يسمّـى التسول بالكدية ، وظهر أدب خاص ألصق بهذه الظاهرة اسمه ادب الكدية وله دراسات أدبية ،،أما الكدية فقد ظهرت في العهد العباسي,وكانت مزدهرة أيام بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات الشهيرة في القرن الهجري الرابع..ومعنى الكدية- بضم الكاف- شدة الدهر وسؤال الناس او تسولهم وهو المسمى الشحادة او الشحاذة او الشحاتة حسب اللهجات المحلية العربية .
وأصحاب الكدية قوم يتجولون في البلاد المختلفة والأمصار المتباعدة,يتكسبون بالأدب تارة,ويحتالون تارة أخرى على الناس بحيل ملفقة وأكاذيب مخترعة,وقد أطلقوا على أنفسهم بني ساسان أو الساسانيين .‏
ويرى الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه (بديع الزمان الهمذاني) أن الكدية كانت من أول الأغراض التي حدت ببديع الزمان الى كتابة مقاماته. ومن أشهر شعرائهم : الأحنف العكبري وأبو دلف الخزرجي وأبو فرعون الساسي وأحمد الهيتي وأبو العيناء وابن الحجاج وابن سكرة .. وسواهم .‏
نماذج طريفة من حكايات المكدين‏ :
كان خالويه المكدي معروفا في البخل والتكدية مع وفرة في المال( اي سوبر شحيح ),وكان ينزل في شق من بني تميم,فلم يعرفوه,فوقف عليه ذات يوم سائل وهو في مجلس من مجالسهم , فأخرج يده من الكيس ليخرج فلساً, وفلوس البصرة كبار معروفة .‏ فغلط بدرهم بَـغـلي فلم يفطن حتى وضعه في يد السائل,فلما فطن استرده وأعطاه الفلس,فقيل له : هذا لا نظنه يحل,وهو بعد قبيح,فقال:قبيح عند من ؟ إني لم أجمع هذا المال بعقولكم فأفرقه بعقولكم ( اي جمعه بجهده وعقله ويصرفه بعقله هو لا بعقولهم ) ، وأردف : ليس هذا من مساكين الدراهم ولكنه من مساكين الفلوس (وانزال الناس منازلهم سنة تتبع ).‏
وأتى سائل داراً يسأل منها,فأشرفت عليه امرأة من الغرفة فقال لها: يا أمة الله هل لك أن تصدّقي عليّ بشيء؟ قالت: أي شيء تريد ؟ قال : درهماً,قالت :ليس, قال :فدانقا,قالت: ليس, قال:ففلساً,قالت: ليس, قال: فكسرة,قالت :ليس,قال: فكفاً من دقيق,قالت :ليس,قال: فزيتاً .‏ ....حتى عـدَّ كل شيء يكون في البيوت وهي تقول ليس فقال لها: يا.....( كلمة غير مهذبة )... فما يجلسك هنا ؟ مري تسولّـي معي .‏
***وقال الأصمعي: وقفت على سائل بالمربد وهو يقول :‏ قد رهنت القصاع من شهوة الخبز‏ ( وهو شطر بيت من شعر )
فقلت :أتممه.فقال: أتممه أنت,فقلت: فمن لي بمن يفك القصاعا‏ قال: اضمم إليه بيتاً,فقلت:‏

ما رهنت القصاع يا قوم حتى= خفت والله أن أموت ضياعا‏
فقال:أنت والله أحوج الى المسألة وأحق بها مني.‏
وقال الأصمعي ايضا : رأيت سائلاً وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول:‏
أيا رب رب الناس والمن والهدى =أمالي في هذا الزمــان قسيم‏
أما تستحي مني وقد قمت عاريا= أناجـيك يا ربي وأنت كــريــم‏
أترزق أبناء العلوج وقد عصوا= وتترك قرماً من قـــروم تمــيم‏
وأتى سائل من الأعراب الى بني عبد العزيز بن مروان فقال: أتت علينا سنون لم تبق زرعاً حصيداً ولا مالاً تليداً إلا اجتاحته بزوبره وأصله ، وأنتم أئمة أمَلي وقصد ثقتي,فلم يعطوه شيئاً فقال :
بنو عبد العزيز إذا أرادوا‏ =سماحاً لم يلق بهم السماح‏
لهم عن كل مكرمة حجاب‏ =فقد تركوا المكارم واستراحوا‏
وتقبلوا فائق التحية ولا أراني محتاجا أن أتســوّل ابتساماتكم ...