.


"المقاومة الفكرية" عندما تندرج في السياق الذي تم عرضه، فإنها تأخذ شكل خط تصاعدي، يبدأ من المواطن البسيط الذي يرفض الانصياع في منظومة فاسدة، إلى أن يصل إلى المثقف و الصحافي و السياسي، و إلى النخبة بصفة عامة، التي ستضطرإلى تبني برنامج ملتزم، يتوافق مع تطلعات
" المجتمع المقاوم".


الحياة في رأيي "مقاوَمة مستمرة"، وهي كما قال الشاعر أحمد شوقي: "عقيدة و جهاد" .....
و ذَرأ المفسدة يكمن و يتلخص في قول الحكيم جل علاه :

{ و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالميـن}

* صادق مودتي / عز الدين الغزاوي