مسامير وأزاهير 133 ...

أيها الفلسطينيون ... بلاؤكم في انقسامكم !!!.


برغم التصريحات التراجيدية وما يستشف منها من إحباط والتي أطلقها السيد عريقات الأخيرة واعترافه من أن " إسرائيل " تضع الشروط المسبقة لاستئناف المفاوضات وتفرض حقيقة الدولة الواحدة !!!، وما أعلنه السيد نبيل شعث مؤخراً من أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت وما تزال تماطل !!!، وما صدر عن السيد قريع من أن " إسرائيل " تفشل الجهود الأميركية بمزيد من العقبات !!!.
ذاك أولاً ...

وثانياً ... وبرغم وضوح تصريحات نتنياهو المنشورة مؤخراً وتأكيداته السابقة بعدم إيقاف الاستيطان ومن أن الشروط التي تضعها السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات غير مسبوقة من وجهة نظره ونظر كيانه الغاصب، وما يعنيه ذاك التصريح وغيره بعدم جدية ومصداقية الكيان الصهيوني وامتناعه بالتالي عن محاكاة الجانب الفلسطيني فيما أظهره الأخير من ليونة مواقف ورغبة حثيثة صادقة في السير بنهج التسوية وصولاً لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية الموعودة!!!.

وثالثاً ... وبرغم وضوح الصورة أيضاً ، سواءً في عجز الولايات المتحدة الأمريكية أو ( عدم جدتها ) في تحريك ملف المفاوضات بعيداً عن أطماع الكيان الصهيوني وأجندته الموضوعة باستمرار الاستيطان الصهيوني ، وبالتالي تعثر الوصول لفرض وتحقيق سلام عادل ومقبول للفلسطينيين بحده الأدنى !!!.

وبرغم كل تلك المؤشرات ، فإننا ــ وللأسف الشديد ــ لا نرى ردة فعل مناسبة وقوية لأولي أمر فلسطين تتناسب :
1- وتوجهات الكيان الصهيوني الرافض بإصرار وعناد على السير قدماً في التسوية السلمية التي قبلتها السلطة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الصراع الفلسطيني الصهيوني!!.
2- والإحباط الكبير من حقيقة فشل الضغوط الأمريكي على تغيير سياسات الكيان الصهيوني وإصرارها ذاك المنوه عنه آنفاً!!.
3- وحالة الانقسام والتشظي الفلسطيني التي أدت إلى نشوء الموقفين المذكورين ( 1 و 2 ) آنفاً!!.
4- واعتراف رموز السلطة بعبث ما يجري !!!.

لقد آن الأوان ، وأزفت الساعة ، لمن كان معنياً بالجهود الأمريكية الداعية للتسوية ( على اعتبارها راعية للسلام !!) ومراهناً على جدواها وفاعليتها بأن يعي تماماً تلك المؤشرات الأليمة لما وصلنا إليه من مأزق كبير وانحدار خطير في المشهد الفلسطيني، فيعمل على إيقاف تداعياتها!!،أما الطرف المعني بذاك الأمر فلا يحتاج لعناء تفكير وسعة تدبر لمعرفته ، فهو بسيط تماماً ولا يشبه جدلية ( الدجاجة أولاً أم البيضة ) ، فأمريكا بمنتهى البساطة والوضوح هي من أدخلتنا في نفق أوسلو ، وأوسلو هي التي أوجدت السلطة الوطنية الفلسطينية ، والسلطة الوطنية الفلسطينية هي التي انهمكت حتى أذنيها في مفاوضات طالت لأكثر من عقد ونصف فظهر لنا ( باعترافها الصريح !!) أنها كانت عبثية ودون نتيجة متوخاة ، بل على العكس تماماً ، فلقد كان لتلك المفاوضات انعكاسات وتفاقمات سلبية حيث راهن العدو على عامل الزمن الذي استغرقته تلك المفاوضات العبثية واستثمره جيداً في ترسيخ أقدامه وتوسيع مستوطناته وتهويد معالم وهوية القدس وصولاً لحالة فرض أمر واقع بات أمراً يصعب على الجانب الفلسطيني الفكاك أو التملص منه ، والنتيجة كما نراها إذن تنحصر في السلطة الوطنية الفلسطينية وما تراهن عليه وما تدعو له ، فصار بذلك من واجبها الأخلاقي والشرعي ومسؤوليتها التاريخية إيجاد حل ينهي ذاك كله بما يحقق للشعب الفلسطيني حياة حرة كريمة قد طال انتظارها !!.

لقد بات واضحاً تماماً أمام من يؤمن بخيار التسوية والمفاوضات حقيقة مكر الكيان الصهيوني وعدم استعداده لتحقيق السلام ، وقد آن الأوان له بأن يعيد حساباته من جديد ليطرق باب خيار آخر أكثر نفعاً وجدوى مما انغمس فيه ردحاً طويلاً من الزمن بلا طائل، كما وبات واضحاً أيضاً أمام من آمن بدور وفاعلية وجهد الولايات المتحدة الأمريكية حقيقة دورها وتزلفها وفشلها وإحجامها على أن تمارس ضغطاً حقيقياً على العدو ، بل وتواطؤها السافر وتحالفها معه ووقوفها لجانب تحقيق أجندة ورؤى هذا الكيان الغاصب ، وما دام الأمر بهكذا وضوح ويسر تحليل ، فإنني أتساءل مستغرباً ، أما آن الأوان للطرف الفلسطيني المعني بالتسوية السلمية من أن يسلم على ما تبقى من ( بيض قضيته ) فيأخذها من سلة أمريكا ليضعها في سلة الأمم المتحدة وتحت رعاية مؤتمر دولي كبير!!!.

لقد صار لزاماً علينا إعادة النظر تماماً بالعملية السياسية برمتها بظل فشل وعبث المراهنة على دور أمريكي ضعيف مراء للعدو أولاً ، وما يجري من استمرار انقسام وتشرذم في المشهد الفلسطيني ثانياًً، وما نراه من تجاهل وتكاسل عربي رسمي وشعبي ثالثاً ، والتي كان من تداعيات تلك العوامل مجتمعة منح العدو الصهيوني وراعية السلام الموهوم أمريكا :
1- دافعاً قوياً لاستمرار نهج الكيان الصهيوني في تهويد مدينة القدس والاستحواذ على أراضي مدن الضفة لإقامة مستوطناتها.
2- عزوفاً أمريكياً وامتناعاً عن الضغط الحقيقي والفاعل على دولة البغي والعدوان.

إن استمرار الانقسام الفلسطيني بحد ذاته يعد تدميرا للمشروع الوطني الفلسطيني من جانب ، ومن جانب آخر فإنه يقدم خدمة كبرى مجانية لسياسات الاحتلال الصهيوني التي تستغل وتستثمر حالة الانقسام تلك في مواصلة بناء المستوطنات ومواصلة جرائمها ضد أبناء الشعب الفلسطيني ...مما يؤدي بالتالي إلى نسف أحلام إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة والناجزة!!، أما الموقفان ، العربي والإسلامي الهزيلان ، فحدث ولا حرج والذي لا يعدو أن يكون ( مناشدة أخوية روتينية ) غير فاعلة من أجل إنهاء الانقسام دونما قرار جماعي يتخذ من خلال قمة عربية أو إسلامية ينتصف فيها لخيار المقاومة الشرعي ودونما الانبطاح أمام إملاءات أمريكا واشتراطات العدو الصهيوني!!!.

لقد جرب الفلسطينيون حظهم في انتزاع حقوقهم عن طريق السير في نهج أوسلو فكانت النتيجة : تشرذماً وانقساماً وزيادة الغيّ والغطرسة والصلف والاستهتار الصهيوني مما أدى إلى فشل تام للمفاوضات وزيادة وتائر التهويد والاستيطان، فصار حـَريّ بالفلسطينيين والحالة هذه أن يسلكوا طريقاً آخر ينتزعون فيه حقوقهم من خلال ...
1- إنهاء حالة الانقسام والعودة إلى التوحد ورصّ الصف .
2- إحياء دور م ت ف بعد تفعيل ميثاقها الذي عطل كثير منه لتنضوي تحت خيمتها كل الفصائل والحركات الوطنية الفلسطينية.
3- التزام خيار المقاومة واحترام رجاله بكافة أشكاله ليكون عامل ضغط إضافي على العدو.
4- إيجاد أرضية مشتركة لعمل وطني يتم فيه وضع استراتيجية وطنية فلسطينية للتحرير وتحقيق الحلم الفلسطيني!!.
5- دعوتهم لمؤتمر دولي كامل الصلاحيات لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بعيدا عن الهيمنة والتفرد الأمريكي الذي استمر طويلاً.

لقد أمسى الشعب الفلسطيني للأسف الشديد بين فكيّ كماشة لا ترحم أبداً ، الاحتلال والممارسات الصهيونية أولاً ، والاحتراب والانقسام الفصائلي الفلسطيني التي تعمق الشرخ وتزيد من حالة التمزق الداخلي ثانياً ، وما على الشعب الفلسطيني من بـُدّ إلا أن ينتفض على واقعه المزري ذاك كي يمسك من جديد بمقدرات شأنه فيمارس دوره في إيقاف ذاك النزف المتواصل في مشهده ، وليقرر بالتالي بعدها وجهة سيره وخياره الوطني ، وإلا ... وبخلاف ذلك ... فإنه ولا ريب سينتظر زمناً طويلاً جداً ، جيلاً إثر جيل ، على أمل تحقيق أحلامه عبثاً ، والتي لن تتحقق أبداً مادام ساكتاً عن حقه أولاً ، وما دام منغمساً في انقسام فصائله هكذا حتى أذانهم ثانياً!!.

الانتصاف من العدو يبدأ بإصلاح الذات قبل كل شيء ، هكذا علمنا أحد الحكماء حين سُئل ذات يوم ... كيف ينتصف المرء من عدوه ، فأجاب الحكيم قائلاً ... بإصلاح نفسه أولاً!!!.
وما حك جلدك مثل ظفرك ... أبداً!!!.

سماك العبوشي

simakali@yahoo.com

23 / 1 / 2010