آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: لماذا قدم السحرة الوزير قبل الأمير

  1. #1
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    لماذا قدم السحرة الوزير قبل الأمير

    بسـم الله الرحمن الرحيـم
    (( قالوا ءامنا برب هارون وموسى ))
    لماذا قدم الوزير على الأمير؟
    قبل ما يزيد على خمس وعشرين سنة جمَعنا العمل في التدريس بأخ كريم يدعى خليل جبرائيل العيسة؛ ويكنى (أبو سعيد)،
    وعندما وقعت عيني عليه قلت له يا أبا سعيد : فيك شيء أعرفه .. مع أني واثق أني لم ألتق بك من قبل، ولم يجمعنا مجلس.. فأجلس لأعرف هذا الذي فيك؛
    فسألته: من أي بلد هو؛ فأجاب بأنه من الدوايمة (قرية من قرى الخليل)؛ وهي بلدة مشهور أهلها بالذكاء.
    فسألته: هل تعرف الدكتور عبد القادر هاشم رمزي؛ فقال: هو ابن خالتي
    فأدركت فورًا الشيء الذي أعرفه فيه؛ فقلت: إن عيونك كأنها عيونه؛ فأجاب: هذا صحيح.
    فلما سألتهم عن خليل العيسة؛ قالوا أيهم فهم كثر؛
    فقالوا: هل تقصد خليل جبرائيل العيسة ؟ فقلت: نعم،
    فقالوا: يرحمه الله تعالى؛ لقد توفي قبل ستة أشهر، ففاجأني الخبر وأحزنني سماعه، وعدم التقائي به.
    ومن أقواله التي لا أنساها (في التسعينات) ؛
    قال: هذا زمن الغراء الأمريكي؛ فمن يريد أن يثبت على كرسيه، ولا يستطيع أحد أن يخلعه منه؛ فعليه أن يذهب إلى أمريكيا لتغرِّي له مؤخرته بالغراء الأمريكي فيلتصق بعدها على كرسيه، ولن يستطيع أحد أن يخلعه منه بعد ذلك.
    وسئل مرة عن رأيه في زعيم كان قد أحدث ضجة في الإعلام؛ ببضع كلمات جعلها في خطاب له؛
    فقال: هذا مثل الحذاء؛ كلما تغبـر واتسخ؛ يحتاج إلى تلميع، حتى يظل الناس يتحدثون عن جنونه وحماقاته.
    وإنما جئت بالحديث عن أبي سعيد رحمه الله تعالى لأنه كان سببًا لهذا البحث.
    سألت في صباح يوم، ونحن في قاعة المدرسين، لماذا قدم هارون على موسى في سورة طه؟
    فاحتد أبو سعيد، ورفع صوته عاليًا؛ وقال: أنت (غلباوي) بهذا اللفظ نفسه؛
    :في سورة طه؛ الآيات منتهية بالألف المقصورة؛ فقدم هارون وأخر موسى عليهما السلام مراعاة لرؤوس الآيات،
    وفي سورتي الأعراف والشعراء انتهت الآيات بالواو والنون؛ فمن المناسب أن يقدم موسى ويؤخر هارون عليهما السلام؛ مراعاة لرؤوس الآيات ....... وكان الله بالسر عليم .... وهل يجب علينا أن نقف على شيء وندقق فيه، ونسأل عنه؟
    فقلت في نفسي: وهل الله عز وجل يخل بالمعنى لأجل رؤوس الآيات ؟!
    ولكن الله ألهمني الصبر ولم أرد عليه، وكان صبري على البحث عن سر هذا التقديم كان خيرًا لي من الرد عليه،
    ومن طبع الإنسان أنه يفضل الوجبات الجاهزة القليلة الدسم على الوجبات الكثيرةة الدسم إذا كان هو من سيكلف بإعدادها.
    وفي البيت جئت بثلاثة مصاحب، وفتحتها على الطاولة، وعلى الآيات والقصة نفسها في السور الثلاث؛ (الأعراف – طه – الشعراء)، وأبقيتها على هذا الوضع حتى انتهيت من البحث في هذا الموضوع.
    وأخذت بقراءة القصة في السور الثلاث كل يوم، وأكثر من مرة، وأحيانًا قبل وبعد كل صلاة ..
    القصة هي القصة، ثم بدأت أحس بالفوارق بينها شيئًا فشيئًا مع كثرة القراءة، وأخذت بتدوين هذا الفوارق لعلي أعرف السر يومًا في هذا التقديم والتأخير،
    وبعد أكثر من شهرين من التعايش مع هذه الآيات؛ جئت لأبي سعيد بدراسة في (22) صفحة؛ أبين فيها سبب تقديم هارون على موسى عليهما السلام بتعليل جديد.
    وقلت له: عندما تعود إلى البيت اقرأ هذه الورقات ، وأحب أن أسمع رأيك غدًا إن شاء الله تعالى.
    فجاء في اليوم التالي معتذرًا، وقال: سبحان الله،
    وقال: إن ما قلته؛ (يقصد: مراعاة رؤوس الآيات) أخذته من التفاسير، ولم آت به من نفسي،
    فقلت: أعلم ذلك، ولكن الله تعالى لا يأت في القرآن بالمعنى على حساب اللفظ، ولا باللفظ على حساب المعنى؛ فكل منهما يتمم الآخر ويجليه، ولذلك لم أرتض هذا القول، ورأيت فيه منقصة في حق الله سبحانه وتعالى، وكأنه ألجئ إليه.
    وأشكرك على ثورتك في وجهي؛ فقد أفادتني هذه الدراسة كيفية التعامل مع القصص القرآني ..
    وقرأ هذا البحث يومها أحد أصهاري؛ فقال: فعلاً، لماذا قدم الوزير على الأمير؟ مشيرًا إلى قوله تعالى: (واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي)؛ فموسى عليه السلام كان الأمير، وهارون عليه السلام كان الوزير؛ فجعلت عبارته هذه عنوانًا لهذا البحث؛ لماذا قد الوزير على الأمير؟.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:37 PM

  2. #2
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: لماذا قدم الوزير على الأمير؟

    تتألف سورة طه من (135) آية
    فيها (27) آية؛ منتهية بألف ممدودة عوضًا عن تنوين الفتح.
    وفيها (84) آية؛ منتهية بالألف المقصورة.
    وفيها (21) آية؛ منتهية بالياء؛ ثلاث منها مشددة،
    والهاء من طه منتهٍ بالألف الممدودة قراءة وليس رسمًا
    وآية (واحدة)؛ منتهية بالميم،
    وآية (واحدة) أخرى؛ منتهية بالواو،
    ففي (112) آية من آيات السورة؛ انتهت بحرف الألف الممدودة أو المقصورة وألف الهاء من (طه) لفظًا.
    وفي (133) آية؛ من آيات السورة؛ انتهت بالرسم القرآني للألف المقصورة أو الياء المخففة والمشددة والألف الممدودة

    ولم يخرج عن هذا من الآيات إلا آية منتهية واحدة بحرف الميم؛
    في قوله تعالى: ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ(78) طه.
    وآية أخرى منتهية بالواو؛
    في قوله تعالى: ( قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92) طه.
    فلا غرابة من إرجاع العلماء سبب تقديم هارون على موسى؛
    في قوله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَـارُونَ وَمُوسَى(70) طه.
    إلى مراعاة رؤوس الآيات التي قبلها وبعدها؛
    فقبلها (28) آية؛ رؤوسها ألف مقصورة،
    وبعدها (6) آيات رؤوسها ألف مقصورة وبينها واحدة ممدودة مد عوض.
    والأَوْلى من حيث المعنى؛ أن يقدم موسى على هارون عليهما السلام؛
    لأن موسى عليه السلام هو صاحب المعجزات؛ العصا واليد،
    وهو الذي ألقى العصا، وبها تحدى فرعون والسحرة،
    وعلى ذلك كان تقديم موسى على هارون عليهما السلام في سورتي الأعراف والشعراء؛
    في قوله تعالى: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122) الأعراف.
    وفي قوله تعالى: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(48) الشعراء.
    إلا أن الالتزام بحرف واحد في رؤوس الآيات في القرآن الكريم؛ لم يكن إلا في سور قصيرة، أو مجموعة من الآيات المتتالية في سورة واحدة، لما في ذلك من أثر نفسي على نفس القارئ والسامع،
    إلا أن المعاني التي وضعت في قوالب من الألفاظ؛ جاءت على أكمل صورها من التعبير والفصاحة؛
    فالمعاني لا يحط من بيانها تجانس الألفاظ، وما فيها من ضروب التفنن في أساليب القول00
    والألفاظ لا ينتقص حسنها أداء المعاني بتمامها وكمالها ..
    فكل منهما يجلى الآخر، ويتممه ويزيده رونقًا وحسنًا.
    والقرآن الكريم جاء معجزًا لا يتطرق الخلل إليه في لفظ أو معنى،
    وما قيل في تقديم هارون على موسى في سورة طه، خلافًا لما جاء في سورتي الأعراف والشعراء؛
    هو من مراعاة لرأس الآية مع رؤوس الآيات السابقة واللاحقة حتى يكون تجانسًا بينها؛
    قول لا ترتاح إليه النفس في كتاب قائم على التحدي في نفسه،
    فما فيه إخلال بالترتيب على حساب المعنى؛
    فكيف يبدأ السحرة بهارون عليه السلام، والذي يباشر مواجهتهم في الميدان هو موسى عليه السلام؟
    وإن كان في مراعاة رؤوس الآيات جانب من الصحة،
    لكن الاكتفاء بجانب من الصحة قول لا يصح القول به في كتاب الله،
    وحاشا لله أن يضطر إلى ذلك، وهو الذي سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب ليكون معجزًا مع آخر الأنبياء، ويكون خاتم الرسالات الربانية،
    وكان التحدي فيه للناس أجمعين؛ من لدن نزوله إلى قيام الساعة جملة وتفصيلاً.
    وما قد يظن من هذا التقديم منقصة في حق موسى عليه السلام عند القائلين بهذا القول؛ إذ لم يقدروا موسى عليه السلام حق تقديره،
    وكيف يكون ذلك؛ وهو المواجه الأول لهم في هذا اللقاء لا هارون عليهما السلام؟
    وهو الأولى في التقديم؛ لتصدره وتحديه لفرعون، والسحرة الذين استعان بهم وزج بهم في هذا الصراع بينه وبينهم.
    ولما كان في إرجاع سبب التقديم إلى ضرورة تجانس الآيات في أواخرها، وكان في هذا القول جانبًا من البلاغة القرآنية إلا أنه جوابًا لم يشف غليلاً في معرفة السبب والحكمة من هذا التقديم.
    ولمعرفة سبب هذا التقديم كانت هذه المقارنة بين آيات سور؛ الأعراف والشعراء وطه؛ التي تحدثت عن قصة موسى وهارون عليهما السلام في مواجهة فرعون، وملئه، والسحرة الذين استعان بهم فرعون في صفه لمواجهة موسى وهارون عليهما السلام؛ لدحض الحق، والبقاء على الباطل الذي هم فيه.
    وفي الحقيقة وإن اتصفت فئة من الناس بصفة من الصفات واشتهرت بها، فإنها لا تتساوى في مقدار حملها لهذه الصفة؛ ومثالًا على ذلك؛ قوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير )؛ فالاثنان حملا صفة الإيمان، ولكنهما لم يتساويا في قوة حملهما لهذه الصفة.
    وكذلك كان السحرة الذين حشرهم فرعون لمقابلة موسى عليه السلام؛
    فكلهم سحرة، وكلهم يمتهنون السحر، ويسمى كل واحد منهم ساحر، ولكنهم غير متساوين في قوة سحرهم، ودرجة تمكنهم من السحر، وقوة شخصياتهم أمام فرعون، وسبب حضورهم، أو موافقتهم على مواجهة موسى عليه السلام بسحرهم وتحديه والمشاركة في هذا الصراع.
    في كل مرة من المرات الثلاث التي تحدث سبحانه وتعالى عن السحرة، ولقائهم لموسى؛ كان أسلوب الحديث عنهم يتغير في السور الثلاث – الأعراف، والشعراء، وطه -
    وعند دراسة القصة في السور الثلاث؛ يتبين لنا أن القرآن الكريم قسم السحرة الذين آمنوا وسجدوا لله إلى ثلاثة فئات، كما سبينه في هذه الدراسة التالية إن شاء الله تعالى،
    ووضعت كل فئة في السورة التي ناسبتها، وكان الحديث عنها في تلك السورة دون غيرها،
    ولم يكن تكرار القصة في السور الثلاث تكرار لنفس الفئة من السحرة في الأخريات.
    فأول هذه الفئات الثلاثة هي فئة المتمكنين من السحر؛ العارفين لفنونه، والمقربين من فرعون، جاءت ملبية لدعوة فرعون، واثقة من نفسها، ومن قدراتها في السحر، وراغبة في تحدى موسى عليه السلام، ونيل الأجر والمكافأة من فرعون، والمحافظة على قربها منه، ومكانتها ومنـزلتها عنده،
    وهذه الفئة العارفة للسحر هم الفئة الذين ذكروا في سورة الأعراف.
    وفئة ثانية؛ لها القدرة على السحر، وتطلع ليكون لها مكانة عند فرعون، وهي تبحث عن منفعتها في هذا الصراع بين فرعون وموسى عليه السلام، ووجدت لها فرصة التقرب من فرعون؛ لتجني بقربه ثمار الجاه والسلطان،
    وحالهم هذا أشبه بحال الشعراء الذين يتقربون بمقدرتهم على نظم الشعر بالملوك والأمراء،
    وهذه الفئة المتشعررة هم الفئة الذين ذكروا في سورة الشعراء.
    وأما الفئة الثالثة؛ فهي فئة مستضعفة، لا رغبة لها في مواجهة موسى عليه السلام، وحشرت في هذا الصراع مكرهة، لا حول لها ولا قوة، وخوفًا من بطش فرعون؛ مع أن لها معرفة في السحر كغيرهم،
    وهذه الفئة المستضعفة هم الفئة الذين ذكروا في سورة طه
    وقبل الانتقال إلى بيان هذه الفئات الثلاث في السور الثلاث: الأعراف والشعراء وطه؛
    ننبه إلى أن لقاء موسى عليه السلام لهؤلاء السحرة بفئاتهم الثلاث كان في زمن واحد،
    وفي مكان واحد،
    وفي جمع واحد،
    وإن كان يتصور أن يتخذ المتمكنون مكانًا في الموقف أقرب إلى مكان فرعون، وهم قلة،
    ويتخذ الضعفاء مكانًا أبعد عن فرعون،
    ويتخذ المنتفعون مكانًا أقرب إلى فرعون بعد المقربين، أو معهم؛ بحيث يسمعهم فرعون، ويرى عملهم.
    ولكن كان الحديث عن السحرة في كل سورة من السور الثلاث عن فئة فقط،
    وكأنه لا يوجد من السحرة غيرهم،
    أو كأنهم هم كل السحرة ولا يوجد غيرهم،
    وهو أسلوب بديع عظيم في القرآن؛ لتغطية كل جوانب الحدث بكل تفصيلاته،
    ولكشف خبايا النفوس وما تخفي الصدور وليس ذلك إلا لله العليم الحكيم.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:38 PM

  3. #3
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: لماذا قدم الوزير على الأمير؟

    السحرة في سورة الأعراف

    بعد الحديث في سورة الأعراف عن قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، ومدين، وإرسال أنبياء لهم بالبينات؛
    يقول الله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
    وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(104)
    حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ(105)
    قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(106)
    فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107)
    وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
    ( قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَحِرٌ عَلِيمٌ(109)
    يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
    قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)
    يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَـاحِرٍ عَلِيمٍ(112)
    وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(113)
    قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (114)
    قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
    قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)
    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
    فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)
    (فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119)
    وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)
    قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122)
    قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)
    (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124)
    (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125)
    وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126)
    وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127)
    الأعراف.
    ترى في هذه الآيات كيف ينادي موسى عليه السلام فرعون، وهو الهارب منه منذ سنين عديدة، ويخاطبه خطاب الواثق بنفسه، والمؤمن بما جاء به من عند الله، ثم يطلب منه إرسال بني إسرائيل معه، ولم يشر إلى ما كان بينهما في السابق0
    ولم يأت ذكر لهارون عليه السلام في هذه الآيات من السورة، إلا في قول السحرة: (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)، وقول الملأ:(قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ)،
    فقد ناسب عدم ذكر هارون مع موسى عليهما السلام؛ لبيان قوة تمكن موسى عليه السلام في مقابلة المتمكنين من السحرة، ولم يكن حاجته لهارون عليه السلام إلا في مواجهة فرعون وملئه، للإفصاح معه عما جاء به، وليس لمواجهة السحرة بما لا يملك0
    وكان رد فرعون على الثقة التي بدا عليها موسى عليه السلام؛ أن يطلب منه أن يأت بآية تؤيد دعواه، (قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(106)
    ولم يكن يتوقع من موسى شيئًا؛ فليس معه شيء، ولا يرى بيده شيء يستنكره عليه؛ (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)
    إذن كان موسى عليه السلام من الصادقين!
    فماذا يفعل فرعون المكذب المندهش ؟
    ماذا يقول لموسى؟ وهو المتمسك بعرشه، وكفره، والعبيد الذين عنده من بني إسرائيل ...
    لذا جاء التدخل هنا من حاشية فرعون من الملأ من حوله، لحرصهم على بقاء فرعون حفظًا على مصالحهم،
    ( قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ(109)
    وظهر من تدخل الملأ؛ كم كانت البينة عظيمة، ومعجزة، وصادمة لفرعون؛
    وكان قولهم هذا رأيه الذي عجز عن قوله بادئ الأمر، وأُخرس عن نطقه، فأكمل منه قولهم محرضًا لهم وطالبًا الرأي والمشورة؛
    (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)
    فأجابوه بالنصح الخالص له، وبالحرص الشديد عليه، وعلى مكانتهم عنده 00هذا لو كان موسى عليه السلام ساحرًا فعلاً ولم يشيروا بقتله، أو سجنه، فلعل الذي صرفهم عن هذا الرأي كون معجزة اليد المشتعلة نورًا عي في عضو من أعضائه، والعصا التي انقلبت إلى ثعبان لم تزل بيمينه،
    فرهبوه، وخافوا القرب منه؛ فهاتان الآيتان سلطانًا من الله تأييدًا له فوق تأييد الله له 00
    وأحال الملأ مواجهته للسحرة وليس لهم؛
    (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(112)
    ولكن مَن مِن السحرة أرادوا ؟
    إنهم أرادوا السحرة المتمكنين (في هذه القراءة) لقولهم؛ (وأرسل)، ولا يرسل إلا لمن هو معلوم ومعروف ومشهور عنده سابقًا،
    وعمل المرسلين هو حشر كل السحرة من المدائن؛ لمواجهة موسى عليه السلام؛ (في المدائن حاشرين)
    وقالوا: (يأتوك بكل ساحر عليم)؛ أي يأتوك بكل ساحر عليم يكون من بين كل السحرة،
    والساحر (على صيغة فاعل)؛ هو من استقر عنده علم السحر، وعرف به عند الناس، وأقروا له بالمقدرة عليه، وعلو المنزلة فيه,
    أما في القراءة الثانية؛ (سحًار) بدلا من سحار؛ وهي لثلاثة من العشرة من أصحاب القراءات المتواترة.
    و(سحًار)؛ جاءت على صيغة المبالغة (فعّال)؛ وهي دالة على كثرة العمل في السحر، وليست على المكانة في السحر؛ لأن من يكثر العمل من السحر هو المحتاج لما في أيدي الناس، ولا يلجأ إلى ذلك إلا الضعفاء والفقراء من السحرة.
    ومثل ذلك؛ النجار، والحداد، وما كان من المهن على وزن فعال، فهو دال على كثرة الجهد والعمل، وليس كل واحد منهم متمكن، ولكن لهم من القدرة ما يجعلهم يوصفون بهذه المهن، وإن تفاوتت مهارتهم فيها،
    فالبيَّاع، والدلاَّل، والزرَّاع، والحرَّاث، والدهَّان، والبقَّال، عملهم شاق، وساعات عملهم طويلة، ومكاسبهم قليلة،
    بينما التاجر عمله قليل ومكسبه كبير؛ فلا نقول تجَّار، بل نقول تاجر،
    وهذا الفرق بين ساحر، وسحَّار،
    وبكلا القراءتين طلبوا كل ساحر وسحَّار؛ أي كل السحرة من أقواهم في السحر إلى أضعفهم سحرًا. وجُعل كل لفظ في قراءة، والأنسب مع تدخل الملأ هو الطلب بكل ساحر قبل الطلب بكل سحَّار؛
    لأن موقف المواجهة يتطلب القوة في السحر، قبل طلب الكثرة في العدد.
    وقد قال فرعون لما كان تحديد فئة السحرة منه؛
    في قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ(79) يونس، (في قراءة حفص وستة آخرين)؛
    وفي القراءة الأخرى: (بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) للثلاثة الباقين من العشرة (حمزة والكسائي وخلف).
    وهو أولى بتدبر أمره من غيره، وأنصح لنفسه.
    فكان طلب فرعون؛ (بكل ساحر) و(بكل سحّار)؛ أي بكل متمكن فيه، وبكل من يعمل في السحر مكثر من عمله.
    أما قول قوم فرعون لموسى عليه السلام: (قالوا يا أيها الساحر 00)؛ فلا يفهم منها إلا خطاب تقدير، ووصف لمقدرة في على السحر في نظرهم؛ ولذلك لم تأت القراءة إلا على وجه واحد: (أيها الساحر) وليس: (أيها السحار)، ما يدل على أن الوصف بساحر أعلى من الوصف بسحَّار، ولا يغتر أحد أن الوزن على فعال للبالغة هي دالة على المنـزلة بل هي دالة على كثرة إتيان الفعل فقط.
    ولبت هذه الفئة المتمكنة من السحرة، في هذه السورة؛ دعوة فرعون لهم، ودخلوا عليه في حال وصولهم، لارتفاع قدرهم عنده وعلو منزلتهم؛
    (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ(113)
    وسألوه عن المكافأة إن كانوا هم الغالبين، من غير عطف على مجيئهم بفاء ولا واو؛ لمكانتهم عنده، وتعودهم عليه؛
    فأكد لهم ذلك، وأكد لهم بأنهم من المقربين عنده؛ فهم كذلك من قبل هذا .. فكيف له ينسى أن يكافئهم؟!
    (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(114)
    ثم تحولوا بعد ذلك فورًا لمواجهة موسى عليه السلام،
    والظاهر أنهم كانوا آخر من حضر للوقت المضروب لهم، كعادة الكبار آخر من يحضر ..
    وأظهروا ثقتهم بأنفسهم، ورغبتهم في البدء أولاً،
    (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ(115)
    فأمرهم بالإلقاء قبله بناء على طلبهم؛ لأن عمله سيكون لإبطال سحرهم، ولا بد من أن يكونوا هم البادئين أولاً،
    ولولا طلبهم هذا؛ لما صح من موسى عليه السلام أن يأمرهم بأن يفعلوا السحر، وهو من الكبائر والموبقات،
    (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)
    ولم يوصف سحرهم بهذا الوصف؛ بسحر أين الناس، واسترهابهم للناس، وأن جاءوا به من السحر عظيم؛
    إلا لهذه الفئة المتمكنة من السحر ، والذي تحدثت عنهم آيات سورة الأعراف فقط.
    ولما كان اعتمادهم في هذا الصراع على مقدرتهم وعلمهم في السحر،
    كان اعتماد موسى عليه السلام على تأييد الله الذي أرسله إليهم،
    لذا جاء الأمر من الله له بالإلقاء؛
    (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)
    فكانت المعجزة، لقفت عصاه باطلهم، واجتثته من جذوره، لا أن تباريه أو تسبقه أو تعلوا عليه في مرتبته ودرجته،
    (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(118)
    فقد كان صراعًا بين الحق والباطل؛ بين من يعتمد على ربه، وبين من ركن إلى باطله، وكانت الصدمة لهم كبيرة، والهزيمة لهم منكرة قبل أن تكون الهزيمة لفرعون الذي استنجد بهم؛
    (فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ(119)
    ولم يكن ما رأوه سحرًا؛ بل كان شيئًا غير السحر، لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، إنها آية من آيات الله،
    ولما تحقق لهم ذلك؛ لم يكن منهم إلا الإذعان لله، والسجود له، لا لفرعون،
    وإعلان إيمانهم برب العالمين؛ الذي هو رب موسى وهارون عليهما السلام، وليس بمدعي الألوهية فرعون ..
    (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122)
    وما كان من فرعون المصعوق بإيمان السحرة، وعدم الالتفات إليه بعد أن كانوا لا يعملون شيئًا إلا بأمره؛
    (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ)
    قال: آمنتم به، ولم يقل آمنتم له؛ لأن إيمان مثل هؤلاء اقتناع، قبل أن يكون اتباع، فهم أسياد السحر وأهله،
    وما كان من فرعون إلا أن يتهم هذه الفئة المتمكنة بالمكر والاتفاق مع موسى عليه السلام؛
    (إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ)
    ولم يتهم غيرهم بالمكر في غير هذه السورة؛ لأن في رأيه أن مثل هؤلاء لا يغلبون، إنما كانوا هم متواطئين معه،
    وجعل مكرهم كما ادعى عائدًا على أهل المدينة، وليس عليه هو،
    (لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)؛ لتحريضهم وحشدهم في صفه ضد موسى وهارون عليهما السلام لما رأى أن البلاء عليه أصبح كبيرًا ..
    ثم تحول فرعون إلى التهديد؛ (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(123)،
    والوعيد بالعذاب والقتل والصلب
    (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(124)
    وليس أمامه طريق آخر للوقوف أمام موسى عليه السلام ودعوته؛ إلا هذا، أو الإيمان برب موسى وهارون عليهما السلام كما آمن السحرة،
    وما كانت هذه الفئة لتتراجع عن إيمانها، بعد أن جاءتها آيات ربها، وتبين لهم صدقها، وهم أقدر الناس على الحكم عليها؛
    (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ(125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
    فقد كان جوابهم جواب المؤمن الذي آمن على علم لما رأى آيات ربه واستسلم له 0
    وانتهى حال السحرة الفجرة إلى شهداء بررة ولم يجرؤ فرعون على قتل موسى وأخيه عليهما السلام، وفت في عضد فرعون، حتى أن الملأ من قومه؛ بطانة السوء هم المحرضين لفرعون:
    (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ(127)
    ولم يتطرق لموسى وهارون عليهما السلام بالتهديد والوعيد، ولم يصب كيده وظلمه إلا على السحرة الذين فشلوا في دحض الحجة التي جاء بها موسى عليه السلام، وعلى قوم موسى الذين آمنوا بموسى عليه السلام ولأنه منهم.
    ويتبين لنا من نص آيات سورة الأعراف السابقة على تمكن هذه الفئة من السحرة ما يلي:-
    1- وصف سحرهم بالعظمة واسترهاب الناس دون غيرهم.
    2- أنهم مقربون عند فرعون من قبل ذلك ولا يكون التقريب إلا لأعظمهم مكانة، وأعلى درجة، وقدرًا في السحر.
    3- أنهم لم يحشروا قبل اللقاء، بل كان حضورهم عند حلول الأجل المضروب لهذا اللقاء.
    4- دخولهم عليه حال وصولهم ما يظهر مكانتهم عنده.
    5- عدم اعترافه بهزيمتهم، واتهامهم بالمكر، والاتفاق مع موسى عليه السلام قبل اللقاء بينهما.
    6- لم يتهم موسى عليه السلام أنه كبيرهم الذي علمهم السحر لأن معرفته بهم قديمة قبل مجيء موسى عليه السلام،
    7- وصفهم بأنهم آمنوا به، وليس له، لأن مثلهم لا ينقاد لغيره انقياد الضعفاء.
    8- ثقتهم بقدرتهم الكبيرة في السحر بقولهم (وإما أن نكون نحن الملقين)
    9- ظهور أمر الله لموسى عليه السلام بالإلقاء في مواجهة هذا السحر العظيم في نص الآيات؛ لأن قوته من تأييد الله له، وليس من نفسه في مواجهة عظماء السحرة وكبرائهم، وهو بحاجة إلى هذا الدعم من الله القوي العزيز 0
    10- بين السحرة أن إيمانهم بآيات الله لما جاءتهم؛ فعرفوها، وآمنوا بها، وهذا سبب نقمة فرعون منهم، ولو جاءتهم من قبل لآمنوا بها قبل هذا اللقاء؛ ما دل على قوتهم، ورجاحة عقولهم، وحري بهم أن يسودوا السحرة ويكونوا عظماءهم،
    11- كانت عبارات تهديد فرعون لهم أقل عبارات التهديد من الباقين؛ ليأسه من عودتهم إلى الكفر، والإيمان به،
    12- طلبهم المكافأة من فرعون ما يدل على أنهم يعملون لأنفسهم، لا لفرعون ولا خدمة له وينسون أنفسهم، وهذا لا يكون إلا من القوي الذي يشعر بأهميته، وحاجة فرعون له، وتثبيتًا لمكانتهم عنده.
    13- خوف ملأ فرعون من انتشار دعوة موسى عليه السلام بعد أن عجز أعظم السحرة من مواجهته وصده.
    14- التصريح بإيمانهم بقوة؛ بقولهم آمنا برب العالمين، ثم قدموا موسى عليه السلام على هارون عليهما السلام، وهو الأشد وطأة على نفس فرعون من هارون.

    يتبع إن شاء الله تعالى ... مع الفئة الثاني والثالثة

    أرجو ألا يفوتك قراءة هذا الموضوع
    120 كلم سماكة السماوات السبع ....في كتاب "حقيقة السماوات" للعرابلي

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:39 PM

  4. #4
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: لماذا قدم الوزير على الأمير؟

    السحرة في سورة الشعراء

    قال تعالى :(وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ(10)قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ(11)
    قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(12)
    وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَـارُونَ(13)
    وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(14)
    قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَـتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ(15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ (16)أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(17)
    قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَـالَمِينَ (23)
    قَالَ رَبُّ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ(24)
    قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ(25)
    قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ(26)
    قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)
    قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28)
    قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ(29)
    قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30)
    قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّـادِقِينَ(31)
    فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32)وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّـاظِرِينَ(33)
    قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَـاحِرٌ عَلِيمٌ(34)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(35)
    قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(36)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ(37)
    فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَـتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَـالِبِينَ(40)
    فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَـالِبِينَ(41)
    قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(42)
    قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ(43)
    فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَـالِبُونَ(44)
    فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(45)
    فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَـاجِدِينَ(46)
    قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَاـلَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ(48)
    قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49)
    قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَـايَـانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51)
    وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ(52)
    فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاـشِرِينَ(53)إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54)وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ(55)وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـاذِرُونَ(56)
    فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(57)وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(59)
    فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60)
    فَلَمَّا تَرَءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)
    قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)
    فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)
    وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64)وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(66)
    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(67)وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(68)
    افتتحت سورة الشعراء قصة موسى عليه السلام مع فرعون بمناداة الله عز وجل لموسى عليه السلام:
    (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ(10)قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ(11)
    ويدرك موسى عليه السلام خطورة المهمة التي كلف بها، ويحدد مخاوفه في ثلاثة أمور :-
    - الخوف من التكذيب.
    (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(12)
    - وعدم قدرة لسانه على الإفصاح عن مهمته.
    (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَـارُونَ(13)
    - ومن قتله إن حضر إليهم لسابقة قتله واحدًا منهم قبل الخروج من عندهم فارًا بنفسه منهم.
    وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
    وهذا المخاوف من موسى عليه السلام ذكرت أيضًا في سورة القصص بغير الترتيب نفسه؛
    (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ(33)
    (وَأَخِي هَـارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ....
    .. إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(34)

    وهذه المخاوف الثلاثة تولدت في نفس موسى عليه السلام، ولكن يستحيل التعبير عنها دفعة واحدة، فلا بد من تقديم وتأخير ويكون التقديم للأهم فعند ذكر قوم فرعون؛
    (أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - قَوْمَ فِرْعَوْنَ)
    قدم التكذيب أولاً؛ لأنه من بني إسرائيل القوم المستضعفين المستعبدين، في مقابلة قوم فرعون الحاكمين المستبدين، فلا مكانة ولا منزلة لقومه عند قوم فرعون، وهو واحد من قومه، فلن يكون منهم سوى التكذيب له، وهذه من المعضلات له في مواجهة فرعون بسبب دنو منزلة قومه عندهم،
    وهذا يزيده ضيق صدر وثقل لسان؛ فلا يستطيع أن يفصح ويكون بليغًا في دعوته لهم،
    ويأتي الخوف من القتل الأمر الثالث الأخير في الترتيب
    أما في سورة القصص فقد ذكر ملأ فرعون لموسى عليه السلام؛
    (فَذَنِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
    فقدم الخوف من القتل على التكذيب؛ لأنه خرج من عندهم فارًا منهم بعد اجتماع الملأ ليأتمروا بقتله؛
    (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ(20)فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(21)
    والرهبة من القتل تحول من القدرة على الإفصاح
    ويحتاج إلى من يسنده ويقويه عندما يكذبوه
    وقد قال تعالى في سورة غافر:
    (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ(23)إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ(24)
    ويستجيب الله تعالى لموسى بجعل هارون عليهما السلام معه رسولاً إلى فرعون، وملئه، وقومه،
    ويطمئنه بأن ذلك لن يكون لفرعون سلطان عليهما؛
    (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ(15)
    وأن يخاطباه بلسان واحد؛ بأن يرسل معهما بني إسرائيل؛
    (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ (16)أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(17)
    والعبرة بقولهما –إنا رسول رب العالمين- بالإفراد بدل التثنية؛ علامة على وحدتهما على الهدف الذي جاءا من أجله؛ خلافًا لعمل الفئة من السحرة المذكورين في هذه السورة؛ فئة المتشعررين، النفعيين، المنتهزين للفرص، المستغلين لجهود السحرة أجمعين؛ للوصول إلى فرعون، ونيل جوائزه، وإيجاد مكانة لهم عنده شاقين بذلك صف السحرة.
    ويستمع فرعون إلى طلب موسى وهارون عليهما السلام، ويتدبر أمره في طلبهما، ويعبر عما في نفسه في ثنايا رده على موسى عليه السلام، وإجابة موسى عليه السلام عليه؛
    (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ(18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنْ الْكَـافِرِينَ(19)قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنْ الضَّـالِّينَ(20)فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُرْسَلِينَ(21)
    يذكِّر فرعون موسى عليه السلام؛ بإحسانه إليه، وبتربيته له وليدًا من دون بني إسرائيل،
    فماذا انتهى به الأمر؟
    الجرأة عليهم، وقتل واحدًا منهم،
    ويريد فرعون بذلك أن يقول لهما؛ لو أحسنت إلى بني إسرائيل، وسمحت لهم بالخروج معك، لفعلوا مثل فعلتك يا موسى، ويتجرؤوا علينا، ويحاربوننا،
    ويرد عليه موسى عليه السلام مبينًا أنه قد فهم مراده؛ (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ(22)
    ثم يكمل فرعون سائلاً عن رب العالمين الذي أرسلهما؛ ليدور هذا الحوار بينهما:
    (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ(23)
    فيجيبه موسى عليه السلام: (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ(24)
    ولم يكن هذا الجواب مما يزعج فرعون كثيرًا، فهو جالس على عرشه لا ينافسه أحد عليه،
    فقال فرعون: (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ(25)؛
    مستخفًا بقول موسى عليه السلام، ومستخفًا بالملأ من حوله؛
    إذ جعلهم نكرة لم يصفهم بوصف، وكان تقديره عدم الحاجة إليهم إلى تلك اللحظة:
    فيرد عليه موسى عليه السلام: (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ(26)؛
    مكملاً موسى عليه السلام؛ مبينًا أن ربه هو رب هؤلاء المخاطبين؛ فرعون، وملئه، وقومه، ولم يقف الأمر على ذلك؛ بل يعلِمَهم أنه رب آبائهم الأولين كذلك، الذين لم يشهدوا فرعون، ولم يعرفوا عنه شيئًا،
    فرب موسى عليه السلام رب قديم؛ أقدم من فرعون مدعي الألوهية نفسه.
    وبدأ فرعون يثور شيئًا فشيئًا :
    ( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)
    ويكمل موسى عليه السلام مبينًا من هو ربهم :
    (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28)؛
    وفي هذا يكون موسى عليه السلام قد سلب من فرعون كل خصائص الألوهية؛
    ففي الأولى سلبه ربوبية السماوات والأرض،
    وفي الثانية سلبه ربوبية الناس أجمعين الأحياء منهم والأموات،
    وفي الثالثة سلبه الإرادة والتصرف، والشروق والغروب بيد الله تعالى؛ فحياة الناس، وحركتهم مع الشروق، وسباتهم ونومهم بعد الغروب؛ كله من فعل الله ..
    فماذا بقي لفرعون ؟
    وأعجب لتدبر موسى عليه السلام في أمر ذهابه إلى فرعون،
    ثم تدبر فرعون أمر خروج بني إسرائيل من أرضه (في نظره هو)،
    وكيف أخرج موسى عليه السلام فرعون من كل أنواع الربوبية بهذه الإجابات،
    وربط ذلك بفعل الشعراء الذين سميت السورة باسمهم؛ من رصد المعاني، والغوص في طلبها، وحبك الألفاظ لها؛ ليصلوا إلى الجودة في شعرهم.
    وبعد سلب موسى عليه السلام منه الربوبية، ونفيها عنه، وجعلها لله وحده؛
    تثور ثائرة فرعون: (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ(29)،
    فرد عليه موسى عليه السلام: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30)
    حتى لو جئتك بما يثبت صدق ما أقول ؟
    فيوافقه فرعون، وهو يظن أنه ليس بمقدور موسى عليه السلام أن يأتيه بشيء، أو كان ذلك لثقته بنفسه؛ فقد استخف بملئه كما بينا، واستخف بموسى عليه السلام؛ إذ وافقه؛
    فلم يكن مع موسى ما يثير الاهتمام، ولم يكن معه إلا تلك العصا بيمينه، مما دفعه إلى الصبر عليه، وكان الله أصبر عليه إذ لم يعجل له العقاب حتى بعث إليه رسولاً، وآيات بلغ عددها تسع آيات، ولم يكن ذلك لأمة من قبله،
    وعلى الرغم من عظم سوئه؛ لم يقفل باب الحوار مع موسى عليه السلام، ولم يكن هو أسوأ فراعنة عصره، ومن جاء بعده في هذا الباب،
    ولم يوصله إلى هذه الدرجة العظيمة من السوء؛ إلا بطانة سوء تشير عليه بأعظم الجرائم؛ بقتل الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، ولم يعرفوا ذنبًا،
    وجنود غلاظ قساة القلوب، ينفذون أمر فرعون في أطفال بغير رحمة ولا تردد، وفي السحرة الذين آمنوا،
    فلعل بعض صفات فرعون في قبول الحوار، واللجوء إلى المشاورة، ومعظم سوئه راجع إلى بطانته مما أمهله الله تعالى كل هذا الإمهال؛
    فقد قال تعالى لموسى: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) طه،
    وأكثر له من الآيات،
    وقد كان منه إيمان بعد فوات الأوان؛ وكان ذلك لما رأى مهلك ملئه وجنده أمام عينيه، ومهلك نفسه، ولم يكن لينفعه إيمانه في لحظات الموت، وقد فعل ما فعل؛
    قال تعالى: (وَجَـاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ(90)ءالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(91) يونس.
    وهو يقدم قومه إلى النار يوم القيامة فأوردهم النار بئس الورد المورود.
    فقال فرعون لموسى عليه السلام بعد سماعنه منه؛ (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30) ؛ (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ(31)
    ففعل موسى عليه السلام في الحال:
    (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(32)وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ(33)
    فلما رأى فرعون الآيتين لم يكن له حيلة أمامهما، وهو لا يريد الخضوع لآيات الله،
    فلجأ إلى الملأ محرضًا لهم ضد موسى عليه السلام، متهمًا إياه بالسحر ليكيد لهم، ويخرجهم من أرضهم،
    وفي قول فرعون نظر؛ فإن الحاكم إذا قصده الأعداء؛ فإنما يقصدون رعيته،
    وإذا كان الراعي ممثلاً لرعيته وراعيًا لمصالحها؛ وطلب الدفاع عنه؛ فإن دفاعها عنه إنما هو دفاع عن نفسها، وواجب عليها،
    وأما إن كان مغتصبًا لحقوقها، ظالمًا لها؛ كفرعون، وطلب منها أن تدافع عن نفسها، فإنما يطلب منهم الدفاع عن نفسه، ومصالحه، ويوهمها أنها تدافع عن نفسها في شخصه، فيزجها زجًا في هذا الصراع الذي يزيد فيه الظلم عليها، وقد كان ذلك فعل فرعون؛
    (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَـحِرٌ عَلِيمٌ(34)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ(35)
    فأشار الملأ عليه برأي لم يكن فيه الحكمة والإخلاص؛ فليس كل ملأ فرعون قادرون على تقديم المشورة الصحيحة، وليس كلهم مخلصًا لفرعون؛
    قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ(36)يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ(37)
    ووجه فساد رأيهم؛ أنه لو كان موسى عليه السلام ساحرًا، وعلى درجة عظيمة من السحر، فإن الذي يوقفه ساحر أقوى منه، لا أن يجمع له كل من له علم بالسحر، ودل على ذلك؛
    قولهم (وابعث ) بدلاً من؛ (وأرسل)؛ فالبعث يكون لمن عرف واشتهر في السحر، ولمن لم يعرف ويشتهر من قبل،
    وأما "وأرسل"؛ فهي لمن عُلمت مقدرته في السحر، واشتهر ذلك عنه،
    وكذلك قولهم بكل سحّار (وهي قراءة واحدة عند جميع القراء )؛ والسحّار كما أسلفنا من قبل صفة جاءت من كثرة اشتغاله بالسحر، وهي من صيغ المبالغة، وهي لا تدل على التمكن من السحر بقدر ما تدل على كثرة فعل السحر، وحاجة السحّار لما في أيدي الناس، فيعمل لأدناهم ويرضى بأقل أجر يناله منهم.
    أما المتمكنون؛ فهم الذين ينالوا أعلى الأجور بأقل الجهد، ولا يقبلوا العمل إلا لمن يدفع ما يرضون به، وحالهم مثل حال التاجر والدلال؛ فمكسب التاجر كبير، مقارنة مع الدلال الذي ينال أجرًا يسيرًا مقابل صياحه ومناداته على البضائع، وذهاب صوته، واستئجار التاجر له.
    وكيف يكون لهم رأي سديد، وهم الذين جعلهم فرعون نكرة من حوله عندما طلب منهم الاستماع.
    ولما كان الرأي منهم؛ البعث في طلب السحرة ( لأنهم قالوا "وابعث" والبعث يكون في طلب العدد الأكبر، والجمع لعدد أكثر )؛ فحشر العدد الكبير منهم في مواجهة موسى عليه السلام، وجمعوا له؛
    (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَـاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ(38)
    وهو يوم الزينة؛
    قال تعالى: (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه.
    وغر فرعون كثرتهم، وظن الغلبة لهم، فأحب أن يحضر الناس هذا المشهد؛ ليشهدوا غلبة السحرة لموسى عليه السلام، فكان الحشر للسحرة، وللناس جميعًا؛
    (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ(39)لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَـالِبِينَ(40)
    ولما تم هذا الجمع الكبير من السحرة؛ برزت منهم هذه الفئة المنتفعة التي وجدت فرصتها في الوصول إلى فرعون، وطلبت الأجر والمكافأة من فرعون لما جاءوا فرعون كما طلبت فئة المتمكنين من قبل،
    إلا أن طلب المتمكنين كان تثبيتًا لمكانتهم، وطلب هؤلاء كان لنيل مكانة عند فرعون، وكل يعمل لنفسه قبل عمله لفرعون؛
    (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَـالِبِينَ(41)
    ووعدها فرعون ذلك إن كانوا هم غالبين، عندها يكونون من المقربين؛ تحريضًا لهم لبذل كل جهدهم؛
    (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(42)
    وهذه الفئة لم تطلب من موسى عليه السلام تحديد من البادئ في الإلقاء، فهم لا يهمهم من يكون البادئ، ولكن همهم ما تكون عليه النتيجة؛ من نيل ثواب فرعون، والغرف من مكاسب جاهه، وهمها كان في المكاسب والمنفعة التي ستحصل عليها،
    فهي تريد الاشتراك في آخر الجولات؛ جولة المنتصرين، والمجهزين على عدو فرعون، وتكون أول المنتفعين.
    وإذا كانوا هم ينظرون إلى إرضاء فرعون، والفوز بمكانة عنده؛
    فإن موسى عليه السلام ينظر أيضًا لإرضاء ربه، ونيل ثوابه، وما عند الله من خير،
    ولذلك لم يذكر أمر رب العالمين له بالإلقاء،
    فبادرهم موسى عليه السلام بالطلب منهم بالبدء بالإلقاء،
    ويريد موسى عليه السلام أن يلقي جميع السحرة قبله، حتى يذهب بسحرهم وباطلهم :
    (قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ(43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَـالِبُونَ(44)
    ففعلوا وجعلوا فعلهم لعز فرعون 000 واسمع ولا تنس ذلك يا فرعون؛ عندما يكون هؤلاء هم الفائزين على موسى عليه السلام، وسببًا في بقاء عزه وسلطانه،
    ولم يطل لهم التمني بالعيش في عز فرعون وجاهه؛
    (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ(45)
    ولم يكن منهم إلا سرعة السجود لرب العالمين، رب هذه المعجزة والانقلاب على فرعون،
    فقد تبين لهم أن مطلبهم هو عند رب العالمين، وليس عند فرعون،
    ولم يكن منهم إخلاص سابق لفرعون، كفعل معظم الشعراء،
    فقليل منهم من يطلب القرب ويمدح ولاءً لا تكسبًا؛
    كفعل علي بن الجهم القرشي في مدحه للمتوكل القرشي الهاشمي،
    فيتغير عليه المتوكل الخليفة العباسي؛ فيسلب من ابن الجهم كل ما يملك، ويلقيه في السجن،
    حتى يظن أنه قد خرج من الدنيا، ثم يخرجه ليسلمه لأعدائه،
    ليلعبوا به، ويعرضوه على محمل في سوقهم عاريًا دون لباس؛ إذلالاً له،
    وبعد كل هذا؛ يرثي ابن جهم المتوكل لما قتل بعبرة ساخنة، ولهجة صادقة.
    ومنهم من يمدح تقديرًا وإعجابًا، كمدح المتنبي لسيف الدولة،
    ولما مدح كافور الأخشيدي عز على ابن جني أن يكون ذلك المدح في غير سيف الدولة،
    فقال المتنبي :هو الذي رماني هذه الرمية ،
    ومنهم الكثير لا يرى في المدح إلا التكسب؛ فإن لم يحصل على المكافأة التي يرجوها، تحول إلى الذم،
    ولا أدل على ذلك من فعل ابن الرومي لما لم يعطه ممدوحه شيئًا؛ طلب منه؛
    ثمن القرطاس الذي كتب فيه قصيدة أو كفارة الكذب (المدح) الكذب الذي كذبه في ذلك المدح،
    ولا عجب أن يكون هؤلاء السحرة الذين ذكروا في سورة الشعراء أسرع المنقلبين على فرعون،
    ليجعلهم الحق من المؤمنين الثابتين:
    (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَـاجِدِينَ(46)
    وأعلنوا عن إيمانهم بكل جرأة، فكانت صرخة في وجه فرعون؛
    (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَاـلَمِينَ (47)رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ(48)
    آمنوا برب العالمين وليس مدعي الألوهية الذي كان يقول لقومه؛ (أَنَا رَبُّكُمُ الأََعْلَى(24) النازعات.
    وهنا يثور فرعون، ويتهمهم بأنهم تلاميذ موسى عليه السلام، وأتباعًا له في السحر، وهدد وتوعد بالقتل والصلب :
    (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49)
    وكان ردهم استهتارًا بتوعده، واستخفافًا به، وتحدٍ له:
    (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51)
    ووجه وصفهم أنهم أول المؤمنين –وهم صادقون- أن هذه الفئة المنتفعة المنتهزة للفرص؛ طبعت على أنه إذا تغيرت الأحوال أمامها، انقلبت على ماضيها، وجرت وراء المكسب الجديد لها، وتخلت عن قديمها، من غير تردد فيه، ولا حرج منه، وغير سائلة بمن تركته،
    فلما أحست أن سحرها ذهب مع حقيقة معجزة رب العالمين لموسى عليه السلام مع أول لقف كان من عصاه لحبالهم وعصيهم؛
    أدركوا أنها آتية على آخرها، وأن الذي أمامهم ليس بسحر بل هو معجزة من الله تعالى؛
    سارعوا بالسجود لله، وإعلان إيمانهم على مسمع من فرعون وملئه،
    ولم يسألوا عن غضب فرعون وتهديده ووعيده، ولم يكن هنالك فائدة لهم ترجى بعد ذلك من فرعون،
    فطلبوا مرضاة الله عز وجل بدل مرضاة فرعون.
    وأما الفئة المتمكنة التي سبق الحديث عنها؛ فطبعها التأني؛ فلا تسرع في الإعلان عن إيمانها قبل التحقق من فعل عصاة موسى عليه السلام، وإتيانها على آخر حبالهم وعصيهم،
    وأما الفئة المستضعفة الآتي ذكرها؛ فلا يقدمون على ذلك مبتدئين، حتى يروا من يتقدمهم من السحرة على ذلك، وتكون له الجرأة على فرعون، ويكون لهم إمامًا يسبقهم إلى إعلان الإيمان برب العالمين، وليس بفرعون،
    ويكون ترتيب السحرة في السجود كالآتي؛
    المنتفعين أولاً،
    ثم المتمكنين ثانيًا،
    ثم المستضعفين المكرهين ثالثًا ومتأخرين.
    ولما كان فرار المنتفعين من فرعون، وتحولهم عنه إلى رب العالمين؛
    حسن التثنية بفرار بني إسرائيل من فرعون، وخروجهم من أرضه،
    فخرج فرعون، ومن تبعه، ومن كان على ما كان عليه من الإجرام من ملئه وجنده في أثرهم،
    فخرجوا من كل نعيم كانوا فيه، ليستأصلوا قوم موسى عليه السلام،
    فكان مهلكهم في هذا الخروج غرقًا في اليم،
    وقد أورث الله بني إسرائيل ما كان لفرعون وملئه إلى أجل محدود، حتى رد الله عليهم حقوقهم المغتصبة من قبل فرعون الذي استعبدهم، وأعملهم في أملاكه من غير حق بأجر البقاء على الحياة؛
    وتركوا مصر ولم يبق لهم حق، ولا أثر فيها؛
    قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ(52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَـاشِرِينَ(53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ(55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـاذِرُونَ(56) فَأَخْرَجْنَـهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ(59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ(60) فَلَمَّا تَرَءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْاحَـبُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(68) الشعراء.
    ويتبين في آيات سورة الشعراء السابقة ما دل على أن هذه الفئة من السحرة كانت فئة منتفعين منتهزين للفرص ما يلي:-
    1- لم يكونوا مقربين من قبل لفرعون وربط فرعون تقريبهم للمستقبل إذا كانوا هم الغالبين.
    2- سؤالهم المكافأة من فرعون مباشرة قبل العمل.
    3- قسمهم بعزة فرعون لتنبيه لفعلهم.
    4- لم يسألوا موسى من الذي يبدأ بالإلقاء؛ لأن اهتمامهم كان منصبًا على كيف ينتهي الأمر لصالحهم، وجني الثمار من جاه فرعون وسلطانه.
    5- اتهام فرعون لهم بالتبعية لموسى عليه السلام، وأنه كبيرهم الذي علمهم السحر، فلذلك وصفهم بالإيمان (له) وليس الإيمان (به) .
    6- وصفهم لأنفسهم بأنهم أول المؤمنين المنقلبين على فرعون الساجدين لله، فلم يكن منهم إخلاص له.
    7- تحديهم واستخفافهم بتهديد ووعيد فرعون بقولهم (لا ضير)

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:40 PM

  5. #5
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: لماذا قدم الوزير على الأمير؟

    فئة السحرة الذين في سورة طه

    في سورة طه كانت الفئة الثالثة المستضعفة من السحرة،
    وفي هذه السورة إحدى وسبعون آية تتحدث عن موسى عليه السلام، واختياره رسولا لله 00 إلى أن أهلك الله فرعون ومن معه؛
    منها أربعون آية حديث بين الله عز وجل وموسى عليه السلام.
    وفي هذه السورة تناول الله عز وجل جانب الضعف عند موسى عليه السلام، وجانب الضعف عند السحرة، وجانب الضعف عند فرعون،
    وكانت هذه الفئة الضعيفة ضائعة بين فئة المتمكنين المقربين من فرعون، وبين المتشعررين النفعيين، فجعل ذكرهم في سورة بين السور التي ذكروا فيها؛ الأعراف، والشعراء.
    فقابل هذا الضعف قرب موسى عليه السلام من الله في الحديث معه طمأنة له، وقوة على مواجهة فرعون والسحرة،
    وكان إهمال ذكر الملأ من قوم فرعون الذين كان يستشيرهم، وشاركوه وساعدوه على كفره وضلاله، ولم ينفعوه بشيء، إمعانًا في انفراده في ضعفه،
    وكذلك لم يكن لفرعون كلامًا إلا في أربع مواضع : يسأل عن رب العالمين، وعن الأمم السابقة، وتهديده للسحرة لصرفهم عن إيمانهم، واتهام موسى عليه السلام بالسحر.
    يبدأ الحديث عن موسى عليه السلام بقوله تعالى :
    (وَهَلْ أَتَـاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَـا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَوةَ لِذِكْرِ (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18) قَالَ أَلْقِهَا يَـا مُوسَى(19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى(23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24)
    انظر إلى هذه الآيات كيف كانت فيها مقدمة اختيار موسى ليكون رسول من الله إلى فرعون وملئه،
    أمره بخلع نعليه لأنه بالواد المقدس طوى، وليطول موقفه بين يدي الله رب العالمين،
    ثم إعلام الله لموسى بنفسه، واختياره رسولاً له،
    ثم سؤاله عن العصا التي بيمينه ليقرر موسى حقيقتها قبل أن تصبح حية تسعى،
    ولم يذكر هرب موسى عليه السلام كما ذكر في القصص والنمل،
    وذلك من بلاغة أسلوب القرآن؛ لأن المقدمات تبعث الطمأنينة،
    ولأن من خصائص أسلوب القرآن تقطيع الموقف الواحد في القصة الواحدة إلى مواقف تفصيلية،
    ثم يكرر القصة، ويوزع هذه المواقف في القصة في السور بما يناسبها،
    فعلاج الخائف الهارب يحتاج إلى ثلاثة مراحل :
    الأولى وقفه عن الهرب،
    والثانية دعوته للعودة المكان الذي هرب منه،
    والثالثة تجريئه على الشيء الذي خاف منه ومباشرته التعامل معه؛
    فلما خاف موسى ولى هاربًا لاينظر خلف؛
    أوقفه تعالى بقول : (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ(10) النمل.
    فلما سمع موسى عليه السلام قوله تعالى؛ ما كان ينبغي له أن يستمر في هربه، وسيقف قاطعًا هربه أولاً ،
    ثم كانت المرحلة الثاني بعد توقفه بطلب رجوعه إلى المكان الذي هرب منه؛
    قال تعالى: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الْآمِنِينَ(31) القصص.
    ثم كانت المرحلة الثالثة تناول العصا بعد رجوع موسى عليه السلام إلى المكان الذي هرب منه من عند الشجرة؛
    قال تعالى: ( قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى(21) طه،
    وبذلك زال خوف موسى عليه السلام، وتعود على تحول العصا إلى حية تسعى،
    وكان ذلك تدريبًا لموسى عليه السلام قبل إرساله إلى فرعون؛ حتى لا تحدث الرهبة والخوف في نفسه عندما يلقي العصا أمام فرعون وملئه.
    ويستفاد أيضًا من هذا الموقف؛ أن الجرأة تأتي من التدريب والممارسة، والتعود على الشيء، والتآلف مع الشيء، ويكون الخوف والجبن مع الجهل بالشيء، وعدم تعوده ومباشرته واستغرابه.
    وأيضًا من الحكمة والبلاغة عدم ذكر هروب موسى عليه السلام في سورة طه، والله تعالى قد اختاره ليكون رسولاً إلى فرعون، متصديًا لكفره، لا الهرب من مواجهته، وإن كان في ذلك رهبة وخوف من موسى عليه السلام لما كلف به.
    وأمر آخر من بلاغة القرآن في هذه القصص؛ هو تسمية الحية بثلاثة أسماء : جان، وثعبان، وحية؛
    وكل اسم من الأسماء الثلاثة له وقعه في نفس السامع عند سماعه؛ فأرهبها جان، ثم ثعبان، وأدناها حيه؛
    فلما اجتمع على موسى الوحدة، وظلمة الليل، والمفاجأة، واهتزاز الحية؛ كانت الرهبة في أشدها؛ فسماها الله (جان)، وذكر هرب موسى منها، وولى مدبرًا (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ (10) النمل
    (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ (31)
    القصص
    فلما تعود عليها؛ ألقاها بين يدي فرعون أرهبتهم، ولكن كان ذلك في جمع من الناس، في نور النهار وليس ظلمة الليل، وبقيت المفاجأة لهم؛ فكان خوفهم أدنى من خوف موسى في ظلمة الليل، وخوفهم مما رأوا صرف رأيهم عن الإشارة إلى قتل موسى عليه السلام، أو سجنه، وتم إرجائه حتى يقابل السحرة وتكون المواجهة بينهما؛
    قال تعالى: (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ(107)الأعراف (32) الشعراء.
    ولما كان هناك حديث طويل في سورة طه؛ بين موسى وربه، قبل رؤية موسى تحول العصا إلى حية؛ لم يذكر هروبه مع أنه هرب منها؛ لعدم مناسبة ذكر ذلك مع ما جرى من الحديث بين موسى وبين الله تعالى،
    وإن لم يذكر هروب موسى، مع أنه هرب وولى مدبرًا، فإن الحديث السابق وأثره في نفس موسى؛ هو الذي جعله يستجيب لله تعالى فيقف، ويقطع فراره، ثم يعود إلى نفس المكان الذي خاف فيه، وهرب منه؛
    ليكون الخوف في نفسه أدنى بكثير من درجاته السابقة، فسماها الله تعالى: (حية)؛ بأقل أسمائها وحشة ورهبة؛
    قال تعالى: (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) طه
    ومن أُنس موسى عليه السلام بربه أن يكثر من الطلب من الله تعالى؛ عندما أمره بالذهاب إلى فرعون؛ ليتقوى بما طلب على مواجهة فرعون؛
    (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي(27) يَفْقَهُوا قَوْلِي(28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي(30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا(33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا(34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
    ويجيبه تعالى على طلبه، ويذكره بفضله عليه من قبل من غير طلب منه، وكيف دبر الله أمر نجاته من بطش فرعون، ورعايته بيد عدوه؛
    (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى(36 ) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى(40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
    ثم يكرر الله عز وجل ذكر تكليف موسى عليه السلام، وفي هذه المرة يكلف معه هارون عليهما السلا؛،
    بالذهاب إلى فرعون؛ بدعوته إلى الله، وإرسال بني إسرائيل معهما، وماذا يقولان له،
    وما كان منهما من الرهبة والخوف من طغيان فرعون؛
    (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي(42)اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) (46)فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى(47)إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(48)
    في هذه السورة كثر ذكر هارون، ومشاركته في مهمة موسى عليهما السلام إلى فرعون، في مقابلة كثرة السحرة،
    ويسأل فرعون عن رب موسى وهارون عليهما السلام،
    وعن حال القرون الأولى التي لم تعبد فيه ربهما، الذي يدعو إليه موسى،
    ويجيبه موسى عليه السلام على ذلك:
    (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَـا مُوسَى (49)
    (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
    (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
    (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى(52)
    الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى(53)
    كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـمَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَـاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى (54)
    مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى(55)

    ويريه الله آياته من غير ذكر أسمائها؛ كاليد والعصا على يد موسى عليه السلام،
    ولكنه كذب وأبى، وجعلها سحر من موسى عليه السلام؛ ليخرجهم من أرضهم،
    وجعل فرعون نفسه واحدًا من قومه، ولم يذكر في هذه السورة ذكر ملؤه، ودورهم كمشاركين ومحرضين،
    واعتماده على نفسه من غير مشاركة لأحد في الرأي معه،
    ويرجع ذلك إلى أن الحديث في هذه القصة من السورة أظهر ضعف موسى عليه السلام، وضعف السحرة كما سيتبين لنا ذلك،
    فالاكتفاء بذكر فرعون دون مساعد ومؤيد هو الأنسب والأوجه في مقابلة ضعف موسى عليه السلام،
    وهو ما هو عليه من الجبروت والشدة التي عرفت عنه، ولكن أمام الناس فقط، وليس أمام رب العالمين،
    وكذلك فإن الملأ من قومه والسحرة، لم يعطوا فرعون ما يقوى به على مواجهة موسى عليه السلام،
    فتولى أمره بنفسه، وكذلك فإن إظهاره وحيدًا دون حاشية، وملأ؛ يبين حقيقة ضعفه،
    ومن ضعفه أن يكره السحرة على مواجه موسى عليه السلام، بدل التسابق منهم في خدمته وتأييده،
    وإن كان حدث هذا فقط من عدد قليل منهم، وهذا سائر على سنن الحياة،
    (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَـاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى(56)
    (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَـا مُوسَى(57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى(58)
    ويحدد له موسى عليه السلام موعد اللقاء؛ يوم الزينة، وساعة اللقاء؛ ضحًى؛
    ليكون كشف فرعون وضلاله على مرأى ومسمع الناس؛ القاصي والداني، والصغير والكبير،
    ليزيد اهتمامه بهذا اليوم، ويجمع فرعون جموعه من السحرة حتى لا تقوم له ولهم قائمة بعد ذلك يرجوها، أو يتعلق بها بمن تخلف عنها من السحرة.
    (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى(59)
    (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى(60)
    وتشير الآية هنا إلا أن فرعون هو الذي تولى ليجمع لمقابلة موسى،
    وفي ذلك إشارة إلى ضعفه أمام حجة موسى عليه السلام، ولجوئه إلى السحرة ليتقوى بهم،
    وأن موسى عليه السلام هو الثابت المنتظر من فرعون يأتي إليه،
    وهناك يلتقي موسى عليه السلام بهذه الفئة من السحرة، ويوجه لهم النصح والدعوة،
    والتخويف من الله تعالة من دون الفئات الأخرى، كما نصح فرعون من قبل،
    ولسانه كان أطلق مع هذه الفئة، وقد كانت هذه أقرب الفئات للاستماع إلى موسى عليه السلام من الفئتين السابقتين؛
    المعتزة بمعرفتها، المغرورة بسحرها،
    والأخرى الطالبة للثروة والجاه من فرعون.
    وإذا كانت هذه الفئة أطاعت فرعون رهبة وخوف من بطشه، فقد تنفعها الذكرى تذكيرها بالله الذي هو أشد قوة وأعظم ملكًا، وأشد بطشًا؛
    قال تعالى: (قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى(61)
    فقد استمعوا لقول موسى عليه السلام، وناقشوا الأمر بينهم، وترددوا وتنازعوا، وأخلدوا إلى الأرض، وخشوا فراقها،
    وخافوا من فساد مهنتهم، مصدر رزقهم، وهزيمتهم أمام موسى عليه السلام، فينزل عليهم فرعون غضبه وبطشه؛
    فأوصى بعضهم بعضًا؛ بالثبات، وطلب الاستعلاء، فوراءهم فرعون إن عجزوا عن ذلك وهزموا، وبعدها ليس إلا ذهاب رزقفهم الذي يرتزقون منه؛
    قال تعالى: (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى(62) قَالُوا إِنْ هَذَنِ لَسَـاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى(63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنْ اسْتَعْلَى(64)
    ويسألون موسى عليه السلام؛ من الذي يبدأ؛ أهو أم هم؟
    ويقدمهم موسى عليه السلام ليبطل في النهاية سحرهم؛
    قال تعالى: (قَالُوا يَـا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى(65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66) طه.
    وهنا يذكر خوف موسى عليه السلام من سحرهم، لكثرة حبالهم وعصيهم التي تحولت في خيال موسى عليه السلام إلى ثعابين، وهذه المرة الثالثة التي يشار فيها إلى خوف موسى عليه السلام في هذه السورة؛
    الأولى عند خوفه من تحول العصا إلى حيه؛
    فقد قال له تعالى: (قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) طه
    والثانية عند خوفه من طغيان فرعون؛
    في قولهما لله تعالى: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى(45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46) طه.
    ولا عجب أن يذكر خوف موسى عليه السلام أمام هذه الفئة المستضعفة من السحرة، ولم يشار إلى ضعفه أمام الفئتين السابقتين؛
    فقد كان هؤلاء هم الجمع الأكثر من السحرة، ورؤية العدد الكبير من حبالهم وعصيهم قد اضطربت وسعت واهتزت خيالاً يخيل إليه من سحرهم انهى تسعى،
    فأحس هذا الخوف في نفسه، ولم يكن ساحرًا يعرف حقيقة ما يرى، وهو لا يعرف ما ستفعل عصاته الوحيدة أمام هذا الكم الهائل من الحبال والعصي التي كانت حمل مائة بعير كما قيل،
    فتحولت إلى ثعابين في نظر المشاهدين لهذا الموقف، ولكن الله معه يعرِّفه حقيقة ما يرى، وما عليه أن يفعل إزاءها؛
    قال تعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى(67)
    قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى(68)
    وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى(69)

    ولم يكن من السحرة إلا السجود لله عز وجل،
    فقد وقفوا على آية من آيات الله، وهم خير من يحكم عليها،
    ثم يصرحون كاشفين عن إيمانهم بطريقة مغايرة لطريقة الفئتين السابقتين المتمكنين والمتنفعين،
    فلم يملكوا هؤلاء جرأة الفئتين السابقتين، وهم لم يتعودوا على الوقفات الشجاعة والجريئة؛
    فعبرت عن إيمانها وهي واضعة نصب عينيها غضب فرعون وجبروته،
    فاختاروا من القول أهونه على نفس فرعون،
    فلم ينطقوا برب العالمين،
    وبدؤوا بهارون قبل موسى عليهما السلام؛ لأنه الأخف وطأة على صدر فرعون،
    ثم ارتفعت درجة شجاعتهم بذكر موسى بعد هارون عليهما السلام.
    بل إن سجود وشهادة الفئتين السابقتين بالإيمان كان في ثلاث آيات:
    (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ(121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(122) الأعراف
    (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(46)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(48) الشعراء
    وهؤلاء في آية واحدة فقط (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى(70) طه
    وأولئك قال عنهم: ساجدين، جمع مذكر سالم يدل على القلة، وقد كانوا قلة؛ سواء المتمكنين، أو المتشعررين،
    وهؤلاء قال عنهم: سجدًا؛ وهو جمع تكسير يدل على الكثرة، ويفيد المبالغة في السجود؛
    لقوله تعالى في غيرها : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَـاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا(15) السجدة.
    وقوله تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَـتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(58) مريم
    وقوله تعالى لبني إسرائيل(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58) البقرة
    والمطلوب البالغة في السجود حتى ينالوا المغفرة من الله تعالى.
    وهنا يغلظ لهم فرعون التهديد والوعيد، فوق وعيده للفئتين السابقتين لعلهم يرجعون عن إيمانهم؛
    قال تعالى: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى(71)
    ويؤثر ذلك التهديد من فرعون في أنفس هذه الفئة المستضعفة من السحرة،
    ولكنهم يثبتون ويؤثرون اتباع آيات الله، وتصديقها رجاء ثواب الله في الآخرة،
    وتكفيرًا عن ذنوبه،م وإكراه فرعون لهم على محاربة رسول الله إليهم؛
    قال تعالى: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَـاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـايَاـنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73)
    وفي قولهم هذا بيان بأنهم فئة مستضعفة، مكرهة، حضرت على غير رأى منها في الحضور في مواجهة موسى عليه السلام، الذي أعلمهم أنه رسول الله إليهم جميعًا.
    وتنتهي قصة موسى وفرعون في سورة طه بما يتناسب الأسلوب التي جرت عليه القصة في هذه السورة؛
    من تناول جانب الضعف والخوف عند السحرة، وعند موسى وأخيه هارون عليهما السلام، وغير مشيرة إلى قوة فرعون بل كانت الإشارة إلى نهايته التعيسة؛
    قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى(77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ(78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى(79)

    ويتبين لنا من آيات سورة طه السابقة ما يدل على ضعف هذه الفئة من السحرة ما يلي :
    1- لم يذكر لهم مجيء ودخول على فرعون.
    2- لم يذكر لهم منزلة سابقة عند فرعون.
    3- لم يطلبوا من فرعون أجرًا ولا مكافأة ولا قربًا لهم منه.
    4- أوصى بعضهم بعضًا بالاتحاد والوقوف صفًا واحدًا ليتقووا بأنفسهم في مواجة موسى عليه السلام.
    5- بينوا أن الفالح هو الذي يستعلي، ولم يقولوا بأنهم هم الذي سيستعلون في هذا اللقاء؛ فثقتهم في أنفسهم مشكوك فيها.
    6- خيروا موسى في البدء بالإلقاء من غير عبارات التحدي والثقة بالنفس.
    7- هم الفئة الوحيدة التي وجه إليها موسى عليه السلام النصح عسى أن تستجيب؛ لأنها مكرهة على هذا اللقاء، أما الفئتين الأخريين فإن غرور المتمكنين ورغبتهم في هذا التحدي، وطمع المتنفعين في ظل جاه وسلطان فرعون صارفًا لهما عن قبول أي نصح لهما.
    8- إغلاظ فرعون تهديده لهم بأطول العبارات، والزيادة فيها؛ (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)؛
    لأن السخط على الضعيف في مثل هذا الوضع يكون أعظم من السخط على القوي،
    ورجاء ردهم وصرفهم عن الوجهة التي تحولوا إليها،
    وبين أن سبب زيادة غضبه عليهم أنهم خافوا الله رب موسى وهارون عليهما السلام أكثر من خوفهم منه؛
    فأراد فرعون أن يبين أنه هو أشد عذابًا وأبقى، وذلك من إمعانه في الكفر.
    9- أخذ تهديد فرعون مأخذه في أنفسهم، وإن كان لم يصرفهم عن إيمانهم؛ بقولهم لن يؤثروه على ما جاءهم من البينات، وأن حكمه عليهم وقدرته عليهم لا تتعدى الحياة الدنيا والله خير وأبقى.
    10- إعلانهم أن فرعون أكرههم على السحر، ومواجهة موسى عليهما السلام.
    11- تبرئهم من السحر، وعدوا امتهان السحر ذنبًا، ورجوا الله أن يغفر لهم ذلك

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:41 PM

  6. #6
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    رد: لماذا قدم الوزير على الأمير؟

    بهذه النهاية انتهت المقارنة بين ثلاث فئات من السحرة
    فئة المتمكنين وفئة المتنفعين المتشعررين وفئة الضعفاء المكرهين .
    ورأينا كم كانت بلاغة القرآن الكريم في الحديث عن هذه الفئات بما يناسبها،
    وأن القرآن الكريم لم يكرر هذه القصة دون فوائد كثيرة ترجى.
    والله تعالى أعلم.
    ولعل هناك فئة رابعة أترك استنباط أمرها لمن يكتب له الدخول على هذه الدراسة ؛


    ذكر السحرة في سورة يونس
    (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ(75)
    فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ(76)
    قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّـاحِرُونَ(77)
    قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(78)وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَـاحِرٍ عَلِيمٍ(79)
    فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)
    فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)
    وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَـاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(82)
    فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ(83 )
    يونس
    وانتهى الحديث عنهم

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو مسلم العرابلي ; 30/05/2016 الساعة 08:41 PM

  7. #7
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة الصورة الرمزية أبو مسلم العرابلي
    تاريخ التسجيل
    26/04/2007
    العمر
    67
    المشاركات
    3,024
    معدل تقييم المستوى
    21

    افتراضي رد: لماذا قدم السحرة الوزير قبل الأمير

    هذه دراسة مطولة
    ولم يقل فيها كل ما يجب قوله
    وأرجو أن يكون في القدر الذي كتب
    فيه الكفاية للرد على السؤال


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •