أجهزة الأمن العربي ومنطق " العبد المأمور "
صالح النعامي
لم يحاول التنصل من المسؤولية عن قتل المئات ولا الزج بآلاف المعارضين السياسيين في غياهب السجون والتفنن في تعذيبهم، لكنه برر عمله بالقول أنه كان " مجرد عبد مأمور "..... كان هذا اللواء خليل الجواهشلي الذي رأس أحد أفرع المخابرات العراقية أبان حكم الرئيس صدام حسين ولمدة عشرين عاماً، الذي فر من العراق عام 1998 للولايات المتحدة، وقال بعدها " أنا مستعد للعمل تحت إمرة أصغر ضابط في وكالة المخابرات الأمريكية السي آي إيه من أجل إسقاط نظام صدام حسين ". وفي المقابلات العديدة التي منحها لوسائل الإعلام الأمريكية في ذلك الوقت يضيف الجواهشلي أنه لم يكن يوماً مقتنعاً بما كان يقوم به ضد أبناء شعبه.
لم يكن الجواهشلي الوحيد من بين قادة الأجهزة الأمنية العربية الذي يقدم نفسه كـ " عبد مأمور "، بل أن العاملين في المؤسسات الأمنية داخل العالم العربي يعترفون بأنهم مجرد " عبيد مأمورين ".
الحقيقة أن هذا الاعتراف يبرز أفظع الجوانب سواداً في العالم العربي، حيث أن أنظمة الحكم تعمل على تحنيط ضمائر العاملين في أجهزة الأمن وتدمير بقايا القيم لديهم ليصبحوا مجرد أدوات صماء لتنفيذ الأوامر. ولأنها أنظمة قمع تنقصها الشرعية الدستورية، تلجأ الأنظمة العربية إلى شرعية العنف، وتتوسع في إنشاء هذه الأجهزة، بحيث أن كثيراً من الشباب العربي لا يجد مجالاً للعمل إلا في هذه الأجهزة لكي يعيل نفسه وعائلته. وبذلك يرتبط مصيره ومصير عائلته براتب زهيد في آخر الشهر. ومن أجل ضمان هذا الراتب، فإن عنصر الأمن يتحول إلى " عبد "، مستعد لقتل أبناء شعبه وتعذيبهم والتسبب في شقائهم لمجرد تنفيذ أوامر تصدر عن عبيد آخرين، حتى تصل الأوامر إلى آخر العبيد، وهكذا...............
والذي يثير المرارة في النفس إن إسرائيل تتيح لجنودها رفض الأوامر إذا رأوا أنها تتعارض مع ما يمليه عليه ضمائرهم. فاليهود المتدينون يرفضون تنفيذ أوامر إخلاء المستوطنات، وبعض الجنود اليساريين يرفضون الخدمة العسكرية في الجيش بوصفه جيش احتلال........لم توجه إسرائيل تهماً بالخيانة العظمى للجنود الذين يرفضون تنفيذ الأوامر.
أن المنتسبين للأجهزة الأمنية في العالم العربي قادة ومجندين لم يولدوا عبيداً، وهم أحرار يستطيعون رفض الأوامر إذا كانت تتعلق بظلم أبناء شعبهم.