آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

  1. #1
    كاتب ومترجم الصورة الرمزية حازم ناظم فاضل
    تاريخ التسجيل
    03/06/2007
    العمر
    64
    المشاركات
    152
    معدل تقييم المستوى
    17

    وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    قبل أن يعلن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قيامه بأداء شعائر الحج بمدة بعث معاذ بن جبل (رضي الله عنه) إلى اليمن .
    فقد اخرج الأمام احمد عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن خرج معه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال : ( يا معاذ ! انك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري) فبكى معاذ جزعاً لفراق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم التفت فقال: ( إن أولى الناس بي المتقون مَن كانوا وحيث كانوا ) (1) .
     وفي يوم السبت 26 ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة تهيأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للرحيل وانطلق بعد الظهر حتى بلغ (ذا الحليفة ) قبل أن يصلي العصر فصلاها ركعتين وبات هناك حتى أصبح، فلما أصبح قال لأصحابه : ( آتاني الليلة آتٍ من ربـي فقـال : صلِّ فـي هذا الوادي المبارك وقـل: عمرة في حجة (2) ) ثم صلى الظهـر ركعتين ثم أهلَّ بالحج والعمرة في مصلاه وقرن بينهما ثم خرج فركب ناقته (القصواء) فأهلَّ أيضاً ، ثم أهلَّ لما استقلت به على البيداء.
    ثم واصل سيره حتى قرب من مكة فبات بـ(ذي طوى) ثم دخل مكة بعد ان صلى الفجر واغتسل من صباح يوم الأحد(4) من ذي الحجة سنة 10هـ ، حيث قضى في الطريق ثمانِ ليالٍ .
    فلما دخل المسجد الحرام طاف بالبيت وسعى بين (الصفا والمروة) ولم يحل ، لأنه كان قارناً قد ساق معه الهدي ، فنزل بأعلى مكة .
     وفي يوم الخميس (8) من ذي الحجة وهو (يوم التروية) توجه الى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى (عرفة)، فوجد القبة قد ضربت له بـ(نمرة) فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي وقد اجتمع حوله (144000) مائة ألف وأربعة وأربعون ألفا من الناس فقام فيهم خطيباً ، وألقى هذه الخطبة الجامعة :
    ( أيها الناس: اسمعوا قولي ، فاني لا ادري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً .
    أيها الناس: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وانكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ، وان كل ربا موضوع ، ولكن لكم رؤوس أموالكم ، لا تَظلِمون ولا تُظلَمون ، قضى الله انه لا ربا ، وان ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله ، وان كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وان أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان مسترضعاً في بني ليث ، فقتله هذيل فهو أول ما أبداً به دماء الجاهلية .
    أيها الناس: فان الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً ، ولكنه ان يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم .
    أيها الناس: ان النسيء زيادة في الكفر ، يضلُّ به الذين كفروا ، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما احل الله .
    أيها الناس : فان لكم على نسائكم حقاً ، ولهن عليكم حقاً ، لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه ، وعليهن ان لا يأتين بفاحشة مبينة ، فان فعلن فان الله قد أذِن لكم ان تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عندكم عوان ، لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وأنكم انما آخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولي ، فاني قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيناً ، كتاب الله وسنة نبيه .
    أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوا ، تعلمن ان كل مسلم أخ مسلم ، وان المسلمين أخوة ، فلا يحل لامرئ من أخيه إلاَّ ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ، اللهم هل بلغت ؟ .
    فقال الناس : اللهم نعم . فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):( اللهم اشهد ) (3)
    وبعد ان فرغ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من إلقاء هذه الخطبة الجامعة التي فيها مجمل ما جاء به من عند الله سبحانه وتعالى ، نزل عليه قوله تعالى :
    {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة :3) .
    وعندما سمعها عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) بكى، فقيل له: ما يبكيك ؟ قال:( انه ليس بعد الكمال إلا النقصان )(4)
    وكأنه استشعر وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم).
    ثم ركب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى الموقف ، ودفع حتى أتى المزدلفة ، ومن المزدلفة الى منى ، ثم أتى الجمرة التي عند الشجرة ، ثم انصرف الى المنحر ، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده .
    ثم ركب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأفاض الى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى على بني عبدالمطلب يسقون على زمزم ، فقال:( انزعوا بني عبدالمطلب ، فلولا ان يغلبكم الناس إلى سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلواً فشرب منه )(5) .
    وخطب في الناس وهو على بغلة شهباء وعلي (رضي الله عنه) يعبر عنه ، والناس بين قائم وقاعد ، وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس . فقال (صلى الله عليه وسلم):
    ( ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان).. وقال : (أي شهر هذا ؟)
    قلنا : الله ورسوله اعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه قال :( أليس ذي الحجة ؟) قلنا بلى .
    قال : (أي بلد هذا ؟) قلنا : الله ورسوله اعلم فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه ، قال :
    (أليست البلدة ؟) قلنا : بلى .
    قال : ( فأي يوم هذا ؟) قلنا : الله ورسوله اعلم ، فسكت حتى ظننا انه سيسميه بغير اسمه ، قال : أ ليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى .
    قال : ( فان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا .. وستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم ، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض)
    ( ألا هل بلغت ؟) قالوا : نعم .
    قال : (اللهم اشهد ، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع ) (6)
    وقد خطب(صلى الله عليه وسلم) في بعض أيام التشريق أيضاً .
    فقد روى أبو داود عن سراء بنت نبهان قالت : خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الرؤوس ، فقال : ( أليس هذا أوسط أيام التشريق )(7). وكانت خطبته في هذا اليوم مثل خطبته يوم النحر .
    وأنزلت عليه (سورة النصر) فعرف انه الوداع(8) وقال (صلى الله عليه وسلم): ( نعيت إلي نفسي ) فلما قالها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال له جبريل عليه السلام ( يا أخي .. وَلَلآخِرَةُ خَيـر لَّكَ مِنَ الأُولَى) (4).
    وعن ابن مسعود (رضي الله عنه) انها تسمى(سورة التوديع) لما فيها من الإيماء الى وفاته عليه الصلاة والسلام وتوديعه الدنيا وما فيها (9) .
     وفي يوم الثلاثاء (13) من ذي الحجة من السنة العاشرة نفر النبي (صلى الله عليه وسلم) من منى ، فنزل بخيف بني كنانة من الأبطح ، وأقام هناك بقية يومه ذلك وليلته ، وصلَّى هناك الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ثم رَقدَ رقدةً ، ثم ركب الى البيت فطاف به طواف الوداع ، وأتم (صلى الله عليه وسلم)حجه وتضلع من شرب ماء زمزم وعلَّم الناس مناسكهم ثم عاد أدراجه الى المدينة ليواصل السعي والجهاد والكفاح في سبيل الله . فأقام في المدينة بقية ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة ومحرم وصفر من السنة الحادية عشرة للهجرة.
    واشتد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الأشهر بالعبادة حتى صار كالثوب البالي من كثرة العبادة وكان لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال : (سبحان الله وبحمده .. استغفر الله وأتوب إليه) (10).
    وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكثر في آخر أمره من قول : (سبحان الله وبحمده .. استغفر الله وأتوب إليه) قال: (ان ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، وامرني إذا رأيتها ان اسبح بحمده واستغفره انه كان تواباً) فقد رأيتها.. {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًاً)..(11) . وهذا أدب محمد (صلى الله عليه وسلم) في حياته كلها ، وفي موقف النصر والفتح الذي جعله ربه علامة له ، نسي فرحة النصر وانحنى انحناءة الشكر ، وسبح وحمد واستغفر كما لقنه ربه وجعل يكثر من التسبيح والحمد والاستغفار كما وردت بذلك الآثار(12).
     وفي أوائل صفر سنة 11هـ اخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجهز جيشاً كبيراً وأمـر عليه أسامة بن زيد (رضي الله عنه) وأمره أن يسير الى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة (رضي الله عنه) وأن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من ارض فلسطين.
    وفي أوائل الشهر نفسه خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى (أُحد) فصلّى على الشهداء ودعا لهم ، بعد ثمانية أعوام من استشهادهم ثم انصرف الى المنبر فقال: (إني فرطكم وإني شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر الى حوضي الآن ، إني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض (أو مفاتيح الأرض) وإني والله ما أخاف ان تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم ان تنافسوا فيها) (13) .
     وفي 18 او 19 من صفر سنة 11هـ
    خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)عند منتصف الليل الى (بقيع الغرقد) مع مولاه أبو مويهبة ليلقي على شهداء (أُحد) نظراته الأخيرة ويستغفر لهم ويدعو لهم .
    عن أبي مويبهة قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من جوف الليل ، فقال : (يا أبا مويهبة ، أني أُمرت ان استغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي) فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال : (السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ). ثم اقبل عليّ فقال :( يا أبا مويهبة ، أني قد أُوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة).
    فقلت : بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة .
    قال : ( لا والله يا أبا مويهبة ! لقد اخترت لقاء ربي والجنة )(14)
     وفي يوم الثلاثاء 29 من صفر سنة 11 هـ
    شهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)جنازة في البقيع فلما رجع – وهو في الطريق – أخذه صداع في رأسه واتقدت حرارته ، فمر بعائشة (رضي الله عنها) فوجدها تشكو صداعاً وتئن متوجعة : (وا رأساه) . قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وقد بدأ يحس ألم المرض :
    ( بل أنا والله يا عائشة وا رأساه). فلما كررت الشكوى قال ملاطفاً :
    (وما ضرك لو متِ قبلي فقمت عليكِ، وكفنتك ، وصليتُ عليكِ ، ودفنتكِ ؟!)
    ردت وقد هاجت غيرتها :
    (ليكن ذلك حظ غيري ! والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك،لقد رجعت الى بيتي فأعرسـتَ فيه ببعض نســائك )(15)
    فأشرقَ وجهه(صلى الله عليه وسلم)بابتسامة لطيفة ، وسكن عنه الألم هوناً ما، ثم قام يطوف بزوجاته حتى أتعبه المرض وهو في بيت أم المؤمنين ميمونة (رضي الله عنها) فلم يعد يحتمل مغالبة ألمه فنظر الى زوجاته وقد اجتمعن حوله فجعل يسأل أزواجه : (أين أنا غداً ؟ أين أنا غداً ؟)(16) ..
    ففهمن مراده فطابت نفوسهن بان يمرض رسول الله حيث أحبَّ وقلن جميعاً :( يا رسول الله ، قد وهبنا أيامنا لعائشة) فانتقل بين الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) وكان الألم قد أوهى قواه فلم يستطع مسيراً تخط قدماه على الأرض وهو معصوب الرأس حتى انتهى بيت عائشة . واجتمع إليه (صلى الله عليه وسلم) نساؤه فقالت صفية بنت حيي : أما والله يا نبي الله لوددت ان الذي بك بي فغمز أزواج النبي(صلى الله عليه وسلم) وأبصرهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : (مضمضن) فيقلن : من أي شئ يا نبي الله قالت : ( من تغامزكن بصاحبتكن والله إنها لصادقة) .
    وقال (صلى الله عليه وسلم) لأزواجه : (أولكن تتبعني أطولكن يداً) .
    قالت عائشة (رضي الله عنها) : ( فكنا إذا اجتمعنا بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نمد أيدينا في الحائط نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش بن رئاب وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا ان النبي(صلى الله عليه وسلم) أراد بطول اليد الصدقة وكانت امرأة صناع كانت تعمل بيديها وتتصدق به في سبيل الله عز وجل)(17).
    وكان النبي(صلى الله عليه وسلم) إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده فبدأت عائشة تقرأُ بالمعوذات والأدعية التي حفظتها من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وتنفث على نفسه وتمسحه بيد النبي(صلى الله عليه وسلم) رجاء البركة .
    وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول :
    (يا عائشة ! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت في خيبر فهذا اوان انقطاع ابهري من ذلك السم ) (18)
    يشير الرسول(صلى الله عليه وسلم) الى الطعام الذي أكله(صلى الله عليه وسلم) في خيبر عندما أهدت له اليهودية زينب بنت الحارث شاة مصلية ، وقد سألت أي عضو أحب الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟. فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها من السم ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ، ولفظها ، ثم قال : (ان هذا العظم ليخبرني انه مسموم). ثم دعا بها فاعترفت فقال : (ما حملكِ على ذلك ؟) قالت : قلت : ان كان ملكاً استرحت منه وان كان نبياً فسيخبر ..فتجاوز عنها ، وكان معه بشر بن البراء (رضي الله عنه) اخذ منها أكلة فأساغها ، فمات منها .
    وكان عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) يرى : (ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مات متاثراً بسم اليهودية للذراع ولذلك فهو شهيد) (19).
    روى مسروق عن عائشة (رضي الله عنها) قالت : (لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيتها اجتمع عنده جميع نسائه لم تتخلف واحدة منهن وبينما كن مجتمعات جاءت ابنته فاطمة (رضي الله عنها) تمشي لا تُخطئ مشيتها مشية أبيها . فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (مرحباً يا بنتي) فأقعدها عن يمينه ثم سارها بشيء فبكت ! ثم سارها بشيء فضحكت فلما قامت فاطمة (رضي الله عنها) من عند أبيها سألتها عائشة (رضي الله عنها) عن ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها فأبكاها ثم أضحكها .
    فأجابتها قائلة :(ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم).
    فلما توفى الرسول(صلى الله عليه وسلم) قالت عائشة لفاطمة (رضي الله عنهما) :
    (أسألك لما لي عليك من الحق لما اخبرتيني عن ما سارك به رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
    قالت فاطمة : أما الآن فنعم.. سارني أولاً فقال لي : ان جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة ، وقد عارضني في هذا العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلاَّ لإقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك فبكيت .ثم سارني ثانياً فقال لي : أما ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين وستكونين أول الناس لحوقاً بي من أهل بيتي ! فضحكت .
    وقد توفيت فاطمة (رضي الله عنها) بعد حوالي ستة اشهر من وفاة أبيها ، وكانت فعلاً أول أهل بيته لحوقاً به(20) وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
     وفي يوم الأربعاء (7) من ربيع الأول سنة 11هـ اشتدت وطأة المرض على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) واتقدت حرارة العلة في بدنه فطلب ان يأتوه بماء يتبرد به .. ماء كثير ..
    (اهريقوا عليَّ سبع قرب من آبار شتى)
    قالت عائشة : (فأقعدناه في مخضب (ما يشبه الاجانة يغسل فيها الثياب) لحفصة ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم .. حسبكم ) (21).
    وعندما أحسَّ الرسول(صلى الله عليه وسلم) بان سَورة الحرّ تخلت عن بدنه استدعى الفضل بن العباس فقال : ( خذ بيدي يا فضل ) .
    قال الفضل : فأخذت بيده حتى دخل المسجد ، وجلس على المنبر ، ثم قال : (نادِ في الناس) ، فاجتمعوا اليه فقال :
    (أما بعد .. أيها الناس : فاني احمد الله الذي لا اله إلا هو ، فمن كنت جلدت له ظهراً ، فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً ، فهذا عرضي فليستقد منه (22) .
    ألا وان الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني ، ألا وان أحبكم إليَّ مَن اخذ مني حقاً ! ان كان له أحلني منه فلقيت الله وأنا طيب النفس وقد أرى ان هذا غير مغنٍ عني حتى أقوم فيكم مراراً) .
    قال الفضل : ثم نزل فصلى الظهر ، ثم رجع فجلس على المنبر ، فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها .
    فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إنَّ لي عندك ثلاثة دراهم ! فقال : أعطهِ يا فضل (23) .
    ثم قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ( أيها الناس من كان عنده شيء فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا ، ألا وان فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة)..
    فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله . قال : ( ولم غللتها ) ؟ قال : كنت إليها محتاج قال : (خذها منه يا فضل) ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أيها الناس من خشي من نفسه شيئاً فليقم أدع له) فقام رجل فقال يا رسول إني لكذاب .. إني لفاحش.. إني لنؤوم .
    فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً واذهب عنه النوم) ثم قام رجل آخر فقال: والله يا رسول الله إني لكذابٌ وإني لمنافق وما من شيء إلا قد جَنيته .
    فقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): فضحتَ نفسكَ .
    فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (يا إبن الخطاب ! فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم ارزقه صدقاً وايماناً وصَير أمره الى خير ).
    وقد بين (صلى الله عليه وسلم) في هذه الخطبة فضل أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) عن باقي الصحابة .
    ثم أوصى بالأنصار قائلاً :
    (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) .
    وفي رواية انه (صلى الله عليه وسلم) قال: (ان الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم)(24) .
    ثم قال : ( ان عبداً خيَّره الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء ، وبين ما عنده ، فاختار ما عنده)
    قال أبو سعيد الخدري : فبكى أبو بكر قال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له فقال الناس : أنظروا الى هذا الشيخ يخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا . فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو المخيّر . وكان أبو بكر أعلمنا(25) ..
    ومما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في تلك الخطبة عن فضل أبي بكر الصديق : ( أن أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لأتخذت أبو بكر خليلاً ولكن خُلة الإسلام ومودته وان ربي اتخذني خليلاً كما إتخذ إبراهيم خليلاً(26) .
    ثم قال (صلى الله عليه وسلم): ( لا يبقى باب في المسجد إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر)(27).. ثم أستغفر لشهداء أُحد ونهى عن إتخاذ القبور مساجد في قوله (صلى الله عليه وسلم): ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) .وفي رواية :
    ( قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).(28) .وقال: (لا تتخذوا قبري وثناً يُعبَد)(29).
    وبعد ما أنهى الرسول (صلى الله عليه وسلم)خطبته أعادوه الى بيت عائشة (رضي الله عنها) فأشتد به الوجع وزاد عليه المرض .
    وفي ليلة الخميس(8) من ربيع الأول سنة 11 هـ اجتمع في بيت عائشة جمع من الصحابة..
    يروي عبدالله بن مسعود(رضي الله عنه) الذي كان معه فيقول : فنظر الينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فدمعت عيناه ثم قال : ( مرحباً بكم ! وحياكم الله وحفظكم الله . آواكم الله. ونصركم الله. رفعكم الله. هداكم الله. رزقكم الله. وفقكم الله. سلمكم الله. قبِلكم الله. أوصيكم بتقوى الله وأوصي الله بكم واستخلفه عليكم ! إني لكم نذير مبين أن لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ! فان الله قال لي ولكم : {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(سورة القصص: 83) وقال :{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} (سورة الزمر:60) .
    ثم قال (صلى الله عليه وسلم): (قد دنا الأجل والمنقلب الى الله والى سدرة المنتهى والى جنة المأوى ، والكأس الأوفى والرفيق الأعلى).. فقلنا: يا رسول الله فمن يغسلك إذن ؟ قال : ( رجال أهل بيت الأدنى فالأدنى ) فقلنا : ففيم نكفنك ؟ قال : ( في ثيابي هذه إن شئتم أو في حُلة يمنية أو في بياض مصر) فقلنا : فمَن يصلي عليك منا ؟ فبكينا وبكى وقال : ( مهلا..ً غفر الله لكم وجازاكم عن نبيكم خيرا..ً إذا غسلتموني ووضعتموني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري فأخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي عليَّ خليلي وجليسي جبريل(صلى الله عليه وسلم) ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة صلى الله عليهم بأجمعها ثم أدخلوا علي فوجاً فوجاً فصلوا عليَّ وسلموا تسليماً ولا تؤذوني بباكيةٍ ولا صارخةٍ ولا رانةٍ ، وليبدأ بالصلاة عليَّ رجال أهل بيتي ، ثم أنتم بعد، وأقرئوا أنفسكم مني السلام ومن غاب من إخواني فأقرئوه مني السلام ومن دخل معكم في دينكم بعدي فإني أشهدكم إني أقرأ السلام عليه وعلى كل من تابعني على ديني من يومي هذا الى يوم القيامة ).
    [ وعليك السلام ورحمة الله يا رسول الله]
    قلنا يا رسول الله فمن يدخلك قبرك منا ؟
    قال: (رجال أهل بيتي مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم)(30) .
    وفي يوم الخميس(8) من ربيع الأول سنة11 هـ
    اشتد بالنبي (صلى الله عليه وسلم) الوجع فقال : ( هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً) فقال بعضهم : إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن وحسبنا كتاب الله . وقال بعضهم : هاتوا يكتب لكم كتاباً فأختلفوا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وأختصموا وتنازعوا فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)(قوموا ولا ينبغي عندي النزاع )(31) وأوصى ذلك اليوم بثلاث: -
    (1) أوصى بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب.
    (2) وأوصى بإجازة الوفود بنحو ما كان يجيزه.
    (3) فقد نسيه الراوي ولعله : تنفيذ جيش أسامة(32)
    والنبي (صلى الله عليه وسلم) مع ما كان به من شدة المرض كان يصلي بالناس جميع صلواته ، وكان آخر صلاة صلاها النبي (صلى الله عليه وسلم) إماماً بالمسلمين هي صلاة المغرب من يوم الخميس(8) من ربيع الأول سنة 11هـ فقرأ فيها بـ(والمرسلات عرفاً)(33)
    وعند العشاء زاد ثقل المرض ، بحيث لم يستطع الخروج الى المسجد ، قالت عائشة : فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): ( أصلى الناس ؟ ) قلنا : لا يا رسول الله وهم ينتظرونك . قال : (ضعوا لي ماءً في المخضب) ففعلنا ، فأغتسل ، فذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال:( أصلى الناس؟ ) ووقع ثانياً وثالثاً ما وقع في المرة الأولى من الإغتسال والإغماء حينما أراد أن ينوء.وكـان عنـده عبد الله بـن زمعـة بـن الأسـود(رضي الله عنه) فدعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلال بن أبي رباح (رضي الله عنه) للصلاة..
    فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (مروا من يُصلي بالناس !)
    قال ابن زمعة : فخرجت فإذا عمر مع الناس وكان أبو بكر غائباً . فقلت : قم يا عمر فصلِّ بالناس .
    فلما قام عمر ليصلي ، سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صوته وكان صوت عمر (رضي الله عنه) جهورياً – فغضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال : ( أين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون ). فبعثوا الى أبي بكر (رضي الله عنه)، فجاء وصلى بالمسلمين .
    ثم قال عمر لإبن زمعة : ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة ؟ والله ما ظننت حين أمرتني ، إلا ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرني بذلك ، ولولا ذلك ما صليت .
    قال عبدالله بن زمعة : والله ما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكن حين لم أرَ أبا بكر رأيتك أحق من حضر .
    ثم نص الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أبي بكر ليصلي بالناس(34)
    وراجعت عائشة النبي(صلى الله عليه وسلم) ليصرف الإمامة عن أبي بكر حتى لا يتشاءم به الناس ، فقالت : إن أبا بكر رجل رقيق وانه متى يقم مقامك لا يطيق . فقال (صلى الله عليه وسلم): (مروا أبا بكر فليصل بالناس ).. فكررت عائشة اعتراضها ، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال : (انكن صواحب يوسف(35) .. مروا أبا بكر فليصل بالناس)(36) فصلى أبو بكر (رضي الله عنه) ، بالناس تلك الأيام سبع عشرة صلاة.(37) .
    وفي يوم السبت (10) ربيع الأول سنة 11هـ وجد النبي (صلى الله عليه وسلم) في نفسه خفة ، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه بان لا يتأخر .وقال (صلى الله عليه وسلم): أجلساني الى جنبه ، فأجلساه الى يسار أبي بكر .
    فكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويُسمِعُ الناس التكبير .
    ثم ان عمر بن الخطاب اخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حول تكلم الناس في امارة أسامة لحداثة سنه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)غضباً شديداً ، وقد عصب على رأسه بعصابة وعليه قطيفة ، ثم صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    (أما بعد .. أيها الناس ! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ! فوالله لئن طعنتم في أمارتي أسامة ، لقد طعنتم في أمارتي أباه من قبله . وأيم الله ! ان كان للامارة لخليق وان ابنه من بعده لخليق بالامارة، وان كان لأحب الناس إلي ، وان هذا لمن أحب الناس إليَّ وأنهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خيراً ، فانه من خياركم )(38) .
    ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فدخل بيته وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة (رضي الله عنه) يودعون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وفيهم عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (أنفذوا بعث أسامة) .
    ودخلت أم أيمن(رضي الله عنها) فقالت : أي رسول الله لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تماثل فان أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (انفذوا بعث أسامة) فمضى الناس الى المعسكر فباتوا ليلة الأحد(11) ربيع الأول .
    وفي يوم الأحد(11) من ربيع الأول سنة 11 هـ اعتق النبي (صلى الله عليه وسلم)غلمانه ، وكان في بيته (صلى الله عليه وسلم)حين مرضه سبعة دنانير فإذا أغمي عليه ثم صحا يقول :
    ( يا عائشة ! تصدقي بها) ثم يغمى عليه، فإذا أستيقظ يقول : (ما فعلتم بالمال؟ ) فتقول: (يا رسول الله انشغلنا بك) فيقول (صلى الله عليه وسلم): (ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه الدنانير. تصدقوا بها كلها) فتصدقوا بالدنانير كلها .
    ووهب للمسلمين أسلحته(39)
    وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها(40)
    وكانت درعه (صلى الله عليه وسلم) مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من الشعير(41)
    وعن سهل بن سعد(رضي الله عنه) قال : (حيكت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)حلة من أنمار من صوف أسود . وجعل لها ذؤابتين من صوف ابيض فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى المجلس وهي عليه فضرب على فخذه : ( ألا ترون ما أحسن هذه الحُلة ) . فقال أعرابي : يا رسول الله أكسني هذه الحلة ـ وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا سأل شيئاً لم يقل لشيء يسأله قط لاـ قال : (نعم) فدعا بمعقدتين فلبسها فأعطى الأعرابي الحُلة ، وأمر بمثلها تحاك له ، فمات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهي في الحياكة(42) .
    وفي هذا اليوم نزل أسامة من المعسكر ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه ، فدخل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وعيناه تهملان ، وعنده العباس ، والناس حوله ، فطأطأ عليه أسامة فقبله ـ ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يتكلم ـ فجعل يديه الى السماء ويصبهما على أسامة .
    قال أسامة (رضي الله عنه) : فأعرف انه كان يدعو لي فرجعت الى معسكري(43) .
    روى ابن مسعود(رضي الله عنه) قال :
    دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وهو يوعك ـ فمسسته بيدي ، فقلت : يا رسول الله ، انك لتوعك وعكاً شديداً .
    فقال (صلى الله عليه وسلم):(اجل إني اوعك كما يوعك رجلان منكم) .
    فقلت : ( ذلك ان لك أجرين).
    فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أجل ، ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)(44).
    وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اثناء ذلك يطرح غطاءً له على وجهه فإذا اغتم وضايقه الألم كشفها على وجهه فقال : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)(45) . ويقول سيدنا العباس(رضي الله عنه) :(فكنت اذا لمسته ضرتني الحمى) .
    وتقول عائشة رضي الله عنها : (ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
    ثم قامت سيدتنا عائشة بإعطاء الدواء له فجعل يشير اليهم : (ان لا تلدوني).
    فقلنا : كراهية المريض للدواء . فلما أفاق قال : (ألم أنهكم أن تلدوني)(46) .
    وفي فجر يوم الاثنين (12) ربيع الأول سنة11هـ الذي قبض فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقبل المؤمنون من بيوتهم الى المسجد واصطفوا بصلاتهم خاشعين يؤمهم إمام رقيق .
    وإذا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرفع الستر المضروب على منزل عائشة ، ويفتح الباب ويبرز للناس، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم ابتهاجاً برؤيته وتفرجوا يفسحون له مكاناً فأشار بيده : أن اثبتوا على صلاتكم ، وتبسم فرحاً من هيئتهم في صلاتهم(47)
    قال انس بن مالك رضي الله عنه :(ما رأيت رسول الله أحسن هيئة منه في تلك الساعة)(48) .
    ثم رجع وانصرف الناس، وهم يظنون ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد آفاق من وجعه .
    وكانت هذه آخر مرة يشاهد فيها المسلمون الرسول (صلى الله عليه وسلم) حياً وآخر مرة ينظر إليهم فيها.
    ولما صلى أبو بكر الفجر بالناس ، ورأى نظرة وابتسامة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دخل على ابنته عائشة رضي الله عنها وقال لها :
    يا عائشة ! ما أرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا قد اقـلع عنه الوجع وزال المرض .
    ثم دخل أبو بكر رضي الله عنه فقال:يا رسول الله ! أصبحت مفيقاً بحمد الله واليوم يوم ابنة خارجة فـأذن لي ، فـأذن لـه .فذهب إلى السُنح (49)
    وغدا أسامة من معسكره فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : (اغد على بركة الله) فودعه أسامة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) مفيق وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته (50) .
    وركب أسامة إلى معسكره ، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكر ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار (51).
    ولما ارتفع الضحى دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) فاطمة وبشرها بأنها سيدة نساء العالمين .
    ورأت فاطمة ما برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الكرب الشديد الذي يتغشاه ، فقالت : وا كرباه ، فقال لها : (ليس على أبيك كرب بعد اليوم ، انه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحداً).(52)
    ودعا الحسن والحسين فقبلهما ،وأوصى بهما خيراً(53).
    ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن ، وطفق الوجع يشتد ويزيد(54).
    ولما بكت فاطمة قال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): (لا تبكي يا بنية ! قولي إذا ما مت إنا لله وإنا اليه راجعون ، فان لكل إنسان بها من كل مصيبة معوضة) قالت : ومنك يا رسول الله ؟ قال : (ومني).(55).
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يا فاطمة اخبرني جبريل انه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم مصاباً منك بي بعدي . فلا تكوني أدنى امرأة منهم صبراً فاصبري يا ابنتي واحتسبي عند الله أجرك تكونين أول الناس لحوقاً بي) .
    فقامت فاطمة وقالت : ( احتسبتك عند الله) .
    قالت عائشة رضي الله عنها :
    (فبينما نحن على ذلك ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اخرجن عني ، هذا الملك يستأذن عليَّ فخرج من في البيت غيري ورأسه في حِجري وجلس وتنحيت في جانب البيت فناجى المَلك طويلاً. ثم انه عاد وأعاد رأسه في حجري ، وقال للنساء: ادخلن فقلت : ما هذا بحس جبريل عليه السلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : اجل يا عائشة ، هذا ملك الموت جاءني فقال : يا رسول الله ! ان الله تعالى أرسلني وامرني ان لا ادخل عليك ألا بإذن فان لم تأذن ارجع وان أذنت لي دخلت وامرني أن لا اقبضك حتى تأمرني ، فما أمرك ؟ فقلت اكفف عني حتى يأتيني جبريل (عليه السلام) فهذه ساعة جبريل .
    قالت عائشة رضي الله عنها : فاستقبلنا بأمر لم يكن له عندنا جواب ولا أرى ، فوجمنا كأنما ضربنا بصاخة ما نحير اليه شيئاً وما يتكلم أحد من أهل البيت تعظيماً لذلك الأمر وهيبة .
    وجاء جبريل (عليه السلام) في ساعته فسلَّم فعرفت حِسه وخرج أهل البيت ودخل جبريل فقال : إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك : كيف تجدك وهو اعلم بالذي تجد منا ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً وان يتم كرامتك وشرفك على الخلق وتكون سُنة في أمتك .
    فقال(صلى الله عليه وسلم): ( أجد وجعاً ) .
    قال(عليه السلام): ابشر فان الله تعالى أراد أن يبلغك ما اعدَّ لك .
    قال (صلى الله عليه وسلم): (يا جبريل أن ملك الموت استأذن عليَّ) واخبره الخبر .
    قال (عليه السلام) : يا محمد إن ربك إليك مشتاق ألم أعلمك الذي يريد بك ، لا والله ما استأذن ملك الموت على أحد قط ولا يستأذن عليه أبداً إلا أن ربك مُتم لك ، وهو إليك مشتاق .
    قال ( صلى الله عليه وسلم) : فلا تبرح إذن حتى يجيء (56) .
    وأذن للنساء ، ثم فتح رسول الله( صلى الله عليه وسلم) عينيه فقال لعائشة : (انه ليهون عليَّ الموت أني رايتك في الجنة) ففرحت سيدتنا عائشة .. ثم اضطجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) إلى حِجر عائشة ، وأسندت (رضي الله عنها) رأسه إلى صدرها ، وجعلت تتغشاه سكرة الموت وكان بين يديه ركوة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول :
    (لا اله إلاّ الله . ان للموت سكرات)(57) .
    ثم عاد سيدنا جبريل (عليه السلام) فتقدم وقال : يا رسول الله ، ان الله قد أنزلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة ليسألك : فكيف تجد حالك الآن قال (صلى الله عليه وسلم) : يا جبريل ! أجد نفسي مغموماً ، وأجدني مكروباً(58) .
    قالـت عائشة (رضي الله عنها) : ان الله جمع بين ريقي وريقه عند موتـه . دخل عليَّ : عبدالرحمن (بن أبي بكر الصديق) وبيـده السواك وأنا مسندة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فرأيته ينظر إليه، وعرفت انه يحب السواك فقلت آخذه لك ، فأشار برأسه : أن نعم فتناولته فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه : ان نعم فلينتهُ فأمره(59) .
    وجعل يُغمى عليه حتى يغلب وجبهته ترشح عرقاً ، ما رأيت من إنسان قط أطيب منه ، وجعلت أرسل ذلك العرق وما وجدت رائحة شيء قط أطيب منه ، فكنت أقول له إذا أفاق : بابي وأمي ونفسي وأهلي ومالي ما تلقى جبهتك من العرق والرشح .
    فقال : يا عائشة ! إن نفس المؤمن تخرج بالرشح ونفس الكافر تخرج من شدقه كنفس الحمار .
    وفي المرة الثالثة قال له جبريل : يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي قبلك ولا بعدك . قال (صلى الله عليه وسلم) : (فأذن له) .
    فوقف ملك الموت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وما تكلم مع بشر قبله ، فقال : يا محمد! إن ربي أرسلني إليك وامرني أن أطيعك في كل ما تأمرني به ، إن أمرتني أن أقبض قبضت وان أمرتني أن أتركك تركت .
    فنظر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جبريل فقال جبريل : قد طال شوق الله إليك يا رسول الله . فقال ( صلى الله عليه وسلم) : (إذن اقترب يا ملك الموت وامضي ما أمرك الله) .
    فقال جبريل (عليه السلام) وهو ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ينزع : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله .. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } .. السلام عليك يا رسول الله هذا آخر موطئي إلى الأرض . إنما كانت حاجتي في الدنيا أنت ، كنت انزل إليك ، فبعد اليوم لا انزل بعدها(60) .
    ثم قال : {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
    وكان بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركوة فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح وجهه ويقول: (لا اله إلاّ الله إن للموت سكرات)(61) فأصغت إليه عائشة (رضي الله عنها) وهو يقول : (مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى(62) .
    ثم نصب يده فجعل يقول : (اللهم الرفيق الأعلى) وكرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً حتى قبض ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى . إنا لله وإنا إليه راجعون(63) . فلما خرجت (نفسه)( صلى الله عليه وسلم) لم أجد ريحاً قط أطيب منها(64) .
    ثم تناولت عائشة رضي الله عنها وسادة فوضعتها تحت رأسه ، قالت : ثم قمت مع النساء أصيح والتدم .
    ثم جاء صوت في البيت : (ان في الله عزاءً من كل مصيبة وخلفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت فبالله ثقوا وإياه فارجوا ، واعلموا أن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (65).
    فقال سيدنا علي (كرم الله وجهه ): أرى أن صاحب الصوت كان الخضر (عليه السلام) .
    وانتشر الخبر الفادح والحادث الجلل ، وأظلمت المدينة المنورة ، وعجب الصحابة (رضي الله عنهم) هل حقيقة مات الرسول(صلى الله عليه وسلم)، وعمَّ الحزن عليهم .
    قال انس (رضي الله عنه) :(لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه اظلم منها كل شيء ، وما نفضنا أيدينا من التراب وانا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا)(66).
    وقالت فاطمة (رضي الله عنها ): (يا أبتاه أجاب رباً دعاه ..يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه ..يا أبتاه إلى جبريل ننعاه)(67) .
    ووقف عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على باب النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول :
    ( إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) توفى، وان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما مات ، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله( صلى الله عليه وسلم) فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون انه مات)(68) .
    وكأنه ظن أن ما عرض له(صلى الله عليه وسلم) هو الغشي والذهول عن حسه فأحال الموت عليه . وكان الناس أميين لم يكن فيهم نبي قبله ، فامسك الناس عن الكلام .
    واما عبد الله بن انس (رضي الله عنه) فقال: (اللهم أن كان هذا الخبر صادقاً فامتني) فمات كمداً على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(69) .
    وكان عبد الله بن زيد الأنصاري يعمل في جَنة له فأتاه ابنه فاخبره ان النبي (صلى الله عليه وسلم) توفي فقال : (اللهم أن كان هذا النبأ صحيحاً فاعمي بصري حتى لا أرى بعد حبيبي محمداً(صلى الله عليه وسلم) أحداً) فعُمي بصره .
    وإذا برجل يصيح من باب المسجد:(وا رسول الله).. فإذا سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه) على بعد من المدينة يسمع الصوت .
    واقبل (رضي الله عنه) على فرس من مسكنه بالسُنح في ضواحي المدينة فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وعيناه تهملان وزفراته ترتدان فجلس على ركبتيه وكشف عن وجه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) واكب عليه ومسه فقال :{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }(الزمر:30). فقبله وبكى .. ثم قال :
    (بابي أنت وأمي ، يا حبيبي طبت حياً وميتاً ، لقد انقطع لموتك ما لا ينقطع لموت أحد من الأنبياء .. جللت يا حبيبي عن البكاء ، ولو أن موتك كان اختياراً لجدنا لموتك بأرواحنا يا حبيبي يا رسول الله لو لا انك نهيتنا عن البكاء لانفذنا عليك ماء العيون فأما ما لا نستطيع نفيه فكمد وادكار يتخالفان علينا لا يبرحان بنا إلى أن نلقاك . بابي أنت وأمي يا رسول الله . أما الموت الذي وعدك الله إياه فقد ذقته فلا ألم عليك بعد اليوم)
    ثم وضع فمه بين عينيه ووضع يديه على ساعديه وقال : (وا نبياه.. وا صفياه.. وا خليلاه (70).. اللهم ابلغه عنا السلام ..اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن في دارك ، فلولا ما خلفت من السكينة لم نقم أبداً ..اللهم ابلغ نبيك عنا واحفظه فينا) .
    ثم خرج فرأى سيدنا عثمان (رضي الله عنه) يأتي إلى المسجد قد خرس لسانه لا يطيق الكلام وكان يؤخذ بيده فيجاء به ويذهب(71) .
    وأما سيدنا علي (رضي الله) عنه فكسحت رجلاه فلا يستطيع القيام(72).
    وأما سيدنا العباس (رضي الله عنه) فقد ثبت على عقله وقال : (يا قوم أفيقوا من ذهولكم ، وافتحوا أعينكم على الحقيقة التي انتم فيها ، لقد مات رسول الله( صلى الله عليه وسلم) كما يموت غيره من الناس ، مات ولن يبعث حياً مرة أخرى لا بعد أربعين ليلة كما حدث لموسى كما يقولون ، ولا بعد مائة ليلة مات وانه ليتغير الآن ، يأسن كما يأسن البشر فدعكم من الأوهام واعلموا انه قد مات. فبادروا إلى دفنه قبل ان يشتد تغير جسده . ماذا تزعمون ؟ هل مات وسيبعث ليموت مرة أخرى هل يموت الواحد منكم مرة ويموت محمد مرتين ؟ انه أكرم على الله من ذلك فان الله باعثه إلى الحياة بعد أربعين ليلة كما تقولون أفليس الله بقادر في هذه الحالة على ان يزيح عنه التراب ويخرجه إليكم أن شاء ،ولماذا يبعث محمد مرة أخرى ؟ انه والله ما مات حتى ترك الطريق أمامكم واضحة لقد أقام قواعد الدين وحلل الحلال وبين الحرام ولقد تزوج وطلق وحارب وسالم وكان رفيقاً بكم من رفق راعي الغنم بغنمه فهو يسرح بها في رؤوس الجبال ويحرص ألا تضيع منه شاة واحدة فهو يحرسها بعصاه ولا يضرب بها بل يضرب الشجر الصغيرة الذي ترعاه لكي تتجمع بعضها إلى بعض فلا تضيع فإذا أراد لها أن تستريح بنى لها بيده سياجاً من الطين وانشأ لها بيده حوضاً فلتكونوا انتم أيضاً رفيقين به فادفنوه قبل أن يشتد تغيره) (73) .
    ولكن الناس لم ينزجروا بقول العباس لانهم كانوا في حيرة وذهول .
    ولما رأى أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب يكلم الناس أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لم يمت اقبل عليه وقال له : على رسلك يا عمر أنصت ولكنه استمر في كلامه مهتاجاً فلما رآه أبو بكر لا ينصت اقبل على الناس فاقبلوا عليه وتركوا عمر ، فقال أبو بكر : ( أما بعد ، أيها الناس : من كان منكم يعبد محمداً(صلى الله عليه وسلم) فان محمداً قد مات ومن كان منكم يعبد الله فان الله حي لا يموت .
    قال الله تعالى :{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبتُمْ عَلَى أَعقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِب عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (آل عمران : 144).
    فكأن الناس لم يعلموا ان الله نزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم ، فما سمعها بشر من الناس ألا واخذ يتلوها(74) .
    قال عمر (رضي الله عنه) : والله ما هو إلاَّ أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت(75) ما تقلني رجلاي وحتى أهويت الى الأرض حين سمعته تلاها وعلمت ان النبي ( صلى الله عليه وسلم) قد مات(76) .
    وقال أبو بكر متابعاً حديثه :
    (ان الله عَمَّر محمداً (صلى الله عليه وسلم) وأبقاه حتى أقام الدين ، واظهر أمر الله وبلَّغ رسالة الله ، وجاهد في سبيل الله ، ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة فلن يهلك هالك إلاَّ من بعد البينة والشقاء ، فمن كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ، فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فان الدين قائم وان كلمة الله تامــة وان الله ناصر من نصره ومعز دينه ، وان كتاب الله بين أيدينــا وهو النور وهو الشفاء ، وبه هدى الله محمداً (صلى الله عليه وسلم ) وفيه حلال الله وحرامه والله لا نبالي من اجلب علينا من خلق الله ، ان سيوف الله المسلولة ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فلا يبغين احد إلا على نفسه(77).
    ووقع الخلاف في أمر الخلافة قبل ان يقوموا بتجهيزه(صلى الله عليه وسلم) وتوديع جسده الشريف إلى الأرض فجرت مناقشات ومجادلات وحوار وردود بين المهاجرين والأنصار في (سقيفة بني ساعدة) وقاموا بانتخاب أبى بكر خليفةً ومبايعته وقد تأخر دفنه(صلى الله عليه وسلم) بسبب اشتغالهم بما هو أهم وهو أمر البيعة دفعاً للتنازع وتسكيناً للفتنة .
    وفي يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول من السنة 11هـ شرع المسلمون بتجهيز الرسول(صلى الله عليه وسلم) وتوديع جسده الشريف إلى الأرض .
    وفي مختصر ابن سيد الناس :
    (أن الناس سمعوا من باب الحجرة : لا تغسلوه فانه طاهر ثم سمعوا بعد ذلك : اغسلوه فان ذلك إبليس وأنا الخضر).
    وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت :
    لما أرادوا غسل النبي(صلى الله عليه وسلم) قالوا : لا ندري أ نُجرِدَ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مُكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أغسلوا النبي وعليه ثيابه .. فقاموا .. فغسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص(78) .
    وعن علي (كرم الله وجهه) قال : (أوصاني النبي(صلى الله عليه وسلم) ان لا يغسله أحد غيري فانه لا يرى أحد عورتي ألا طمست عيناه) .وفي رواية : (يا علي لا يغسلني إلا أنت فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه (79) .
    ونصب سيدنا العباس (رضي الله عنه) في الغرفة خيمة من النسيج اليماني ، كي يمنع الناس من رؤية جثة الرسول(صلى الله عليه وسلم) .
    فكان سيدنا علي يغسله والعباس وابنه الفضل يعينانه وقثم ابنه الأخر وأسامة وشقران مولياه(صلى الله عليه وسلم) يصبون الماء وأعينهم معصوبة من وراء الستر وقد غسلوه في قميصه .. وأتوا بالماء من بئر يقال لها (الفرس) في قباء وكان الرسول(صلى الله عليه وسلم) يستعذب ماءها .
    وغسل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ثلاث غسلات : واحدة بالماء القراح وواحدة بالماء والسدر(80) وواحدة بالماء والكافور ثم طيبه علي والعباس (رضي الله عنهما) في مواضع سجوده (أي : الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين) . وعلي (كرم الله وجهه) يقول :( بابي وأمي ، ما أطيبك حياً وميتاً) .
    وكفن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية من قطن ليس فيها قميص ولا عمامة(81) .
    وبعد ذلك وضِع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على السرير وخرجوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ساعة .
    ثم قال علي (كرم الله وجهه) : ( لا يقوم عليه أحد هو إمامكم حياً وميتاً) ..
    فكان يدخل الناس أفواجاً أفواجاً فيصلون عليه صفاً صفاً ليس لهم أمام ويكبرون وعلي (رضي الله عنه) قائم بحيال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول :
    (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته! اللهم ! إنا نشهد أن قد بلغ ما نزل اليه ، ونصح لامته وجاهد في سبيل الله حتى اعز الله دينه وتمت كلمته ، اللهم ! فاجعلنا ممن يتبع ما انزل اليه وثبتنا بعـده واجمـع بيننـا وبينـه) .
    فيقول الناس : أمين .
    حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان(82). واختلفوا في موضع دفنه .
    فقال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) :
    (سمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول : انه لم يدفن نبي قط إلاَّ حيث قبض)(83)
    وهذا معناه : أن يدفن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في بيت عائشة .
    وقد رأت عائشة (رضي الله عنها) رؤيا قصتها على أبيها وكان أبو بكر (رضي الله عنه) من أكثر الصحابة تعبيراً للرؤيا .
    قالت له : رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري .
    فقال لها : أن صدقت رؤياك دُفن في بيتك ثلاثة من خير أهل الأرض .
    فلما قُبض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال لها أبو بكر : ( يا عائشة هذا أحد أقمارك)(84) .
    وقد نحى أبو طلحة (رضي الله عنه) السرير الذي قبض عليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ثم حفر له قبره مكان السرير .
    ولما تم حفـر القبـر ، دخـل القبـر كـل من العبـاس والفضل بن العباس وعلي بن أبى طالب (رضي الله عنهم) .
    وكان الوقت سَحرا ساعة أغلقوا عليه القبر الطاهر .
    قالت عائشة (رضي الله عنها) :
    ما علمنا بدفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى سمعنا صوت المساحي في السَحر(85) .
    ودخلت فاطمة (رضي الله عنها) البيت ورأت القبر فتوجهت إلى الصحابة فقالت:
    (يا أنس ! أ طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟!) (86).
    ثم مالت على تربة أبيها وأخذت قبضة من تراب القبر فأدنتها من عينها ، ثم راحت تشمها ، وهي تقول :


    ماذا على من شَمَّ تُربة احمد
    ألا يشم مدى الزمان غواليا ؟
    صُبت عليَّ مصائب لو أنها
    صُبت على الأيام عُدن لياليا (87)
    واستعبرت باكية ، فبكى الناس لبكائها وتقطعت قلوبهم ثم اخذ سيدنا علي (كرم الله وجهه) بيدها ، فأقامها وادخلها بيتها وهي تقول : (بابي أنت وأمي يا رسول الله ! أتحت التراب تكون ؟) (88).
    ثم جاء سيدنا بلال (رضي الله عنه) واخذ شيئاً من الماء ورشها على قبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ووافق وقت الصلاة فأمروا بلالاً أن يؤذن فقال : لا أستطيع .. فرجاه أبو بكر الصديق فاستجاب له .. فلما وقف على المسجد ونادى : ( اشهد ان محمداً رسول الله) ارتجت المدينة المنورة بالبكاء وما عاد سيدنا بلال يستطيع أن يتم الأذان .
    ثم لما أقيمت الصلاة كان من عادة سيدنا بلال (رضي الله عنه) ان يقف على باب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وينادي :
    ( الصلاة .. الصلاة .. يا رسول الله)
    فلما أقيمت الصلاة نظر بعضهم إلى بعض لمن يقولون:(الصلاة..الصلاة) .
    فضج المسجد بالبكاء ، فإذا بصوت يسمعونه .. {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} فرقت قلوبهم ووقفوا في مصلاهم .
    وكان الصحابة( رضي الله عنهم)يقولون بعد ذلك :
    (إذا أصيب أحدنا بمصاب كنا نعزيه فنقول : يا أخي اذكر مصابك برسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فينسى مصابه) .
    وكان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول لأصحابه :
    (يا أيها الناس : أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته فيَّ عن المصيبة التي تصيبه بغيري فان أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي اشد عليه من مصيبتي)(89) .
    ولما بلغ موت النبي(صلى الله عليه وسلم) مكة وكان عليها وعاملها عتاب بن أسيد (رضي الله عنه) جنح أهل المسجد فخرج عتاب حتى دخل شعباً من شعاب مكة فأتاه سهيل بن عمرو (رضي الله عنه) فقال : قُم في الناس فتكلم! فقال : لا أطيق الكلام مع موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : فاخرج معي فأنا اكفيكه فخرجا حتى أتيا المسجد الحرام فقام سهيل خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وخطب بمثـل خطبـة أبـى بكـر (رضي الله عنه) لم يخرم عنها شيئاً .. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ـ وسهيل بن عمرو (رضي الله عنه) في الأسرى يوم بدر ـ : (ما يدعوك إلى أن تنزع ثناياه أدعه ، فعسى الله أن يقيمه مقاماً يسُرك!) فكان ذلك المقام الذي قال النبي(صلى الله عليه وسلم) وضبط عمل عتاب وما حوله(90) .
    وعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال : بكى الناس على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حين مات وقالوا : والله وددنا أنا متنا قبله ونخشى أن نفتتن بعده .
    فقال معن بن عدي : لكني والله ! ما أُحب أن أموت قبله لأصدقه ميتاً كما صدقته حياً (91) .
    وفي المواهب اللدنية : (أن ناقته (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته لم تأكل ولم تشرب حتى ماتت ).
    وعن عائشة (رضي الله عنها) :
    (ما اغبط أحداً بهون الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) .
    وقالت: رأيت النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو بالموت وعنـده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه ثم يقول : اللهم اعني على منكرات الموت أو سكرات المـوت(92) .
    واخرج البخاري في الأدب عن القاسم بن محمد : أن رجلاً من أصحاب محمد(صلى الله عليه وسلم) ذهب بصره فعادوه فقال : كنت أُريدهمـا لأنظر إلى النبـي(صلى الله عليه وسلم) فأمـا إذ قُبـض النبي(صلى الله عليه وسلم) فوالله ما يسرني ان ما بهما بظبي من ظباء تبالة..(93) .
    وبعد وفاة النبي(صلى الله عليه وسلم) قال أبو بكر لعمر (رضي الله عنهما) : انطلق بنا إلى أم أيمن (رضي الله عنها) نزورها ! فلما انتهيا إليها بكت ، فقالا لها : ما يُبكيك ؟ ما عند الله خيرٌ لرسوله .
    قالت : والله ما أَبكي أن لا أكون اعلم ان ما عند الله خير لرسوله ولكن ابكي ان الوحي انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان (94).
    فكما أن الجمادات كانت تتصدم من ألم مفارقته فان الصحابة (رضي الله عنهم) كانوا أكثر الناس بكاء على فراقه(صلى الله عليه وسلم) .
    وكان الأمام الحسن البصري (رحمه الله) إذا تحدث بحديث حنين الجذع بكى وقال : (يا عباد الله ! الخشبة تحنُّ إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شوقاً اليه لمكانه فانتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه)(95) .
    وتذكر كتب الحديث : أن النبي(صلى الله عليه وسلم) كان يخطب مستنداً ظهره إلى جذع نخلة من الجذوع المسقوف عليها المسجد ، فلما وضع له المنبر تخطى الجذع يوم جمعة ليخطب على المنبر حتى يبلغ صوته الناس لكثرتهم فصاح الجذع حتى سمعه جميع من في المسجد (96).
    وعن عاصم بن محمد عن أبيه قال :
    ما سمعت ابن عمر (رضي الله عنهما) ذاكراً رسول الله(صلى الله عليه وسلم) إلا ابتدرت عيناه تبكيان(97).
    وعن المثنى بن سعيد الذراع قال : سمعت انس بن مالك (رضي الله عنه) يقول : ما من ليلة إلا وأنا أري فيها حبيبي ثم يبكي(98).
    ورثته عمته صفية بنت عبد المطلب (رضي الله عنها) :
    لهف نفسي وبت كالمسلوب
    ارقب الليل فعلة المحروب
    من هموم وحسرة أرقتني
    ليت أني سقيتهـا بشعوب
    حين قالوا أن الرسول قد أمسى
    وافقته منـية المكـتـوب
    حين جئنا لا ل بيت محمد
    فاشاب القذال أي مشـيب
    إذ رأينا بيوته موحشات
    ليس فيهن بعد عيش غريب
    فعراني لذاك حزن طويل
    خالط القلب فهو كالمرعوب(99)

    ورثاه حسان بن ثابت (رضي الله عنه) فقال :
    كنت السواد لناظري
    فعمي فبكى عليك الناظر
    من شاء بعدك فليمت
    فعليك كنت أحاذر(100)
    ورثاه (صلى الله عليه وسلم) ابن عمه أبو سفيان بن الحارث :
    أفاطم أن جزعت فذاك عذر
    شمس النهار واظلم العصران
    فقبر أبيك سيد كل قبر
    وفيه سيد الناس الرسول (101)

    ورثته فاطمة (رضي الله عنها) بهذه المرثية :
    اغبر أفاق السماء وكورت
    وان لم تجزعي ذاك السبيل
    والأرض من بعد النبي كئيبة
    أسفاً عليه كثيرة الأحزان
    فليبكه شرق البلاد وغربها
    ولتبكه مضر وكل يمان
    يا خاتم الرسل المبارك صنوه
    صلى عليك منزل القران
    فلم يسمعها إنسان حتى بكى معها ..
    وبعد أن فاضت دموع العين بما في القلب من نيران الحزن عادت إلى منزلها واجمة مطرقة حزينة (102).
    " إن البشر إلى فناء .. والعقيدة إلى بقاء ، ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس ، من الرسل والدعاة على مدار التاريخ والمسلم الذي يحب رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وقد كان أصحابه يحبونه الحب الذي لم تعرف له النفس البشرية في تاريخها كله نظيراً الحب الذي يفدونه معه بحياتهم ان تشوكه شوكة .
    وما يزال الكثيرون في كل زمان وفي كل مكان يحبونه ذلك الحب العجيب بكل كيانهم وبكل مشاعرهم حتى ليأخذهم الوجد من مجرد ذكره(صلى الله عليه وسلم) هذا المسلم الذي يحب محمداً ذلك الحب مطلوب منه ان يفرق بين شخص محمد(صلى الله عليه وسلم) والعقيدة التي ابلغها وتركها للناس من بعده باقية ممتدة موصولة بالله الذي لا يموت .
    أن الدعوة أقدم من الداعية .
    {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ...} قد خلت من قبله الرسل يحملون هذه الدعوة الضاربة في جذور الزمن ، العميقة في منابت التاريخ المبتدئة مع البشرية تحدو لها بالهدى والسلام من مطالع الطريق .
    وتشير هذه الآية إلى واقعة معينة حدثت في (غزوة أُحد) حين انكشف ظهر المسلمين بعد أن ترك الرماة أماكنهم من الجبل ، فركبه المشركون وأوقعوا بالمسلمين وكسرت رباعية الرسول(صلى الله عليه وسلم) وشج وجهه ونزفت جراحه وحين اختلطت الأمور وتفرق المسلمون لا يدري أحدهم مكان الأخر.. حينئذ نادى منادٍ : أنَّ محمداً قد قُتل وكان لهذه الصيحة وقعها الشديد على المسلمين فانقلب الكثيرون منهم عائدين إلى المدينة مصعدين في الجبل منهزمين تاركين المعركة يائسين لولا ان ثبت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في تلك القلة من الرجال وجعل ينادي المسلمين وهم منقلبون ، حتى فاءوا اليه وثبت الله قلوبهم وانزل عليهم النعاس أمنة منه وطمأنينة وكأنما أراد الله سبحانه بهذه الحادثة وبهذه الآية ، أن يفطم المسلمين عن تعلقهم الشديد بشخص النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو حي بينهم وان يصلهم مباشرة اليه بالنبع الذي لم يُفجِره محمد(صلى الله عليه وسلم) ولكن جاء فقط ليومئ ويدعو البشر إلى فيضه المتدفق كما أومأ اليه من قبله من الرسل ودعوا القافلة إلى الارتواء منه .
    وكأنما أراد الله سبحانه ان يأخذ بأيديهم فيصلها مباشرة بالعروة الوثقى . العروة التي لم يعقدها محمد(صلى الله عليه وسلم) إنما جاء ليعقد بها أيدي البشر ، ثم يدعهم عليها ويمضي وهم بها مستمسكون .
    وكأنما أراد الله سبحانه ان يجعل ارتباط المسلمين بالإسلام مباشرة ، وان يجعل عهدهم مع الله مباشرة وان يجعل مسؤوليتهم في هذا العهد أمام الله بلا وسيط ، حتى يستشعروا تبعتهم المباشرة ، التي لا يخليهم منها ان يموت الرسول(صلى الله عليه وسلم) أو يقتل ، فهم إنما بايعوا الله ، وهم أمام الله مسؤولون (103)

    أن العين لتدمع وان القلب ليحزن وإنا على فراقك يا رسول الله لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضى ربنا . إنا لله وإنا إليه راجعون .

    وإذا وفقك الله - أيها القارئ الكريم - زيارة قبر رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فاعلم أن لزيارة قبره آداباً لا بد من إتباعها (104) .. فاعقد العزم أولاً على زيارة مسجده ثم انوِ مع ذلك زيارة قبره الشريف ، ثم اغتسل قبيل دخولك المدينة ، والبس أنظف ثيابك واستحضر في قلبك شرف المدينة وانك في البقعة التي شرفها الله بخير الخلائق فإذا دخلت المسجد فاقصد الروضة الكريمة وصل ركعتي تحية المسجد ما بين القبر والمنبر ، فإذا دنوت إلى القبر الشريف بعد ذلك فقف غاض الطرف واستشعر الهيبة والإجلال ثم سَلم على رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بصوت خفيض قائلاً :
    السلام عليك يا رسول الله .. اشهد أن لا اله ألا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله . اشهد انك قد بلغت رسالة ربك ونصحت لامتك ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت الله حتى آتاك اليقين. فصلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك كثيراً كما يحب ربنا ويرضى .
    ثم استقبل القبلة وانحرف إلى اليمين قليلاً حتى تكون بين القبر والاسطوانة التي عند أول القبر وارفع كفيك بدعاء خاشع إلى الله عز وجل قائلاً : اللهم انك قلت وقولك الحق:{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (سورة النساء:64) ..
    وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً برسولك إليك فأسألك يا رب ان توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته) .
    ثم أكثِر من الدعاء لما تشاء من أمر دينك ودنياك ولإخوانك وعامة المسلمين .
    وبمناسبة المقام نذكر ما رواه الأمام البغوي في مصابيح السنة :
    عن أبى الجوزاء قال : قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة (رضي الله عنها) فقالت : انظروا قبر النبي(صلى الله عليه وسلم) فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا فمطروا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق (105).
    وعن سعيد بن عبد العزيز (رضي الله عنه) قال : لما كان أيام الحرة (106) لـم يؤذن في مسجد النبي(صلى الله عليه وسلم) ثلاثاً ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي(صلى الله عليه وسلم)(107)
    وبمناسبة المقام ننقل نص مقال الأستاذ فتح الله كولن الموسوم :
    أفكارنا ومثلنا في ظلال القبة الخضراء
    محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو المعنى الأسمى للخلق، وخلاصة الوجود. فهو الأول حسب شجرة الخلق وهو الأخير بمعنى من المعاني. فكأن الوجود نُظم كأبيات شعر باسمه، وكأن وجوده وجسده كان الكلمة الأخيرة من هذا الشعر. كان تشريفه للدنيا رمزا لولادة الإنسانية من جديد. أما نبوته فكانت وسيلة لظهور المعاني والقيم الحقيقية للأشياء والحوادث، وهجرته طريق خلاص الإنسانية، ورسالته جسراً لسعادة الدنيا والآخرة. وصلت بفضله القلوب المؤمنة إلى مشاهدة الوجود كمعرض، والقيام بتقييمه على هذا الأساس، وعلى تفسيره بعد قراءته ككتاب، والعثور في إقليمه المضيء على الطرق المؤدية إلى الحق تعالى. والذين عثروا على الحقيقة بواسطته وبه، يتنفسون على الدوام معاني الأبدية والخلود. والذين وُهبوا المعرفة العميقة بسيرته حصلوا على عصارة كل العلوم ولبّها.
    وعلى الرغم من مرور كل هذه السنين والأعوام فهو لا يزال يلتمع في أفق حياتنا كشهاب وكنجم جديد، بل كشمس لها القدرة على إضاءة الوجود كله، بل هو في الحقيقة منبع ضياء قوي يستطيع تتويج الشمس. حدود وأفق وظيفته منبع حكمة تهب شعور العبودية للقلوب، أما روحه المشبع بالحب فيربط جوانب الوجود بعضها ببعض.
    كلما خطا الإنسان إلى جو يحيط بما يذكّر به أحس بأن دمه يجري بالحب. وما أن يخطو إلى جوه وإقليمه خطوة واحدة حتى يجد نفسه في منتصف الطرق الموصلة إلى الله. أما زيارة قريته فهي بمثابة مرسى وميناء ونقطة انطلاق إلى عصر النور. والذين يؤمنون بنقطة الانطلاق هذه يصلون إلى شرف اللقاء به، وتمتلئ أرواحهم بالشوق إليه. ومهما كان عدد الزيارات التي يقوم بها الشخص لمرقده الأخضر الطاهر المتناسق الذي ينبعث منه الحب والجمال والرومانتيكية والشعر -وكأنه في مغتسل موسيقي- يشعر في كل زيارة بعمق وغنى وخصوصية ذلك الجو والعالم الذي يحيط به، ويستسلم قلبه لعالم الوصال، ويشعر بتغير في نبض الحياة من حوله، ويجد نفسه في خضم متلاطم من عواطف متداخلة من الفرح والحزن.
    أجل... في هذا المكان الذي تجلله المهابة، والذي يحيط به المعبد المبارك، والقبة الخضراء التي تبدو وكأنها تريد الانطلاق نحو سِدرة المنتهى، يغرق الإنسان على الدوام في بحر من الأفكار حول أحوال العالم الإسلامي، وتحيط به مشاعر عميقة، وتملأ قلبه عواطف متأججة وملتهبة. أحياناً يحس الإنسان أن ضبابا يلف هذا المكان المبارك، وأن حزنا ينتشر في أرجاء هذا المعبد، وتبدو القبة الخضراء آنذاك وكأنها جواد أصيل وقف على قائمتيه الخلفيتين تتحدث مع أرواحنا، أو كأنها فتحت يد الضراعة نحو السماء خلف الثاوي المبارك قربها... تمد يد الضراعة نحو السماء وتتوسل، وتذكّرنا بأيام الهجران والحسرة. يحدث أحياناً كأن نورا يغمر كل مكان هناك، فيتحول المسجد إلى هالة مثل هالة القمر، وتبدو القبة وكأنها تقدم تحيات الفرح لأهل السماء. وأحياناً يبدو منظرها المتوجه إلى السماء في حالة ترقب وانتظار عميق ومؤثر إلى درجة أنك تتخيل هذه القبة الخضراء وكأنها ترجمان لآلامك وأحزانك، أو تتوهمها وكأنها تغني أشعار الغزل الفرحة. وفي غمرة صمتها العميق، وانفعالها الصامت تسمع ما لا يُسمع وتشعر ما لا يُشعر، وتحدس ما لا يُحدس، فتحس وكأنك تجاوزت أبعاد المكان الذي أنت موجود فيه، وأبحرت في بُعد وفي عمق آخر.
    تبدو القبة الخضراء والمعبد المبارك الذي يحيط بها -مع الجبال والتلال الصغيرة والكبيرة حواليها- في تناغم تامّ مع السهول الواسعة والصحراء الممتدة والواحات التي تهب فيها نسائم كأنها قادمة من الأبدية، حتى لتبدو وكأنها قد صُممت في السماء ثم رسمت على الأرض. أجل فالقبة الخضراء أعمق حتى من أعمق زرقة في السماء، وقطعة محفوفة بالأسرار. فكأن أسطر وصفحة كتاب الطبيعة التي تكون هذه البقعة المباركة قد اختيرت بدقة، ووضعت بعناية في محلها وفي موقعها، حتى كأنها نقطة التقاء السماء مع الأرض، ونقطة التقاء العديد من الأشياء المادية والمعنوية. أما القلوب المفتوحة لصاحب هذا المكان -جعلت أنفسنا فداءً لـه- فما أن يلجوا ويتنسموا جوه حتى يحسبوا أنفسهم، وكأنهم بدأوا يخالطون أهل السماء. وما أن يُقبل الإنسان على المواجهة التي تعد البستان الخاص وحديقة العشاق حتى تثور عنده المشاعر، ويحس بأن قلبه على وشك التوقف، ويتصاعد الانفعال في قسمات الوجوه الطاهرة. والحقيقة أن عدد الذين توفوا هناك بالسكتة القلبية ليس قليلا.
    كانت المواجهة على الدوام بالنسبة للعشاق مرفأ ونقطة انطلاق نحو الأعالي. وكل من وصل إلى هناك من أصحاب القلوب العاشقة يبدو وكأنه دخل إلى دهليز من زمان سحري، وفتح جناحيه إلى السماوات العالية أو أبحر في بحار واسعة... يدخل وكأنه يستمع إلى شعر حول جمال تلك البقعة المباركة وإلى براءتها التي هي فوق كل براءة، ويعبّ من هذا الجمال كأنه يعبّ من ماء الكوثر. ويشعر في كل لحظة تمضي بلون جديد من السعادة.
    الزمان عند المواجهة مضيء وساحر ومفتوح للخيال إلى درجة أن كل صاحب فؤاد ذكي وصل إلى هناك يتخيل وكأنه يرى الوجه المشرق الطاهر للنبي (صلى الله عليه وسلم)، ويحس بجزء من انفعالات صدره المتفتح للوحي، ويتخيل أنه يسمع صوت أبواب السماء وهي تنفتح، وأصوات رفرفة أجنحة جبريل عليه السلام، وأصوات تلاوة مهيبة للقرآن وهي تتردد، فيحس وكأنه قد تبلل من رأسه إلى أخمص قدميه بمطر الرحمة من ذلك العهد السعيد، فلا يملك نفسه من التناغم مع هذا الجو، فتذرف عيونه دموعا ساخنة. وعندما يحس أن أحاسيس الروضة الطاهرة قد طوقته وأحاطت به بعمق، يتمنى أن يذوب وأن يسيل إلى تلك الروضة الطاهرة.
    والحقيقة أن كل ما يراه الإنسان هناك ويحس به يتصف بأنه عميق، ويخاطب سريرة الإنسان وقلبه. المكان هناك وكل شيء لا بد أن يهمس للإنسان شيئا. وبجانب بكاء العاشقين وأنينهم ترى الأعمدة المحظوظة الصامتة هناك، والبسمة الحزينة المشاهدة في حال "المواجهة" التي يرسل من خلالها الضريح المبارك -المطاف القدسي للأرواح- البسمات إلى عيون خيالاتنا مثل صاحب بيت مضياف ووفي... هذه البسمات دافئة ومؤثرة إلى درجة أن صاحب كل فؤاد ذكي يحس تجاه هذه المعاملة الخاصة والسرية وكأنه وصل إلى الخلود.
    والذين يحسون في قلوبهم، وينظرون إلى هذا الدرب الملائكي بهذه العين، ويفهمونه بهذا المعنى، يخيل إليهم أنه لا يوجد هناك أي شيء حي أو أي جماد، بل صمت تلفه ألوان المهابة، وكأن هناك انتظارا عاما ضمن جو انفعالات الزيارة. فما أن يخطو أي زائر الخطوة الأولى إلى ذلك المقام حتى يجد نفسه تحت تأثير ذلك الجو ويبدأ بالإنصات إليه. أما الروضة المطهرة فتبدو وكأنها تقدم أسلوبها وصمتها أنموذجا لهم، وتفتح في عالم عواطفهم خمسين نوعا من المنافذ لأحاسيس وعواطف بِكر لم يعرفوها، ولم يتذوقوها من قبل.
    يلقى الإنسان في حضن الروضة المطهرة على الدوام سحرا يبرق أمام العيون ويلف القلوب، فيحس بنسائم عالم جديد في أحاسيسه وفي أفكاره، فيلج من أبواب خيالية في أعماق قلبه إلى عوالم غامضة تلفها الأسرار، فكأنه يسمع من منبر الأرض تلك الخطبة الخالدة -التي شكَّل كلامُ الحق تعالى بيانه- من فم سيد الفصحاء، وتفعم السعادة قلبه لكونه من أمته، فيهوي إلى الأرض ساجدا سجدة الشكر.
    لا شك بأن مثل هذا الحدس والاستماع بأذن القلب، ومثل هذه الانفعالات والعواطف والأذواق تظهر وتأتي نتيجة تفاعل وتجمع وتراكم العقيدة مع قناعة وتوجه كامل ومع حدس عميق. فما أكثر ما تستطيع الروضة المطهرة والمسجد النبوي وموطن النبي (صلى الله عليه وسلم) وموطن العاشقين من نفث للمعاني في روع هؤلاء الذين ملكوا مثل هذه العقيدة والقناعة والتوجه وهذا الحدس.
    أجل فللروضة المطهرة بالنسبة لزوارها الذين أكملوا وأتموا تركيزهم القلبي والروحي موضع هام في عالم أحاسيسهم وانفعالاتهم، ولها موقع خاص متميز بكل تفصيل من تفاصيله... بِصَمْتها المهيب، ومنظرها الوقور وعمقها اللدني... كأنها تنشد شعر الوجود وتومئ إلى العالم الآخر... كأن كورس السماء ينشد هناك أعذب ألحان الموسيقى، ويضع في قلوب المتوجهين إليها جمرة العشق، فيعيش كل واحد منهم فترة لذة العشق والوصال، ثم تغيب مرة في ذلك الصمت العميق، وتتركك في وحدة حزينة وسط خيمة الوصال، وكأنها لم تفتح لك قبل قليل أستار الأسرار... تتركك وحدك وترجع إلى حالها البكر السابق... تتركك ولكنها لا تهمل الدعوة الثانية لقلبك(108).
    ويقول محمد فتح الله كولن في قصيدته :


    ( وردة المدينة المنورة )
    يا وردة روحي... يا ندى قلبي... يا حبَّة فؤادي
    أنا الذاكر العميد... والهائم الشريد...
    قلبي مزار طيفك... وروحي ملعب سرابكِ
    إنّه ما زال يهدهد شجوني... ويكفكف دموعي
    ذكراكِ يمسح من ذاكرتي كُلَّ شيءٍ سواك...
    فليغبْ كُلُّ شيءٍ إلاّكِ
    أنا مذاب عشق... أتقلب في عشقي...
    في قيامي وقعودي... ويقظتي ومنامي...
    أنا روح هائم في أفق العلاء أحلق
    كيف الوصول إليك وأنتَ فوقَ الفوق
    ووراء الوراء...؟
    حبذا العشق لو يستطيع
    سيدي ومولاي... التفتْ إليّ...
    لمحة منك تكفيني... قلبي بلظى الفراق
    يتحرق... أنينه ملأ الدنيا... وحنينه
    جاوز السبع الطباق... جُدْ عليَّ...
    بالوصولِ جُدْ عليَّ... متى يا سيدي...؟
    متى...؟
    كقلب الطير قلبي... ما أن يَذكر اسمك
    حتى يبدأ بالخفقان
    فامنن عليّ بريشة من جناحك
    لكي أطير إليك... وأحلق وراءك أبدا
    كقلب الطير قلبي... ما أن يذكر اسمك
    حتى يبدأ بالخفقان
    يا وردة حوّلت الصحراء القاحلة إلى جنان
    أشرقي على قلبي بألوانك الساحرة
    آن الأوان، لتكفكفي عيوني الدامعة
    يا وردة حولت الصحراء القاحلة إلى جنان
    مجنونك أنا، آه، خادمك أنا
    إن رميتَ بجمرة عشق في قلبي
    أججتْ جوانحي وكياني
    وأنقذَتْني من هذه الرؤيا السوداء
    الفارغة من محياك الوضيء
    مجنونك أنا، آه، خادمك أنا
    عقلي يذكرني بأيام الفراق
    فيسبل على روحي سدف الظلام
    سيدي متى تكشف عن وجهك الصبوح؟!
    فالشمس تميل إلى الغروب،
    عقلي يذكرني بأيام الفراق...
    آه في الفصل الأخير من كتاب حياتي
    آهٍ لو غدا غروبي شروقاً
    وقلبي مفعماً بأزهى ألوان عالمك المضيء
    حيث ترتفع أصوات الدفوف وترانيم الناي
    في كل مكان...
    آه، لو غدا غروبي شروقا...(109)




    الهوامش

    (1) رواه الإمام احمد انظر حياة الصحابة (2/595)
    (2)صحيح البخاري
    (3)انظر : صحيح البخاري وصحيح مسلم
    (4) رواه البخاري
    (5)رواه البخاري
    (6)صحيح البخاري
    (7)انظر سنن ابي داود
    (8)صحيح البخاري
    (9)روح المعاني 15/326
    (10) روح المعاني 15/329
    (11) رواه احمد ورواه مسلم من طريق داود ابن ابي هند بهذا النص
    (12)في ظلال القرآن 30/280
    (13)رواه البخاري و مسلم
    (14)رواه احمد في مستنده وابو داود والنسائي وابن ماجه.
    (15)السيرة النبوية لابن هشام 4/643 وتراجم سيدات بيت النبوة
    (16)رواه البخاري
    (17)رواه مسلم (2452) والطبراني في الكبير 24/40
    (18)رواه البخاري
    (19)نسيم الرياض 3/91
    (20)البداية والنهاية 5/2 26
    (21)صحيح البخاري وموطأ مالك
    (22)الرحيق المختوم ص427
    (23)الرحيق المختوم ص427
    (24)صحيح البخاري
    (25)رواه البخاري ومسلم
    (26)صحيح البخاري وصحيح مسلم
    (27)صحيح البخاري وصحيح مسلم
    (28)رواه البخاري موطأ مالك
    (29)موطأ مالك
    (30)أخرجه البزار وأنظر حياة الصحابة 2/597
    (31)أنظر:صحيح البخاري والبداية والنهاية والرحيق المختوم ص 428.
    (32)الرحيق المختوم ص 428.
    (33)رواه البخاري ومسلم.
    (34)البداية والنهاية5/239 وسيرة هشام 2/652
    (35)أي رقيقات العواطف ويظهرن خلاف ما يبطن .
    (36)رواه البخاري ومسلم
    (37)الرحيق المختوم ص 429
    (38)رواه البخاري
    (39)الرحيق المختوم ص 429
    (40)المصدر نفسه
    (41)الطبراني في الكبير 24/139 واحمد 6/453 وابن ماجة 2438
    (42)الطبراني في الكبير 5920
    (43)رواه ابن عساكر وانظر : حياة الصحابة 1/627 و(اللد : ما يسقاه المريض
    من الأدوية في أحد شقي الفم)
    (44)رواه البخاري ومسلم.
    (45)رواه البخاري ومسلم .
    (46)رواه البخاري .
    (47)صحيح البخاري
    (48)رواه البخاري ومسلم
    (49)البداية والنهاية 5/240 وحياة الصحابة 1/ 627 و(خارجة):هي إحدى
    زوجـات أبى بكر. و(السُنح) :منطقة زراعية تقع شرقي المدينة .
    (50)حياة الصحابة 1/627
    (51)متع النهار: أي طال وامتد وتعالى
    (52)انظر : صحيح البخاري وابن ماجة والنسائي .
    (53)الرحيق المختوم ص430
    (54)المصدر نفسه .
    (55)طبقات ابن سعد 2/312
    (56)أحياء علوم الدين 4/401
    (57)صحيح البخاري
    (58)شرح الشفا 3/283
    (59)صحيح البخاري
    (60)أحياء علوم الدين 4/401 وشرح الشفا 3/284
    (61)صحيح البخاري
    (62)صحيح البخاري
    (63)الرحيق المختوم ص 431
    (64)البداية والنهاية 5/241
    (65)البيهقي في الدلائل ونسيم الرياض 3/284 ورفع الخفا ص 309
    وسيرة بن كثير 4/550
    (66)رواه الترمذي وابن ماجة
    (67)صحيح البخاري
    (68)سيرة ابن هشام4/ 334
    (69) رفع الخفا 1/308
    (70)حياة الصحابة 2/601
    (71)رفع الخفا 1/308
    (72)المصدر نفسه
    (73)نهاية الأرب للنويري 18/386 واحياء علوم الدين 4/588
    (74)البداية والنهاية 5/241 وحياة الصحابة 2/602
    (75)دهشت ، يقال: عقر الرجل إذا تحير ودهش .
    (76)صحيح البخاري
    (77)البداية والنهاية 5/243
    (78) سيرة ابن هشام 4/432
    (79)طبقات ابن سعد 2/278 ورفع الخفا 1/301
    (80)السدر : نبات عطري
    (81) صحيح البخاري
    (82)حياة الصحابة 2/606
    (83)الرحيق المختوم ص433
    (84)البداية والنهاية 5/263
    (85)انظر: الشمائل المحمدية
    (86)رواه البخاري
    (87)تراجم سيدات بيت النبوة
    (88)المصدر نفسه
    (89)رواه ابن ماجة (1599)
    (90)حياة الصحابة 2/610
    (91)البداية والنهاية 6/339 والإصابة 3/450 والاستيعاب 3/446
    (92)مصابيح السنة للبغوي 1/78
    (93) حياة الصحابة 3/202 والبخاري في الأدب المفرد ص78 و(تبالة ): بلد
    باليمن .
    (94)البداية والنهاية 5/274 وحياة الصحابة 2/611
    (95)نسيم الرياض 3/63
    (96)المصدر نفسه 3/58
    (97) طبقات ابن سعد 4/168 وحياة الصحابة 2/617
    (98) طبقات ابن سعد 7/20
    (99) حياة الصحابة 2/614
    (100) رفع الخفا 1/309 وانظر مرثيته كاملة في سيرة ابن هشام
    (101) السيرة النبوية لابن كثير 4/559
    (102) أحسن القصص 5/58 لعلي فكري
    (103) في ظلال القران 4/61
    (104) فقه السيرة للبوطي
    (105)مصابيح السنة 2/190
    (106) حدثت سنة 63 هـ بين جيش الشام وأهل المدينة في زمن يزيد بن
    معاوية واستباح الجيش المدينة ثلاثة أيام فقتل الكثير وانتهبت الأموال ،
    والحرة : على بعد ثلاثة أميال من المدينة . (انظر : تاريخ الطبري
    5/194 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص209)
    (107)مصابيح السنة 2/190
    (108) ترانيم روح وأشجان قلب : محمد فتح الله كولن ، دار النيل للطباعة
    والنشر ، استانبول
    (109)من ديوان "المضرب المكسور" : محمد فتح الله كولن ، ترجمة: نوزاد
    صواش، أديب إبراهيم الدباغ ، دار النيل للطباعة والنشر ، استانبول
    و (الوردة) تستعمل في الأدب التركي رمزاً للرسول صلى الله عليه وسلم.

    [gdwl]
    إن كان الإتفاق في الحق إختلافاً في الأحق، يكون الحق أحياناً أحق من الأحق، والحسن أحسن من الأحسن.
    ويحق لكل امرئٍ أن يقول في مذهبه: «هو حق، هو حسن»، ولكن لا يحق له القول: «هو الحق هو الحسن .
    [align=center]بديع الزمان سعيد النورسي[/align][/gdwl]

  2. #2
    أستاذ بارز
    تاريخ التسجيل
    15/05/2007
    المشاركات
    1,522
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    جزيت خيرا ،لكن من قتل رسول الله؟؟
    اليسوا اليهود؟ ان دم محمد في اعناق يهود.
    لا بد من اخذ الثأر له.
    ربوا ابناءكم على هذا.


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمد خلف الرشدان
    تاريخ التسجيل
    18/02/2008
    العمر
    74
    المشاركات
    1,970
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

    شكراً لك يا أخي الكريم على هذه الإضاءة ، فديتك بروحي يا رسول الله ، ما أجملك حياً وميتاً ، لقد كان فرداً ثم أمة وحده ، وصنع مجداً وعزاً لم يفعله أحد من قبله ولن يفعله أحد غيره الى قيام الساعة ، اللهم صل على محمد صلاة دائمة سرمدية لا تنقطع أبداً

    أنا عربي وولدت في أرض العرب حراً أبياً ، لا أقبل الضيم ، ولن يقر لي قرار حتى تعود فلسطين حرة عربية ، ويعود العراق حراً عربياً .

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •