آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الـمنحـوس / رواية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / ح. 1

  1. #1
    أسـتاذ جامعة بغداد / سـابقاً الصورة الرمزية الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
    تاريخ التسجيل
    06/04/2008
    العمر
    91
    المشاركات
    607
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي الـمنحـوس / رواية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / ح. 1


    الـمــنـحــوس

    وقعت احداث هذه الرواية , في الأربيعينات من القرن الماضي, في قرية في جنوب العراق, تقع على نهر الغراف,... و ادارياً تتبع قضاء الشطرة,.. التابع للواء الناصرية
    (محافظة ذي قار حالياً),.... و تحيط بهذه المدينة العديد من العشائرالمميزة بتاريخها العريق و بنفوذ وقوة شيوخها, الذي ضمنه قانون الأقطاع المعمول به في ذلك العهد.
    بطل هذه القصة يدعى محسـن, وكنيته " أمحيسـن", وهو الأبن الأصغرلشيخ القريه سرحان أبخيت, حيث توالت عليه النكبات والمطبات منذ الصغر, وصار مضرباً للأمثال في النحس, او قل ان النحس وهو وجهان لعملة واحدة!
    توفت ام أمحيسن وهو لايزال في الخامسة من عمره, وله اختان اكبر منه سناً, ولذا تزوج الشيخ والده عدة نساء, حيث ان الشرع والعرف قد سمحا له بتعدد الزوجات !
    الجو في تلك المنطقة بارد شتاء وقائظ صيفا الى درجة لا تطاق, ..اضافة الى الرطوبة العالية (وغره), بسبب ما يحيط بالقرية من المستنقعات والأهوار وبرك الماء الواسعة والضرورية لمعيشة الجاموس التي يصنع من لبنها الكيمر (القشطه), الذي اشتهرت به منطقة الأهوار وبالخصوص كيمر الشطرة !
    اما السكان , فجلهم فلاحون اسمرت وجوههم لتعرضهم للفح الشمس الحارقة, وعلى النقيض من ذلك, يلاحظ وجود شبان جميلون ولهم اجسام معافاة وممشوقة, ولهم اطراف صلبة كأنها مصنوعة من الفولاذ, كما تلحظ فتياة لهنً وجوه مشرقة ومستديرة كالبدر, وابتسامات تكشف عن اسنان بيض كالثلج, وعيون لها بريق يسلب مهجة الناظر لها, كما فال جرير:
    ان العيون التي في طرفها حور
    قتلننا ولم يحيين قتلانا

    ترعرع امحيسن بين اناس طيبون وسذج وبسطاء, وكان مميزاً عن كافة اشقائه, لأنه ,
    آخر العنقود, وفيه بوادر نبوغة لفتت له الأنظار !
    الا ان فقدان امه المبكر وزوال حنانها, جعل من حياته الجديدة اتعس مراحل عمره, حيث ترعرع في بيت كل شيئ فيه خاضع لأستبداد الشيخ وزوجاته المتغطرسات, فأصيب بالكآبة وعاش ذليلاً في جو متخلف !
    كان امحيسن في تلك الحقبة من الزمن يعاني من الأضطراب العاطفي والأنفعالي وهذه من ابرز اعراض الأطفال الذين يصابون بالخجل والحساسية الفائقة وعدم القدرة على اقامة علائق عادية مع من هم في سنهم,... وهكذا صارامحيسن لا يكترث لأي فرد من افراد العائلة, فزاد ازدرائهم له, فأدى ذلك الى ارباكه نفســياً, فأندفع بكل عنف للتمرد

    على كل ما يحيط به, واراد التحدي, فتطورت عنده الملكات المطمورة او قل,.. برزت عنده العبقرية, وصار قادراً على تأدية اعقد الأمور التي يؤديها من هم اكبر منه سناً !

    بلغ امحيسن الثانية عشر من عمره, وما زال يتذكراشياء عديدة حدثت له في طفولته, وتغير سلوكه وخاصة بعد وفاة امه, واعتزل مبكراً اللعب مع اقرانه, وتقمص شخصية مميزة يكتنفها الغموض, وصار اسمه ضربا من ضروب السخرية, نتيجة للنحس الذي لازمه, او قل ان اسمه صار تورية لكل منحوس في القرية,..حيث يقول :
    حظي مثل حظ امحيسن!!!
    سببت هذه الظاهرة لمحيسن قلقاً وتوتراً بأعصابه, ولكن لم يصل الى حد الجنون, كما اشيع عنه بين الصبيان, حيث اكد الأطباء الذين شخصوا حالته, بأنه صبي صحيح الجسم ولديه ذهن خارق للعادة, .. واحياناً له تصرفات لا تتماشى مع الواقع مطلقاً.
    كان امحيسن ينام نوماٍ عميقاً, ويحلم بأشياء غريبة, ويتذكر الكثير منها عندما يستيقظ صباحاً, ولما يروي الخطوط العامة لتلك الأحلام,.. يسخر منه رفاقه, لذا قرر عدم سرد اي حلم يراه مستقبلاً.
    زادت عند امحيسن التأملات, او ما يعرف بأحلام اليقظة, وراح يعرض على رفاقه العاباً لم يألفوها قبلا, فأرعبت الكبار قبل الصغار !!
    لذا صار اهل القرية يعتقدون بوجود (جني امعشعش), في جسده او دماغه !!

    تعرف امحيسن في مرحلة الدراسة المتوسطة على صبية تكبره بعامين,اسمها "جميله"
    وهي ابنة عريف الجيش المتقاعد, والفراش في مدرسة القرية الأبتدائية,.. وقد استمرت علائقهما طيلة سنين الدراسة معاً بنفس الصفوف, لعدم وجود مدرسة ابتدائية خاصة بالبنات في تلك القرية, .. ولذا كانت جميلة متحررة لحد ما مقارنة ببنات جيلها في القرية في تلك الحقبة من الزمن.
    كان امحيسن صبي عنيد وخجول اوقل صعب المراس,..اما جميله, فقد كانت صبية نشطة وطيبة ولطيفة ومرحة جداً,..وعلى الرغم من كل المفارقات ,..ربط الحب بينهما, فقد تعلق امحيسن بها, واحبها حباً عذرياً لفت انظار جميع ابناء جيله.
    وصلت اخبار هذه العلاقة الى اسماع شيخ العشيرة (والده)., فوبخه ومنعه من الأختلاط بتلك الفتاة وهًددً والدها بأبعاده عن القبيلة,.. الا ان امحيسن لم يذعن لأوامر والده, وراح يكثر من اللعب مع زميلته جميلة في المزارع القريبة من دارها بعيداً عن عيون الرقباء.
    شعرت أم جميله بتلك العلاقة فتصًدت لهاوانبت امحيسن على تصرفاته مع ابنتها, وطلبت منه الأهتمام بدراسته بدلاً من اللعب والحديث عن امور هي من وحي الجن او وسوسة الشيطان, فقد طرق سمعها قدرته على تمييز الألوان بدقة وهو مغمض العينين ..

    ويحرك اي شيئ من مكانه من دون اي يمسه ,ويكسر لوحاً زجاجياً بأصبع واحد من دون ان يتهشم !!
    ابهرت تلك الأعمال اصدقاؤه وبالخصوص جميله, وفسرت هذه القدرات الخفية على انها مكرمة من كرامات الأولياء الصالحين الراقدين في قبور مميزة بأطراف القرية,... ولذا زادت جميله من نذورها وتوسلت بالأولياء,... كي يمنعوا شيخ العشيرة من تهديم علاقتها مع امحيسن وعدم اتخاذ القرار بتهجيرهم من القرية, ...لأن والدها غريب !
    ذعن امحيسن للأعراف السائدة وابتعد عن الألعاب الساذجة مع جميله, وصار مدركاً للتخلف والحالة المزرية لأبناء قبيلته, فتمرد على العادات البالية عند اغلبية اهل القرية.

    في الصباح الباكر تدب الحياة في القرية , فيتوجه الفلاحون نحو مزارعهم يسوقون امامهم السعي (الأغنام والأبقار), في حين تتوجه النساء البائعات يحملن على رؤوسهن المنتجات اللبنية , ومن اهمها(الكيمر), نحو المدينة وهن يسرن بشكل رتل عسكري ,مع اهازيج واغاني شعبية ينشدنها بأصوات خافته.
    وفي كثير من الأحيان, يعترض طريقهن المعلمون على دراجاتهم وهم متوجهون الى مدرسة القرية ,... ويتبادلون معهن تحية الصباح مقرونة بغزل مهذب احياناً.
    كما يلاحظ اسراباً من الطلاب المتوجهون من العشائر المحيطة بالقرية, بزيهم الشعبي المزري, ومعظمهم رث الثياب وحفاة الأقدام , ...عدا القلة منهم المرتدي للزي الحديث, ومن ضمنهم امحيسن وجميلة.

    يلتقي امحيسن صباح كل يوم مع جميله في الطريق العام عندما يتوجهان نحو مدرستهم,... ويتبادل معها تحية الصباح خلسة,..وفي كثير من الأحيان تكون جميله رفقة زميلاتها , فلا يجرؤ امحيسن من الأقتراب منها ,.... فيوجه التحية لها همساً او... اشارة بالعيون, ... وقد اثرت فيه هذه المواقف العاطفية,... وصار يقرض الشعر الشعبي عندما كان في المرحلة الأبتدائية, وقرأ في احد الأيام القصيدة التالية عند تأدية تحية العلم يوم الخميس ومنها:
    ليش بعيونك ترد السلام يصير حسادي كالولك كلام
    ياسلام العين ياأحلى سلام هز كياني وخلً افكاري بالأوهام
    ليش تنساني وتنسى ايام الغرام وليش بعيونك اترد السلام

    لقد شاع حب امحيسن وجميله, في نهاية المرحلة الأبتدائية, واشتهرت اخبارهما , فغضب الشيخ (والد امحيسن), ورفض طلب ابنه عندما ابلغه برغبته بخطبة جميله,.... كما ذعن والد جميله لتهديد الشيخ وراح يفكربالهجرة الى المدينه خوفاً من بطش الشيخ!

    حاول مدير المدرسة المتوسطة, بناءاً على اوامر شيخ القرية, وحرصاً منه على سمعة المدرسة التي ضمت ولأول مرًة عددا من الطالبات ليدرسن جنباً الى جنب مع الأولاد .
    ان يكسر عرى العلاقة بين امحيسن وجميله بشتى الوسائل,..ولكن من دون جدوى !!
    زاد تعند امحيسن, ولم يكترث لأحد, وصار يلتقي بجميله سراً, ولم يكلمها حتى داخل المدرسة او داخل الصف,... واخذ يتعامل معها بنفس المستوى الذي يتعامل به مع بقية الطلبة, وخصوصاً بعد ان صار حبهما مضرباً للأمثال !!
    لم يروق لجميله السلوك الجديد من امحيسن, وفي احد الأيام التقت به وجهاً لوجه, وهي بصحبة زميلاتها,... وبدا عليهن الخجل, ورحن يتهامسن فيما بينهن, الا ان جميله لم تعر اية اهمية لوجودهن بالقرب منها, وكانت اكثرهن جرأة , فتأخرت عن زميلاتها وأقتربت من امحيسن وابتسمت له, ..وهمست بأذنه تحية الصباح, وركزت نظرها فيه بألم وحرقه, فبادلها الشوق واللوعة,.. ثم افترقا لتلتحق جميله بصحبها, ..فتظهر النشوة على امحيسن ويبتسم لها ويلوح لها بصورة خفية لا يجيدها الا العشاق !
    وبعد مسيرة متفاوته الوقت, يصل الجميع الى المدرسة, ويسمع رنين الجرس, فيهرول المتأخرون منهم خوفاً من عقوبة المعلم المراقب في ذلك اليوم والذي يلوح بالعصا نحو
    المتأخريين,.. وبعد لحظات ينتظم جميع الطلاب كلاً حسب صًفة,.. وكالعادة لا يهتم امحيسن لتحذير المعلم وحثه على الأسراع والدخول الى اصطفاف الطلبه (الطابور), الا انه لفت نظر الجميع بزيه الحديث, وهو زي مضحك لأبناء القرية في مثل ذلك العهد.
    كرر المعلم اوامره, بضرورة الألتزام بالنظام, و اوعز بأجراء الحركات الرياضية , ثم قراءة احد الأناشيد الوطنية, ..وبعد اتمام تلك المراسيم,.... يتوجه الطلبة الى صفوفهم بأنتظام, الا ان امحيسن لم يترك فرصة ما لم يلفت له الأنظار, ..ويلاحظ المعلم حركة غير لائقة, فيزجره, الا انه لم يرتدع ولم يبالي للنداء,.. فيثور المعلم ويمطره بوابلاً من الشتائم الخفيفة, ثم يقتاده الى مدير المدرسة, والتلاميذ في رعب مما يجري,فكيف لهذا المعلم الشجاعة التي تجعله لا يهاب بن شيخ القرية ؟
    يدخل امحيسن الى ادارة المدرسة, ويقف امام المدير وبجنبه المعلم الذي شرح ما قام به الطالب محسن سرحان من مخالفات, الا ان امحيسن لم يعِر اي اهتمام اوقل غير مكترث لأي عقوبة, .. وقد صار تواجده في ادارة المدرسة امراً مألوفاً,.. وكثيراً ما كان يعاقب بالضرب بالعصا على يده, ..ولايبالي لأي نوع من انواع الردع واعتبر الأمر نوعاً من البطولة.
    يعود امحيسن بعد تنفيذ اي عقاب الى صفه , ويجلس في المكان المخصص له, مع نظرة خاطفة للحبيبة جميله, ..وتبادله هي الأبتسامه, وتعود له الطمأنينة من حب جميله له, فيهدأ قليلاً, ويجلس بكل وقار صاغياً للمعلم وهو يشرح الدرس.
    كسب امحيسن من الناحية العلمية رضا كافة المعلمين, بالرغم من شقاوته مع زملائه,

    حيث صار متفوقاً وحصل على اعلى العلامات في كافة الأمتحانات, ..وقد اشاع البعض مرًد ذلك يعود لكونه بن شيخ القرية, وخوف المعلمين من سطوة والده, وفسر البعض
    الآخر للمستوى المعيشي الجيد الذي نشأ وترعرع فيه,..الا ان الظاهرة المزدوجه التي تميز بها امحيسن لم يجد احداً تفسيراً لها, ولا بد لها ارتباط خفي لم يتكهن به احد !!
    تميز امحيسن من اكتساب معلومات معمقة في كافة العلوم الأساسية, اضافة الى قيامه بأعمال مبهمة لا تخضع لأي منطق !
    ذاعت شهرة امحيسن بالتنجيم حتى صار حجة في علم الفراسة, (الميتافيزقيه), وقد استعان به العديد من مثقفي القرية والمناطق المجاورة لمعرفه حظهم او قراءة ابراجهم. صارت لمحيسن شخصية ابهرت كافة المعلمين الذين اشرفوا على تعليمه وجعلهم في حيرة من الأزدواجية التي ميزته عن بقية زملاؤه.

    يتبع في الحلقة / 2


  2. #2
    تسنيم زيتون
    زائر

    افتراضي رد: الـمنحـوس / رواية من المجتمع العراقي تنقصها الصراحة / ح. 1

    نعم ....... المعذرة توضحت الصورة

    وردي في الجزء الثاني ...


    مودتي,,,,


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •