مراحل زيارة القبور عبر تاريخ الدعوة
لقد مرت زيارة القبور عبر تاريخ الدعوة الاسلامية في ثلاث مراحل ، أوجزهــــا فيما يلي :
المرحلة الأولى: مرحلة جواز زيارة القبور، وذلك استمراراً لما كانت عليه الشرائع السابقة. وخير مثال ـ والأسبق تاريخياً ـ في ما ذكره القرآن الكريم لاحترام مراقد الأولياء وتعاهدها بالزيارة، هو مرقد فتية أصحاب الكهف، إذ قال تعالى: إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ، وتُشعر الآية بذكرها المسجد بأنّ هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم الموحّدون، فالآية فيها دلالة على جواز البناء على القبور وزيارتها، والمسجد إنّما يُتخذ ليؤتى على الدوام ويقصده الناس ليذكروا اسم الله فيه.
المرحلة الثانية: مرحلة المنع لعلل أبرزها عدم اتخاذ القبور مساجد وعد الافتتان ببعض الاولياء او تمجيدهم المؤدي الى عبادتهم من دون الله ،فالمنع جاء سدا للذرائع ، ويستنبط ذلك من قوله في الحديث الشريف : كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها ، ويتّضح من نص الحديث أنّ المسلمين كانوا يزورون القبور، ثمّ ورد عن رسول الله المنع الذي يفيد التحريم ولعلّ نهي رسول الله في الفترة التي منع فيها زيارة القبور كان لكثرة قبور المشركين، وحيث أنّ زيارة القبر تزيد وتعمّق أواصر الارتباط بين الزائر والمزور، وتجدّد في النفوس روح الاقتداء بهم وإحياء آثارهم ، أمر رسول الله بعدم زيارة القبور، ولما كثر المؤمنون بينهم وقوى الإسلام وتأصل جوهره في النفوس رخص الرسول بالزيارة .
المرحلة الثالثة : مرحلة تجويز زيارة القبور ورفع الحظر والمنع ، فقد ثبت في الصحيح عن النبيّ أنّه كان يخرج مراراً إلى البقيع لزيارة قبور المؤمنين، وورد أنّه زار قبر أمّه وبكى وأبكى من حوله . وقال : نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة .
و في رواية أخرى قال : إنّي نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ فيها عبرة ، أو قال : فانها تذكركم الآخـرة . فابرز حكمة تتجلى في الزيارة هي تذكر الموت وبالتالي الاستعداد له .
وإنّ من العبر أيضـا ، إنّها توفّر للزائر أجواء يستوحي منها ذكر الموت والزهد في الدنيا والعمل للآخرة والإقبال على الله، فيشد عزيمته لمواصلة درب الصالحين والأولياء، فالزائر يستلهم من منهجهم الوعي المحفز للاستقامة والدأب على العمل الصالح والعبادات والحرص على منفعة الناس وخدمتهم .

أما زائرو قبر النبي الاعظم فلهم وضع وتكييف خاص يقول تعالى: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ سورة الزخرف: الآية 86.
وما يبديه هؤلاء من آثار الاحترام والتوقير إنما هو تعظيم لشعائر الله. وما يظهر من آثار المودة من قبيل تقبيل الضريح وأجزاء المرقد الأخرى إنما هو من آثار المحبة رغم كراهيته. وإلا كيف يجعل القرآن مودة أهل بيت النبوة واحدة من الفرائض الدينية بنص القرآن الكريم، يقول تعالى في ذلك: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ولكن المبالغة قد تخرج الزائر من الاجر ، صحيح ان الله تعالى اباح شدّ الرحال الى الضريح النبوي ولكن بالضوابط الشرعية ،، و إذا رأينا أحياناً بعض الناس يطلبون الحاجة من أئمة الدين أو يتوسلون إليهم في شفاء مريض وغير ذلك، فاننا نذكرهم بأن قضاء الحاجات وشفاء المرضى بيد الله وحده وإن من تسأله هو عبد من عبيد الله، يقولون: إن الذي أعنيه أن يقوم هذا العبد الصالح بعرض حاجتي وطلب قضائها من الله أن ييسرها بإذنه سبحانه. وهذا الجواب كما هو واضح ليس سليما ولا حجة لصاحبه ، والله أعلم .