لندن - 'القدس العربي' - من خالد الشامي: هل سيكون 2010 'عام الحسم' حقا، كما توقع الرئيس المصري حسني مبارك ونجله؟ ام سيشهد امتدادا لحالة 'التوريث واللا توريث'؟ كما كان 1972 عام الحسم الشهير الذي أعلنه الرئيس الراحل انور السادات ليس سوى امتداد لحالة 'اللاحرب واللاسلم'؟
مشروع التوريث، اكتسب زخما أثناء 2009، لأسباب عديدة، بينها خروجه للعلن رسميا لاول مرة في مؤتمر الحزب الوطني في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما أعلن رئيس الحكومة جمال مبارك مرشحا محتملا للرئاسة، وما تلاه من تصدع للحملة المناهضة للتوريث، واخيرا امتداد عدوى الانقسامات الى اكبر القوى المعارضة في مصر أي جماعة الاخوان، لتزداد المعارضة ضعفا على ضعف، الا ان 'التوريث' تلقى عدة ضربات اعادته مرة اخرى الى المربع الاول، فقد اعتبر مراقبون اعلان شخصيات ذات ثقل معنوي وشعبي مثل محمد البرادعي وعمرو موسى عجزها عن الترشح للرئاسة طعنا مباشرا في شرعية اي خليفة للرئيس مبارك ينتخب حسب المادة 76 من الدستور، وبالتالي رفضا غير مباشر لسيناريو التوريث.
ثم جاء 'صوت المؤسسة' ممثلا في صفوت الشريف الذي بدأ حياته بالخدمة في الجيش فالمخابرات العامة فهيئة الاستعلامات فوزارة الاعلام، واخيرا رئيسا لمجلس الشورى والرجل الثاني رسميا في الحزب الحاكم، ليعلن ان الرئيس مبارك هو مرشح الحزب للرئاسة في 2011، وليوجه ضربة مباشرة لمشروع التوريث.
وفي بلد كمصر، حيث كان التغيير يأتي دائما إما من 'المؤسسة' مباشرة او بضوء أخضر منها، لا يمكن التقليل من اهمية مواقف المؤسسات العسكرية والامنية في 'الحسم' المرتقب.
وحسب آراء الكثيرين، فإن مبارك الذي كان أعلن انه سيظل في منصبه الى اخر نفس، لا يمكن ان يتنحى طوعا (طالما ان الخروج الآمن من الحكم غير ممكن في مصر)، وهو لن يتردد في الترشح لفترة سادسة بالحكم، ما سيضعف الى حد كبير فرص نجله في خلافته.
ويرى هؤلاء في تصريحات الشريف اعلانا واضحا عن تفضيل 'المؤسسة' بقاء الرئيس مبارك بموقعه وعن استيائها من سيناريو ترشح نجله للمنصب في 2011. وكان الموقف الذي أعلنه 'معسكر التوريث' اثناء مؤتمر الحزب الحاكم، هو ان الحزب لن يعلن في هذه المرحلة عن اسم مرشحه للرئاسة، ما ترك الباب مفتوحا عمليا امام التوريث، الا ان تصريحات الشريف جاءت واغلقته لمصلحة 'التمديد'.
وتجد المعارضة نفسها في مأزق كذلك، اذ ان بعضها كان ركز على مناهضة التوريث، فهل ستتحول الآن الى رفض 'التمديد' ومطالبة الرئيس بالتنحي؟
أما جماعة 'الاخوان' فتخرج من العام 2009 مرتبكة، على شفا مصير غامض بعد ما اعتبره كثيرون انقلابا في مكتب الارشاد أطاح بالنائب الاول للمرشد، الدكتور محمد حبيب، وزعيم الاصلاحيين الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح، على أيدي جماعة المحافظين بزعامة الدكتور محمود عزت، أو ما يعرف بتيار 'التنظيم الخاص'.
ويرى مراقبون ان 'جماعة الاخوان المسلمين' تعاني شيخوخة سياسية واضحة في عامها الثاني والثمانين، أدت الى تفاقم مشاكل الهوية والادارة والتنظيم لديها، في ظل ضعف القيادة وانعزالها عن القواعد الشبابية بشكل خاص، ما يجعلها أقرب الى التفكك لعدة جماعات من أي وقت مضى في تاريخها.
وجاءت استقالة الدكتور حبيب امس من جميع مناصبه بالجماعة امس تأكيدا لعمق الازمة، وتمهيدا لاعلان اسم المرشد الجديد الذي من المرجح ان يكون الدكتور محمد بديع بعد اعتذار الدكتور عزت وتفضيله ان يكون القوة المحركة للجماعة ولكن من خلف ستار.
وعلى صعيد السياسة الخارجية لا تبدو الامور أكثر إشراقا، فبعد ان كرس 2009 ضعف الحضور الاقليمي والدولي للنظام، ممثلا في تراجع دوره بملفات اساسية كفلسطين والسودان والخليج والعراق، وفشله المدوي في الفوز بمنصب مدير اليونسكو، جاء بناء جدار على حدود غزة ليضع علامة استفهام كبيرة على الدوافع الحقيقية لمثل هذه السياسات.
أما البرلمان فشهد حفلات شتم وردح لليوم الثاني على التوالي في نهاية 2009 إذ تعهد وزير في الحكومة 'بتطليع دين أم' بعض سكان منطقة عزبة الهجانة العشوائية بالقاهرة، ثم هدد نواب للحزب الحاكم بضرب نواب المعارضة وكل من يعترض على بناء الجدار 'بالجزمة' بعد 'تطليع دين أمهم' أيضا.
وفي غمار هكذا مشهد، تتسع فيه مساحة العنف الطائفي والسياسي واللفظي، وتطغى عليه ثقافة الفقر والفساد، وتنحسر فيه قيمة العلم لمصلحة الخرافات والمعجزات الوهمية، ويصعب فيه فهم الواقع المرئي، فإنه يكاد يصبح مستحيلا التنبؤ بما سيحمله 2010، ليس لمصر ولكن لاقليم مازالت مصدر الهامه ومحط أنظاره.