الواقع السياسى فى القصة القصيرة
بقلم/ عبد الحافظ بخيت متولى
مدخل
لا يمكن دراسة الانعكاسات السياسية فى الاعمال الادبية واستجابة هذه الاعمال دون الوقوف على مفهوم الواقع السياسى والذى يقد به تلك المماراسات السلطوية التى تحدد المناخ التشريعى للفرد وعلاقته بالدولة وترسم حدود واجباته تجاه الوطن وحدود واجبات الوطن تجاه الفرد ومن هنا كان لابد من تتبع هذا الواقع السياسى وتحولاته ورصد هذه التحولات وهل هى فى صالح الفرد ام ضده
والواقع السياسى الانى فى مصر يشير الى عدة تحولات فى الفترة ما بين 1952 الى الان وهذه الفترة تبدو للراصد انها كانت مليئة بالتحولات السياسية فى المجال الخارجى او الداخلى فعلى المستوى الخارجى وقعت ثلاثة حروب هى هزيمة يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وحرب اكتوبر 1973 وعلى المستوى الداخى حدث تحولات سياسية كبيرة اهمها غياب الديمقراطية وغياب العدالة الاجتماعية والعنف السياسى
ولم يكن الابداع القصصى فى الجنوب بعيدا عن رصد هذه التحولات على المستوى الخارجى او الداخلى فلقد استطاع الابداع القصصى ان يبلور العلاقة بين الثقافى والسياسى او بين الابداع كفن له ادواته الخاصة وبين السياسى الذى يقدم اطروحاته الخاصة ايضا ولكن السؤال المهم عند رصد هذه العلاقة هل عبر الابداع القصصى فى الجنوب عن القضايا والتحولات السياسية تعبيرا جيدا يتناسب مع حجم هذه القضايا أم أنه وقف عن زواية معينة؟
عند الاجابة عن هذا السؤال تطالعنا صعوبة مزدوجة وهى "ان الابداع لا يمكن ان يكون ترجمة حرفية للتحولات السياسية لانه بحكم خصوصيته وادواته وارتباطه بذاتية المبدع لا يمكن ان يكون استنساخا او تكرارا لما هو رائج فى عالم السياسة والابداع القصصى فى اشكاله اللامتناهية ومقتضيات وسائله المغايرة لطبيعة التواصل المباشر فهو ينحو الى الى اعادة خلق الاشياء والعلائق والفضاءات من خلال مسافة جمالية محددة يضعها بين المعيش المباشر والرؤيا الفنية التى تمزج المادى بالنفسى والملموس بالمحلوم به ومشاهد الواقع "1"بمخزونات الذاكرة وهذا لا يعنى ان العوالم الابداعية منقطعة الصلة بالحياة واسئلتها وانما يعنى ان قلق اسئلة الفن يطغى على استخدام الطابع التسجيلى للقضايا السياسية داخل العمل الفنى ومن ثم فان كتاب القصة قد يلجأون الى تقنيات فنية لاتبدو مباشرة فى التعبير عن الواقع السياسى مثل استخدام الرمز او توظيف الحلم او غير ذلك
والصعوبة الثانية هى ان حجم التحولات والقضايا السياسية كبير ومتشعب ولا يمكن ملاحقته واستيعابه من قبل كل المبدعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
"1" تجارب فى الابداع العربى , كتاب العربى , 77 ,يونيو 2009,صـ 47


ومع ذلك فان مرحلة الثمانينيات التى يتناولها هذا البحث لا تشكل هذه المرحلة صوتاً ناشزاً عن الإيقاع العام، ولا هي منفصلة عما سبقها أو لحقها، لكنها تحمل الكثير من الخصوصيات التي ارتبطت بها لأن بدايتها تواشجت مع أحداث سياسية عربية ومحلية تركت بصماتها واضحة على الحياة الاجتماعية والفكرية والذاتية، وختمت أيضاً بأحداث سياسية عربية وعالمية، كان لابد أن تترك آثارها فيما جاء بعدها، وخلال السنوات التي تُجسّد عمرَ هذه المرحلة مرت البلاد بظروف سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية عديدة أثّرت في القصة القصيرة فى الجنوب التي غالباً ما كانت تواكب جديد المجتمع، بغضّ النظر عن إمكانيات تلك المواكبة وما يمكن أن تحققه في هذا المجال أو ذاك.
ظروف المرحلة:قد حدثت في البلاد إبان هذه المرحلة مجموعة أحداث سياسية تتعلق بحركة التحولات السياسيةوالتفجيرات التي استمرت سنوات، وأشاعت جواً مرعباً في نفوس الناس، لأنها طالت الجميع، وقد جعلت البلاد و"أبناء الشعب يدفعون ثمناً غالياً أسهموا جميعاً فيه نتيجة لطبيعة هذه التحولات التي شغلت البنية السياسية والفكرية والاجتماعية مدة من الزمن"1"، وجعلت الأذهان تتجه إليها، بل ربما لا يبتعد المرء عن الحقيقة إن قال: إنها أسهمت في ثبات مختلف جوانب الحياة دون أن ننسى تشويه حقيقة البلاد، وسمعتها وسوى ذلك مما يتعلق بآلية النظرة لأمور عديدة، و لا ننسى ما وصلت إليه الأحوال الاقتصادية التي تعرضت لاهتزازات كثيرة، متعددة الأسباب من داخلية وخارجية وكان أن انصرف معظم أبناء المجتمع في سبيل تحصيل مواردهم الأولية، وهذا مؤشر خطير أسهم في الإعاقة أيضاً؛ لأنه شغل أذهان الناس بأمور الحياة المعيشية وتأمين المتطلبات، والمأساة كانت في عدم توفير ما يسعى إليه الإنسان والوصول إلى فقدان مستلزمات حياتية يومية، وهاهنا لابدّ للمرء أن يشير إلى أن هذه الأحداث شكلت خطراً حقيقياً على البلاد والحركة الاجتماعية، لأنها أسهمت في جعل أبواب الفساد مشرّعة أمام صعوبة تأمين مواد المعيشة، وجعلت كثيرين يدفعون الثمن غالباً لتحصيل ضروريات حياتهم مع ما فتحته من ميادين لانتشار السوق السوداء وخلق طبقة من المرتزقة والمستفيدين نموا في هذه الظروف التي تعد خصبة لازدهارهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" دكتور حمدى حسين , الؤية السياسية فى الرواية الواقعية , مكتبة دار الادب , صـ 67
"
ونتيجة لمجمل هذه الظروف فإن حركة الأحزاب قد خفّت كثيراً، وكانت تتلاشى لأن الأحوال الموجودة كانت أقوى، وكان على الصحافة أن تأخذ دوراً متميزاً في هذه الظروف إلا أنها لم تستطع ذلك، لأن أحادية الرؤية في عدد من الأفكار كان لها ثمرات غير حسنات على هذه الأوضاع، بخاصة أن الصوت الواحد في ظروف مثل هذه الظروف يغدو ضرورة بنظر كثيرين كي تعود الأمور إلى مجاريها، وكان أن بدأت جموع الناس تتنفس الصعداء في نهايات هذه المرحلة نتيجة الانفراج وشهدت ازدهار مجموعات من المتطفلين والمرتزقة الذين استغلوا بعض الأحداث خير استغلال، ولا ينسى المرء ما حدث نتيجة للحصار ومنع بعض المواد فيما يخص إتاحة المجال لحدوث تهريب لكثير من الممنوعات والأشياء غير المتوفرة في البلاد، وهذا أدى إلى نشوء مجموعات من المرتزقة، وبدأت الدوائر تتسع فيما يخص الفساد""1"، لأن هذه الأحوال الاستثنائية والصعبة تغذي ضعاف النفوس وهواة الاستغلال والإساءة لكرامات الناس وتسمح لهم بالإعلان عن أنفسهم، فكان أن عاث عديدون منهم فساداً في مقدرات جوانب كثيرة من خيرات البلاد، واستفاد عشرات من موظفي الدولة من المهمات الملقاة على عاتقهم والحيز المتاح لهم، ليحققوا ما يصبون إليه، وقد راكموا كثيراً من الإساءات التي تعرض لها كثيرون، لأن مبدأ المحاسبة في هذه الأحوال لا يشكل حضوراً قوياً، إضافة إلى اختلاط الأمور ببعضها مما ترك المجال مفتوحاً لخلط مقصود بين المصالح العامة والمآرب الشخصية بحيث يتم تحقيق المآرب الشخصية بحجة المصالح العامة.
نشأت نتيجة لمجمل الظروف السابقة آليات تفكير عديدة بعضها يتعلق بالظلم الذي من الممكن أن يحيق بأي شخص دون أن تكون دوافع موضوعية خلف هذا الظلم، إضافة إلى ترسيخ جذور التفكير النفعي والمصلحي والمجاملي، وسوى ذلك من رؤى تفكيرية تخلط الأمور ببعضها وتكدر صفو الفكر، وتجعل الأمور مشوشة مختلطة.
إن حالة عامة من الخوف قد شاعت لفترة من الزمان بين الناس مما جعل كثيرين يفقدون دافع المطالبة بالحقوق المهضومة لإيمانهم بعدم جدوى هذا الأمر، وإن كانت الأيام في كثير من الحالات قد كشفت غير ذاك فيما يخص بعض الذين لا يُرضى عنهم، وبات المرء يشعر أن القوانين موجودة لا لتطبق على الجميع، بل على بعض الحالات والشخوص وهذا كان يحزّ في النفوس كثيراً.وقد أسهمت مجمل الظروف السابقة كما قلنا من قبل في اتساع دائرة المرتزقين والطفيليين ونشوء طبقة الأغنياء الجدد بإفرازاتها الاجتماعية والفكرية المختلفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" المرجع السابق , صـ 103

الناجمة عن التغير الطفرة، وتغير الطفرة هذا مثالبه كثيرة، وعقابيله وخيمة نتيجة لما
يتطلبه، وما تفرضه بناه في مجمل أنماط الحياة التي تعيش، وقد بدا ذلك جلياً بعد انفتاح التسعينيات الذي شهدته البلاد.
إن التغيرات والتحولات الداخلية التي حدثت في هذه المرحلة قد زعزعت الكثير من الثوابت، وقوّضت عشرات القيم والأخلاقيات التي ما كان للمجتمع أن يتخلى عنها بسهولة، وأسهمت في تشكيل ما يمكن أن يدعي نكوصاً وردّة في العديد من آليات التفكير وبناه التي اعتقد عديدون أنه تم التخلي عنها، لأن هذا التخلي لا يتم بين يومٍ وليلة، ويحتاج الكثير من الشغل المحسوب فكرياً وليس القمعي كي يتم التخلص منه، أما إن تمّ تأكيد ضرورة تغييره إجبارياً فإنه غالباً ما يخلق حالة رد فعل معاكسة!
ولقد كان لهذه المرحلة ظروفها الخاصة التي جعلت العديدين يعيدون النظر بكثير من ثوابتهم، وأسهمت في تعطيل الكثير من المفاهيم والرؤى، مع ما شكلته من شرخ على أصعدة عديدة فأفرزت هذه الأوضاع وقدمت ما قدمته، وكل ما سبق تجلى بصور عديدة في عشرات القصص وأسهم في حدوث تغيرات رؤيوية تخص فهم القصة، وانصرف عديدون إلى الحديث عن خصوصياتهم، لأنهم وجدوا الخارج يحاول أن يستلب معظم عوامل التفرد والانمياز.
إن مجمل التغييرات التي حدثت تحتاج إلى وقفة تكشف بعض ما جرى، فعلى صعيد التعليم مثلاً بدأت تنتشر أفكار تخص جدوى التعليم بعد أن بدأ خريجو الجامعات يبحثون عن عمل في أي مكان، إضافة إلى بدء حصول البون الشاسع بين الدخل والمصروف، وهذه المتغيرات أدت إلى زعزعة كثير من الثوابت التي تخص هذا الميدان، وراحت شعارات إلزامية التعليم تفقد جدواها وواقعيتها، لأنها أصبحت فارغة من محتواها في ظل انتشار "أمية المتعلمين" التي بدأت تشيع إلى أن وصلت إلى أمور لا تحمد عقباها؛ لأن هذه الأمية من الأميات غير المعلنة، وهي أكثر مأساوية، لأن آثارها تتغلغل في نسج المجتمع، وتسهم مع غيرها في تحويل الأمور عن مساراتها؛ نتيجة حدوث شرخ بين القول والفعل، وكونها خطوة في طريق إفراغ الأمور من محتواها والتركيز على مظاهر الأشياء.
وعلى الرغم من محاولات كثيرة لإنصاف الريف في القطر إلا أن مئات القرى بقيت محرومة من خدمات بدائية قياساً لما يجري في العالم حولنا والمقصود بها الماء والكهرباء، لكن المرء لا يعدم وجود إنارات كثيرة تخص أبنية التعليم وحالات الاستبشار التي أصابت الناس نتيجةً لاكتشافات تخص ثروات البلاد الطبيعية ربما أسهمت في إحياء بعض ما في النفوس وإن لم يلحظ أثرها في حياتهم. لكن مجمل الأحداث قد شاركت في تحريك الكثير من الثوابت، ولفت الأنظار إلى أشياء متنوعة لا يعدمها المرء الممعن في مجرى الحركة الثقافية التي كانت تعول على حركة الواقع أكثر مما رأته، وهنا لابد من الإشارة إلى المستوى المعيشي المتدني الذي راحت تسيطر عليه أمور حادة دفعت كثيرين للهاث الدائم طوال اليوم لتأمين لقمة عيشهم، وراح الفكر المهرجاني والتسويغي ينتشر؛ مما جعل البون شاسعاً بين ما يُعلن وماهو موجود، وقيلت دعاوى كثيرة تتعلق بضرورة العمل المتواصل لتأمين لقمة العيش، وقد تناسى أولئك المسوّغون أنه من حق الإنسان أن يعمل ساعات معينة تكفيه لتأمين احتياجاته دون أن يكون مضطراً للهاث طوال يومه.
"لقد بدأ حجم الأسئلة يكبر في هذه المرحلة في ظل تقويض العديد من الثوابت القيمية والأخلاقية، كان سؤال الجدوى يلح على أذهان الناس بحرارة في ظل ما يرونه بعيونهم من أمور كانت تحولاتها بادية لأن ما تعلموه وما آمنوا به راح الواقع يحاول تكذيبه، ويسعى لإحداث شرخ بين المرء ومحمولاته الفكرية والرؤيوية خلال تقديم الكثير من سمات الوقائع التي تناقض أو ترفض تلك المحمولات، وكانت الشعارات قد انتشرت وراحت تتكاثر بحماس شديد، ولقيت تشجيعاً يحاول أن يغطي عثرات الواقع وعيوبه، وكلما ارتفع شأن الشعارات وازدهر، كما هو معروف، كلما كان شأن الوقائع والأعمال يخفت وبرز للجميع الفرق بين ما يقال وما يتم صنعه، وازدهت وجوه المنبريّة التي كشفت الأيام التالية غُفلها وعدم جدواها""1".
إن هذه المرحلة تنبه المتابع على الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بحيث تضعه على المحك، ليرصد ويتابع ما يجري في حركة الواقع ومدى إمكانية تعبير الفن عما يحدث بعد أن استوت الأدوات التقنية وصارت في متناول يد ثلة كبيرة من الكتاب..
حول مرجعيات القصة وهمومها:
تابعت القصة القصيرة فى الجنوب في هذه المرحلة رصد مختلف تجليات الأحداث الاجتماعية والفكرية والسياسية، ويجد الباحث في هذا الميدان رؤية متميزة في التعامل مع عدد كبير من القضايا ذات الطابع السياسى والاجتماعى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" عبد الرحمن أبو عوف , البحث عن طريق جديد للقصة القصيرة ,صـ 111

ولافت للأنظار أن القصة قد واكبت الأحداث الكبرى التي حدثت مثلما عبّرت عن هواجس الفرد وآماله، وكانت خير معبّر عن طبيعتها وجديدها خلال أساليب فنية متميزة يمكن أن نجدها في عدد كبير من تجليات القصّ عبّرت عن مستويات فنية متقدمة أتيح لها أن تعلن عن نفسها، ولم تكن موضوعات كثيرة مما تُنُوول في هذه المعركة كان قد أخذ الصدى نفسه بل إن عدداً كبيراً خصت به هذه المرحلة نفسها، ولا يعود ذلك فقط إلى أحداث جديدة أفرزتها المرحلة ووقعت إبانها بل يعود في تجليات عديدة منه إلى اجتهاد القاصين وحرصهم على التجديد في الأسلوبيات الفنية، لذا فإننا نجد قصصاً فنية عن القمع مثلما نجد قصصاً كثيرة حاولت أن تشرك المتلقي في كتابتها عبر توجه مباشر من القاص إلى المتلقي، وقد نجح قاصون عديدون في الاستفادة من سيرتهم الذاتية، ناقلين إلى القراء معاناتهم في الكتابة والنشر والحياة. إضافة إلى تمكن عديد منهم في التعبير عن بيئات شعبية ذات خصوصية. وأفرزت هذه المرحلة تقنيات عديدة وجدت لها مكانة خاصة كالسخرية وسواها.
والمرء معني بالإشارة إلى أن مفهوم المرجعية هاهنا لم يتراجع بل نُظِر إلى المرجعية بصفتها مادة أولية للكتابة، وليست القصة محاكاة لها، بل إعادة بناء وإضافة وتخييل وشغل فني، وهذا أسهم في تحقيق مستوى فني معقول في معظم قصص هذه المرحلة.
رصدت قصص كثيرة جديد هذه المرحلة وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بخاصة أنّ الوعي والحركة الثقافية والفكرية والمطبوعات ووسائل الإعلام جعلت كثيراً من الأمور متاحة بين أيدي الجميع على الرغم مما بدا في المجتمع، من ذلك ما يتعلق بتحوّلات راحت تعلن نفسها اجتماعياً تشير إلى أن كثيراً من التعقيد والغموض في الآليات قد بدأ يسود، نظراً إلى تشابك الأحداث وإلى تحوّلات فكرية أسهمت في تغيير بنى جملة من العادات والتقاليد والأمور الأخلاقية والقيميّة.
1- مظاهر القهر:غالباً ما يرتبط مصطلح القمع بالأسباب السياسية، على الرغم من أن المرء يمكن أن يجد له أسباباً اجتماعية وفردية، ومن الممكن أن يتعرض له المستضعفون من مثل الأطفال والنساء ويمكن أن نجد بعض تجلياته لاحقاً.
وقد نسب القص الذي يخصّ هذا الموضوع في هذه المرحلة إلى حدّ كبير لأسباب سياسية، والقيام بأعمال من شأنها عدم موافقة توجه السلطة، لذا فإن القمع يكون عقاباً من السلطة لفئة ما أو تنظيم قام بأفعال لا تتوافق ومصلحة هذه السلطة أو تلك، ومن مظاهر القمع: السجن، والخوف الدائم، والعقوبات الأخرى المتنوعة.
ولخصوصية وضع البلاد إبان هذه المرحلة فقد نشط هذا النمط من القصّ بصفته أحد مظاهر الرصد لما حدث، إضافة إلى محاولته تقديم تأريخ غير رسمي لهموم فردية واجتماعية، بخاصة إذا كان هذا المنع قد مورس ضدّ تنظيمات بعينها لها أدباؤها، والمدافعون عما تقوم به وتصنعه، مثلما هي تحاول أن تصوّر ما حدث، مما يمكن ألا يسجله التاريخ الرسمي.
وقد عرف غير كاتب بهذا النمط من الكتابة وأبدى كتاب عديدون تميزاً خاصاً في هذا النمط، لأن قصصاً عديدة ابتعدت عن الصراخ والمباشرة، وحاولت توضيح آثار هذا الموضوع، وما أثاره من إشكاليات نفسية واجتماعية تركت بصماتها على حياة الناس مثلما شكلتْ شرخاً في نفوس كثيرين أصيبوا بحالة قنوط، وباتوا يتساءلون عن جدوى هذا الواقع فى ظل هذه الممارسات
فمحمد عبد المطلب فى مجموعته القصصية "ثرثرة رجل طموح" يرصد ذلك الفساد المنى وقضايا التعذيب وحكايات زوار الفجر ففى قصة" الجيل" يؤكد القاص على رسم مالمح الجيل القهور سيايسا وبوليسيا فيقول" إن صلاح يحمل نفس السنوات التى نحملها على اكتافنا لكن صوته الهادئ يحمل ملامح مأساتنا وافراحنا القليلة , هل ننسى صوته الهادئ وهويقول لنا فى أحلك اللحظات وأبداننا تعوى من صفع الهروات سيأتى يوم نعرف فيه طعم الابتسامة سيأتى يوم يصير زمام الامور فى أصابعنا""1" واذا كان محمد عبد المطلب فى هذه القصة يشير الى التفاؤل بمسقبل سياسى منصف الا انه وفى نفس القصة يكشف عن خداع السلطات لجيل الذى مر عمره ولم يفعل شئيا فصلاح بطل القصة المفقود والمتعلق به مستقبل الجيل حين يتم العثور عليه لم يكن صالحا بل تائها وسط جموع البشر قد كسر راسه تاج الشيب الابيض عنده يكتشف السارد ان الجيل كله يحمل نفس التاج بيد ان محمد عبد المطلب لم يفقد الامل ويراهن فى مجموعته على مسقبل سياسى افضل
وكان هذا المسلك في التعبير قد أضفى على الموضوع أبعاداً خطيرة جعلت منه موضع نيل احترام وعطف وتجارب في المشاعر من الآخر، حتى لو اختلف مع الرؤية أو تلك، وذلك بسبب الطريقة التي تنوول خلالها، وهي بلا شك طريقة ذكية ومحسوبة، وكانت معظم القصص التي عالجت هذا الموضوع ذات مستوى فني عالٍ، وهو ما يجعل المرء يستعيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
"1" محمد عبد المطلب , "ثرثرة رجل طموح" , الهيئة العامة لقصور الثقافة ,صـ13

الأمل في إمكانية كتابة قصص ذات موضوعات سياسية ضاغطة إنما بأسلوب فني ملفت بتقنياته وتجلياته.
وياتى فاروق حسان فى مجموعته " الجرذان" كاشفا عن هذا العنف السياسى ويرصد فاروق حسان فى قصصه ذلك التطور الى الاسوأ فى الدولة البولسية التى تخلت عن الهراوت الى وسائل سياسية اكثر خبثا ومنها الرعب النفسى ففى قصة " التحقيق" يكشف فاروق حسان عن وسائل الامن الحديثة فى التعامل مع المتهمين السياسيين والاجهزة الحديثة الت تستخدم فى التحقيق " ألقوا بى امامه ورفعوا العصابة مضيت فترة قبل ان اجمع ما تبقى منى واتبين ما حولى سألنى عن الحال قلت اننى مررت بكل اجهزة الالم الوحشى سألنى عما إذا كانت لى ملاحظات عليها قلت إن بعضها بدائى لكن غالبيتها حديثة وجميهعا وبشكل عام تؤدى مهمتها بدرجة لا توصف""1"
والقصّ الذي حمل تجليات القمع الذي يتعرض له الانسان ، لم يعبر عنه فقط بصورة مباشرة وإنما يمكن للمرء أن يلمسه في هذه النبرة الحزينة عند كثير من ابطال القصص المقهورين نفسيا ومن خلال احلامه بالخاص من اوضاع القهر
فزكريا عبد الغنى يهرب الى الحلم للتعبير عن سطوة الحاكم متخذا منه قناعا يطل من خلاله على القهر وتلسط الحكام وغياب الديقراطية واحترام أدمية الانسان واللعب بمقدرات الشعوب ويبدو ذلك فى مجموعة" الغرف البنفسجية" ففى قصة حلم السلطان يستخدم زكريا عبد الغنى شكلا ساخرا فى السرد القصصى وهو شكل ذو حدين يعبر عن واقع قهر السلطات للشعوب ويكشف عن خوف السلطات ايضا من الشعوب ولقد عمق زكريا عبد الغنى قصته بذلك الوعى الحاد الذى ربط بين الواقع والحلم فى قصة فنية رائعة فالسلطان يحلم ذات ليلة حلما مزعجا مؤداه انه رأى شخصا طويلا هزيلا محنى الظهرفى لحيته شعيرات بيضاء قليلة متناثرة مجعد الجبهة غائر الوجنتين حاسر الرأس مهلهل الجلباب اسمر الوجه حافى القدمين يقتله ""2" هنا يعمد القاص نحت شخصية القاتل نحتا ويؤكد على هذه الاوصاف ليسقطها على هذا الشعب الهزيل الجائع الذى يفزع السلطان ثم يعمد القاص الى رد فعل السلطان تجاه هذا الحلم فيصف لحرسه اوصاف هذا القاتل فينطلون فى الطرقات يخربون ويحطمون ولكنهم لا يجدون من يبحثون عنه فيكف السلطان ويتحول الحلم مجرد طرفة يتندر بها لكن القاص لم يقف عند هذا الحد بل عبر عن ذاته هو فى نهاية القصة او
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاروق حسان, " الجرذان" " أصوات ادبية" الهيئة العامة لثصور الثقافة , صـ 185
"2" زكريا عبد الغنى, الغرف البنفسجية, دار الكتب العلمية,صـ 103

احلامه تجاه السلطان حيث يصحو السلطان ذات ليلة فيجد بشرا لا حصر لهم شاهرى سيوفهم حاسرى وجوههم وجميعهم كان اسمر الوجه حافى القدمين" وقبل أنت ينطق بالشهادتين صاروا جميعا ذلك الرجل الذى رآه فى حلمه ذات ليلة وتبدو سخريت ونبرته الحزينة مغلفة لهذا الحم
إن ظلامات السجن وأجواء الاعتقال لا يمكن أن تجعل المرء ينسى بعض تفصيلاته الحياتية اليومية التي تحجز لنفسها أبعاداً نفسية محفورة بعمق في جدران النفس الإبداعية التي آلمها الظلم والاعتقال، وقد نجح القاصون في تنبيه المتلقي على خصوصية ظروفهم لأنهم قدموا رؤاهم ضمن بيئات متنوّعة ومزجوا اعتقالهم بحالات فقدٍ لأشياء حميمية في حياتهم.
ففى قصة " مأوى " يكشف فاروق حسان عن حالة أخرى من التعذيب تصيب بطل قصته بالرعب لدرجةأنه يخشى لو تحدث لقطعوا لسانه" فى المساء عدت الى حجرى أنّ الباب وانا اخرج المفتاح أكف قصيرة طرقتنى طوال النهار لم أقل شيئا فقد بروت فى العتمة المنتشرة قفازات كثيرة انشبت مخالبها فى عنقى ساقى ذراعى كتفى فخذى شعرى أصابعى أطبقت فمى جيدا حتى لا يتبينوا لسانى" "1"وتظل هذه الاشياء محفورة فى ذاكرته وتكسبه قيم الصمت والخوف فى واقعه بعد ذلك
وتغدو بعض الأسئلة مشروعة في ضوء ما حدث، فحجم ما حدث لم يكن هيناً ولا سهلاً، ويتساءل شخوص عديدون عن جدوى البحث عن الحرية ومعانيها في ظروف كظروفهم يبدو فيها أن لا جدوى من شيء فهذا الشيء بقي جسداً دون روح، اسماً دون دلالته الأصلية التي جرّد منها تجريداً تاماً ففى قصة الجيل يصور محمد عبد المطلب ذلك فى رد زوجة صلاح عليه حين ذهب يسأل عنه" فتحت لى اباب زوجته ولما سألتها عنه كانت هى اول من تفحصنى بعينين وجاجتين وواحهتنى بوجه أصم ولم ترد على إنما أغلقت الباب فى وجهى واطلقت على سيلا من الشتائم "
هذا الجزء يعبر عن رؤيتين فكريتين فيهما الكثير من الطرافة المرّة التي تكشف أبعاد الظالم والمظلوم، إذ يحرص القاص على نقل أبعاد الموقف مصورا عدم الايمان بجدوى ما يفعله زوجها ورفاقه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
"1" الجرزان , صـ 184

وقد استجاب القاصون لحالة الرعب التي تسيّدت المواقف آنئذ بحيث صار الانسان ينظر الى نفسه والى الآخريت بضآلة بل يصلون عنده الى الحشرات ويصور ذلك زكريا عبد الغنى فى قصة " النوم فوق حبل غسيل" مؤنسنا الحشرات فى محاولة للتأكيد على ضآلة عالم الانسان فى ظل القهر والقمع " حانت ساعة الانصراف شردت من المبنى ألوف الحشرات الزاحفة والضفادع والزواحف الصغيرة سرعان ما انتشرت فوق أرض المزدحم بالعربات الزاعقة وتلاميذ المدارس ولما كان الشارع مكتظا فقد فكر الخارجون فى طريق للسير تسلقت الحشرات العربات وقفزت الضفادع فوقها ولما كنت حيوانا زاحفا وذكيا فكرت ان اصل الى بيتى زاحفا تحت العرباتن وكنت اخرج لسانى الطويل من اسفلها متهكما من الواقفين المحتشدين الذين لا يستطيعون المشى خلال الزحام""1"
ويبدو طريفاً مثل هذا التخييل الذي استفاد منه القاص، ومع أنه يميل إلى فكرة محددة، إلا أن القاص أضفى بهذا التخيل على الفكرة شيئاً من الحيوية خلال الحكى الذي يحيل إلى وقائع مريرة
ويصور عبد السلام ابراهيم فى قصة " بيت الثعابين" ذلك الهر الناتج عن الصراع بين الحاوى والخالة حليمة وكلاهما يمارس قهره على الثعبان الكبير الذى ادعى الحاوى انه موجود فى بيت الخالة حليمة وما ان يخرج الثعبان مستجيبا لأمر الحاوى حتى تتلو عليه الخالة حليمة تعويذتها فيرتد الى جحرة اخرى ويستمر الصراع بين الحاوى والخالة حليمة حتى ينهزم الحاوى فيخرج من جعبته كل الحيات التى جمعها من القرية وتتسلل فى طريق السيطرة على النجع ولكنه يقرأ عليها تعويذة الخالة حليمة فتعود فى وقار الى حجورها انها سلطة القهر والحكمة فالحاوى ذلك النموذج للنصب لا يفلح امام خبرة الخالة حليمة رمز الحنكة الزمنية زما هذه الحيات الا معادل فنى للمقهورين الواقعين بين فكى الحيلة والخبرة
وتقول هيام صالح فى قصة " ورود"على مكتبي مشمّع أنيق تسكنه الورود .. بعض الوريقات داكنة، والأخرى فاتحة اللون. أسدد إليها نظراتي فتتفتّح الوردات عن طفلات يرقصن في فساتين واسعة قصيرة، وشعورهن تنعقد بفيونكات في ذيول أحصنة، وأطفال يرقصون بوجوه مبتسمة وخصلات ناعمة تبدو من تحت الطواقي الجميلة. يتوقف رقص الورود الطفلات والطفلات فجأة حين يلمحون وردة ضخمة تنشق عن سلطان الحواديت بوجهه الجهم وكرشه الضخم خلفه حاشيته. يأتي يبتلع كل الحلوى .. كل الضحكات .. كل نغم الموسيقى. تنغلق بعض الوردات وتتوارى بعيداً .. بينما يقف بعضهم في صف واحد ووجههم للجدار»
فهذه القصة تستدعى صورة القهر حتى فى عالم البراءة وهو عالم الاطفال فسلطان الحواديت هو الرز القابع فى واعية القاصة للشر الذى يقهر كل شيئ ويفسد الحياة حتى اننا نرى الحياة لونا واحدا علينا ان نحياه مقهورين وهذا ما عبرت عنه في قصة «بالألوان»: حيث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" زكريا عبد الغنى , بقع الضوء الملونة.دار المنار للطباعة,صـ84

تقول «حين أدرتُ تلفاز أحلامي جاء العرض باللونين الأبيض والأسود .. ظللتُ أتململ. فجأة اصطبغت الشاشة بلون واحد: الأسود فقط! .. كانت الأيدي تكبلني لمقعدي لأستمر حتى نهاية العرض‍ الحزين»"1"
وفى رؤية اخرى يقدم حشمت يوسف نوذجا أخر من القهر الشعبى تحت سلطة المعتقدات الشعبية فى قصة "ضريح الشيخ عيد فانوس" فبطل القصة الشيخ عيد فانوس الذى هبط الى المدينة دون مبرر يحتل مكانة عالية بين افراد المدينة ويصبح قديسا ووليا فى نفس الوقت تحت وطأة القهر الشعبى لكن الاعيب السياسية ارادت ان توظف هذا القهر لصالح السياسة وذلك حين يستغله مرشح مجلس الشعب فى الدعاية ويلبس بنطلونا جينز وتى شيرت رسم عيه الفانوس رمز مرشح المدينة ويطوف الشيخ عيد ارجاء المدين فى مظاهرات تأييد المرشح وهويتحدث بحديث غير مفهوم وتهلل الجماهير للشيخ المؤيد للمرشح والكل يسمع والكل يفسر ما ينطق به الشيخ عيد حسب مكنون نفسه
ولعل فى مثل هذه الانماط من القصص التى التقطت ذلك القهر السياسى والاحتماعى ما يعطى صورة حقيقة ليقظة كتاب القصة فى الجنوب ومسايرتهم لهذه المرحلة والتعبير عما يمور فيها من واقح ساسى طاحن للشخصية المصرية فى انتهازية تسعى الى تحقيق مصالح فئة معينة من الناس فقط
2- منظومة القيم
وحين تفقد الأنظمة والقوانين وتغدو الرغائب هي القوانين لابدّ من أن يكون لذلك ثمرات على الأوضاع، وبالتأكيد ثمرات بائسات نظراً إلى الطبيعة المتأصلة في نفوس كثيرين يحاولون استغلال هذه الظروف ليحققوا السيّئ من رغباتهم وأهدافهم، وحين تغدو القيم والمبادئ ميداناً للهزء والسخرية فإن كلّ شيء يفقد أهميته وأحقيته بالوجود لانعدام كل مبررات هذا الوجود إذ تستمد المبررات جلّ جدواها خلال اتكائها على منظومة المثل السامية التى انعدمت وحلت محلها القيم المادية البشعة الامر الذى خلف صراعا مريرا بين الاجيال وهذا ماعبر عنه احمد ربيع الاسوانى فى قصة "التبلور" حيث ذلك الحوار بيت نوال وماريا والام فنوال ترى ان اباها عاش زمنا يرفل فى الصدأ ولا شئ فيه يدعو الى التفكير بينما الام تدافع عن جيلها وسيادته فى حين ان ماريا ترى انه على الانسان ان يتصالح مع الزمن كى يستطيع ان يعبر فوق كتفيه مفازة الحياة وان الاشقياء هم الذين يكتفون بترجمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" هيام صالح , للجبل أغان أخرى، سلسلة «أصوات معاصرة»، العدد (69) صـ 36

افكارهم الى اسئلة فى زمن يتأذر بالضباب ويتكئ على حد الدولار فلم يعد هناك مجال للقيم والاخلاق فالتفسخ الاجتماعى الذى احدثه الفساد السياسى افرز الفردية والانانية والتصالح مع الزمن اى زمن بما يحمل من قيم مهما كانت هذه القيم
ومحمد عبد المطلب فى قصة" المنفى" يصور ما آلت إليه الأحوال من حيث تغيير الحق إلى باطل، وكيف أصبحت الأحوال، والإمكانات التي جعلت من يملك السلطة والمال قادراً على ازاحة كل من يقف في طريقه بحيث صار المجتمع تيارين، أحدهما صحيح والآخر خاطئ، ومطلوب من المنضوين تحت كل تيار أن يعيش مهما كان الثمن، وعلى الرغم من الأرق الذي يستولي على بعض الشخوص إلا أنهم في النهاية ينتصرون لقيمهم ويرفضون الانكسار، بخاصة إذا كان الثمن غاليا ً فبطل القصة الذى يمثل التيار الفقير حين يقترب من احد المطاعم الراقية التى تضم الفئة الاخرى الغنية من المجتمع يستنكر الاغنياء ذلك ويصرخ الرجل بصوته الخشن "كيف تسمحون لهؤلاء بالمجئ الى هنا؟ واستخدام اسم الاشارة الجمعى "هؤلاء" يشير الى وحدة شعور البطل بفئته فى مقابل الفئة الاخرى
ثم يأمر هذا الرجل الحراس بالقاء بطل القصة خارج المكان
ويصور عبد الرحمن الشريف فى مجموعته" مسافر نحو الداخل""1" الكثير من مظاهر انيار القيم وتسلط الاغنياء على الفقراء وارتفاع صوت الفرد المالك على صوت الفقير المقهور فسكر افندى فى قصة " حكاية سكر افندى " مقهور من قبل ذلك المدير التسلط والذى يعلو صوته عليه حين وجد بقاي سكر على مكتبه الامر الذى دفع سكر افندى يسعد كثيرا لموت المدير وهى سعادة للتخلص من التسلط والقهر وذلك المسافر الذى يستغل عدم وجود ثمن التذكرة مع السيدة التى حاصرها الكمسارى فيدفع ثمن التذكرة فى مقابل أن يوقع فها فى شرك الفساد
3- الهموم القومية
لم يغب عن ذهن كتاب القصة فى الجنوب ذلك الهم العربى فلم تقصر مخيلة السرد لديهم على مجتمهعم الداخلى بل تجاوزت ذلك الى الهموم العربية والاشتغال على القضايا العربية بعيداً عن دعاوى الالتزام والشعارات الصارخة مما أدى إلى أن يغدو هذا المحور من البؤر الرئيسية في الكتابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الحمن الشرف , مسافر نحو الداخل ,سلسلة اشراقات , الهيئة العامة للكتاب,صـ54

ولعل من تجليات التطور في تناول الموضوع القومي ما يلحظه المرء في آلية تناول ما حدث فى الانتفاضة الفلسطينية مع حماس لافت في التناول ربما أدت إليه حرارة الحدث واضطرامه اليومي ومفاجأته، ولأنه يعيد شيئاً من الأمل المهدور ويشكل عودة للروح، بخاصة أنه كان سبباً مهماً في إعادة رأب بعض صدوع النفس العربية المكسورة الخاطر لكثرة ما تعرضت له من انتكاسات وارتكاسات على مدى ثلاثين عاماً ونيف.
ولم تكن قصص كثيرة ابنة لهذه المرحلة، إذ من الواضح أن عدداً منها قد كتب في مرحلة سابقة إلا أنها لم تنشر إلا في هذا العقد وهذا من المعتاد أن يحدث في كل مرحلة.
وقد تقاسمت القصص ذات الطابع القومي والوطني همومٌ معينة، بعضها يتعلق بالموضوع الفلسطيني في تجلياته المختلفه وبعضا عرج على صورة الاخر الامريكى او الاسرائيلى ولعل تناول كل هذه الموضوعات السابقة يعطي أدلة وثيقة على أن حقوق الشعوب تبقى راسخة في ذاكرة التاريخ، وما تتعرض له هذه الشعوب لا ينسى بين ليلة وضحاها، بل إن الأحداث التي تمس الوطن لا يمكن أن تدخل في دفاتر النسيان، لأنها تبقى لمدة غير محدودة تمد أبناء الشعب بأسباب القوة والاندفاع؛ بخاصة إذا غدت رمزاً وطنياً. ومن الممكن أن يعطي مثل هذا الأمر درساً لا يُنْسى للمستغلين مهما كانت البراقع التي يختفون خلفها.
اولا القضية الفلسطينيةونقف فى هذا الجزء عند نموذجين يبدو بينهما تباين فى عرض الانتفاضة الفلسطينية الاول يقتصر على مجرد التسجيل فقط وانما كان للانتفاضة حضور خاص فى قصته وكأنه واحد من اهل فلسطين ويتجسد ذلك فى قصة احمد الليثى الشرونى " فى حقيبتى حجر" حيث تصور القصة ذلك الطفل الذى مات اخوه ماجد من قبل فى الانتافضة والذى حين يخرج الى المدرسة مع رفيقته سلمى تضع امه فى حقيبته حجرا وهو يرى كل الاطفال يضعون فى حقائبهم احجارا الاسلمى التى تضع لوحة ويتناول القاص مشاعر الانتفاضة من خلال احداث القصة معكسوة على الكبار والصغار ونبرة الحزن البادية فى معاملة الاباء للابناء لكن تظل صورة الانتفاضة والجندى الاسرائيلى تسيطر على ذهن نطل القصة ذلك الطفل البيرئ من ناحية اخرى أخرى صورة الاخ ماجد هى القيمة التى يسعى اليها البطل ولعل هذا الاقتباس يختزل تلك الرؤية"اشياء كثيرة تذكرنى باخى ماجد حتى القمر عندما يكون بدرا احدق فيه كثيرا واخاف السماء بلونها الاسود عنمدا يهجرها القمر ويترك النجوم تائهة
ابى احب الذهاب الى اخى ماجد
-عنمدا تكبر سيكون مصيرك مثل .....
ولم يكمل ابى حديثه وراح ياخذنى فى حضنه حتى شعرت انى تلاشيت بعد الظهيرة ونحن عائدون من المدرسة فتحوا علينا النار توارينا خلف ساتر ورحنا نفتح حقئبنا امطرناهم بوابل ما الحجارة فروا هاربيت تعجبت سلمى وفى اليم التالى اخرجت اللوحة ووضعت مكانها حجرا""1"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احمد الليثى الشارونى , عنما نغنى رغم الوحع, الهيئة العمة لقصور الثقافة صـ 64

ان القاص يكرس جهوده فى هذه القصة للإشارة إلى أهمية النضال أو لتصوير بعض ما قام به العدو، أو تسجيل بعض ما حدث من بطولات وبمشاعر المعايشة من الداخل والتعمق فى بروز حالق القاص وكانه واحد من افراد الانتفاضة رغم انه لم يكن كذلك ولكن استغراقة فى التأثر بها جعله جزءا منها حتى انه كان حريصا على استخدام مفردات خاصة بالشعب الفلسطينى مثل مفردة " الناطورة" وهى الة رمى الحجارة
والنموذج الثانى لاحمد راشد البطل فى قصة " الرن .. روبى" وهى قصة اعمتدت على فن الكولاج فى ربط الداخل بالخارج الداخل العابث اللاهى الفوضى بالخارج المنظم المقبل عى الموت فالقاص يربط الشهيد الفلطينى الرنتيسى وبين مغنية الاغراء الجنسى روبى فيما يشبه تترات السينما التى تعرض مشاهد مختلطة لكنها تشير الى الى مغزى المعروض واحمد راشد بخلقه هذا اللون الكولاجى اوقعه فى براثن التسجيلية لكنه عبر من خلاله عن موقفه تجاه الخارج والداخل وفضحه وعبر من خلاله عن تحمسه للقضية الفلسطينية وكراهيته للاوضاع الداخلية التى يشيع فيها الفساد
هل سأخرج للناس عارية
لكنك سترتدين فستانك هكذا كى يبقى حسدك ثائرا ارتديه بدأت الطقوس احتكاك الفستان الحريرى بجسدى الخالص يشعل فى داخلى قشعريرة يتبعها تيار كهربائى يليه دغدغة تنتهى بحالة من النشوى والهستيريا تبعث الى الجميع كل مقومات الرغبة فى الانتقام فبعد انتهاء مراسم الدفن جلست مع شيخى نتابع سويا الاعداد لاستكمال المسيرة كانت تلك الصواريخ تزلزل بيوتهم امتلأت بمشاعر الفرحة استقبالا لذلك الرفيق الذى افقدهم احد جنودهم فى الشهر التالى كان القائد الجديد بجوارى يستطلع انباء الاستعداد لتلك الحفلة تحت سفح الاهرامات"
ويبدو أن القاص اراد تأكيد مقولته القصصية من خلال الاتكاء بكثير من المباشرة على مرجعياتها وأصولها من مثل ما يُسمع في الأخبار أو بعض الأغاني أو سوى ذلك من المقولات، وهذا مقصود منه ليسخر من الواقع السياسى الذى يترك القضية الفلسطينية ويهتم بحفلات تقام تحت سفح الهرم مما يؤثر فى تراجع دوره اقليميا
ثانيا صورة الاخرالتقط كثير من القصص صورة الاخر المتمثل فى الامريكى او اليهودى مصورة الموقف الشعبى الكاره لهذا الاخر مخالفا بذلك الموقف الرسمى للحكومات العربية ففى قصة " اتفاق" يصور محمد عبد المطلب كم مشاعر الكراهية لهذا الرجل اليهودى الذى كان يجلس على المقهى وفى اشارة فنية جميلة يصور القاص عدم رغبة الوعى الشعبى فى الاحتفاظ بصورة اليودى رغم انه يصدمه كل يوم فى وسائل الاعلام المختلفة حيث يذكر
" كنت بالمقهى فى مدخلها شاب اجنبى شعره يسقط على كتفيه وانفه معقوف ولافت للنظر تساءلت اين رايت هذه الملامح؟ ومضت الاجابة فى ذهنى كالبرق فمثل هذه الملامح رايتها فى سنوات سابقة لكن فى بذلتها العسكرية"
ثم يعمد الى تصوير كراهية كل فئات الشعب لهذا اليهويدى وحساسية حتى الطبقات الدنيا تجاهه فحين يشير هذا الجنبى الى ماسح الاحذية بالمقهى وبمجرد ان يقترب منه وينحنى ليلتقط الحذاء صاح الجرسون هذا كوهين يهودى اعتدلت قامة ماسح الاحذية بسرعة وتلقائيةواكتست ملامحه بالزدراء رددت بصرى بين الجرسون وماسح الاحذية واكتشفت ان ملامحى ايضا اكتست بنفس الازدواء""1"
وابتسام الدمشاوى فى قصة "تمثال""1" تكشف زيف الادعاء الامريكى للحرية وكراهيتها للعرب فبطل قصتها الذى ضل الطريق فى امريكا ولم يعثر على من يبحث عنهم تقوده قدماه الى تمثال الحرية الذى تساءل ما اسمها لينام نام وقتاغير قليل تحت قدميها ثم يوقظه الجندى ويقتاده الى قسم الشرطة وسأله لماذا نمت تحت تمثال الحرية الا تعرف ان هذا ممنوع؟ هنا وجد الاجابة على تساؤله ما اسمها ولكن حيره سؤال اخر لماذا سموها بهذا السم
ان هذا الاستفهام الاستنكارى من بطل القصة يختول دلالات رؤية العربى لا مريكا ومعرفته كنه خدتعها وزيفها وانها ابعد كثيرا عن الحرية مخالف بذلك المقولات التى تروجها امريكا بين العرب من اناه بلد الحرية ومخالفا وجهة النظر الرسمية التى تعطى انطباعا اخر عن امريكا
زهذه نماذج قليلة من ابداعت كثيرة لكتاب القصة الجنوبية والذين استطاعوا ان يجعلوا من الواقع العيني مدارات لها فتخرج قصصهم متسكعة في الشوارع وتدخل الحانات والمساجد والحمامات والبيوت والأفران والأسواق، فتكون أحداثها وشخصياتها من تلك الفضاءات… و اذا كان من الأدب ما يرحل إلى الماضي والماضي السحيق فيجعل من التاريخ مناخاته التي تعلن عن أسئلتها الخاصة. بينما يجنح بعض الأدب نحو المستقبل لاستشراف الممكن فإننا لم نعثر خلال ما وقع فى ايدينا من قصص الحنوب على قصص تستشرف المستقبل وتستشفه بل كلها اتكات على الماضى كمرجعية أساسية للقص والحكى الفنى بيد ان هذا لا يقلل من قيمة النماذج القصصية فى الحنوب على المستوى الفنى الجيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"1" ثرثة رجل طموح,صـ 79, 80
"2" ابتسام الدمشاوى , موعد مع أبى الهول ,صـ 61
للمزيد من مواضيعي