وانقلب السحر على الساحر!

حسن راضي


لم تفارق الأزمات الداخلية و الخارجية النظام الإيراني - منذ إستلامه للسلطة بشكل غير مشروع- بعد ما ثارت الشعوب في الجغرافية السياسية الإيرانية على النظام السابق و اسقطته بأمل الحصول على حقوقها القومية و الإنسانية. أهم تلك الأزمات, أزمة الشرعية, التي يفتقدها النظام لطالما من يحكم البلد هو الولي الفقية الذي له الحكم و الولاية المطلقة و هذا بالمفهوم السياسي هي الديكتاتورية بعينها. كما إن الحكم في إيران هو حكم الأقلية الفارسية على حساب الشعوب الغير فارسية و حقوقها التاريخية و القومية التي تشكل أكثر من 65% من سكان الجغرافية السياسية الإيرانية. و هذه القضية اي قضية الشعوب الغير فارسية كانت و مازلت و ستبقى أهم التحديات الدولة الإيرانية. حيث حاول النظام الإيراني الالتفاف حولها و إنحراف حركتها بعد ما فشل في القضاء عليها. كما حاول بطرق مختلفة أن يظهر بمظهر الديمقراطي أو الجماهيري ليعطي لنفسه صبغة الشرعية. و من تلك المحاولات لعبة الإصلاحلات و الشعارات المعسولة التي جاء بها النظام عام 1997, بعد ما كان الوضع متأزما على المستوى السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي, حيث كما وصفه الكثيرون من اصحاب الخبرة و الرأي في شؤون إيران, إن النظام كان يعيش على حافة الهاوية في ظل تفاقم الأزمات و منها أزمة المشروعية و عزلته الداخلية و الخارجية و نضال الشعوب الغير فارسية نحو الاستقلال و التحرر. حسب الدراسة التي قدمها المكتب الرئاسة الجمهورية الإيرانية آنذاك إلى القيادة الإيرانية,حول الوضع النظام الإيراني و تحدياته الداخلية, حيث إستنتجت تلك الدراسة,بأن الوضع الإيراني يمر بأخطر مراحله و يجب معالجة الوضع و إلا سينفجر و قد يؤدي الامر إلى سقوط النظام و تفكك الدولة الإيرانية. و بنصيحة من المنظمة الماسونية العالمية حيث معظم رجال النظام - خاصة رجال الدين- في إيران أعضاء فيها, أن يستخدم تكتيك الإصلاحات و الشعارات المعسولة و الوعود بتنفيذ المواد المعطلة من الدستور و الحديث عن تطبيق الديمقراطية و اعطاء الشعوب جزء من حقوقها المسلوبة, حتى يجتاز المحنة.

وصل محمد خاتمي ضمن خطة النظام تلك إلى رئاسة الجمهورية عام 1997, و رحبت بعض التيارات من الشعوب في إيران بحذر شديد بتلك الأفكار و تأسست بعض المؤسسات و الأحزاب في ظل الإنفتاح النسبي الذي سمح النظام به لتنفيس الشارع و التخفيف من الإحتقان السائد آنذاك. في ظل تلك الظروف و الأجواء تحرك الشارع و سبق أطروحات و شعارات محمد خاتمي و لم يستطيع النظام الإيراني السيطرة على الشارع و احتواءه. و محمد خاتمي نفسه لم يسطيع تقييد و تحييد مطالب الشارع خاصة الشعوب الغير فارسية التي طالبت و تطالب بحقوقها القومية, لاسيما القليل جدا منها المكفولة في الدستور الإيراني التي لم ترى النور حتى يومنا هذا. أدرك النظام الإيراني في تلك الفترة و بعد ما أجتاز المرحلة الحرجة, بان الأمور تتجه نحو الإنفلات.

بعد ما وقع الفاس برأس, بدء النظام الإيراني التخلص من تلك الظاهرة التي تضم في طياتها تيارات و شرائح واسعة من المجتمع تطالب بتطبيق تلك الوعود و تأسست أحزاب مدعومة من الشارع أصبحت أدوات ضغط على النظام و أنشق الأخير على نفسه حول كيفية إدارة السلطة و أزماتها الداخلية و الخارجية التي أثقلت كاهنه. أمسى الصراع على السلطة هو سيد الموقف بين أجنحة النظام,رغم الإعتقالات و القمع و الإعدامات و سياسة الإقصاء و غلق كل المؤسسات و الأحزاب و الجرائد التي تأسست في تلك الفترة, و لم يستطيع التخلص من الازمة الجديدة الذي خلقها بنفسه حيث انقلب السحر على الساحر و أدخل النظام نفسه في دوامة, حيث الخطة التي رسمها لنفسه للخروج من أزماته, أصبحت غددا سرطانية منتشرة في عرض و طول جسمه و أفسدت دمه و ستقضي عليه حتما و العمليات الجراحية لقلع تلك الغدد لم تجدي نفعا, لان قد فات الآوان و الوقت اضحى متأخرا جدا, خاصة نضال الشعوب الغير فارسية في جغرافية إيران السياسية بدء يطور نفسه و يتوسع و يخلق آليات جديدة و يفتح أبوابا كانت مغلقة, و تحالفها في الأهداف و الآليات في النضال المشترك, تشكل ضربات فولاذية على رأس ذلك الجسم المنهك أصلا.

عن رابطة أدباء الشام