آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الشعر الفارسي بين مرآة العصر وعبور الذات

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    06/12/2007
    المشاركات
    12
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي الشعر الفارسي بين مرآة العصر وعبور الذات

    الشعر الفارسي بين مرآة العصر وعبور الذات *

    د.احمد زنيبر

    يعد الكاتب الدكتور محمد اللوزي من بين الأسماء المغربية، التي اتخذت من فعل الترجمة مشروعا فكريا وحضاريا. فقد اتجه اهتمامه إلى ترجمة بعض الأعمال الإبداعية، شعرا ونثرا، من الأدب الفارسي إلى اللغة العربية، إيمانا منه بما لهذا الأدب من فائدة معرفية وثقافية تعودان بالفائدة على الأدب العربي وتمنحانه بعدا تواصليا مطلوبا.
    وانطلاقا من هذا الإيمان بجدوى الترجمة، نلاحظ حرص الكاتب في مستهل ترجماته، على وضع القارئ العربي في الصورة اللائقة، بهذا العمل الأدبي، بغية استقبال النصوص الفارسية استقبالا حسنا، وذلك من خلال ربط مضمون المادة المترجمة ومتخيلها في الوقت نفسه، بسياقها المرجعي والثقافي، حتى يتسنى لهذا المتلقي تبين القيمة المضافة التي يقدمها هذا المنجز الإبداعي الفارسي، مقارنة مع المنجز العربي، أو غيره من المنجزات الأخرى المنتمية لفضاء ثقافي مخالف.
    1/ فـي الـتـرجـمـة:
    تشكل الترجمة، كما لا يخفى، إحدى الضرورات الأساسية التي تسمح بربط جسور التعايش بين الثقافات والشعوب ودعم روح التواصل بين الأجيال، على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والحضارية. كما تساهم الترجمة في خلق حوار إنساني شامل يقوم على معرفة الآخر، عبر تبادل الرأي والخبرة والأفكار...
    غير أنه، مع هذه الأهمية التي تكتسبها الترجمة كفعل ثقافي، تنتصب أمام المتلقي أسئلة عديدة تطرح نفسها بقوة لعل من أبرزها وأكثرها إلحاحا ما يرتبط بمدى مصداقية هذه الترجمة في نقل المعنى الحرفي أو الحقيقي للنص الأصلي، من جهة، وما يندرج تحت إشكال وأشكال تفاعل المترجم مع النص المترجم، من جهة ثانية؛ خاصة إذا كان الأمر يتعلق بنص إبداعي يستند إلى مقومات جمالية وفنية.
    في هذا السياق، تأتي تجربة الأستاذ محمد اللوزي، حين اختار ترجمة نصوص من الشعر الفارسي إلى اللغة العربية، للتأكيد على ما يجمع الثقافتين الفارسية والعربية المعاصرتين من صلات تواصلية وروابط حضارية مختلفة.
    فإلى أي حد نجح المترجم في نقل النصوص الفارسية من محيطها الثقافي إلى المحيط الثقافي العربي؟ وكيف تم استحضاره للشعرية العربية عند التحويل، حيث مسألتا الوزن والقافية وما تطرحانه من قضايا وآراء نقدية متباينة؟
    2/ فـي المـادة المـتـرجـمـة:
    من الأعمال التي قدمها الكاتب محمد اللوزي، بوصفها تعطي الدليل على مدى تلاقح الحضارتين الفارسية والعربية واندماجهما في حضارة الإسلام، ديوان شعر بعنوان: "تشرق الشمس" للشاعرة الفارسية فروغ فرخزاد، ومختارات شعرية عنونها المترجم بـ: "ما وراء الكلمة أنتلوجيا الشعر الفارسي المعاصر" وكلا العملين يقدمان لمحة تقريبية عن الإبداع الشعري الفارسي على امتداد فترات زمنية متفاوتة من تاريخه، ويرصدان التغيرات التي لحقت بنيته التعبيرية وإبدالاتها.
    فماذا عن هاذين العملين كتجربة في الترجمة؟ وماذا عن الشعراء الفارسيين الذين تم انتقاؤهم، من حيث الحضور والأهمية؟ وبالتالي ما الإضافات النوعية التي تمنحها نصوصهم الشعرية المختارة للمتلقي أيا كان؟...
    تلك بعض أسئلة تتضمنها هذه الورقة كقراءة أولية..
    2-1: ما وراء الكلمة
    يمدنا الكاتب محمد اللوزي في مقدمة ترجمته لكتاب "ما وراء الكلمة. أنطلوجيا الشعر الفارسي المعاصر" بمادة نقدية هامة ترصد جانبا من تاريخ حركة الحداثة في الشعر الفارسي، حيث يعرض لأهم الإشكالات والقضايا النظرية التي انبرى الشعراء والنقاد على حد سواء، لمناقشتها وإبداء آرائهم بشأنها، قبولا أو رفضا أو استئناسا. وكانت من أبرز هذه القضايا ما ارتبط بقضية مركزية تتعلق بنظام القصيدة التقليدية؛ إذ اتجه معظم الشعراء الفارسيين الذين شملتهم الأنطلوجيا وعلى رأسهم (نيما يوشيج) كواحد من أهم رواد التحديث في الشعر الفارسي إلى إعادة النظر في مسألة الأوزان الشعرية القديمة التي اعتبرت في مرحلة لاحقة عائقا فنيا أمام إبداعية الشعراء وتحررهم. وهكذا نجد معظم من كتبوا شعرا على الطريقة التقليدية خلال بداياتهم الشعرية الأولى ينتفضون ويرفضون الاستمرار في الخضوع للأوزان التقليدية بحجة أنها لم تعد توائم أحاسيسهم ورؤاهم الجديدة في حياتهم المعاصرة، وأن الرتابة باتت تسيطر على مختلف تلك الأوزان.
    لذلك لم يكن غريبا أن يدخل هؤلاء الشعراء المعاصرون تجديدات على مستوى البنية الإيقاعية ويتبنوا صورا وأساليب جديدة تعنى بالشكل الفني للقصيدة دونما إغفال لجانب الموضوعات الذي اتخذ هو الآخر أبعادا اجتماعية وصوفية بعد أن كان مغرقا في الرومانسية وموغلا في الذاتية والغنائية الفردية. ومن ثمة، مع ميل الشعراء إلى التحرر والتعبير الواقعي انتعش المشهد الشعري ورسم لطريقه مسالك تضمن للقصيدة الفارسية المعاصرة تطورا وانتشارا. يقول الكاتب: "إن الإسهامات المجددة لنيما يوشيج كانت شديدة الأهمية لتطور أنماط التعبير الشعري، حيث بدأت الساحة الشعرية الطليعية منذ ذلك الحين تستقبل عددا متعاظما من الشعراء الشباب المتفاوتين في الأهمية والموهبة. كما استطاع الشعر الفارسي أن يلعب دور الرائد والمحفز في مشروع التحويل الثقافي والاجتماعي. فقد كان الشعر الفارسي على الدوام التعبير الأسمى عن تطلعات الشعب الإيراني والسجل الوفي للتحولات الاجتماعية والسياسية في تاريخ إيران المعاصر." (ص 20).
    إن الاقتراب من العالم الشعري لهؤلاء الشعراء الفارسيين، هو اقتراب بصورة أو بأخرى من سيرتهم الشخصية حضورا وإبداعا. فكل قصيدة من قصائدهم المختارة بعناية وبذوق فني أيضا من لدن المترجم تحبل بكثير من المشاهد والأوضاع المعيشية، على مستوى الزمان والمكان معا. كما تضمر جملة أسئلة عن المرحلة وما تفرزه من لحظات عابرة، ظاهرة وخفية، تسمح لنا باستلهام الخلاصات التجريبية التي أسكنها هذا المبدع أو ذاك فضاءه التخيلي لغة وتركيبا ودلالة.
    إننا حين نشرع في قراءة النصوص الشعرية التي شملتها الأنطلوجيا باعتبارها تجارب فنية، نلحظ بروز قاسم مشترك بين هؤلاء الشعراء الفارسيين يصدر عن نفس الأحاسيس والرؤى فيما يخص الذات الشاعرة بهواجسها وأحلامها وآمالها؛ بل وآلامها وتمردها أيضا. يقول الشاعر أحمد شاملوا (ص"36):
    أنا ذلك الرماد الخامد، وفي داخلي
    شعلة التمرد،
    أنا ذلك البحر الساكن، وفي داخلي
    صياح الطوفان،
    أنا ذلك المستنقع المظلم، وفي داخلي
    نار الإيمان.
    وفي نفس السياق أعلاه، يقول الشاعر نادر نادربور (ص47):
    هدهد أنا هارب من مصيره
    وقد غدت ذؤابته دامية من قبضة العقاب،
    هدهد أنا هارب من أرضه
    تاركا خلفه ذكرى ماضية.
    كما نجد هذا التلاحم الشعري يزداد اتصالا واتساقا حينما يتعلق الأمر بتصوير بعض حالات الإنسان الفارسي داخل مجتمع يسوده الحزن المر حيث الإحساس بالضياع، لا يملك أمامها الشاعر سوى تعليق السؤال عبر رثاء النفس والزمان والآخرين جميعا. يقول الشاعر يد الله رؤيائي (ص58):
    من يغسل خط الغبار الحزين فوق العتبة
    ومتى يحمل السيل مبادئي؟
    من الصخرة الحمراء
    تطير جملي بعد أن تغتسل
    حين تحلق الطيور-أسيرة الشهوة-
    في كل اتجاه.
    أمام هذه المشاعر المنسابة والأحاسيس الفياضة يقدم الشعراء الفارسيون الذين شكلوا حلقة أساسية في مسيرة الحداثة الشعرية في بلدهم، وثيقة هامة تؤرخ للحظة شعرية من لحظات الشعر الفارسي وتؤكد القيمة الجمالية التي يحظى بها على مستوى الإنجاز، وذلك باستهواء ذائقة القارئ/المتلقي. فأغلب النصوص المستشهد بها تعكس رؤى الشاعر الفارسي للواقع من ناحية وصراع الذات مع نفسها ومع الآخر من ناحية ثانية، وذلك في قالب فني يستمد معجمه من الذات والطبيعة تارة، ومن الواقع وعالم المتصوفة تارة أخرى. فرغم تنوع الموضوعات وتفاوت العناوين حرص الشعراء على تأكيد التحول والانفتاح في القصيدة الفارسية، من خلال البحث الدائم عن سر الوجود وإثبات الهوية. يقول الشاعر سهراب سبهري (ص90):
    ينبغي غسل الكلمات،
    ينبغي أن تكون الكلمة ريح نفسها،
    أو تكون مطر نفسها.
    ينبغي طي المظلات.
    ينبغي السير تحت المطر.
    ينبغي البحث عن العشق في المطر.
    2-2: تشرق الشمس
    إلى جانب صوت الرجل/الشاعر برز كذلك صوت الشاعرة/الأنثى ممثلا في اسم الشاعرة فروغ فرخزاد حيث أفرد لها المترجم ديوانا مستقلا، وفي ذلك رد لبعض الاعتبار للمرأة الشاعرة، أسماه "تشرق الشمس". وهو مختارات شعرية ضمت سبع عشرة قصيدة تفاوتت في الحجم وفي الموضوع بحسب تفاوت التجربة ومنظار الذات الشاعرة في ملامسة قضاياها الإنسانية والاجتماعية التي ترومها.
    وتبعا لذلك نكون أمام صوت نسائي بكل المقاييس اختار في أوليات الإبداع أن يجسد المعاناة الروحية للذات الشاعرة بما تستدعيه من رومانسية واضحة. ومع تقدم التجربة وامتلاك الأدوات التعبيرية يعلن هذا الصوت النسائي التزامه للتعبير عن قضايا المجتمع وما يعتري الواقع المعيشي من حالات ومشاهد وأوضاع مختلفة تستدعي المشاركة وإبداء الرأي.
    وهكذا تستوقفنا إشارات شعرية، بالتلميح حينا وبالتصريح حينا آخر، تستحضر خلالها الشاعرة رحابة الزمن ودفء الطبيعة. فالليل والريح والسحب والبرد والظلام والشمس وعناصر دلالية أخرى تعايشت في ما بينها كاستعارات ومجازات مصاحبة لتضفي على جديد التجربة بعدا شعريا وإنسانيا، في ذات الآن. تقول من قصيدة (ص14/42):
    ماتت الشمس
    ماتت الشمس، وغدا
    لن يبقى لها في ذاكرة الأطفال
    سوى مفهوم أخرس ضائع،
    وفي كراساتهم المدرسية
    سوف يصورون غرابة هذا اللفظ القديم:
    نقطة سميكة سوداء.
    لقد تميز شعر فروغ فرخزاد بنكهة فنية خالصة حيث تقدم الشاعرة صورة المرأة من خلال تصوير معاناتها داخل مجتمعها الشرقي المحافظ، كما تلمح إلى بعض ما قاسته في سبيل تحررها وانعتاقها لتفرض ذاتها وجودا وإبداعا. وهكذا ظهر في ما بين أيدينا من شعرها المترجم نوع من المجابهة والتحدي لمحرمات المجتمع. فأغلب قصائدها تمثل جانبا من هذا التحدي في مواجهة الزمن ومقاومة الضياع أيضا. تقول الشاعرة (ص33/34):
    الآن،
    وقد بلغنا الأوج
    اغسلني بشراب الموج
    زملني بحرير قبلاتك،
    اطلبني في الليالي الطويلة،
    لا تتركني ثانية،
    لا تفصلني ثانية عن هذي الأنجم.
    ...
    انظر !
    إنك تتنفس !
    ... وتشرق الشمس !
    ويستمر هذا البوح وهذا الإصرار على شق طريقها نحو المطلق حيث المحبة والطمأنينة وتسخير الخيال. تقول الشاعرة (ص36):
    يا من تجلله الخضرة
    ضع يدك كذكرى حارقة في يدي العاشقتين
    ودع شفتيك كحس الحياة الدافئة
    تداعبان شفتي العاشقتين
    سوف تحملنا الرياح
    سوف تحملنا الرياح.
    "تشرق الشمس" إذن إحالة واضحة من الشاعرة، كامرأة شيعية مسلمة، تتوق إلى نشدان الفرح والتطلع نحو المستقبل الباسم حيث ينتفي الصراخ والصياح. تبحث عن زمن بديل ولحظة مغايرة تسودها المحبة ويسكنها الجمال. لكن هل يا ترى حققت الشاعرة حلمها الجميل "وهي التي عاشت من الحياة لحظتها الموجزة تاركة للعالم كله أن يواصل السير في الشارع الطويل" على حد تعبير الكاتب (ص21).
    هذه بعض مداخل أولية تبدت لنا ونحن نطالع نماذج من الشعر الفارسي المترجم، عساها تكون نواة لبحث لاحق عميق ودقيق يرصد جمالية هذه النصوص ورمزيتها في سياق مرحلتها التاريخية.
    نـأمـل ذلــك.
    هــــوامــــش
    - تشرق الشمس. فروغ فرخزاد. ترجمة وتقديم محمد اللوزي. أفريقيا الشرق. 2001
    2 – ما وراء الكلمة. أنتلوجيا الشعر الفارسي المعاصر. محمد اللوزي. منشورات وزارة الثقافة والاتصال2002
    (*) نص المداخلة التي أعدت لتقديم أعمال محمد اللوزي المترجمة عن الفارسية، خلال الأيام الثقافية التي نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب بسلا بشراكة مع جماعة باب المريسة، في شهر رمضان المنصرم


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية عسل فاضل
    تاريخ التسجيل
    24/03/2009
    المشاركات
    87
    معدل تقييم المستوى
    16

    افتراضي رد: الشعر الفارسي بين مرآة العصر وعبور الذات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شکرا علي ما أفدت.سلمت يداک وبارک الله فيک.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  3. #3
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    22/12/2009
    المشاركات
    9
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: الشعر الفارسي بين مرآة العصر وعبور الذات

    شكرا لك على ذلك الموضوع المميز و بالتوفيق دوما


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •