آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: للوفاءِ ثمنٌ آخر ...

  1. #1
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    29/12/2009
    المشاركات
    3
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي للوفاءِ ثمنٌ آخر ...

    تنظر إلى "رزنامتها" لتقطع ورقة هي الأخيرة في سطور حياتها السابقة، ما زالت تجمع أوراقها منذ خمسة عشر عاماً هي عمر الفراق بينهما منذ دخوله المعتقل وحتى هذه اللحظة، بفرحة غمرت شرايينها تريد أن تعيد الزمن إلى الوراء، خمسة عشر عاماً تغيرت فيها ملامحها، لكنها لم تلاحظ التغير..تناولت بعض الأصباغ لتلون بها وجهها الذي غدا يحكي قصص انتظارها الطويل، لعلها تنجح بمحو عيوب هذه الحكايات، تناولت زجاجة عطر قديمة بقيت على حالها منذ وضعتها يديها قبل تلك الأعوام، لأول مرة تنثر على جسدها عطراً. عادت بها الأيام إلى الوراء إلى ما قبل هذه السنين، حينما كانت مكللة بالورود، ثمرة طازجة تنتظر القطاف، خارجة إلى بيت زوجها، بقلب يرقص وعيون لا تصدق، إلى مملكة عشقها تسير ..عروساً تحلم بضمة صدره إلى صدرها ..
    أيام سعادتها ركبت مسرعة قطار الذكريات .. سعادة شهر واحد ثم انتهت الحكاية فجأة، فصول طويلة من العناد والعتاب والعشق المختبئ وراء الجدران، حتى تحقق حلمهما البريء، ثم قتل قبل أن يبدأ ..ليقضي وحده بقية أحلامه بين قضبان سجن سوداء الهوية قاسية الملامح ..يصبر نفسه كل يوم بصورة تلك العروس العاشقة التي منعت من زيارته طوال هذه المدة .
    وهي بمليء إرادتها أصرت على الوفاء لعهود هذا البطل، أصرت على اعتقال نفسها معه في زنزانة أقداره، بقي كل شيء في خزانتها على حاله، ثيابها ..عطرها.. أنفاسها .. كل شيء له ..كل شيء في انتظاره.
    ها هي الآن على بوابة الخروج، ها هي اللحظة التي حلمت بها ألاف المرات، خياله يلوح لها من بعيد، صورته تغيرت، شعره تحول إلى بياض، لقد سمن أكثر، لقد برزت فيه ملامح الرجولة أكثر ..لكنه هو..هو لم يتغير، ترسل له ابتسامة لعله يتذكر ضحكات عيونها له، تمني نفسها فلم يبقى لتحقيق الأحلام سوى لحظات ثم سترمي عن كاهلها صبر ألاف اللحظات ...
    ها هو يقترب إليها، يتفحص وجهها، يمعن النظر إلى سطوره .. بوجه غلفته ملامح المفاجأة، ينظر إليها، لا يستطيع التعرف إلى الملامح، ليست تلك الزهرة القديمة، يستغرب التغير الذي طرأ على ملامحها، يتعجب ذلك الجفاف في ملمس يديها.
    فاجأها جفاءه ..جفله صدرت عنه صُعقت بها كل أناملها فأرسلت قشعريرة خوف في جسدها المشتاق.. لم يفكر فيما فكرت، لا يقبل الصبر أكثر، لا يريد عذاباً أطول، لا يريد أعذاراً من أحد، بل لا يريد أن يسمع مبررات شعرها الأبيض التي تحكي عن صبرها الطويل ولا توسلات تجاعيد وجهها التي غيرت الأقدار بينهما فجأة ..ينكر في خياله أن هذه كانت زوجة له أو أن هذه من اختارها قلبه، لقد وعد نفسه المحرومة بامرأة ريعانة ريحانة لا تكبر أبداً ....
    مرت الأيام ثقيلة بطيئة على قلب عاشق مل من الحرمان، ثم تحول فجأة إلى غريب، ليس حبها الذي اختارته ، ليس هذا من نبضت الحناجر من أجله، ليس هذا من أضاعت عمرها في انتظاره، لقد أحبت رجلاً مختلفاَ عن كل الرجال وها هو اليوم يتحول إلى رجل مثل آلاف الرجال ..نعم من حقه أن يعيش، من حقه أن يعوض عن سنوات حبسه وحرمانه، من حقه أن يُقلد وسام شرف على صدره ..لكن ..هل هذا هو وسام امرأة نسيت أنوثتها إكراماً لرجولته .
    فهمت ما يريد ..واتخذت قرارها الذي ما كانت تقوى على اتخاذه قبل خمسة عشر عاماً، بعدما مرت الأيام وأحرقت في طريقها كل الأحلام، لقد حصدت ثمن وفاءها له أخيراً، وجهاً شاحبا كئيباً، تعبر سطوره دون خجل عن عمرها وعجزها، ويذكرها كل لحظة بأنها ارض بور لا تثمر، هو يريدها أنثى وقد أصبحت عجوزاً ..وهي تنتظر منه تنفيذ الوعود التي سحقتها سنوات المعتقل ...
    فهمت الرسالة ... حملت بقايا ملابس عروسٍ كانت تحلم بارتدائها في يوم العرس..غادرت بيتاً سكنته روحها خمسة عشر عاماً من الانتظار، قبل أن تعلم انه ليس مكانها ولا زمانها.. وبأنها أصبحت جافة قاحلة باردة كجدران ذلك المعتقل اللعين ....
    وهو برغم تصديقه لعذاباتها، برغم دموعه التي تبلل حنايا روحه لفراق امرأة مصورة في سطور الذكريات، أغلق أبوابه وراءها دون أي وجل، وتركته هي ليعلق "رزنامة" أخرى على حائط آخر ثم يبدأ ترتيب حياته لاستقبال عروسٍ جديدة ..

    اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية محمد خلف الرشدان
    تاريخ التسجيل
    18/02/2008
    العمر
    74
    المشاركات
    1,970
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: للوفاءِ ثمنٌ آخر ...

    قصة حزينة ولكن نهايتها مؤلمة جداً ، ضاعت سنين عمرها في انتظاره ولكنه لم يحفظ الجميل لها ، أين الوفاء وأين المنطق ؟؟ كان أحرى به أن يقبل يداها ويعتبرها جوهرة العمر ولكن ....

    أنا عربي وولدت في أرض العرب حراً أبياً ، لا أقبل الضيم ، ولن يقر لي قرار حتى تعود فلسطين حرة عربية ، ويعود العراق حراً عربياً .

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •