58- مسك الله الطير في جو السماء
قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل0
المسك الحفظ في المكان بكل معانيه، واستعمالات جذره، ولذلك سمي الجلد الذي يصنع منه قرب الماء أو اللبن وغير ذلك بالمَسك 00 فمسك الطير في السماء له أكثر من دلالة:
حفظ أجساد الطيور من السقوط بما وهب الله لها من الأجنحة، تحفظها في جو السماء من السقوط دون إرادتها، مما يجعل ذلك سببًا في هلاكها0
أن الله يحفظها في جو شديد البرودة في السماء من التجمد0
أن تحفظ عروقها من التفجر والنـزف فبعض الطيور يبلغ ارتفاعًا يزيد على 11كلم، وهذا الارتفاع لا يستطيع الإنسان أن يتحمل فيه قلة الضغط، وانخفاض الحرارة، ونقصان نسبة الأكسجين في الهواء0
لذلك جاء لفظ المسك دون غيره؛ لما فيه من حفظ حرارة الطير، ودمه، وقدرته على التنفس0
وبين تعالى في آية النحل المذكورة أن الطير مسخرات في جو السماء 00 فما وجه تسخير الطيور في جو السماء ؟0
بعد أن فتح الله تعالى من العلوم الكثيرة على البشرية التي مكنت العلماء من متابعة الطيور في رحلتها تبين أن الطيور:
تعمل على نقل البذور مسافات بعيدة لتنمو في بلاد أخرى أو قارات أخرى0
تكون طبقات من السماد في المناطق والجزر والمستوطنات تفيد الحياة النباتية0
أنها غذاء لبعض الحيوانات في المناطق التي تهاجر إليها، فتعمل على الحفاظ على استمرار نوعها0
كما أنها تتغذى على بعض الأنواع من الحشرات والزواحف والبرمائيات، فتساهم في توازن طبيعي في الأرض في المناطق التي تسكنها أو تهاجر إليها0
وذكر الجو في التسخير له أثره في التسخير؛ فجو السماء هو باطنها في حال الاضطراب وعدم الاستقرار، وهذا يساعد الطيور في رحلاتها الطويلة لتقلل من الطاقة في طيرانها الذي تقطع فيه آلاف الكيلو مترات، فتركب تيارات الهواء ومساراتها في حال ارتفاعها واندفاعها0
وفي سورة الملك يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك0
في هذه الآية يؤكد تعالى مسكه للطيور؛ أي حفظه لها في السماء0
وفي هذه الآية لم يأت بلفظ السماء ولا بلفظ الجو 00 ولكن ذكر أن الطيور فوق الناس، فدل على أنها في السماء، وليست ساكنة على الأرض، وهن صافات أي واقفات بانتظام في السماء، أو يقبضن أجنحتهن ليحافظن على ارتفاعهن أو تحركهن في السماء، فلما دلت الآية على مشقة الطيران التي لا تمكن الطائر من البقاء طويلاً في طيرانه لم تذكر السماء التي لفظها يدل على الديمومة والبقاء، ولم يذكر جو السماء لسكون السماء الذي دفع الطيور لتقبض أجنحتها وترفرف في السماء فوق رؤوس الناس 00فهذه الآية تعلقت في أنواع من الطيور غير المهاجرة، والله تعالى أعلم وللحديث توسع عند الحديث عن جو السماء0
المفضلات