تطوير التعليم العالي في العراق - 1

كتابات - أ.د.محمد المصطفى العبدالله

مر القطر العراقي بظروف غير طبيعية عبر حقبات زمنية ادت بصورة او باخرى الى تدهور تدريجي بمستوى التعليم العالي في العراق.. و بين فترة و اخرى تجرى عملية تقويمية لتطوير التعليم العالي سواء كانت من خلال مؤتمر او ورشة عمل او ندوة.. و توضع توصيات و استنتاجات و مقترحات و قرارات كثيرة و لكن الذي يحدث ان هذه القرارت و التوصيات تبقى على الرف بكتاب جميل و يعتمد تنفيذها او العمل بها حسب توجهات الوزير المعني بوزارة التعليم العالي في تلك الحقبة الزمنية. يضاف لذلك ان القطر العراقي مر بسنوات عجاف بسبب الحصار الجائر الذي فرض عليه مما ادى الى التاثير على كافة نواحي الحياة في العراق ومنها التعليم العالي حيث عانت الجامعات من نقص كبير في المستلزمات الدراسية والبحثية وانعدام العلاقة مع الجامعات العالمية بسبب نتائج ذلك الحصار العالمي.
و بعد 2003 عندما احتل العراق ، فان التعليم العالي قد تدهور اكثر و ذلك بسبب عوامل كثيرة متداخلة قسم منها يخص التعليم العالي و القسم الاخر خارج التعليم العالي و نوجزها بما يلي:
اولا: مدخلات التعليم العالي
ان مدخلات التعليم العالي هم الطلبة الخريجين من الثانوية و الذين هم يحملون معهم خللا في الاعداد العلمي و السلوكي و الذي ادت اليه الظروف الامنية و هجرة التدرسيين سواء داخل العراق او خارجه... كما يضاف لذلك تفشي ظاهرة الغش و عدم وجود رسوب في المدارس الابتدائية و المتوسطة حيث ان المدرس و المعلم يخاف من الطالب الان مما يجعله يعطيه درجة النجاح حتى لو كان غبيا خوفا من الانتقام و الذي بدا كظاهرة غزت المجتمع العراقي.
ان اعداد الطالب يبدأ بالابتدائية.. و ان الاعداد في الابتدائية اصبح الان يأخذ منحى طائفيا مما يخلق تعصبا دينيا طائفيا و فئويا احيانا و هذا بدوره يخلق سلوكا اجتماعيا غير صحيح... و هذه الطريقة في التعليم تؤدي حتما لانخفاض المستوى العلمي و التراجع في مستوى المعلم و المدرس.. حيث ان الجيدين منهم يجدون انفسهم غرباء او يسيرون مع التيار خوفا من الانتقام او الاعتداء عليهم.
ثانيا: الاسباب المتعلقة بالتعليم العالي
2-1- تولي قيادات ادارية للجامعات و الكليات و المعاهد على اسس سياسية و حزبية حيث ان قسم كبيرا منهم ليست لهم امكانات علمية وادارية و هذا بدوره انسحب على الاقسام العلمية و اداراتها... ان القائد الاداري غير الكفوء يعمل على ان يختار للعمل معه اناس ضعفاء.. اي ذوي الامكانات غير الكفوءة، و هذه مسألة نفسية لكي يبقي يشعر بأنه افضل منهم .. و ان هذا ادى الى ارتكان العناصر الكفؤة و العلمية جانبا احتراما لعلمها و عمرها... يضاف لذلك ان الذي يدفع بهذا الاتجاه ( الانزواء العلمي) ان القيادات الادارية الجديدة تفتقد الى الاصول التربوية و كيفية التعامل مع الاستاذ الجامعي و احيانا حتى فقدان الاحترام ... و الدليل العملي من الواقع الحالي هو الفساد الاداري حيث نجد القائد العلمي و الذي المفروض ان يكون بعيدا عن الفساد المالي..... تجده منغمسا فيه الى حد التخمة.
ان وجود هكذا نوع من القيادات الادارية قد دفع الكثير من التدريسيين للمطالبة بالمواقع الادارية بحيث اصبحت ظاهرة في التعليم العالي.... حتى ان قسما من طالبي المواقع الادارية يعملون على جمع ملفات عن سلبيات و اخطاء الاداريين العاملين معهم لغرض استغلال الفرص لطرحها للحصول على الموقع بدلهم.
2-2- تعرض العراق لحصار جائر و الذي امتد منذ حرب ايران 1980 و لحد الان و الذي منع العراق من التطور و كان هناك دور رئيسي لايران و امريكا في استمرار الحصار الظالم الذي حرم العراق و شعبه من كثير من مستلزمات التطور والتقدم و هذه بدورها اثرت بصورة او باخرى على مستوى التعليم العالي في العراق حيث كانت عملية الحصول على اجهزة و معدات متطورة اشبه ما تكون بالحلم داخل مؤسسات التعليم العالي.
حتى ان الحصار قد خلق قطيعة ما بين الاستاذ الجامعي في العراق.. و ما يحدث من تطور تقني و علمي عالمي بسبب عدم امكانية مشاركة اساتذة الجامعات في العراق في المؤتمرات و الندوات و ورش العمل التي تعقد في دول المنطقة و دول العالم.. مثلا من الصعوبة الحصول على المصادر العلمية لمواكبة تطور البحث العلمي على مستوى العالم.
ان الحصار قد خلق تدهورا تراكميا في امكانيات الاستاذ الجامعي.. و كذلك في مستلزمات العملية التعليمية و مستلزمات البحث العلمي.
2-3- قلة التمويل الخاص بالتعليم العالي منذ بداية الدولة العراقية.. وهذا يشمل تمويل الجامعات و مؤسساتها البحثية... او اعداد و تطوير الكادر التعليمي في مراكز عالمية متطورة خاصة بالتعليم او بالبحوث.
2-4- تعرض الجامعات العراقية للتخريب بعد غزو العراق في 2003.
2-5- تعرض اساتذة الجامعات لعمليات التصفية الجسدية و النفسية و ما رافق ذلك من قتل و تهجير و تهديد مما ادى الى هجرة عقول عراقية كثيرة الى خارج القطر او داخله... مما جعل ان يجتمع اعداد كبيرة في مكان علمي معين و مثال ذلك منطقة الحكم الذاتي في كردستان.
2-6- قلة وتخلف المصادر للتعليم المجاني.. و المصادر الاضافية التي يحتاجها الطلبة و التدريسسين لاغراض البحوث و التعليم و خاصة طلبة الدراسات العليا... و حتى ان وجدت فهي مستنسخة و رديئة النوعية.
2-7- بعض الاسباب التي ذكرت في اعلاه جعلت نسبة التدريسيين من حملة الماجستير بحدود ثلثي عدد التدريسيين في الجامعة يضاف الى ذلك فان اكثر من ثلثي حملة الدكتوراه الموجودين حاليا في الجانعات العراقية من الخريجين الجدد. ان هذا يدفع للتردي و الضعف في مستوى الاداء التدريسي و تكون نتيجته ضعف مستوى المعرفة لدى الطلبة و هذا يؤدي الى تخرج مخرجات من الجامعة ذات مستوى علمي متدني.
2-8- تخلف المناهج الدراسية و طرق التعليم و عدم مواكبتها للتطور العالمي في المناهج و طرق التعليم و التدريس.
2-9- تردي اوضاع الابنية و الفضاءات و عدم وجود امكانية لتطويرها او زيادتها بسبب الحصار الذي فرض على العراق.
2-10- تخلف المختبرات و اجهزتها.. حتى ان الكليات لا تدرس طلابها المنهج العملي.. رغم انها كليات يجب ان يمتلك خرجوها امكانيات تطبيقية.
2-11- تردي الوضع المعاشي للشعب العراقي مما يدفع اعداد كبيرة من الطلبة و لاسباب اقتصادية ان يدرس و يعمل في ان واحد و هذا بدوره يؤدي الى اضعاف المستوى العلمي للطالب.
2-12- تسييس التعليم العالي.. و هذا بالتاكيد يؤدي الى تخلف التعليم العالي لان السياسيين في بعض الاحيان يفرضون ادارات على اسس سياسية و ليست علمية و التي تؤدي الى تدهور التعليم لان فاقد الشئ لايعطيه و الامثلة كثيرة الان على ذلك.
2-13- وجود عدد لا بأس به من حملة الشهادات المزورة.. و هذا منطقي بان المزور لا يمكن ان يكون علميا و انما من الرعاع.. و يخرج خريجا وفقا لصفاته.
الاستاذ الجيد يخرج طالبا جيدا و الاستاذ الفاشل يخرج طالبا فاشلا.
2-14- اصبح عرفا بان من يعين في موقع اداري في التعليم العالي يلتصق بالكرسي و لا يقبل مغادرته رغم فشله في الادارة العلمية.. و ضعفه العلمي امام تدريسيي كليته.. بل يسعى بشتى الطرق و قد تكون حتى الرشوة من اجل البقاء.. عكس ما موجود في العالم.. حيث ان الموقع العلمي محدد بسنين لا يتم تجاوزها مطلقا.
2-15- غياب الاساتذة الزائرين سواء كانوا محاضرين او اساتذة ممتحنين و مثال على ذلك امتحانات الهيئة العراقية للاختصاصات الطبية و كيف تحول امتحانها بحيث اصبح على غرار امتحانات الصف السادس في كليات الطب بالعراق.
2-16- عدم اهتمام مصدر القرار بتطوير التعليم العالي.. و يعتمد ذلك حسب العلاقات و المعرفة الشخصية.. اي لا توجد استراتيجية لذلك.. ما عدا كليات الطب حيث شكلت لجنة للاشراف عليها.. وانجزت عملا كبيرا و لكنه اندثر بعد 2003 بسبب الاراء المختلفة و تواتر الوزراء و دخول السياسة الى مراكز التعليم العالي.
2-17- عدم السيطرة و الدراسة لجودة الخريجين و امكانية الاعتماد الدولي.
2-18- مركزية وزارة التعليم العالي بحيث ان الجامعات فقدت حريتها في تخطيط سياستها العلمية و البحثية و مثال على ذلك بحوث الادوية و النباتات الطبية حيث ان الوزارة هي التي تحدد الراي بخصوصها .
2-19- افتتاح كليات و جامعات وفق معايير عشائرية و طائفية و ليس وفق المعايير العلمية الصحيحة و حاجة السوق.. مثال على ذلك الكليات المسائية و بتخصص القانون مثلا من اجل ان يأخذ منها شهادات العاملين في الاجهزة الامنية و الشرطة و الجيش و المسؤولين في مؤسسات الدولة و غالبية هؤلاء ذوي مستوى علمي متردي..و بذلك فان الوزارة قد ساهمت في تدهور التعليم العالي باضافتها خريجين يحملون شهادات و لكنهم اميون علميا.
2-20- تردي الوضع الاقتصادي للاستاذ الجامعي.
2-21- عدم وجود استراتيجية واضحة للعلاقة و التعاون بين الجامعات العراقية و مؤسسات الدولة الاخرى و التي المفروض ان يكون هناك دور للجامعة في خدمة المجتمع.. نظريا موجودة و لكنها عمليا لا تفي بالهدف الذي يجب ان تحققه.
* اكاديمي عراقي
* استشاري لمنظمة الصحة العالمية
* عضو المنتدى العلمي العراق
reconstructionatu@gmail.com

تنويه / كتابات لا تتحمل أيّة مسؤوليّة عن المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية عن كتاباتهم التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكيّة أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر .