في الحضارة الحديثة إدراك متزايد بأن الكهولة هي فترة تغير وتطور. كان مفترضاً في ما مضى أن الرجال والنساء على السواء في سن الأربعين تحجروا في طرق عيشهم بحيث لم يعد يُنتظر منهم إلا تغيّر طفيف. وهذا ما أبدته الإحصاءات إلى حد ما. غير أن الإنطباع آخذ في الإزدياد أن سن الكهولة يمكن ويجب أن يكون الزمان الذي فيه تنمو اهتمامات جديدة وفيه تحدث انطلاقات جديدة.

الإضطرابات الإنفعالية في سن الكهولة هي من الشيوع بحيث أن الأطباء النفسانيين كثيراً ما يتحدثون عن (أزمة الكهولة). كان يُعتقد سابقاً أن هذه الأزمة تنتاب النساء على الأقل، نتيجة لبلوغهن (منتصف العمر) أو سن اليأس. نعم إن بعض النساء يعانين أعراضاً جسدية مزعجة في هذه الفترة ويصبحن سريعات الإنفعال ومتقلبات المزاج.

لكن المعالجة الحديثة بالهورمونات – مع أنها لا تزال موضع جدل – تستطيع تخفيف أكثر هذه الأعراض. فضلا عن ذلك تبين بالدليل القاطع أن الإعتقاد السائد بأن النساء يفقدن بعد سن اليأس شهوتهن الجنسية اعتقاد خاطئ.

غالباً ما يمر الرجال أيضا بأزمة (منتصف العمر) لكن لم يعد هناك إجمالاً من يعتقد أن ذلك ناتج عن حدوث شيء عند الرجل يعادل سن اليأس عند المرأة. فما هو إذن سبب أزمة الكهولة وما هي الأشكال التي تتخذها؟

إن الإسم ذاته يوحي بسبب واحد. في منتصف الحياة يكون الرجال والنساء على السواء في المرحلة التي يكونون قد حققوا معها طموحاتهم. فإذا كانت الأمور قد جرت على ما يرام، تكون الأهداف الرئيسة (بالنسبة للرجل استقراره في مهنة أو وظيفة، وبالنسبة للمرأة تأسيس عائلة) قد تحققت. مع ذلك تشعر نساء كثيرات بأنه لم يبق لهن شيء بعد أن أصبح الأولاد لا يتكلون عليهن، وبأن سنوات العناية بالأولاد وبالأعمال المنزلية قد جعلتهن غير صالحات للعمل خارج البيت، كما يشعر الكثيرون من الرجال بأن ما بذلوه من الجهد للنجاح جاء في غير موضعه.

من المؤكد إذن أن لا تكون في هذه الفترة جميع أحلام الشخص قد تحققت، وأن يشعر بعضهم بالكآبة عند اضطرارهم إلى التسليم بواقع حياتهم وبالتخلي عن بعض آمال الشباب.

نقطة التحول الخلاقة
تدل دراسة حياة الرجال والنساء من ذوي المواهب الخلاقة على أن أعمالهم كثيراً ما يتغير نمطها في مرحلة الكهولة، فبعضهم لا يبدأ إنتاجهم الخلاق إلا في هذه الفترة من حياتهم. وبعضهم أظهروا عمقاً متزايداً ميّز عملهم اللاحق عن عملهم السابق.

لقد أظهر العباقرة الخلاقون في أعمالهم أنهم عانوا الصراعات ذاتها التي عاناها غيرهم من الناس، وأنه بإمكان غيرهم التغلب مثلهم على هذه المصاعب بتغيير نمط حياتهم.

اكتشاف أهداف جديدة
غالباً ما تكون النقطة الوسطى من الحياة فترة لإعادة اكتشاف اهتمامات ونواح في الذات كانت قد أهملت لعدم توفر الوقت الكافي للعناية بها. فقد كانت لأكثر الأشخاص المتوسطي السن حماسات في سن المراهقة لم يكن باستطاعتهم تلبية ندائها، كالموسيقى والرسم والأدب والبستنة وتربية النحل ورعاية الطيور. قال عالم النفس الكبير كارل يونغ الذي تخصص في معالجة المرضى من متوسطي السن، أن التثقف هو هدف النصف الثاني من الحياة، وأن ما نحتاج إليه هو مدارس لذوي الأربعين، وكان هذا اقتراح يتسم بالتبصر.

الخطأ الكبير في سن الكهولة هو الإعتقاد بأن الوقت قد فات لمتابعة البحث عن أي شيء جديد. لقد اعتقد علماء النفس لمدة من الزمن أن الكائن البشري تدفعه دائماً حاجته إلى تخفيف حدة التوتر والوصول إلى الراحة التي تتحقق عندما تشبع الغرائز وتسد الحاجات مؤقتاً.

لكن تبيّن أن هذه الفكرة غير صائبة. فالدماغ يعمل بطريقة أفضل حين تثيره حوافز جديدة مختلفة. ضع إنساناً في غرفة مظلمة حاجبة للصوت، حيث لا يقلقه ولا يزعجه شيء، فماذا يحدث؟ إنه يصبح عرضة للهلوسات ويطلب إخراجه من تلك الغرفة.

إن المشكلات الجديدة هي جزء حيوي من الحياة، وإذا لم توجد فمن الضروري خلقها. على الرجال والنساء، الذين حققوا في منتصف حياتهم أهداف الشباب، أن يجدوا مشكلات جديدة يكافحون من أجلها واهتمامات جديدة ينهمكون فيها. إن اكتشاف هذه التحديات الجديدة هو إلى حد بعيد عبارة عن اتخاذ الموقف الصحيح.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة
الإعداد: محمود عباس مسعود