آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: كتابي الجديد هدية للموقع

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية د.طارق البكري
    تاريخ التسجيل
    23/01/2010
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي كتابي الجديد هدية للموقع

    تشرفت بالانتساب الى موقعكم الكريم
    ويسعدني أن أبدأ أولى مشاركاتي بهذا الكتاب الجديد وهو الجزء السادس من سلسلة كتب (50 قصة قصيرة للأطفال)
    مع شكري وتقديري للجميع


  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية د.طارق البكري
    تاريخ التسجيل
    23/01/2010
    المشاركات
    21
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي رد: كتابي الجديد هدية للموقع

    50 قصة للأطفال



    د. طارق البكري



    الجزء السادس








    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة المؤلف


    أحبائي الصغار...
    سالتني طفلة في مثل سنكم: من هو مشجعك الأكبر على الكتابة؟
    تفاجأت من السؤال.. ولم أتمكن من الإجابة بشكل صحيح..
    وعندما فكرت جيداً بالسؤال.. اكتشفت أن مشجعي الحقيقي هم أنتم يا أحبتي.. فأنا عندما أرى هذا الإقبال على قراءة قصصي، وهذا الاهتمام من قبلكم عندما آتي إلى مدارسكم وفصولكم.. أشعر أن عملي في الكتابة لم يذهب سدى..
    أنت لا تدرون كم أحب أن أكتب من أجلكم. وأن أعيش من أجل الكتابة.. فالكتابة هي حياتي الحقيقية.. وكل ما أكتبه يأتي من داخلي.. وكم أتمنى أن تمضي الأيام وأرى كل واحد منكم وقد استفاد مما قرأ..
    وعندما أقرأ رسائلكم أفرح.. وأتجه أكثر للكتابة من أجلكم.. ولقد بلغني أنّ قصصي باتت تمثل في مسرحيات، وتلقيها الطالبات والطلاب في مدارسهم..
    شيء رائع بالنسبة لي أن أكلمكم.. وأن أحاوركم من وراء الكتاب..
    فأمتع لحظات حياتي عندما أختم جزءاً من هذه السلسلة لينضم إلى باقي المجلدات التي طبعت حتى اليوم مرات كثيرة.. وأحياناً تطبع في العام الواحد ثلاث مرات.. ألا يعني هذا أنكم لستم كما يقال عنكم بأنكم لم تعودوا تحبون القراءة.. بل أنت أفضل من أجيال سبقتكم.. وهذا ما تثبته أرقام بيع هذه السلسلة من الكتاب وغيرها من كتب الأطفال.. فأكثر الكتب مبيعاً اليوم هي كتب الأطفال.. وهذا يؤكد يوماً بعد اليوم أنكم ما زلتم تحبون القراءة.. بل حبكم للقراءة ازداد وارتفع..
    هنيئا لنا بكم أيها الجيل الجديد الرائع.. ولكم نفرح بكم عندما تثابرون على القراءة طوال حياتكم.. فالقراءة طريق الإبداع والخيال.. وهي الطريق الواسع لمن أراد النجاح..
    مرحى بكم في كل قصة وفي كل كلمة..
    مرحى بكم أيها الأحبة في كل نفس من أنفاسكم.. فكتبي التي في بيوتكم هي نسخة مني.. تمثل محبتي لكم.. فكوني معي دائماً.. كما أنا معكم..

    د.طارق البكري
    الكويت يناير 2010
    docbakri@yahoo.com
















    أولاً- سلسلة المجتهدون الصغار


    1 - الامتحانات النهائية
    2 - الممتلكات العامة
    3 - مساعدة الناس فضيلة
    4 - عطلة الربيع
    5 - حب الصحابة
    6 - أضحية العيد
    7 – خرطوم الماء




    1 - الامتحانات النهائية

    رياض مشغول جداً في الدراسة، ويقضي وقته في غرفته والكتب من حوله.. ويبدو منهمكاً استعداداً للامتحانات النهائية.. تدخل أمه ومعها إناء عصير: يا حبيبي.. أنت تتعب كثيراً.. الله يشرح لك صدرك.
    رياض: ما أحلى هذا الدعاء يا أمي!
    محبوب: ما هي نصائحك استعدادا للامتحان؟
    الأم: النصائح كثيرة..
    رياض: أعطني الآن أهمها لضيق الوقت.
    الأم: أولاً يجب أن تكون هادئاً في كل حال.. وعليك كتابة قائمة للمذاكرة تساعدك على تحديد النقاط المهمة، وسجل الملاحظات والمعادلات والمصطلحات والأفكار الرئيسية وأهم الواجبات لمراجعتها بشكل مستمر..
    رياض: كل هذا.. كثير.. لكن ماذا سيفيدني ذلك؟
    الأم: ستساعدك القائمة على تجزئة المذاكرة إلى أقسام منظمة لمراجعة شاملة خالية من القلق.
    - نعم يا أمي، وهل لديك نصائح أخرى مفيدة؟
    - اعمل بطاقات فهرسة للمصطلحات والمعادلات والقوائم التي تحتاج لحفظها.. اكتب اسم الموضوع على جهة واحدة من البطاقة والأسئلة على الجهة الأخرى.
    رياض يسأل أمه وهي تبتسم: وبماذا يفيدني ذلك؟
    تجيبه الأم بابتسامة كبيرة: بطاقات الفهرسة ستساعدك ليس فقط على اختبار قدرتك على تحديد المعلومات المهمة وإنما أيضاً على قدرتك على استرجاع المعلومات..
    - جميل جداً.. وماذا أفعل في اليوم الأخير قبل الامتحان؟
    - عليك التوقف عن إرهاق نفسك قبل الامتحان بيوم واحد.. واعط نفسك وقتاً كافياً لتصل مبكراً ولا تحاول أن تُراجع كُل شىء في اللحظات الأخيرة.
    - وماذا بعد دخولي قاعة الامتحان؟
    الأم: اختر مكاناً جيداً للجلوس وحافظ على استقامة ظهرك واجلس على الكرسي جلسة صحية. وكن هادئاً كما قلت سابقاً، وبعد أن تجلس وتستقر في مقعدك، تصفح الامتحان كله بشكل سريع، ثم خطط لحل الأسئلة السهلة أولاً والصعبة لاحقاً، وتأن في الإجابة، وخصص بعض الوقت لمراجعة إجاباتك.
    والآن هيا إلى الدرس..
    يقول رياض والأم تخرج من الباب: شكراً لك يا أمي فقد استفدت كثيراً من كلامك.
    الأم: سأتركك الآن وأذهب لأدعو لك بالتوفيق النجاح..


    2 - الممتلكات العامة

    رياض يسير على الطريق مع مجموعة من أصدقائه ويقول: ما أجمل النسمات الباردة!
    أحد الأصدقاء: انظر إلى جمال الزهور وهي تتمايل مع الهواء.
    ثم قام بنزع بعض الزهور.
    رياض زاجراً صديقه: توقف يا إسماعيل.. هذا عمل غير حضاري.
    إسماعيل مستغرباً: وما هو غير الحضاري؟ هذه وردة جميلة أريد الاحتفاظ بها!
    صديق آخر بصوت هادئ: أنا لا أفعل ذلك أبداً.. هذه الورود وضعت لتزيين الطريق.. وهي ملك للناس جميعاً وليست ملكا لي ولا لك..
    يقول رياض: حتى الشجر لا يجوز لنا أن ننزع ورقه منه أو نحفر علي جذوعه كما يفعل بعض الناس..
    صديق آخر: كما يجب أن نحافظ على كل شيء على الطريق مثل الأضواء والأرصفة والحشائش.
    يجيبه رياض: نعم.. هذا كلام صحيح.. أذكر أننا كنا في حديقة عامة نشوي لحما، ولم يضع أبي ناقلة الفحم على الحشائش، بل وضعها على الجانب المرصوف.
    قاسم موافقاً على كلام رياض: هذا فعل صحيح ومشكور.. فالفحم يحرق الحشائش.. تصوروا لو كل واحد من زوار الحديقة يحرق مساحة بسيطة من الحشائش؟
    جاسم وهو يضحك: ستصبح الحديقة قطعة سوداء..
    رياض: صدقت يا جاسم.. لذا علينا أن نحافظ على كل ممتلكات الدولة.. فهي بالأصل ملك كل واحد منا.
    أحد الأصدقاء: ماذا تقصد يا رياض بأنها ملك كل واحد منا؟
    جاسم: أوضح لنا يا رياض!
    رياض: الدولة تصرف أموالاً طائلة لتجمل بلادنا.. وهي تفعل ذلك من أجل الناس.. فهي إذاً ملكنا وعلينا المحافظة عليها..
    يصعد رياض وأصدقاؤه الباص فيرون أحد الأطفال يمزق مقعداً من المقاعد..
    رياض: ماذا يفعل هذا الصبي؟ علينا إخبار السائق..
    لكن الصبي يخرج فور وقوف الباص في المحطة.
    رياض: ما فعله هذا الصبي خطأ كبير ؟
    أحد الأصدقاء مستنكراً وبصوت غاضب مشيراً إلى جانب آخر: انظروا إلى هذه الكتابات على ظهر الكرسي.
    جاسم: إنهم يغضبون الله بهذا الفعل.. لماذا لا يفعلون هذا في ممتلكاتهم؟ فهذه ممتلكات عامة ولا يحق لأحد أن يتلفها.
    يسمعهم رجل كبير في السن يجلس خلفهم فيقول لهم: صدقتم يا أولادي.. ما أجملكم وما أجمل كلامكم.. لقد سمعت حواركم الطيب.. اعلموا أنّ الدنيا بألف خير.. وأن هناك كثيراً من الأطفال مثلكم يحبون أوطانهم ويحافظون عليها.. بارك الله بكم وبهم..
    ثم يسألهم: لماذا لا تساعدوا غيركم وتعلموهم الحفاظ على الممتلكات العامة بنشر توعية بذلك..
    يشكر الأصدقاء الرجل.. ويقرروا أن يطبعوا نشرة صغيرة يوزعونها في مدرستهم تتكلم عن أهمية الحفاظ على الممتلكات العامة.

    3 - مساعدة الناس فضيلة

    يلتقي رياض أصدقاءه في ساحة المدرسة: السلام عليكم..
    الأصدقاء: وعليكم السلام.. أين كنت يا رياض؟
    كان رياض يحمل كتاباً وأوراقاً يقرأ فيها: كنت استمع إلى الإذاعة في مطعم المدرسة.. جذبني حديث عن حب الآخرين ومساعدتهم.. وقد كتبت كثيراً مما قاله مقدم البرنامج.
    فواز: رائع.. جميل ما سمعت.. أخبرنا عن بعضه..
    رياض وهو منشرح الصدر مبتسم: من أجمل ما سمعت وكتبت يا فوّاز "أنّ حب الناس فضيلة والإحسان إليهم خلق عالٍ والإساءة لهم طغيان وظلم".
    جاسم الأكبر سناً يرفع إصبعه مصدقاً ومشدداً: الله.. ما أطيب هذا الكلام.. صحيح يا أصدقائي فمساعدة الناس عمل راقٍ وحضاري.. فما رأيك يا أسامة؟
    أسامة وهو الرياضي بين المجموعة: أنا أحب الناس كلهم.. وعلى رأسهم أسرتي وأقاربي وأصدقائي.. وكل معارفي..
    الطفل الأصغر بينهم طلال يقول: زدنا علماً يا رياض..
    فيقول رياض: ما أجملك يا طلال، أنت تبحث دائماً عن الفضائل والمعارف.. هنالك يا طلال أمثلة كثيرة ذكرها المتحدث عن فضل مساعدة الآخرين..
    طلال متلهفاً: قل لنا واحدة منها.. ثم استدرك قائلاً: أقصد واحدة على الأقل.. ثم يضحك..
    قال رياض: سمعت المذيع يقول بصوته الجميل "إنّ خدمة الناس مظهر من مظاهر الحكمة والاتزان، فبعد أن يتمتع الإنسان بالصفات التي تكسبه الحكمة والنضج، تظهر على سلوكه وتصرفاته فوائد عديدة؛ منها مساعدة الناس وخدمتهم، وعادة ينال هؤلاء درجات رفيعة"..
    يقول قاسم وقد أعجبه كثيراً ما نقله رياض عن المذيع: اسمعوا يا أصدقاء.. لقد قرأت منذ فترة كلمة رائعة.. وكتبتها في كراستي.. اسمعوا سأقرها عليكم.. يفتح قاسم كراسته ويقول: الناس في الغالب ينسون ما تقول، وفي الغالب ينسون ما تفعل، لكنهم لن ينسوا أبداً الشعور الذي أصابهم من قِبلك.
    هنا يقول أسامة: وأنا أيضاً قرأت حديثاً عني النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ولأن أمشي مع إخ في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينه – شهراً، ومن مشى مع أخيه في حاجه حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام).
    جميع الأصدقاء بصوت واحد: الله..
    رياض: صدق رسول الله.. ما أعذب هذا الكلام وأحسنه.. فليكن شعارنا من اليوم فصاعداً: (ساعد الناس يا صاحب الإحساس).. موافقون..
    الجميع: نعم.. موافقون..



    4 - عطلة الربيع

    يخرج رياض من المدرسة ومعه الأصدقاء ويبدو عليهم التعب..
    يقول رياض: الحمد لله.. مرت الامتحانات على خير.
    طلال: خلصنا منها ومن وجع الرأس وبدأت عطلة الربيع للمرح والسرور.
    جاسم يفكر ورياض يكلمه: نعم يا طلال، ما أحلى عطلة الربيع.. أليس كذلك يا جاسم؟
    جاسم: نعم.. ولكن العطلة ليست فقط للعب والمرح.
    أسامة وتبدو عليه الدهشة وقد توقف عن السير وتأخر عن أصدقائه: ماذا تقصد يا جاسم؟
    جاسم: بالنسبة لي سأقسم أوقاتي ما بين التسلية والعلم والرحلات وزيارة الأهل والأصدقاء.
    رياض مبتسماً: معك حق يا جاسم.. نعم القسمة هذه.. لكن هل تشرح لنا خطتك؟
    جاسم: أولاً قررت أن أراجع دروسي كلها من بداية العام حتى العطلة، وسأخصص لهذا العمل كل يوم ساعتين.. وفي باقي الوقت ألعب وأمرح وأتعلم علوماً عامة.. دون أن أنسى ممارسة الرياضة...
    رياض: أفكار عظيمة.. لكني أظن أن التطبيق صعب.. كيف ستجمع بين كل ذلك؟
    جاسم: أولاً اشتركت في معهد للمراجعة قريب من بيتي.. كما أني مشترك سابقاً في ناد رياضي..
    رياض: مراجعة ماذا؟
    جاسم: هذا المعهد يراجع كل دروس الفصل الماضي.. حتى لا أنساه وأدخل الفصل الثاني بقوة
    طلال: صحيح كلامك يا جاسم.. أنا عندي مشكلة بالرياضيات هل يساعدونني بالمعهد.
    جاسم: بالتأكيد.
    الأصدقاء حول جاسم.. طلال ورياض: حسناً يا جاسم.. نريد أن نشترك معك بالمعهد.. فنحن قريبون من بيتك..
    جاسم: شيء رائع.. هكذا نتنافس ونتعلم ونتسلى أكثر.
    رياض: نعم.. لكن هل يقبلوننا في النادي أيضاً؟
    جاسم: لا تقلق يا رياض.. أبي يعرف مدير النادي.. سيكلمه من أجلكم.
    جاسم والاصدقاء يذهبون إلى النادي لممارسة الرياضة...
    طلال: ما أجملها من عطلة.. تسلية وعلم.. دراسة وفرح.. ورياضة...
    اسامة: هكذا نقضي أجمل الأوقات فيما ينفع..
    جاسم: نسأل الله تعالى أن تكون أوقاتنا كلها نافعة في مستقبل حياتنا..




    5 - حب الصحابة
    يأتي رياض إلى المدرسة متأخراً قبيل قرع الجرس فيستغرب الأصدقاء لحضوره المتأخر فليس من عادته حيث يحرص على الوصول إلى المدرسة قبل الجميع خاصة أن بيته قريب من المدرسة..
    أصدقاءه المجتهدون الصغار في ساحة المدرسة كانوا يتناقشون حول واجب الحساب..
    يبادر رياض بالسلام: السلام عليكم يا أصدقائي..
    الأصدقاء: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؟ لماذا هذا التأخير.. لعله خيراً.. يبدو عليك السهر والتعب..
    يقول محبوب: خير إن شاء الله.. سأخبركم سبب تأخري في وقت الفرصة.. هيا الآن إلى الفصل لقد تأخرنا..
    وبعد بدء الفرصة.. الأصدقاء المجتهدون يتجمعون حول رياض ويسألونه بشغف: هيا أخبرنا عن سبب تأخرك غير المعتاد..
    رياض: بالأمس سهرت قليلاً.. فقد كان هنالك برنامج مهم جداً يدور عن حب الصحابة رضوان الله عنهم..
    أسامة: برنامج رائع.. يا ليتني حضرته..
    يقول رياض: من أجمل ما قاله المنحاورون يا اسامة إنّ حب الصحابة من الإيمان والإحسان وبغضهم من الطغيان والنفاق..
    يقول طلال: كلام طيب.. جملة رائعة "حبهم من الإيمان وبغضهم من الطغيان".. ما رأيك يا ضاري؟
    ضاري: بالنسبة لي فأنا أحب الصحابة كلهم.. وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً.
    رياض: هنالك يا طلال آيات كثيرة ذكرها المتحاورن عن فضل الصحابة.
    ضاري: أذكر لنا بعضها.
    محبوب: يقول الله تعالى في سورة البقرة: بسم الله ارحمن الرحيم(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) والمؤمنون هنا هم الصحابة الكرام.
    أسامة: صدقت يا رياض.. فهم الذين سبقونا في الإيمان وهم من قاتلوا من أجل الإسلام، ودافعوا بأموالهم وأنفسهم إعلاء لراية الحق..
    إسماعيل: وماذا قالوا في الحديث النبوي الشريف يا رياض؟
    رياض: قال أحد المتحاورين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي، فالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
    عبدالله يبدو حزينا ويوجه كلامه لأسامة: يا سبحان الله، لقد علم رسول الله أنّ هناك من سيأتي بعده ويتجرأ على سب أصحابه الكرام فحذر من ذلك.. ونهى عن سبهم نهياً مطلقاً..
    إسماعيل: صحيح يا عبدالله.
    رياض يتكلم وجاسم تبدو عليه أمارات الاستغراب والتعجب: ولهذا السبب فائدة لهم لأنهم ينالون حسنات مستمرة
    جاسم: عجيب.. ينالون الحسنات بالسبّ؟ وكيف ذلك؟
    إسماعيل: نعم يا جاسم.. لأنهم يأخذون حسنات من يتكلم عنهم بالسوء.. استمع الى ما قالته أمنا عائشة رضي الله عنها عندما علمت أن هناك من يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر فقالت: (وما تعجبون.. انقطع عملهم في الدنيا فأحب الله ألا يقطع عنهم الأجر).
    الجميع: الله أكبر..
    أسامة: بالفعل لقد كان برنامجاً مفيداً كان عليهم أن يعرضوه مبكراً لكي نشاهده بدلاً من البرامج التي لا تفيد..
    إسماعيل: صدقت يا أسامة.. هناك كثير من البرامج التي تضر ولا تفيد.. ولكن علينا أن نعرف ماذا نأخذ منها وماذا ندع..
    رياض: هيا الآن يا أصدقاء إلى الفصل.. فقد انتهى وقت الفرصة..
    الجميع: هيا.. هيا..
    وراحوا يركضون مسرعين كيلا يتأخروا..




    6 - أضحية العيد
    اقترب عيد الأضحى وطلب أبو رياض من ابنه أن يرافقه إلى سوق الماشية لشراء أضحية العيد.
    وفي السيارة يسأل رياض أباه: أبي.. لماذا نقوم بنحر الخراف صباح العيد؟
    الأب: نفعل ذلك اقتداء بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأضحية من شعائر الحج للحاج.
    وعندما وصلا الى سوق الماشية قال رياض: الله ما أكثر عدد الخراف.. كل هذه الخراف سيتم ذبحها؟!
    الأب: الناس تتسابق من أجل تطبيق سنة نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) لنيل الثواب العظيم.
    رياض: لكن يا أبي لماذا هذه السنّة بالذات؟
    الأب: السبب في ذلك أنّ نبي الله إبراهيم عليه السلام تلقى أمراً إلهياً بذبح ابنه إسماعيل..
    رياض مندهشاً: ذبح ابنه؟؟
    الأب يتكلم مع ابنه ويمسك خاروفاً يتفحصه: نعم يا بني.. فقد أمره الله بذلك.. وقد أطاع ابراهيم وابنه أمر الله تعالى..
    ويتابع الأب: لقد كان هذا اختبار من الله تعالى.. ولما أراد الأب ذبح ابنه جاء أمر الله بأن يستبدل ذلك بذبح كبش عظيم..
    رياض مستغرباً بشدة: وهل فعلاً كان الأب سيذبح ابنه؟
    الأب: على المؤمن أن يسلم أمره كله لله..
    وتخيل رياض صورة سكين ترتفع وتكاد تسقط تتهيأ للذبح..
    قال الأب: حين همّ ابراهيم في ذبح ابنه ووضع السكين على رقبته جاء جبريل عليه السلام ومعه كبش وقال له: لا تذبح إسماعيل إن الله فداه بهذا الكبش.
    رياض كان سعيداً عندما رأى أباه يجر الكبش بعد أن اشتراه.. والأب ينظر إلى ابنه والتعب يظهر على وجهه وهو يسحب الكبش: سبحان الله العظيم.. أرجو الله تعالى أن أحافظ على التضحية كل عام لأنال الثواب العظيم..
    بسم الله الرحمن الرحيم (فلما أسلماه وتله للجبين* وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاغ المبين * وفديناه بذبح عظيم).





    7 – خرطوم الماء

    رياض في حديقة المنزل يسقي الورود بإناء صغير في يده وهو يسبح الله: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم..
    يدخل الحديقة جاره الصغير باسم: السلام عليكم يا رياض.. كيف حالك.. وماذا تفعل؟
    رياض: أسقي الورود كما ترى؟
    - لا أقصد ذلك..
    رياض: وماذا تقصد إذن؟
    باسم: لماذا تسقي بالإناء.. يمكنك استخدام خرطوم الماء.
    رياض: خرطوم الماء فيه إسراف.. ولا يمكنني التحكم به.. في الإناء أضع كمية كافية من الماء على النبتة بشكل مباشر.
    جاره الصغير باسم بصوت هادئ: صحيح ما تقول يا رياض.. لكن هذا يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً كثيراً..
    رياض: الوقت لا يضيع بالمحافظة على الأشياء المهمة وخاصة الماء.. ألا تسمع بأزمة الماء التي يعانيها كثير من الناس في العالم.
    باسم: وما شأني بما يعانيه الناس؟
    رياض: يا أخي.. من لم يشعر بإخوانه فليس منهم.. كما أنّ الإسراف في الماء مرفوض شرعاً..
    باسم: وما دليلك؟
    رياض: لقد أوصانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعدم الإسراف بالماء ولو كنا على نهر جاء..
    باسم: نعم.. أذكر هذا الحديث..
    رياض: والله تعالى يقول: (ولا تسرفوا)
    باسم: صحيح، والله تعالى يقول أيضاً إن المسرفين كانوا إخوان الشياطين..
    رياض: أرأيت يا باسم كيف أنّ استخدام الخرطوم دون سبب فيه إسراف مرفوض..
    باسم: أستغفر الله.. لن أستخدم الخرطوم بعد اليوم إلا للضرورة..
    يأتي والد رياض وقد سمع هذا الحوار الطيب فيقول: بوركتما أيها الولدان النجيبان.. فالماء نعمة عظيمة علينا الحفاظ عليها.. ألم يقل الله تعالى (وبالشكر تدوم النعم) وشكر النعمة يكون أيضاً بمعرفة قيمتها واستخدامها بقدر..
    رياض وباسم بصوت واحد: بسم الله الرحمن الرحيم (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ).





    ثانياً: حكايات الحيوانات

    8 - العصفور الرحال
    9 - القطة العطشانة
    10 - ريش العصفور
    11 - بحيرة الضفادع



    8 - العصفور الرحال


    سافر العصفور من بلاد إلى بلاد..
    كان يحب السفر، والحياة بلا سكن.. في كل مكان يصل إليه يلجأ إلى بيت مؤقت في قلب شجرة يأوي إليه.. ليرتاح لساعات ثم يغادره على عجل لا ليسكنه على الدوام..
    في يوم حط العصفور على شجرة عالية.. كان يشعر بالتعب والجوع.. فراح ينظر حوله يبحث عن شيء يأكله.. شاهد دودة صغيرة تمشي في حياء.. اقترب منها يريد أن يلتهمها بشهية.. قالت له الدودة: ما بك تنظر إليّ هذه النظرة المخيفة.. من أين أنت أيها العصفور؟
    قال لها أنا ليس لي وطن.. أنا عصفور رحال..
    ضحكت الدودة وقالت: وهل الرحال ليس له وطن؟ أنت عصفور متشرد.. أليس كذلك؟
    أجابها: وطني حيث أكون.. تركت أهلي منذ الصغر.. ولا أعرف لي عشاً ولا بيتاً..
    قالت: من أجل ذلك تلتهم كل ما يصادفك أيها المسكين.. تظن أنهم جميعاً بلا بيت ولا وطن..
    قال: أنا جائع وأنت طعامي..
    قالت: العصافير التي تعيش هنا لا تأكلني.. لكن الغرباء وحدهم يأكلون أمثالي.. فيندمون بعدها حين لا ينفع الندم..
    قال لها باستهزاء: ولماذا الندم أيتها الدودة الحكيمة؟
    أجابت بصوت هادئ: أنت تجهل أني دودة سامة.. لو أكلتني ستموت حتماً.. هيا كلني.. وأمري وأمرك لله..
    هب العصفور مذعوراً وقال بصوت يرتجف: لا أريد أن آكلك.. سأبحث عن طعامي في مكان آخر..
    طار العصفور بعيداً.. ضحكت الدودة.. أخبرت صديقاتها بهذه القصة فضحكن طويلاً من جهل هذا العصفور وتشرده..
    كيف يصدق أن الدودة تقتله بسمها.. والدود لا يحمل السموم..
    كانت الدودة الحكيمة تقول لصغار الدود من حولها: من لم يعلمه أبواها يعلمه الدهر..


    9 - القطة العطشانة

    رأى سليم قطة تسير قرب حديقة قريبة من بيته.. كان اليوم حاراً والقطة تبدو مرهقة.. عطشانة... جائعة..
    سليم كان يحمل كأس ماء بارد.. ويشرب من خلف زجاج النافذة حينما لفت انتباهه منظر القطة التي تمشي وكأنها تزحف على الأرض الحارة الجافة..
    لم يقدر على الوقوف مكتوف اليدين أمام هذا المشهد المؤلم.. استأذن أمه للخروح ومساعدة القطة..
    قالت أمه: انتبه يا سليم.. الجو حار جداً والشمس قوية..
    قال لها: ما أروعك يا أمي.. من أجل هذا أخرج الآن..
    شجَّعته أمه على مساعدة القطة المسكينة، لأنّها تعرف قصّة المرأة التي عذبها الله بقطة لم تطعمها ولم تتركها تأكل وتبحث عن طعامها بنفسها بعد أن حبستها في غرفة ضيقة.. كما تذكرت قصة الرجل الذي احضر الماء للكلب العطشان بأن حمل له الماء من البئر بحذائه..
    راحت الأم تتأمل ماذا يفعل ابنها عبر النافذة..
    خرج سليم ومعه بعض الماء في إناء صغير.. وفي صحن وضع بعض الطعام..
    اقترب من القطة التي حاولت أن تموء فما استطاعت من شدة التعب والعطش..
    حملها بقطعة قماش بيديه حتى لا تصيبه جراثيم قد تحملها القطة.. ووضعها في زاوية البيت حيث الظل ورطوبة الماء المرشوش على أرض الحديقة..
    فرحت القطة بهذا العطف..
    تذكرت الأم أنّ الكلب الذي سقاه الرجل من حذائه دعا للرجل فدخل الجنة بدعاء الكلب بعدما رواه من الماء..
    في هذه اللحظة.. وضع سليم إناء الماء قرب القطة ووجه فم الإناء نحوها وكان الماء البارد يلمع مع شعاع الشمس اللاهبة..
    شربت القطة.. شربت وشربت وشربت..
    ثم قدم لها الطعام وتركها ومضى عائداً داخل البيت ليراقب المشهد من خلف النافذة..


    10 - ريش العصفور


    عصفور ملون جميل.. كل ريشة بلون.. ما أجمله من عصفور.. كل طيور الغابة يغارون منه.. والغيرة تعمي القلب قبل البصر..
    العصفور لا يرى جمال ريشه ويظنه عادياً.. الطيور الأخرى هي التي تراه..
    علم أن ريشه يجعله محط حسد لا إعجاب إخوانه الطيور..
    فغطس في الوحل ليصبح لونه بلون الطين.. لكن المشكلة أنه لم يعد يستطيع أن يطير.. فاغتسل في الجدول العذب.. وانتظر تحت الشمس أكثر من ساعة ينفض ريشه حتى جف وعاد يطير..
    كانت العيون تلاحقه..
    أراد صبغ ريشه بلون واحد.. صبغ ريشه باللون الأصفر.. كان شكله باهتاً مضحكاً.. لكن الطيور لم تحبه.. وبعد أيام أمطرت السماء فغسل المطر ريش العصفور الملون الجميل.. وأزال عنه لون الصباغ الأصفر.. فعاد كما كان.. عصفوراً جميلاً.. وكان ريشة براقاً مغسولاً بالماء..
    وفي يوم قرر العصفور أمراً خطيراً.. قرر أن ينتف من جسده الطري اللين بعض الريش الملون..
    نتف الأبيض والأحمر والبرتقالي.. ومضى إلى الأصفر اللماع، والأحمر القاني.. وصار يلقي بالريش في الهواء.. فيحمله الهواء.. ويطير هنا وهناك..
    ومضى وقت.. والعصفور ينتف الريش.. وكلما نزع ريشة جميلة وجد تحتها ريشة ملونة أجمل منها.. وظل ينتف ريشه ريشة ريشة.. حتى لم يتبق في جسمه الغض الطري سوى بعض الريش الأسود القاتم..
    وكانت نقاط الدم تسيل.. فلمعت هذه النقاط تحت الشمس..
    عندما رأته الطيور الحاسدة نفرت منه.. لم تدرك أنه فعل ذلك من أجل أن يسترضيها..
    لم يعد العصفور يستطيع الطيران.. ولم يعد قادراً على النوم في العش من خشونة القش..
    بعد أيام.. وجدوا العصفور المسكين ميتاً من البرد.. والريش الأسود أصبح بلون الورد.. بعد أن تشبع بقطرات الدم..



    11 - بحيرة الضفادع

    في زمان بعيد.. عاشت مجموعة من الضفادع الخضراء في بحيرة صغيرة في غابة بعيدة حيث تكثر الحيوانات بكل الأنواع والأحجام.
    كانت الضفادع تعيش معا بسعادة وهناء.. وكلٌّ منها يعرف الآخر.. وكانت المحبة والألفة والتفاهم وجمال الطبيعة.. كلها متآلفة ما يجعل المكان جنّة غناء.
    الضفادع كانت تعرف أنّ عليها الاحتراس دائماً لأنّ هناك أخطاراً تحيط بها من كل جانب، وأعدت مجموعة من الضفادع الشابة لتراقب أي خطر داهم.. فالبحيرة فريدة من نوعها في الغابة.. كبيرة وواسعة.. وماؤها عذب وطيب، وكل حيوانات الغابة تأتي لتشرب منها.
    وكانت حيوانات الغابة تحترم الضفادع وتقدرها، وتعرف فضلها بالحفاظ على البحيرة نظيفة جميلة.. لذلك كانت الحيوانات تحرص على نظافة البحيرة ولا تعكر ماءها.. ولا تشوّه مناظرها الجميلة التي تحيط بها من كل جانب..
    وعاشت الضفادع زمناً طويلاً في سلام وأمان، وكادت تنسى المخاطر التي تشهدها كلُّ غابة من غابات الأرض..

    ****

    وفي صباح يوم.. وكان صباحاً مشرقاً جميلاً.. دافئاً لطيفاً.. خرجت الضفادع من الماء لتتشمس.. وألقت بأجسادها الخضراء فوق العشب الأخضر الرطب الذي يحيط بالغابة مثل السوار بالمعصم.. فامتزجت بلون العشب وكأنها ذابت فيه.. وتمددت بسلام تتمتع بأشعة الشمس ..
    وكان من عادة الضفادع كلما خرجت من البحيرة للتسلية والترفيه والتشمس تكليف مجموعة المراقبة بالانتشار للإبلاغ عن أي خطر.. وكانت المجموعة تقوم بعملها بكل جد وانتباه وتفان.. دون إهمال أو تهاون أو كسل..
    وقبيل وقت الضحى بقليل، رأت الضفادع من أعلى التلال المحيطة حركة غير عادية من جهة الشرق.. الأشجار كانت تهتز بعنف وبشكل غير مألوف، والطيور تهرب مذعورة من فوق الأشجار بشكل سريع..
    ودون إبطاء.. أطلقت مجموعة المراقبة صيحات إنذار.. كانت المرة الأولى التي تطلق مثل هذه الصيحات.. فهبّت الضفادع تقفز هنا وهناك دون أن تعرف سبب الصيحات.. لكنّها كانت متأكدة من اقتراب خطر حقيقي منها.. كانت هذه أول مرة تشعر بهذا الخطر على حياتها.. ومن هول المفاجأة لم يعرف كثير من الضفادع وخاصة الصغار منها إلى أين تذهب وإلى أين تلجأ.. ولم تكن قد حضرت نفسها لمثل هذا الظرف الطارئ..
    ****

    اشتد تقافز الضفادع من كل جانب... وزاد من رعبها سماعها لأصوات أقدام عنيفة صلبة تضرب الأرض وتهز الجبال.. وتسقط الثمار عن الأشجار من شدتها.. وصارت مياه الواحة تهتز وتتماوج بقوة.. كأنّ هنالك زوبعة تحركها..
    وبعد لحظات ظهرت طلائع هذا الرعب الآتي من بعيد..
    الضفادع لجأت إلى جذوع الأشجار تبحث عن ملجأ صغير يأويها..
    بعض الضفادع قفزت إلى وسط البحيرة وغطست في أعماقها..
    وهرع بعض منها إلى الجهة الأخرى من البحيرة.. وصعدت بعض التلال المحيطة لتراقب من بعيد..
    طلائع الرعب كانت أفيال ضخمة جداً..
    كل قدم من أقدامها قادرة على سحق مئات الضفادع دفعة واحدة..
    وصارت الأفيال تقترب بسرعة كأنها نهر متسارع..
    وفي لحظة.. توقفت كل الأفيال في مكانها.. وساد سكون في أنحاء المكان.. وظلت الأفيال جامدة لا تتحرك..
    ****

    ترقبت الضفادع نتائج هذا الموقف الرهيب.. الأفيال كانت ضخمة جداً جداً.. ولا يمكن مقارنتها بالضفادع على الإطلاق..
    وراحت الضفادع تترقب ماذا سيحدث..
    مجموعة من الضفادع كانت تقف على مسافة قريبة من البحيرة ولكن من الجهة المقابلة بعيداً عن مكان وجود الأفيال..
    فيل أضخم بقليل من جميع الفيلة وقف أمام الفيلة رافع رأسه.. بدا كأنّه زعيمها وكبيرها.. وبدت الأفيال كلها وكأنّها تنظر أوامره...
    هزّ الفيل الأضخم رأسه على جانبيه.. ثم رفع رأسه عالياً.. وحرك خرطومه الطويل إلى فوق ثم أنزله إلى تحت.. ورفع (نهيمه) لتسمعه الأفيال كلها...
    هزّت الأفيال أذنابها القصيرة ورفعت خراطيمها الطويلة..
    بدأت أجسامها ترتطم ببعضها بعضاً فتصدر صوتاً رهيباً..
    اعتقدت الضفادع أن نهايتها قد اقتربت لا محالة وأنّ الأفيال ستقضي عليها بعد أن تقضي على المكان وتشرب كل الماء في البحيرة الوادعة الجميلة.. ولن تترك المكان حتى تدمره تماماً.. والله يعلم من ستسحق منها.. كما أن الضفادع لن تتحمل وقتاً طويلاً.. فكم ستستطيع الصبر في مخابئها.. دون طعام أو شراب..

    ****

    خافت الضفادع على نفسها.. وصارت (تنق) بصوت منخفض.. وتبكي حالها.. فتأثر كبار الضفادع وصغارها.. ولكن ليس باليد حيلة.. غير الدعاء بإخلاص حتى تنتهي هذه المصيبة بسلام.. ولكن أين الخلاص؟؟ فلا يمكن مواجهة هذا الجيش العملاق.. فجيش كامل من الضفادع لا يمكنه الصمود ومواجهة فيل صغير ما زال يرضع من أمه..
    فأيقنت الضفادع أنّ نهايتها قد حانت.. وأنّ زمن السعادة والفرح قد انتهى وعليها مواجهة مصيرها..
    سمعت الضفادع (نهيم) الفيل الضخم.. وكان صوته قوياً هادراً... ثم بدأت الأفيال تحرك أقدام الضخمة.

    ****

    تحركت الأفيال بهدوء تنظر باحتراس أين تضع أقدامها... وكأنت ترفع أقدامها ثم تضعها بانتباه شديد..
    بعض الضفادع أرادت أن تعرف ماذا يجري.. فصارت تنظر من مكان اختبائها..
    الأفيال وقفت صفاً طويلاً بانتظار دورها..
    كانت تعليمات الفيل الأكبر أن يتقدم فيل وراء فيل وفي خط واحد... وبتأن شديد.. وعلى مسافة متاسبة يمد الفيل خرطومه الطويل ليسحب الماء من بعيد ثم يشرب حتى يرتوي ويرجع من الطريق نفسه، فيضع قدمه في المكان الذي وضعه أول مرة حيث ويعود من حيث أتى..
    وهكذا حتى انتصف النهار.. واشتدت الشمس.. وشربت جميع الأفيال حتى شبعت وارتوت.. ثم خرجت من البحيرة بهدوء..

    ****

    وما أن ابتعدت بضع خطوات.. حتى عادت إلى حركتها الأولى فاهتزت الأرض بقوة، وشعرت الضفادع بالاهتزاز نفسه الذي شعرته لحظة قدوم الفيلة، لكنها لم تكن خائفة هذه المرة لأنها علمت أنّ الأفيال لطيفة ولا تريد أن تؤذيها.. فقد كانت حريصة على أن تطأ الأرض بانتباه شديد كيلا تدوس ضفدعة صغيرة.. وشربت بلطف من بعيد كيلا تهدم ضفاف البحيرة الجميلة..
    وهكذا عادت البسمة إلى شفاه الضفادع..
    ومن يومها صارت الضفادع تقص هذه الحكاية على أبنائها.. حتى أصبحت قصة مشهورة بينها.. وظنها بعض الضفادع مجرد أسطورة للتسلية.. لكن الضفادع التي تعرف تاريخها تحفظ قصة الأفيال هذه وتصدقها.. ومن أجل ذلك عاشت الضفادع تحب الفيلة لأنّها رغم ضخامتها طيبة القلب مثل الضفادع الصغيرة..
    وما زالت أمّات الضفادع الخضراء تروي هذه الحكاية الجميلة لأولادها وبناتها حتى يومنا هذا...





    ثالثاً: قصص إسلامية

    أ- أبو بكر الصديق والرسـالة الإلكترونيـة

    12 – عبدالله يعود من المدرسة حزيناً
    13 – أمر لا يُصَدَّقُ
    14 - عبدالله يخبر أباه
    15 - سباق في الخير
    16 – حياته قبل الإسلام
    17 – الأم تقول كلاماً مهماً
    18– رجل لا يعرف أصحابه جيداً
    19 - مصاهرات بيت النبوة وأبي بكر
    20 – مدونة على الإنترنت
    21 – الخلاف مع فاطمة
    22– الصِّدِّيقُ مَنْ مِثلهُ
    23 – اللحظات الأخيرة في حياته




    12 – عبدالله يعود من المدرسة حزيناً

    سَألت الأمُّ ابْنَها العَائِدَ مِنَ المَدْرسةِ، وقد رأتْ على ملامحه سمات الحُزن.. وأماراتِ الغضب.. "مَا بِكَ يَا عَبدَالله! تبْدو مَهْمُومَاً حَزيْناً..".

    اِبتسمَ عبدُالله ابتسامة هي أقربُ للأسَى منها للرِّضا.. فهالها ما رأت في عينيَّ ابنها.. اللتين كانتا تلمعان من أثر دموع مختنقة.. ونظراتٍ حيرى..
    ضمَّتِ الأمُّ ولدَها في حنان..
    "ما هذا الأمر الجلل الذي يقلقك؟؟ هل من مشكلة؟ هل عجزت عن حلِّ مسألةٍ فأَغْضَبتَ مُدرسك؟ هل نلتَ درجة ضَعيفة؟"...
    ثمَّ اسْتدْرَكت قائلة: لا يمكن.. فأنا أعرفُك مُجْتهداً.. ولنفترضْ أنْ شيئاً من هذا حَدثَ؛ لا بأسَ عليكَ.. فسوفَ تعوّضُ تَراجعك بدرجةٍ أحسنَ مِنْها.. لا تقلق يا ولدي..
    نظرَ عبدالله في عينيِّ أمِّه.. مَسْرُوراً راضِياً.. ولكن بأسى..
    ضمَّها إلى صَدْره بقوَّةٍ كطفلٍ صَغير تاه في الطريق ثمَّ وجدَ أمّه.. وهو يخشى أنْ يفقدَها مرَّةً ثانيةً.. وردَّدَ مُطمْئِناً لها: "لا يا أمي.. لا.. لم يحدث من هذا شيء".
    زادَ جوابُ ابنِها قلبَها قلقاً.. "إذنْ ما الذي أهمّك وأغمَّك؟ هلْ منْ صَديقٍ أصَابه ضرر؟ أو مِنْ حادثٍ أصابَ أحداً تعرفُهُ.. وَهَلْ...؟؟".
    قاطعها عبدالله في أدبٍ: "لا يا أمِّي. لمْ يحدثْ من كلِّ هذا شيءٌ..".
    فقالت: "ماذا إذنْ!.. لقدْ تقطَّعَ قلبي".
    هزَّتْ هذه الكلمةُ وجْدانَ عبدالله فأنشأَ قائلاً: "سلامَةُ قلبُكِ يا أمِّي من كلِّ سوء.. بلْ أنَا مَنْ تقطَّع قلبه لِمَا سمعتُ وقرأتُ وعلمتُ".
    "ماذا؟ وما هذا الذي سمعتَه وقرأتَه وعلمتَه وسبَّب لك كل هذا السوء؟"..
    صَاحَتْ الأمُّ وقد نَفدَ صَبْرُها وارتجفَ صَوتها وأعياها القلقُ..
    ثمُّ تابعتْ:" قلْ يا حَبيبي.. مَاذا هَنَاك؟".
    أخرجَ عبدالله مِنْ جَيبه ورقة مَطويَة.. "هذه ورقة أعطاني إياها صَديقي عاصَم.. وَجدها بالأمس في بريده الالكتروني.. وقد رأيته صباحاً مغموماً أكثر مما ترينني الآن.. وَقرأتُ هذه الوَرْقةَ فكاد يُغشى عليَّ منْ هول الصَّدمة"..
    فتحتِ الأمُّ الوَرَقةَ بِحَذَرٍ.. قرأتِ الأمُّ.. سادَ صَمْتٌ مهيب.. للحظات..
    أشَاحَتِ الأمُّ وَجهها.. دَمَعَتْ عَيناها.. ثم قالت: "ما أبشع هذا الكلام.. وهل صدقته؟".



    13 – أمر لا يُصَدَّقُ

    رَفعَ عَبداللهِ رأسَهُ بكُلِّ اعْتزاز وفخر.. وقالَ بصوتٍ واثق ثابتٍ:
    لا يا أمِّي.. هذا أمْرٌ لا يُصَدَّقُ.. لكنّي لم أكنْ أظنُّ يوماً أنَّ أحداً ينكِرُ أمَانَة أفضَلِ النَّاسِ وَخَيرِ النَّاسِ وأعدلِ النَّاسِ... "كفى يا حبيبي.. كفى.. هذه مسألة سيئة، وتُهَمٌ بعيدةٌ عَنْ تفكيرنا... حتى لو لمْ نَدرُسْ التاريخ ونفهمه..".
    ثم قالت: لكنَّ عليكَ أنْ تعلم أنَّ هذا الأمرَ محدودٌ جداً، ومعظمُ النَّاس من المُنْصفين يرفضونه، وكثيراً من العارفين - عند كل الناس وفي كل مكان - لا يقبلون هذا الكلام.. وبَعضُ القليل لا يغلب الكثير.. فلا تحزن... فقد قالها له صاحبه (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر مِنْ ألف وأربعمئة عام، بنص القرآن الكريم: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنَا}.. والنَصُّ القرآني لا يغيّره ولا ينسخُه إلا الله تعالى، أو يأمر نبيهُ بذلك.. وهذا لم يقلْ به أحدٌ منَ الناس.. فلا تحزنْ يا ولدي..
    كانَ عبدالله يَــعرف أنَّ أمَّه تـَقرأ كثيراً من الكتب.. وخاصَّةً في التاريخ..
    فقالَ لها: لمَاذا لمْ تخبريني مِن قبلُ أنَّ هناكَ من يشكِّكُ بعدالة صَحَابَةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) الأقربين.. وبعدالةِ خلفائِه الراشدينَ خاصةً.. وأبـي يذكِّرني دوماً - مع أنني لا أنسى - أنّه سَمَّاني (عبدالله) على اسم أبي بكر الصِّديق (رضي الله عنه) ويناديني دائماً بكنيته.. فكيفَ يقولون عنه ذلك يا أمي.. كيف؟؟ كيف؟؟
    في هذه اللحظةِ وَصلَ الأبُ إلى البيتِ ومعهُ ابنته نورة التي يحضرها من المَدرسة وهو عائدٌ مِنْ العمل ظُهْرَ كلِّ يومٍ.. لأنَّ مدرستها بعيدة بَينَما مدرسة عبدالله قريبة ويعودُ منها سيراً على قدميه..
    "السلامُ عليكم يا أغلى الناس"..
    دخلَ الأبُ وعلى شفتيهِ ابتسامته المُعْتادة.. وضعَ حقيبتهُ جـَـانباً.. اقترب وَسَـلم على زوجته وابنه.. وهرولتْ نورَة نحو أمِّها تحضَنها وتقبِّلها...
    "هاه يا أصدقاء.. ماذا سَنأكل اليوم؟"، قالَ الأبُ مُشيراً إلى بطنه: هيا.. بطني يعزف ألحانُ الجوع.
    قالتِ الأمُّ ضَاحكة: لا طعام لكم اليوم.. جوعوا.. جوعوا...
    نورة لم تدْرك أن أمَّها تمازحهم.. فصاحت: سأموت من الجوع..
    "حاضر يَا نورة.. من أجلك أنت فقط يا حلوتي... دقائق ويكونُ الطعامُ جَاهِزاً..".
    قالت الأمُّ والضحكة تملأ كلماتها..




    14 - عبدالله يخبر أباه

    بعد الغداء قالتِ الأمُّ مخاطبةً ابنهَا عبداللهِ والأسْرةُ الصَّغيرةُ مُجْتمَعة لتناول الفاكهة:
    مَا رأيكَ يا أبَا بكر أنْ نخبرَ أبَاك عنْ الرَّسالة الإلكترونية.. التي أعطاك إيَّاهَا صديقك عاصِم..
    تلفَّتَ عبدالله وعلى وجهه تبدوْ حَيرة لمْ يفهم الأبُ مَغزاها..
    نظر الأبُ إلى ابنه مُتوجِّساً.. وكانَ قدْ لاحظ حزن ابنه من قبلَ لكنَّه لمْ يتكلم.. فقالَ لهُ عبدالله: أليسَ اسْمي عبدالله يَا أبي؟
    قالَ الأبُ ضاحكاً: نعم! إلا إذا كانَ لك اسْمٌ لا أعْرفه..
    قال: أليستْ كُنيتي أبا بَكر؟
    قال: نعم بالتأكيد!
    والأبُ مُتعجبٌ مِنْ ابنُه يَسْألهُ أسْئلة يعرفُ إجاباتها! لكنَّه ترقَّبَ مَا وراءَ هذه الأسْئلة..
    فقالَ لهُ: ثمَّ مَاذا؟
    قال: ما رأيك إذنْ في منْ يتهم من شرَّفْتَني بحملِ اسْمَهِ ولقَبَهِ ويصفهُ بأوصافِ سوءٍ..
    فهم الأب قصد ابنه وقال: يا بني، إن الصديق أبا بكر أفضل الأمة بعد النبيين ولا نقول عنه إلا خيراً.. فهو الصَّاحبُ الأمينُ.. وَهوَ الصِّدِّيق الصَّدِيق... وابنته أمُّ المؤمنين عائشة.. وتاريخُه مليءُ بالعطر.. وَهَذا حقٌ واضحٌ جَلي..
    قال عبدالله: لماذا لم تخبرني بما يقال عنه من سوء من قبلُ يا أبي؟
    نظر الأب إلى ابنه.. وعلى وجهه ترتسم علامات الحزن من الفكرة، ومعها تظهر علامات الفرح من رجاحة عقل ابنه وتفكيره بما يجري من حوله..
    ثم قال الأب: وهلْ صدَّقتَ ما سمعتَ وقرأت يا أبَا بَكْر؟
    قال: بالطبع لا.. لكنَّ الأمر شغلني كثيراً.. وطوال اليوم وأنا أفكر فيه.. حتى إنِّي ولأوَّل مرَّة أهمل الانتباه لشرح المدرِّس داخلَ الفصْل، فقد كان الموضوع يشغَلُ قلبي.. ولكني لن أفعل ذلك مرة ثانية.. فلا بد أن انتبه جيداً داخل الفصل..
    سَألهُ الأبُ: هذا صحيح يا ولدي.. ولكن بِمَ فكَّرْتَ؟
    قال عبدُالله: قلتُ في نفسي: إنَّ نبينا مُحَمَّداً (صلى الله عليه وسلم) اختار أبا بكرٍ في أعظم رحلةِ عرفتها البشرية، وهي الهجرة النبوية الشريفة.. فهل يعقل أنْ يُصاحبَ منْ لا يأمنُهُ بهذه الأمانة العظيمة.. ثمَّ إنَّ رسولَنا الكريمَ تزوجَ ابنتَه عائشة رضيَ الله عنها.. فهو الصَّاحبُ وهوَ العمُّ.. وابنته أم المؤمنين.. وكيف نشكّ بمن اختاره رسولنا الأمين للصلاة بالنَّاس في مرضِ موته! فاغْتمّتْ نَفسي وَبَكيتُ..
    قال الأبُ: هدئ من رَوْعِكَ يا بنيَّ.. ما قلتَه شديدُ الأثر في نفسي.. لكنِّي لم أكن لأقولَ لكَ ما يحزنك ولا يفيدك.. وأنا أحرصُ على قول ما يبهج قلبك.. أليس كذلك؟
    ثم تابع: ما رأيك.. بدلاً من أن نحزن ونأسى ونبكي.. ما رأيك لو تعاملنا مع هذا الواقع بتفاعل إيجابي؟
    "آه.. يا عبدالله.. لقد أتيتَ بالتعبِ لنفسك.. ترقب إذنْ ما سيفعلُه أبوكَ بك.. وتحمَّل.. فأنت السبب".
    قالت الأمَّ ذلك وهي تدرك أنَّ أبَا عبدالله لا يُضيعُ فرصةً واحدة دون الاستفادة والعلم..
    وحال لسانه يقول مثل الشاعر:
    إذا مرّ بي يومٌ وَلمْ أصْطنعْ يَداً وَلمْ أسْتَفِدْ عِلْماً فَمَا ذاكَ مِنْ عُمُري‏
    فقال الأب ضاحكاً: هذا بالفعل هو شعاري.. فما رأيكم مَا دَامتِ العُطلة الأسبوعية قدْ بَدأت.. أنْ نَشغلَ أنفسنا اليومَ وَغداً بذكر رواياتٍ وأحداثٍ وأقوالٍ في سيرةِ هذا الرَّجلِ العظيم، الذي قيل عنه إنَّه أعظمُ النَّاس بعد الأنبياء والرسل.. فيجمع كلُّ واحدٍ منَّا معلومات لنتبارى أيُنا أكثر معرفة بهذا القائدِ الكبير...
    قالتْ نورة: يا لها من فكرة رائعة.. سنقضي نهاية أسبوع بديعة.. هل يعني أننا لن ندرسَ دروسَ المدْرَسَةِ..
    قال الأب ضاحكاً: هذا هو همُّك الوحيد يا نورة.. لا تخافي.. لن نتركك تهملين ما عليك من واجبات.. لكنَّنا سنخصص وقتاً كافياً للبحث في هذا الموضوع.. وسنجعل نزهتنا هذه العطلة في ساحة العلم والتفكير..
    الأم: لنبدأ إذنْ من هذه اللحظة.. وليُحْضرْ كلٌّ منا كتاباً من المكتبة، فلدينا كتبٌ كثيرةٌ في التاريخ الإسلامي..
    قالتْ نورة بحماسةٍ شديدةٍ: أنَا عِنْدي فِكرة.. ما رأيكم أنْ نكتبُ المعلومات التي نجمعها على الكمبيوتر ثمّ نقوم بإرسالها إلى أصدقائنا على الإنترنت لننشر الأخبار الصحيحة.. وبذلك نكونُ إيجابيين حقاً، نُفيدُ ونستفيدُ..
    قال الجميع: فكرة رائعة.. هيا نبدأ..




    15 - سباق في الخير
    قاموا جميعاً يتسابقون..
    أحضر كلُّ واحدٍ مِنْهُم عَدداً مِنَ الكُتبِ ولم يكتفِ بكتابٍ وَاحد..
    جَلسوا إلى طاولةٍ كبيرةٍ.. وضعوا الكُتُبَ بعضها فوق بعض.. وبدأوا يبحثون..
    قال الأب: هيا.. نبدأ البحث الأول: متى ولد أبو بكر الصديق؟ هيا.. أجيبوني..
    قالت الأم: يا زوجي العزيز.. هذا سؤال بسيط لا يحتاج لبحثٍ ولا تدقيقٍ أو تمْحِيص فكلنا نَعرف الجَوَابَ..
    قالَ الأبُ: ومع ذلك ستكون هذه النقطة منطلق عملنا فمن يقول الجوابُ.. ما رأيُك أنتِ يا نورة؟
    نورة: نعم يا أبي.. كما تريد.. كانت ولادته رضي الله عنه بعد عام الفيل بسنتين أو ثلاث.. على خلاف.. فهو أصغر من رسولنا الكريم ما بين سنتين أو ثلاث.. والله أعلم..
    عبدالله ضاحكاً: ماشاء الله.. ماشاء الله.. إجابة ممتازة... حسناً.. حسناً.. لكنَّنا نعرف ذلك ولنْ نَحسبها.. أليس كذلك يا أبي؟
    يَضحَكُ الأبُ ويقولُ: طبعاً لنْ نحسبْها.. لكننا نحب أنْ نستذكر ما نعرفه كيلا ننساه.
    ثم تابع حديثه قائلاً: حسناً.. من يعطيني شيئاً جديداً فريداً..
    قالتْ نورَة: هل تعتقدون أنني لا أعرف.. أنَا سَأعطيكم شيئاً جديداً فريداً.. اسْمعوني جيداً.. أليستْ ابنتهُ هي زوجةَ الرسولِ الكريم.. والزوجة منْ آل البيت، كما هو مُقَّرر ومعلوم.
    الأم: جميل.. جميل.. تابعي.
    نورة: هو الوحيد الذي ورد ذكره في القرآن الكريم {صاحباً} محدداً للرسول الكريم.. وهذا أمرعليه إجماع ولا ينكره أحد بأنّه كان الصاحب في رحلة الهجرة المباركة.. كما أنَّ القرآن امتدح ابنته الشريفة الطاهرة.. لأنَّ زوجات الرسول أمهات للمؤمنين.. فهل بعد هذا من فضل؟
    عبدالله: ما أروعك يا نورة.. أعجبني كثيراً ما قلت.. والكلام من بعدك صعب.. لكنني سَأحاول أنْ أباريك بالقول فاسمعي وعي:
    هو بينَ الرِّجال أوّلٌ؛ أوَّلٌ فيمَنْ أسْلمَ.. وأوَّلٌ بين من أحبَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ما رأيكم.. هل أتابع؟
    الجميع بصوت واحد: تابع... تابع..
    قال الأب: أبدعت يا ولدي.. هيا قل ولا تتوقف.
    قال عبدالله بعد أن تنحنح واعتدل في جلسته ورفع رأسه مزهواً بنفسه:
    نتبع الأوائل بالقول: هو أوَّلُ خليفة.. وأوّلُ من جمع القرآن في كتاب.. وأوّلُ من صدَّقَ بالرِّسَالة ومعجزات الرسول من الرجال فعُرفَ بالصِّديق.. وأوُّلُ من أظهر الإسلامَ علناً دون رهبة ولا خوف.. وهو أوَّلُ الوزراء.. وأوَّلُ من صلى بالناس بأمر الرسول الكريم عند مرض وفاته.. وأوَّلُ من واسى النبي بماله ونفسه، وأوَّلُ من كان يتكلمُ بحضرةِ الرَّسُول (صلى الله عليه سلم)... وهو المستشار العسكري الأوّل.. وأوّل شاهد على صلح الحديبية... وأخيراً وليس آخراً: هو أوُّل من دُفن في جوار النبي (صلَّى الله عليهِ وسلَّم).. ثمَّ تبعه إلى هذا الجوار الشريف خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. ولم يسكن في جوارهما أحد من الخلق..
    وهو أوَّلُ وآخرُ من أوصى لخليفة واحدٍ محددٍ من بعده بين الخلفاء الراشدين..
    فهل بعد هذا كلام؟؟
    الأم وقد دَمَعَتْ عيناها: رائع ما قلت يا عبدالله.. جميل هذا الجمع من الأوائل عند أبي بكر .. فحياة أبي بكر كانت كلها تدل على أنّهُ السَبَّاقُ في كل شيء.. وهنالك كثير من الأحداث التي تؤكدُ ذلك.. كانتْ حياتُه عامرةً بالعطاءِ والسبق إلى الخَير.. وَلوْ رَوَيْنا عنه جزءاً يسيراً مما وردنا من القَصَص لما كفتنا عُطلاتِ نهايةِ الأسبوع فقط..
    قالتْ نُورة ضاحكة: إذنْ لنمْنَحْ أنفُسَنا عُطلاتٍ كثيرةً..
    فضحك الجميع منْ قوْلِها...


    16 – حياته قبل الإسلام

    هُنا قالتْ نورَةُ: لقد تحدثنا عن أشياءَ كثيرة.. لكنَّنا لمْ نتحدثْ بعد عن نشأة أبي بكر وحياته في مكة قبلَ الإسْلام.. ما رأيكم أنْ أحدثكم عن ذلك.. أمَامي نصٌّ جميل يروي بعضاً من حياة الصِّديق في تلك الفترة..
    قالتِ الأمّ: فعلاً نريد أنْ نعرفَ ذلك.. هيا غرِّدي يا عصْفُورَتي الصَّغيرة.
    بدأتْ نورة تتكلم بصوتها العذب الجميل: نشأ أبو بكر رضي الله عنه في مكة المكرمة، ولما جاوز سنَّ الصبا عمل في بيع الثياب ونجح في تجارته وحقق الربح الوفير. وكانت تجارته تزداد اتساعاً فصار من أثرياء قريش؛ ومن ساداتها ورؤسائها.
    وتزوَّج في مطلع شبابه من (قتيلة بنت عبد العزى)، ثم تزوَّج من أم رومان بنت عامر بن عويمر. وكان يعرف برجاحة العقل ورزانة التفكير، وكان ممن حرموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، وقد أجابَ الصِّديق من سأله: هل شربتَ الخمرَ في الجاهلية؟ بقوله: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإنَّ من شربَ الخَمْرَ كان مضيّعاً في عرضه ومروءته، كان يعيش في الحيِّ نفسِه النبيُّ محمَّد (صلَّى الله عليه وسلم)، ومن هنا بدأت صداقتهما، حيثُ كانا متقاربين في السن والأفكار والكثير من الصفات والطباع.
    وتابعتْ نورَة تقول: وقد اشتهر الصِّديق بعدة أمور منها:
    اشتهر أولاً بعلم الأنساب، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها، وكان في الجاهلية تاجراً، وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عرف به في الجاهلية.
    وعلق عبدالله قائلاً: يا سبحان الله.. من كانت هذه خصاله في الجاهلية كيف تكون خصاله في الإسلام.. صدق رسول الله، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ).
    قالت نورة: صحيح قولك.. استمع إذن إلى ما سأتبع به كلامي.. الصِّديق رضي الله عنه من القلة القليلة في الجاهلية الذين لم يسجدوا لصنم أو تمثال.. وقد قال: ما سجدت لصنم قط، وذلك أني ناهزت الحلم فأخذني أبو قحافة (يعني أباه) بيدي وانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي هذه آلهتك الشّم العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني.. فلم يجبني، فقلت: إني عار فاكسني.. فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرّ لوجهه.




    17 – الأم تقول كلاماً مهماً

    فرحَ الأبُ وفرحَتِ الأمُّ بهذا الحوار المفيد وقدْ رأيَا السُّرورَ في عينيّ عبدالله ونورة..
    فقالتِ الأمُّ: هلْ تسمحوا لي أنَّ أتحدثََ الآنَ:
    الأبُ توجَّه إلى طفليه قائلاً: ممممم.. يبدو أنَّ لدى أمُّكما كلاماً مهماً عميقاً.. مَا رأيكما؟
    عبدالله ونورة بصوتٍ واحدٍ: تفضلي... منبرُ الكلام لكِ.
    الأمُّ: شكراً لكمَا.. المَسْألة أنَّ الكلامَ عن شخصيةِ أبي بكرٍ وبُطولاته قدْ يشكّكُ البعض فيها ولا يقبلها.. ومهما جمعنا من كلام وعِبَر وقصص قد يعترض من يعترض.. فلا تنفع كل الرسائل الإلكترونية ولا الرسائل العادية.. لذا علينا أن نجمع ما لا يمكن إنكاره..
    ثمَّ تابعتْ: لو نظرنا إلى الصُّحْبةِ الغالية في الهجرة الشريفة.. فهل يمكن لرسول الله عليه وعلى آله أفضلُ الصلاةِ والسَّلام أنْ يختارَ رفيقاً لدربه الطويل ولا يعرف جيداً هذا الرفيق.. ثم لو شككنا باختيار النبي لرفيق دربه الطويل.. وصحبته الطويله؛ فكيف نشكك بوصفأبي بكر صاحباً من السماء.. ثمَّ بلْ كيفَ يُخْطِئُ الرَّسُولُ في اختيار صاحبه كلَّ هذه السنين.. ثمَّ إنَّّ الرَّسولَ معصومٌ عن الخطأ.. فهل يمكن أنْ يَختارَ صَاحباً في أعظم رحلة في التاريخ ويكون الرفيق غير رفيق... ألا ترون عُمُقَ المسألة؟
    ثمَّ.. إنّ الرحلة من مكَّة إلى المدينة أخذتْ أياماً عديدةً زادتْ عن سبعة أيام.. ومن الكتب من يرفعها إلى أكثر من عشرة أيام.. فهلْ يمكنُ أنَّ رجلاً كأبي بكر رَضِيَ الله عنه.. بهذه القامة العالية بما عُرفَ عنْه في الجاهلية من امتناع عن عادات كانت سائدة مثل شرب الخمر والسجود للأصنام وغير ذلك من عادات جاهلية.. واستجابته لدعوة الإسلام فور تبلغها من رسول الله.. ويعيشُ إضافة إلى ذلك نحو عشرة أيام بلياليها.. مع نبي.. وليس نبياً كسائر الأنبياء والرسل.. لوحدهما.. يأكلان معاً.. ينامان معاً.. يتكلمان.. يفكران معاً.. ويتبادلان الأفكار.
    ثمَّ قالتِ الأمُّ بصوتٍ عال: يا لها من نعمة استحقها هذا الرجل؛ ... تصوروا هذه النِّعمة العظيمة.. فأنَّى لهذا الرَّجل أنْ يخالفَ أمرَ صاحبه (صلى الله عليه وسلم) عند موتِه.. ليس بعد فترة طويلة.. بل بعد أقل من ساعة كما يقال؛ فهل يمكن لهذا أنْ يحدثَ عقلاً؟؟ خاصَّة أنَّه عاشَ مَعَهُ سنواتٍ طوالاً في الإسلام إضافة إلى صداقتهما في سنوات ما قبل البعثة.. وإذا أضفنا أيْضاً هذه الأيام الخاصَّة جداً إلى كل تلك السنين..
    مع خصوصيةٍ شديدةٍ لأيامِ الهجرةِ، هذه الرحلةُ العظمى..
    فهلْ يُعقلُ أنْ يتغيّرَ هذا الرجلُ في أقلَّ مِنْ ساعة واحدة من موتِ صَاحِبه؟؟ ويصبح كل همه الدنيا وطلب الملك!
    وهلْ الرَّسولُ الكريمُ لا يعرف كيف ينتقي أصحابه ولا يعرف من يصاهر.. ومن يتزوج؟؟
    معاذ الله أن يكون كذلك..
    وقد ورد صدقاً في كلماتٍ مختلفة في الشكل متحدة في المعنى؛ أنّ الرسول الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال: "إنّ أمنَّ النَّاسَ عليَّ في ماله وصُحْبَته أبو بكر، ولو كنتُ مُتخذاً خَليلاً غَيْرَ ربي لاتخذتُ أبَا بَكر خليلاً، ولكنْ إخوَّة الإسلام..".
    فهل الرسول ينطق عن هوى في هذه المسألة بالغةِ الخطورةِ..
    أمَّا القول بأنَّ أبا بكر رَضي الله عنه تغيَّر من حال إلى حال ضده بعد ساعة أو أقل من وفاة رسولنا الكريم.. فأمرٌ يدعو إلى التفكير؟
    وإذا قيل إنَّه كان متغيراً من قبل ففي ذلك اتهام للرسول صلى الله عليه وسلم..
    وكذلك لو قلنا إنَّ أبا بكر كان يضمر ما في قلبه ولا يكشفه.. فكيف والرسول قد أعلمه الله بكل منافق في المدينة قريباً وبعيداً.. فهل يعقل أن يخفي عنه حقيقة أبي بكر.. فإمّا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الحقيقة وأخفاها.. فكيف وهذا باطل إِذْ كيف يأمره بالصلاة بالنّاس وهو يعلم ما في قلبه وما سيحدث من خلاف من بعده؟؟ وهلْ هُنالكَ أعظمُ منَ الصَّلاة.. وهل ولاية الدنيا أعظم من ولاية الآخرة؟؟
    وإما أنَّ الرَّسول الكريم يجهل هذه الحقيقة، وجاء من بعده من يكتشفها.. فهل يصلح ذلك في مقام محمد صلى الله عليه وسلم؟!
    فصاح الأب دون أنْ يتمالك نفسه: بورك هذا الكلام.. وهذا التفكير.. ما أعظمك من زوجة؟؟
    ثم ساد صمت..
    ثم قالتِ الأمُّ بعد أنْ هدأتْ حَماسَتُها: هناك إضافة أخيرةٌ مهمة جداً سأقولها لكم، وهي أنَّ أبا بكر (رضي الله عنه) هو من القلة النادرة بين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذين أسْلمَتْ أسَرُهُمْ جميعاً.. فقد آمن كل آل بكر بدءاً من أمِّه وأبيه ثم أولاده.. وهو الوحيد الذي تشرّفتْ أسرتُه جميعها برؤية رسول الله حتى أحفاده رضي الله عنهم جميعاً، وليس من الصَّحابة من أسلم أبوهُ وأمُّهُ وأولادُهُ وأدركوا النبيَّ الكريمَ وأدركَهُ أيضاً أحفاده.
    ثم قالت الأم بصوت مليء بالخشوع والطمَأنِينةِ: إنَّ الله يُكرمُ منْ عباده من يشاء.. وأبو بكر من المكرمين الأجلاء في الدنيا قبلَ الآخره..
    قال أبو عبدالله:
    بارك الله بك يا زوجتي الحبيبة.. ما أجمل هذه الدرر التي نثرتها في قلوبنا قبل عقولنا.. ما شاء الله.. أبدعت فيما قلت.. بت أحسد نفسي عليك..
    الأم: ضاحكة: من بعض ما عندكم يا أبا عبدالله..
    الأب: إذن فقد جاء دوري.. فترقبوا ما سأقول..



    18– رجل لا يعرف أصحابه جيداً

    سأل الأبُ دونَ أنْ يَنْتظرَ منْهُم جَواباً: هلْ يُعْقلَ أنَّ رَسُولنَا الكريم، وهو لا ينطق عن الهوى، لا يحسنُ اختيار زوجته ولا أزواج بناته ولا حتى أصحابه المقربين.. وخاصة أبي بكر وعمر وعثمان.. وأبو بكر أشدّ النَّاس قرباً منه بشهادة القرآن الكريم - ولو ورد أنَّ أنبياءِ آخرين في أزواجهم أو أولادهم سوء وكفر فإنَّ هذا لا يليق ولم يثبت بحق رسولنا الكريم، فهو أعظم الخلائق جميعاً - فهل يعقل أنْ يختار الرَّسول رفيقاً في أعظم رحلة في التاريخ.. وهي الرحلة التي ستحدد مصير هذا الدين.. هل يعقل أنْ يصحب رجلاً سينقلب عليه بعد موته؟؟ ولو قال قائل إنّ هذا حدث بعد موته.. فهذا أمر فيه غرابة..
    فهل يتغير الحال بهذا الشكل والرسول الكريم لم يُدفن بعد؟؟
    ثم أينَ أهلُ المَدينة كلهم؟؟؟ بَل أينَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟؟ وهل سكوتهم عن الحق في هذه الظروف حكمة وفضيلة.. ولماذا لم يطالبوا بالحق ما دام حَقاً؟
    اهتزت أطراف الأب وهو يتكلم..
    ثمَّ وقف رافعاً سبابته: أنا رجلٌ بسيط ضعيفُ البُنية.. ولستُ رياضياً ولا مُصارعاً.. وحتَّى لا أمَارسُ السِّباحة أو الركضَ.. لكنِّي لا أتصوَّر، وأنا رجل في الخمسين وأعيش في القرن الواحد والعشرين، أنْ يأتي رجلٌ يطرقُ بابَ بيتي... وأنا جالس على أريكتي.. ولا أقوم وافتح الباب.. وليس ذلك فقط؛ يدفعُ الرجلُ البابَ باتجاه أمِّكم ويكسر ضلعها ولا أقوم وأكسر كلَّ أضلاعه.. فكيف وهذا الزوج هو علي بن أبي طالب وهذه الزوجة هي فاطمة بنت محمد رضي الله عنها وصلى الله على أبيها.. وعليّ فارس الفرسان.. وبطل الأبطال.. وليس ذلك فقط.. يحدث كلّ هذا أمام مرأى الصحابة الكبار.. ويعرف بالحادثة أبو بكر الصديق.. ولا يفعل أحد شيئاً لرد اعتبار ابنة الأمين صلى الله عليه وسلم.. قولوا بربكم.. كيف يحدث هذا؟؟
    ولو قيل أن علياً لم يكن موجوداً.. حتى ولو كان غائباً.. لماذا لم يفعل شيئاً عندما عاد؟.. ولو قيل إن فاطمة منعته.. فهل هذا أمر ممكن.. يعني لو أنّ أمَّكم منعتني عن أحد أساء إليها هل امتنع؟؟.. لا يمكن.. بل مستحيل.. لأن المسألة مسألة كرامة.. وشرف.. وهنالك تهمة بالقتل.. بالقول إن من كان وراء الباب قتل الجنين الذي في بطن فاطمة رضي الله عنها..
    قالت نورة: هذه أوَّل مرة أسمع فيها هذا الكلام العجيب..
    قال عبدالله: وأنا أيضاً.. إنَّ عقلي المحدود يسأل الأسئلة نفسها؟ حتى وأنا طفل صغير لو أساء أحد لأمي سأهجم عليه ولو كان أقوى مني.. فكيف والحسن والحسين رضي الله عنهما في المنزل.. ولو كانا في ذلك الوقت صغيرين.. فالطفل في تلك الأيام مع صعوبة الحياة وقسوتها وشدتها يكون قوياً.. وليس مثلنا نحن أطفال القرن الواحد والعشرين..
    قالت الأم: لم نكن نحب أن نخبركما بهذه القصص الحزينة؛ كما أننا لا نحبُ أساساًً التكلمَ فيها...
    هنا قال عبدالله: سأحكي لكم هذه القصة التي حدثت قبل سنوات.. أذكر أنَّ صبياً ضربني مرَّةً في المدرسة وأنَا صغير.. فأقام أبي الدنيا ولم يقعدها، هل تذكرُ ذلك يا أبي؟؟
    لقد طلبتَ يومها من الناظر أنْ يَحضر ولي أمر الطفل بنفسه، وكانَ الطالبُ أكبرُ منِّي سناً.. ولم تقبلْ بأقل من اعتذار الطالب في طابور الصباح بحضور أبيه وجميع التلاميذ.. لأنَّ الصبيَّ ضربني في باحةِ المدرسةِ وأمَامَ الطلابِ لأني أوقعت له حقيبته وأنا أمشي دون أن أنتبه إليها، فغاظه ذلك ولم يقبل اعتذاري فهجم عليَّ وضربني..
    فإذا كانت كلُّ هذه الضجة قد أحدثتها أنتَ يا أبي وأنتَ رجل هادئ.. مع أمر بسيط مثل هذا.. فكيف بعليٍّ بطل الأبطال وسيد الرجال.. في تلك الحادثة العجيبة...
    قال الأبُ: جميلة هذه الملاحظة يا بنيَّ.. فأنا ما زلتُ أذكرُ تلك الحادثة.. لقد ظلمك الصبيُّ وأنا أكرهُ الظلمَ ولو على من يكرهني.. فكيفَ وقد وقعَ الظلمُ على أهل بيتي؟؟ فهل يعني هذا أنّ عنفواني أعلى من علي رضي الله عنه.. لا وربي.. ولن أقول هذه حكمة من علي.. لأنه ببعد نظره سيدرك أن هذه الحادثة لو حصلت فعلاً سوف تخلف منازعات في الأمة لن تتوقف..




    19 - مصاهرات بيت النبوة وأبي بكر
    قالت الأم: دعكم الآن من هذه القصص المُحْزنة، ومَا دُمْتَ يا زوجي العزيز تحدثتَ عن أهل بيتك.. ما رأيك لو تحدثنا الآن عن المصاهرات التي حدثت بين بيت النبي الكريم وبين بيت آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه..
    قال عبدالله: فكرة جميلة يا أمي.. كنتُ أريد الحديث في هذا الموضوع.. فقد قرأت من قبل لوحة جميلة وضعها لنا المدرسُ في الفصل.. وفيها تأكيد من مصادر مختلفة لا يمكن إنكارها عن حدوث ست مصاهرات مشهورة بين آل البيت النبوي وآل الصديق رضي الله عنه.
    أمّا أشرفها فهو الزواج المحمدي من الصديقة عائشة رضي الله عنها.. وهذا سبط النبي وريحانته الحسن - وفي بعض المصادر الحسن - يتزوج حفيدة أبي بكر (حفصة بنت عبد الرحمن).
    ثم يتزوج أحد أحفاد الحسن (موسى الجون) بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى من أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر.
    وتزوج الباقر في سنة 80 للهجرة تقريباً أم فروة بنت القاسم بن محمد لتنجب له جعفر الصادق.
    وكذلك تزوج إسحاق بن عبدالله بن علي بن الحسين من كلثم بنت اسماعيل بن عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر.
    أما من بيت جعفر الطيار فتزوج إسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب من أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر أخت أم فروة (أم جعفر الصادق) فتكون بذلك أم حكيم خالة جعفر الصادق.
    ثم قالتِ الأمُّ: ما أجمل ما جمعت يا ولدي.. من هو هذا المدرس الكريمُ الرائعُ الذي أتى باللوحة ووضعها على الحائط؟
    عبدالله: إنه الأستاذُ خالدُ.. مدرسُ القرآن الكريم..
    الأمُّ: بعد العطلةِ سأذهب بنفسي لأشكره.. وسوف أسألهُ من أين أتى بهذه اللوحة لأنني أريد الحصول على لوحة مثلها..
    الأب: بارك الله فيكِ يا زوجتي العزيزة.. بالفعل.. هو مدرسُ يستحق الشكر.. كما يستحقُّ الشكرَ من أنجز هذه اللوحة الكريمة..
    وتوقف الجميع عن الكلام.. وعادوا يقلبون صفحات الكتب يبحثون عن أشياء مميزةٍ..



    20 – مدونة على الإنترنت

    سرَّ عبدالله بهذا الكلام وقال:
    أود هنا قبل أنْ نبْدأ بسَرْدِ بعض أعْمَال الخليفة أبي بكر وإنجازاته العظيمة التي أداها في دولة ناشئة، وخلال سنتين فقط، مدة حكمه القصيرة، وهي إنجازات يعجز كثير من الناس عن إنجازها، ليس في عامين فقط لكن في عشرات بل مئات السنين..
    وقد جاءتني فكرة الآن وأنا أحدثكم.. وهي أنْ نعمل مدونة على الإنترنت بالرسائل التي نرسلها وخاصة الأحاديث التي تتحدثُ فيها عن فضائل أبي بكر رضي الله عنه.. وها هي أمامي مجموعة من الأحاديث الصحيحة التي وردت في الصحيحين سأذكر بعضها وهي ليست أهمها.. وهنالك الكثير الكثير غيرها.. سأكتفي بالقليل لنعرضه على المدونة ليطلع عليها أكبرعدد من الناس..
    قال الأب: فكرة رائعة.. هيا ابدأ وسوف نساعدك في كتابة النصوص وأنت تضعها على المدونة التي سنسميها مدونة (فضائل أبي بكر)..
    الأم: ولماذا أنتما فقط.. أنا ونورة معكما..
    نورةُ: بالطبع أنا أيضاً.. هيا يا عبدالله انطلق وكلنا آذانٌ صاغية.
    قال عبدالله بعد أن شرب قليلاً من الماء وقال بخشوع:
    كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبيض اللون نحيفَ الجسم، خفيفَ العارضين ناتئ الجبهة، أجود الصحابة، وهو كما قلنا سابقاً أوَّل من أسلم من الرجال وكان عمره تقريباً 37 سنة، وعاش في الإسلام 26 سنة. بويع بالخلافة يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة الحادية عشرة للهجرة وأجمع الصحابة كلهم على خلافته.
    وراح عبدالله يروي تفاصيل البيعة فقال:
    بُويع رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرةِ، وذلك حين ذهب هو وعمر رضي الله عنه وبعض الصحابة ليتشاوروا في أمر الخلافة، حتى قال عمر لأبي بكر: أبسط يدك، فبسط أبو بكر يده فبايعه، ثم بايعه المهاجرون ثم الأنصار، ثم كانت البيعة العامة في اليوم التالي.
    والمعلوم أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عظمت مصيبة المسلمين حيث كثر النفاق وارتدت بعض القبائل، والبعض امتنع عن أداء الزكاة، فأسرع أبوبكر الصديق رضي الله عنه لمداركة هذا الأمر العظيم قتل مسيلمة الكذاب الذي ادّعى النبوة بعد فترة وجيزة من خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهرب طليحة بن خويلد إلى أرض الشام وكان ادعى النبوة أيضًا ثم أسلم في عهد عمر بن الخطاب، واستشهد من الصحابة نحو 700 رجل أكثرهم من القرّاء ما جعله يأمر بكتابة القرآن الكريم في الصحف، كما جهز رضي الله عنه الجيوش لفتح بلاد الشام..


    21 – الخلاف مع فاطمة

    رفع أبو عبد الله يده مستأذناً بالحديث ثم قال لزوجته.. بالنسبة للمسألة التي فيها إنَّ فاطمة طلبت ميراثها من أرض (فدك).. هل لديك يا زوجتي الحبيبة علم في هذا؟
    ضحكت الأم وقالت: هذه القصَّة تحتاج لبعض الكلام..
    الأب: تكلمي وهل هنالك من يمنعك؟
    الأم: كنتُ انتظر الفرصة لأتكلم فعبد الله لديه معلومات غزيرة عظيمة.. ما شاء الله عليه.. الله يحفظه..
    عبدالله: شكراً يا أمي.. لكني أريد أن أفهم قليلاً هذه المسألة..
    الأم: حاضر يا ولدي.. يقال إنَّ فاطمة طالبت بميراث أبيها عند وفاته.. فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه محتجاً بقول رسول الله بأن الأنبياء لا يورثون..
    ولكني أتساءل.. هل يمكن أن تأتي فاطمة بنت سيد الخلق بعيد وفاة أبيها مباشرة تطلب ميراثاً؟؟ وكيف تعادي أبا بكر لأمر شخصي ولا تعاديه لاتهامه بأنه أخذ الخلافة عنوة كما قيل.. وكيف يمكن أن يفعل أبو بكر ذلك بحضرة آلاف الصحابة الكرام.. وبذلكَ نتّهمُ أهْلَ المدينة كلهم مهاجرين وأنصاراً.. فهل يمكن أن يتواطأ كل هذا الجمع على الخداع؟؟
    ولو اقتنعنا بوقوع الحادثة.. فإن إقرار أهل المدينة لموقف أبي بكر يؤكد أنّ الحديث صحيح وهم يعرفونه ولا ينكرونه..
    الأم: أريد أنّ أقولَ شيئاً هنا.. لو افترضنا أنَّ الخليفة الأول لم يردَّ الأرضَ التي طالبت بها فاطمة على أساس أنّها إرثٌ لها من رسول الله.. فكيف وافقه عمر وعثمان على ذلك..
    بل إنّ علياً رضي الله عنه عندما تولى الخلافة لم يسلم أرض (فدك) إلى ورثة فاطمة.. أليس هذا يدعونا للتساؤل؟
    عبدالله: آه يا أمي.. من أين تأتين بهذا الأفكار؟؟!!
    نورة: هذا رأي ممتاز.. لكني أريد أن أتعرف أكثر على حياة أبي بكر وشخصيته.. من يفيدني بذلك؟
    الأب: أرى أن نتعاون جميعنا في هذا الجانب لأنّه موضوع متشابك وواسع.. ولنختر من بين ما نعثر عليه من أقوال وأحداث أبسطها وأفيدها..
    عبدالله: طلبك صعب يا أبي.. ألا ترى أن سيرة الصديق عامرة بالخير والعطاء؟
    الأب: ما دمت ذكرت لقبهُ الأشهر(الصديق) لنبدأ به الكلام.. والله يوفقنا لما فيه الخير..
    قالت نورة: نعم يا أبي.. لنبدأ.. ولكني متأكد أنّ هذا بحر.. عرفنا شاطئه.. ولكن عمقه وبعده أبعد.


    22– الصِّدِّيقُ مَنْ مِثلهُ

    الأبُ وهو يصفقُ بشدة: عظيم.. عظيم يا نورة.. ما أجمل ما سمعت منك من كلام..
    وتابع الأب: سأحدثكم الآن عن سبب تسميته بالصِّديق، مع أنِّي متأكد أنكم تعرفون السبب، واشير إلى قول مصعب بن الزبير رضي الله عنه: إن الأمة أجمعت على تسميته بالصديق.. أما ما يقال يا نورة عن أن الصديق ليس لقباً من ألقاب أبي بكر.. فهذه حكاية أخرى.. لا أريد التكلم عنها.. بل سأشير إلى الواقعة التي كانت سبباً لتسميته بالصديق، وذلك لموقفه الشهير يوم الإسراء والمعراج عندما جاءه المشركون يقولون له: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنّه أسري به الليلة إلى بيت المقدس.. فقال الصديق: أوَ قال ذلك؟ قالوا له: نعم، فقال دون تفكير: صَدَقَ، إني لأصدقه بأبعد من ذلك.. بخبر السماء غدوة وروحه..
    عندها سماه رسولنا الكريم بالصديق واشتهر بذلك..
    الأمُّ: ما رأيكم أن نعود إلى ذكر فضائل هذه الشخصية الكبرى في التاريخ كله..
    قال الجميع: موافقون..
    قالت الأمُّ: فضائل أبي بكر الصديق كثيرةٌ وأعظمُ من أن تحصى.. ولكن من أهمها أنه ثاني اثنين كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
    قال الجميع: صدق الله العظيم.
    تتابع الأم: يقول أبو بكر في هذا الموقف: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن احدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا : فقال: ما ظنُّك يا أبَا بكر باثنين الله ثالثهما.
    عبدالله: أبي.. أبي.. هل لأبي بكر ألقاب وأسماء غير هذا اللقب؟
    قال الأب: نعم يا عبدالله، من أسمائه العتيق.. ومعناه: عتيق الله من النار، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل عليه أبو بكر فقال له: أنت عتيق الله من النار... ولذلك سمي عتيقاً.. ويقال إن العتيق تعني أيضاً جمال الوجه.. وغير ذلك.
    كما لقب أبوبكر بأنه سيد كهول أهل الجنة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لاتخبرهما يا علي.
    وقال عنه النبي يوماً قولاً عظيماً، فعن عبدالله بن حنطب: أنّ البنيَّ صلى الله عليه وسلم رأى أبابكر وعمر فقال: هذان مني السمع والبصر..
    الأم: الله.. ما أجمل وأروع هذا الوصف..

    23 – اللحظات الأخيرة في حياته
    قالت نورة.. جميلة هذه المعلومات التي تتطاير من حولنا.. لقد مضى النهار.. وأمضينا وقتاً طويلاً وصلينا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.. وما زالت قصص الصديق تترى بلا توقف.. هل تريدون الاستمرار حتى نصلي الفجر..
    يضحك الأب ويقول: آه منك يا نورة.. وماذا تبقى لك من قوة حتى تنتظري طلوع الفجر؟؟
    هيا ننام الآن لنكمل غداً حديثنا الشيق الطويل.. وربما نبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة..
    قالت الأم: موافقة.. هذه أجمل عطلة نهاية أسبوع.. نقضيها في رحاب النبوة الطاهرة وبصحبة الصاحب الصديق...
    قال عبدالله: هل يمكن أن أضيف شيئا أخيراً:
    قال الأب: تفضل يا عزيزي..وأمرنا لله.. فأنت وصديقك عاصم وتلك الرسالة الإلكترونية سبب كل ما قمنا به في هذا اليوم الجميل من بحث جليل..
    قال عبدالله: أريد أن أختم لقاءنا هذه الليلة المباركة بذكر اللحظات الأخيرة في حياة الصديق، فقد كان أبو بكر يقول في لحظات حياته الأخيره لمن حوله من أقرب الناس إليه: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت الإمارة؛ فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي..
    وتقول عائشة رضي الله عنها: نظرنا بعد وفاته فإذا بعبد نوبي وبعير كان يسقي بستاناً له فبعثنا بهما إلى عمر فقال: "رحمة الله على أبي بكر، لقد أتعب من بعده تعباً شديداً".
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أبا بكر لما حضرته الوفاة قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الإثنين، قال: فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي للغد، فإنّ أحب الايام والليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال لعائشة: اغسلي ثوبيَّ هذين وكفنيني بهما، فإنّما أبوك أحد رجلين: إمّا مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب.
    وأوصى ابنته عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما توفي حفر له وجعل رأسه، عند كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألصق اللحد بقبر رسول الله.
    وصلى عمر رضي الله عنه على أبي بكر بين القبر والمنبر، وكبر عليه أربعاً.
    وقد توفي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة 13 للهجرة وهو ابن 63 عاماً رحمه الله ورضي عنه.
    ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال: (رحمك الله يا أبا بكر، كنت أوّل القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صُحْبة، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً).

    وعندما توقف عبدالله عن قراءة هذا النص التفت فرأى عيون أبيه وأمه وأخته قد احمرتا من البكاء... فقال: رحم الله أبا بكر... هذا الجبل الأشمّ.. الذي سيبقى مارداً كبيراً كما كان.. أبد الدهر.. ونسأل الله أن نلتقيه يوم القيامة وقد نال ما وعده الله ورسوله من أجر عظيم..
    قال الجميع: آمين.. آمين..



    ب- عثمان بن عفان رضي الله عنه.. الصّهر والصّاحب


    24 - قرشيٌّ من بني أمية
    25 - أحسن زوجين رآهما إنسان
    26 - كرمه رضي الله عنه
    27 - تجهيز جيش العسرة وشراء بئر رومة
    28 - تبشيره بالجنة
    29 - بيعة الرضوان
    ‏‏ 30 - توليه الخلافة
    31 - استشهاده


    24 - قرشيٌّ من بني أمية

    في التاريخ أشخاص ليسوا كغيرهم من الناس.. برزوا بشكل واضح وتركوا بصمات جليلة استمرت مئات السنين ولا تزال حتى اليوم.. وهذا التاريخ الإنساني الطويل..لم يسجل أنّ نبيا من الأنبياءً أو رسولاً من الرسل زوَّج ابنتين من بناته لرجل واحد غير نبي واحد.. ولصاحب واحد من أصحابه.. والنبي هو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. والصاحب إمام مشهور.. وهو أمير المؤمنين.. ذو النورين.. صاحب الهجرتين.. زوج الابنتين، والمصلي إلى القبلتين.. وأحد العشرة المبشرين بالجنة عثمان بن عفان رضي الله عنه. الذي زوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما؛ واحدة وراء الأخرى.. فلم ينل أحد في الدنيا هذا الشرف العظيم الذي ناله عثمان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّه أشبه أصحابي بي خُلقاً".
    هو من قبيلة قريش.. القبيلة العربية التي اختار الله تعالى منها نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وعثمان رضي الله عنه من بني أمية.. وهم قوم كانت لهم قيادة وقوة في قريش وبين العرب.. ولد في مكة المكرمة قبل ولادة من رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام بسنوات قليلة.. وفي شبابه كان غنياً شريفاً وتاجراً من كبار التجار، كما كان متعلماً يسأله رجال قريش عن كثير من المسائل، وكان شديد الحياء، صادقاً.. مشهوراً بالصدق والأمانة والوفاء..
    كان رابع من أسلم من الرجال وكانت سنُّه قد جاوزت الثلاثين، حيث دعاه أبوبكر الصديق رضي الله عنه إلى الإسلام فأسلم على الفور. وكان أوّل مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام، ثم تبعه سائر المهاجرين في الهجرة الأولى. ثم هاجر بعد ذلك إلى المدينة المنورة، فعرف بأنّه صاحب الهجرتين.

    25 - أحسن زوجين رآهما إنسان

    بعد أن تزوج عثمان رقيّة بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هاجرت معه إلى الحبشة، وهناك ولدت له ولداً اسمياه عبد الله، لكنه توفي صغيراً فيما بعد.. كما هاجرت معه رقيّة إلى المدينة في الهجرة الثانية، وكان يقال:‏ "أحسن زوجين رآهما إنسان.. رقية وعثمان".. ثم مرضت وماتت في السنة الثانية للهجرة خلال غزوة بدر.. فحزن عليها زوجها حزناً شديداً.. فزوجه الرسول من أختها أم كلثوم، فلقب بذي النورين.
    وكان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله سلم يثق بصهره عثمان ويحبه ويكرمه لحيائه، ودماثة أخلاقه، وحسن عشرته، وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين، وبشره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم أجمعين. وأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً بأنه سيموت شهيداً.. ‏واستخلفه على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع وإلى غطفان ‏.‏
    كانت علاقته بآل البيت وخاصة بعليّ رضي الله عنه على أحسن حال، ويروى أنّه في السنة الثانية للهجرة الشريفة وعندما تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه أصغر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة رضي الله عنها؛ كان لعثمان فضل في دفع مهر علي، حيث اشترى منه درعه (الحطمية) بأربعمئة درهم، فلما استلم علي الدراهم قال له عثمان: الدرع هدية مني لك.. وقد فعل عثمان هذا مع علي رضي الله عنهما لعلمه بعزة نفس علي وكبريائه.. وقد قبل علي الدرع.. فهل يفعل ذلك إلا الذين في قلوبهم محبة ومودة؟
    وفي أيام الفتنة عندما حوصر عثمان في بيته أرسل إليه الإمام علي رضي الله عنه كما ذكرنا سابقاً ولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما لحراسته وحمايته.. وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد مقتل عثمان: "اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي".
    وقبيل استشهاده أرسل علي رضي الله عنه إلى عثمان يقول إنّ معي خمسمئة دارع (أي مقاتل) فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئاً يستحل به دمك..
    فقال: جزيت خيراً.. ما أحب أن يهراق دم في سببي..
    ومن جميل اهتمام عثمان رضي الله عنه ببني هاشم وهم آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه لمّا توفي عم النبي صلى الله عليه وآله سلم العباس رضي الله عنه في عهد عثمان أتت الجنازة إلى موضع الجنائز، فتضايقت الطريق.. فتقدموا به إلى البقيع حيث قبور الصحابة في المدينة، وقال الصحابة إنّ الازدحام كان شديداً ولم يخرج مثل ذلك للصلاة على ميت من قبل.. ولم يستطع أحد أن يدنو من مكانه.. وغلب عليه بنو هاشم... فلما انتهو إلى القبر ازدحموا عليه، فابتعد عثمان وبعث من يبعد الناس عن بني هاشم حتى استطاعوا الاقتراب أكثر، فنزلوا في حفرته ووضعوه في قبره..
    ومن ثناء سيدنا علي رضي الله عنه على عثمان،‏ ما روى الإمام أحمد عن محمد بن حاطب قال‏:‏ سمعت علياً يقول:‏ (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) منهم عثمان‏. رضي الله عنهم أجمعين.



    26 - كرمه رضي الله عنه

    وفي التاريخ قصص كثيرة تشير إلى كرمه وفضله رضي الله عنه.. ومنها أنّه أصيب الناس بقحط في سنة من السنين، وكان ذلك في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلما اشتد بهم الأمر جاؤوا الى أبي بكر رضي الله عنه وقالوا له: "يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّ السماء لم تمطر والأرض لم تنبت، وقد توقع الناس الهلاك فما تصنع؟".
    فقال: "انصرفوا واصبروا.. فإني أرجو ألا تمسوا حتى يفرِّج الله عنكم".
    فلما أصبحوا فإذا بألف جمل محمل بالقمح والزيت والطعام.. تقف عند باب عثمان رضي الله عنه فجعلها في داره.. فجاء اليه التجار.. فقال لهم: ما تريدون؟
    قالوا: إنّك لتعلم ما نريد.
    فقال: كم تربحوني؟
    قالوا: الدرهم درهمين.
    قال: أعطيتُ زيادة على هذا.
    قالوا: أربعة.
    قال: أعطيتُ أكثر.
    قالوا: خمسة.
    قال: أعطيتُ أكثر.
    قالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا فمن الذي أعطاك؟
    قال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة دراهم، أعندكم زيادة؟
    قالوا: لا.
    قال: فإني أشهد الله تعالى أني جعلت ما حملت العير صدقة لله على الفقراء والمساكين.


    27 - تجهيز جيش العسرة وشراء بئر رومة


    تعرف غزوة تبوك بغزوة العُسرة، من قول الله تعالى: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة} (التوبة: 117).
    وقد أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الناس بالخروج، وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم، وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاءوا بصدقات كثيرة..
    وكان تصدق عثمان هو الأبلغ أثراً.. حيث جهَّز رضي الله عنه ثلث الجيش.. بـ950 جملاً و50 فرساً،‏ وأنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها،‏ وقيل إنّه جاء بألف دينار حين جهز جيش العُسرة، وكانت الألف دينار يومها تساوي الكثير الكثير، فنثرها في حجر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال بعد هذا الموقف:‏ ‏‏"ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"‏‏‏.‏
    وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ‏"‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة".

    وروى الحافظ أبو نُعيم الأصفهاني في كتابه (حلية الأولياء) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "اشترى عثمان بن عفان من رسول الله الجنة مرتين، حين حفر بئر رُومة وحين جهز جيشَ العُسْرة". وكانت بئر رُومة يباع ماؤها للمسلمين، وكان يملكها رجل يهودي، وفي رواية رجل من غفار، فحض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين على بذلها للمسلمين، فاشتراها عثمان رضي الله عنه وجعلها في سبيل الله، ويروى أنه زاد في حفرها ووسعها. ولا تزال إلى الآن معروفة في المدينة المنوّرة، وتقع في الشمال الغربي من المدينة قرب مجرى وادي العقيق، وتبعد عن المسجد النبوي بضعة كيلومترات.

    28 - تبشيره بالجنة

    كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديقة مع الصحابي عبدالله بن قيس والباب مغلق، فدق الباب رجل، فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏يا عبداللَّه بن قيس، قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة‏. فقام وفتح الباب فإذا بأبي بكر الصدِّيق، فأخبره بما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سلم ، فحمد اللَّه ودخل وقعد. وبعد قليل دقَّ الباب فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم:‏ يا عبداللَّه بن قيس قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة، فإذا بعمر بن الخطاب فأخبره بما قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فحمد اللَّه ودخل، فسلم وقعد.. ودق الباب ثالثاً فقال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم: يا عبداللَّه بن قيس قم فافتح الباب له وبشره بالجنة على بلوى تكون.. فإذا بعثمان، فأخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحمد الله ثم قال: الله المستعان.
    ‏ وعثمان رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث واحد وفي سياق واحد: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". (رواه الإمام أحمد في مسنده).

    29 - بيعة الرضوان

    كان الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سلم متوجهاً إلى مكة يريد العمرة، ومعه نحو 1400 من المهاجرين والأنصار، ولما وصلوا إلى قرية الحديبيّة القريبة من مكة علمت قريش بقدوم الرسول وصحبه، فرفضت السماح لهم بدخول مكة، فبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى زعيم قريش أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وإنما جاء زائراً للكعبة ومعظَّماً لحرمتها..‏ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من الرسالة‏:‏ "إن شئت أن تطوف بالبيت فطف". فقال‏:‏ "ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم".
    واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أنهم قتلوا عثمان، ولما لم يكن قتل عثمان رضي اللَّه عنه محققاً، بايع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عنه على تقدير حياته،‏ وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وبايع القوم لقتال قريش رداً على ظاهر الإشاعة، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال‏:‏ ‏"اللَّهم هذه عن عثمان".
    وكان ظنُّ المسلمين أنّ الكفار قتلوا عثمان، فاجتمعوا حول نبيهم ايعوه على القتال حتى الاستشهاد في سبيل الله، وفيهم نزل قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا} (الفتح: 18).
    فعلمت قريش بهذه النية، فخافت وأطلقت عثمان على الفور.



    ‏‏ 30 - توليه الخلافة

    تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة وعمره يقارب السبعين، وكان ذلك بعد مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 24 هجرية، وفي اختياره للخلافة قصة تعرف بقصة الشورى، وهي أنّه لما طعن عمر بن الخطاب دعا ستة من كبار الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم، ليختاروا من بينهم خليفة.
    وذهب هؤلاء الصحابة الكرام للقاء عمر إلا طلحة بن عبيد الله فقد كان في سفر، وطلب منهم عمر أن يختاروا خليفة من بينهم في مدة أقصاها ثلاثة أيام من بعد وفاته، حرصاً على وحدة المسلميـن، فتشاور الصحابـة فيما بينهم ثم أجمعوا على اختيار عثمان، وبايعـه المسلمون في المسجد بيعة عامة، فأصبح ثالث الخلفاء الراشدين، بموافقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومبايعته له.
    وكان لعثمان دور كبير في إرساء دولة الإسلام، ومن أهم انجازاته: فتح تركيا وتوسيع الدولة الاسلامية. وقد فتحت في أيامه الإسكندرية ثم أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص.
    وأنشأ عثمان أوّل أسطول إسلامي لحماية الشواطيء الإسلامية من هجمات البيزنطيين. وكان من أهم إنجازاته كتابة القرآن الكريم الذي كان قد بدء بجمعه في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
    وكان المسجد النبوي على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مبنيّاً باللبن وسقفه من الجريد، وعمده من خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً وزاد فيه عمر وبناه على بنائه في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثمّ غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالسّاج وهو نوع فاخر من الخشب، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.‏

    31 - استشهاده

    حدثت في الفترة الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه فتنة، فنقم بعض الناس عليه. وجاءت وفود من مصر والكوفة والبصرة وحاصرت الوفود داره ومنعته من الخروج إلى الصلاة حتى يتنازل عن الخلافة.
    ويروى أنه لمّا بلغ علياً رضي الله عنه أنّ أصحاب الفتنة حاصروا عثمان ومنعوه الماء وأرادوا قتله، أرسل إليه بثلاث قرب (جرار) مملوءة بالماء، وقال لابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما: اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحداً يصل إليه، وبعث الزبيرُ ابنه وبعث طلحةُ ابنه وبعث عدد من الصحابة أبناءهم يمنعون الناس من أن يدخلوا على عثمان رضي الله عنه.
    لكن القاتل دخل من الخلف واقتحم عليه داره وهو يقرأ القرآن، فقتله وكان ذلك في شهر ذي الحجة سنة 35هـ، فسقطت أول قطرة من دمه على قول الله تعالى: {فسيكفيكهم الله} (البقرة: 137).
    ويروى أن رجالاً من الذين أرادوا شرَّاً بعثمان رضي الله عنه تَسَوَّروا من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا عليه وكان يقرأ القرءان وهو صائم، فضربه أحدهم بالسيف فأكبَّت عليه (نائلة) زوجته فَقُطِعَت أصابع يدها ولم يكن مع عثمان رضي الله عنه سواها في الدار، فقتل شهيداً رضي الله تعالى عنه يوم الجمعة في 18 شهر ذي الحجة سنة 35 هجرية، وعمره 90 وقيل أكثر من ذلك وقيل أقل، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة وصلى عليه الزبير رضي الله عنه.
    وقال عثمان رضي الله عنه يوم مقتله: "إني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وأبا بكر وعمر فقالوا: اصبر فإنك تُفطر عندنا القابلة".. فصام نهاره ليفطر عندهم.. رضي الله عنه.
    وقالت زوجة عثمان رضي الله عنهما حيث قتل: "قتلتموه وأنه ليحيي الليل كله بالقرآن".



    رابعاً: اضحك مع جحا

    32 - حسن أم خس؟
    33 - جحا وحماره..
    34 - فطائر وحلوى
    35 - تربية
    36 – مواقف مضحكة



    32 - حسن أم خس؟

    كان لجحا صديق اسمه حسن.. وكان جحا يلتقي صديقه من حين إلى آخر.. ومضى وقت ولم يلتقيا فيه.. وفي وقت مبكر من صباح أحد الأيام .. قرع حسن باب بيت جحا دون موعد سابق.. وكان جحا نائماً..
    تفجأ جحا بصديقه الذي جاء دون فجأة وفي هذا الوقت المبكر من الصباح.. وظن جحا أن هناك أمر خطير دعا صديقه لزيارته في هذا الوقت الذي يزور به الناس بعضهم.
    قال جحا: عسى الأمر ليس خطيراً.. قل ماهنالك لقد أصابني القلق.. فقال له حسن بهدوء: ليس هنالك من أمر خطير.. لكني أريد أن أصنع ختماً وليس عندي مال كثير, وأعرف أن لديك معارف وأصدقاء في كل المهن.. فقلت لن يساعدني غيرك يا صديقي..
    قال جحا: لا بأس.. لا تقلق.. دقائق قليلة لأرتدي جبتي وعمامتي ثم نتناول فطور الصباح وبعدها ننطلق.. أعرف واحداً يسكن في مكان بعيد.. نمشي إليه وعندما نصل تكون الشمس قد طلعت وبدأ الناس أعمالهم.
    وبعد الفطور انطلق جحا وحسن إلى صانع الأختام.
    قال جحا لصانع الأختام: كم يكلف الحرف الواحد؟
    فأجابه: عشرة دراهم.
    التفت جحا إلى صديقه مستفسراً فقال له هامساً: ليس معي سوى 20 درهما!
    فقال جحا: أنت صديقي منذ زمن بعيد.. رخص لنا السعر..
    قال صانع الأختام: والله يا جحا هذا سعر مناسب جداً.. ولا أعطيه لغير صديقي الغالي جحا..
    علم جحا أن الرجل يكذب عليه.. وأنه يقول مثل هذه الجملة لكل من يأتيه من الزبائن..
    فنظر إليه نظرة إستنكار.. وفكر قليلاً ثم قال: حسناً.. اصنع لنا ختماً باسم (خس).
    فقال الصانع مندهشاً: ما هذا الاسم؟
    قال: وما شأنك أنت؟؟ هذا هو الختم الذي نريده.. فاصنع مانريد.
    وقام الصانع وصنع لهما الخاتم.. وعندما أراد أن يضع نقطة الخاء, قال له جحا مسرعاً: على رسلك يا رجل.. توقف.. واقترب منه وقال له وهو يشير له أين يريد أن يضع النقطة: ضع النقطة على آخر السين..
    فضحك الصانع حتى انقلب على ظهره من كثيرة الضحك.. فقد عرف أنّ ما يريده جحا هو اسم (حسن).. ثم وضع النقطه حيث طلب جحا وأعطاه الختم دون مقابل.. ولم يأخذ منهما درهماً واحداً.


    33 - جحا وحماره..

    يقال إن جحا كان يعيش في بيت فيه مزرعة صغيرة مع امرأته بسعادة وفرح.. وفي يوم مرضت امرأته مرضاً شديداً... وقضى الله موتها.. فلم يظهر جحا حزناً كبيراً ولم يأسف على موتها كثيراً..
    ومضت أيام قليلة، وعاد جحا إلى حياته العادية، وتزوج.. وكأن شيئاً لم يكن..
    وبعد مدة قصيرة مرض حمار جحا فجأة ومات.. فمكث حجا في بيته أياماً ولم يخرج من بيته.. وكانت علامات الغم و الحزن تسيطر عليه.
    فقام بعض التجار بزيارته للاطمئنان عليه وللاستفسار عن بعض السلع التي اشتراها منهم من قبل.. حيث إن موعد السداد قد حان..
    لكن جحا رفض الحديث في التجارة.. وكان شديد الحزن على حماره.. وقال لهم: ألا ترون مدى حزني على حماري الذي مات.. أليس لديكم إحساس؟
    فقال له بعض هؤلاء التجار: عجـباً منك يا جحا، ماتت امرأتك من قبل ولم تحزن عليها هذا الحزن الذي حزنته على موت الحمـار.
    فأجابهم جحا: عندما توفيت امرأتي حضر الجيران والناس والتجار وأنتم بينهم وقلتم جميعاً: لا تحـزن يا جحا.. وصرتم تواسونني.. وكل واحد منكم صار يحضر لي هدية وطعاماً.. وبعد أيام قليلة قلتم لي: لا تحزن.. فسـوف نجد لك امرأة أحسن منها، وعاهدتموني على ذلك، فتزوجت وعشت حياة سعيدة من جديد.. لكن عندما مات الحمار لم يأت أحد ليسليني بمثل هذه السلوى... أفلا يجدر بي أن يشـتد حزني؟
    فخرج التجار من بيت جحا وهم يضربون كفاً بكف ويلومون أنفسهم على هذا الخطأ الجسيم.. واتفقوا على أن يشتروا لجحا على الفور حماراً أقوى من حماره السابق ليواسونه في مصابه..


    34 - فطائر وحلوى
    في يوم من الأيام كان جحا جائعاً وليس في جيبه لا درهم ولا دينار..
    فخرج من بيته يبحث عله يجد صديقاً يعزمه على مأدبة.. لكنه كان يوم عطلة والناس في بيوتهم.. فاستحى جحا أن يطرق عليهم أبوابهم في هذا الوقت من اليوم وخاصة أنه يوم عطلة..
    فمشى حتى دخل السوق.. وكان السوق مقفلاً إلا من بعض المحلات التي تبيع الطعام..
    فرأى محلاً فتح من قريب ولا يعرف صاحبه جيداً.. لكن جوعه كان شديداً.. فدخل المحل قاصداً حيلة..
    وكان المحل يبيع حلوى وفطائر.. فطلب جحا من البائع أن يعطيه قطعة من الحلوى.
    فأخذ جحا القطعة ونطر إليها طويلاً.. ثم التفت إلى البائع قائلاً: لا أريد هذه الحلوى.. وأريد أن استبدلها بقطعة فطير حارة وطازجة..
    ضحك البائع.. وقال له: حاضر يا سيد جحا.. أنت رجل طيب.. ونريد أن نشجعك على الشراء دائماً من محلنا.. سوف أعطيك الفطيرة بسعر قطعة الحلوى مع أن الفطيرة أغلى من الحلوى..
    شكر جحا البائع.. وقال له: لقد كسبت زبوناً دائماً..
    وأخذ جحا الفطيرة وأكلها بسرعة ثم انصرف دون أن يدفع ثمنها.. فركض البائع خلفه ينادي عليه.. فعاد جحا إلى المحل وسأله: ماذا هنالك يا صديقي؟
    فقال البائع: لم تدفع ثمن الفطيرة يا سيد جحا؟
    فقال جحا: لكنك قلت لي إنها بسعر قطعة الحلوى، وأنا أخذت هذه بدلاً من تلك.
    فقال البائع: لكنك لم تدفع لي أصلاً ثمن قطعة الحلوى!
    قال جحا: وهل أخذت الحلوى وأكلتها حتى ادفع ثمنها؟
    ثم مضى جحا في طريقه.. وترك البائع مندهشاً مما حدث..

    35 - تربية

    كان جحا يظن نفسه مربياً مثالياً.. وكان يريد أن يصلح بلدته كلها لتكون مثالية مثله.. لكنه لم يستطع أن يكون معلماً في المدرسة، فللمعلم شروط لا يملكها جحا.. وكان يكتفي بأن يتكلم عن أفكاره التربوية لعماله والتجار الذي يجاورونه في محله والذين يتعاملون معه في تجارته.. لكنه كان يخشى أن يحدث زبائنه عن هذه الأفكار لأن بعضهم كان لا يحب أن يعلمه جحا ولا يحب كثرة كلامه.. فيسكت حتى لا يتركونه فلا يشترون بعدها من عنده..
    وفي يوم كان جحا في مزرعته يسقي الزرع ويطعم الدجاجات.. ونسي أن يغلق باب المزرعة فتركه مفتوحاً.. وفجأة دخل عجل دون أن ينتبه إلى دخوله جحا.. وكان عحلاً قوياً.. فأخذ يعبث بالمزروعات ويأكل منها دون أن يستطيع جحا منعه من ذلك.. فكلما اقترب منه جحا نظر العجل إليه نظرة مخيفة..
    لكن العجل ازداد في عبثه وتخريبه للمزرعة وازداد جحا في غيظه.. فأحضر عصا طويلة وضخمة.. ثم هجم على العجل وراح يضربه.. لكن العجل فر منه..
    حينئذ فكر جحا ثم قال: لا بد أنه عائد إلى أمه..
    فذهب جحا وراءه حتى دخل العجل في زريبة.. فلحقه جحا وبحث عنه فوجده مختئباً وراء أمه وهو في حالة ذعر وخوف..
    فاقترب جحا من أمه البقرة وصار يضربها بقوة.. فهاجت وأصدرت صوتاً مرتفعاً.. فجاء صاح صاحب البقرة على الفور وصاح بجحا محتجاً: ماذا فعلت البقرة حتى تضربها يا جحا؟
    فقال جحا بكل أعصاب باردة: حينما لا تحسن الأم تربية ابنها فأنها تستحق الضرب!

    36 – مواقف مضحكة

    ذهب جحا إلى بائع للبن معروف بأنه يخلط اللبن بالماء.. وعندما وصل إليه جحا قال له: السلام عليكم.. أريد كيلو لبن..
    فقال له بائع اللبن: لكني أرى معك وعاءين يا جحا؟
    جحا: لكي تضع اللبن في وعاء والماء في إناء آخر.

    - قيل لجحا مرة: عد لنا المجانين في هذه قريتك.
    قال: هذا يطول بي .. لكني استطيع بسهولة أن اعد لكم العقلاء.

    - نزل جحا ضيفاً على صديق قديم.. فقدم له في اليوم الأول حليباً وفي اليوم الثاني حليباً وفي اليوم الثالث حليباً..
    وفي اليوم الرابع جلس جحا حزيناً.
    فسأله صديقه: ما بك يا جحا؟
    أجاب جحا: أنتظر حتى تفطمني.

    - ضاع حمار جحا فأخذ يصيح وهو يسأل الناس عنه: ضاع الحمار.. والحمد لله.
    فقالوا له: فهل تحمد الله على ضياعه؟!
    قال: نعم، لو أنني كنت أركبه لضعت معه، ولم أجد نفسي..

    - كان جحا مسافراً إلى بلدة بعيدة ومعه كيس سكر..
    فسأله بعضهم: لماذا تأخذ معك كل هذا السكر..
    - فقال لهم: لأنّ الغربة مرة..

    خامساً: قصص متنوعة
    37 - الأصدقاء الطيبون
    38 - الريشات الملوّنات والساعة الغريبة
    39 - البحر الهائج
    40 - رحلة من كوكب مجهول
    41 - رحلة بالمنطاد
    42 - ليلى والتمساح
    43 - بيتي.. قصري
    44 - حديقة أخضر
    45 - البنت التي اسمها غزة
    37 - الأصدقاء الطيبون

    مشهد حواري للأطفال
    المكان: باحة المدرسة
    الممثلون: جاسم وخالد وأحمد وسعد وفهد ومحمود

    جاسم وخالد وأحمد وسعد وفهد في حوار..
    جاسم بصوت عال شديد: ما فعلته يا خالد لم يكن محقاً.. لماذا ضربت محمود؟
    خالد دون اكتراث ولا مبالاة: لا يهمني محمود ولاغيره..
    جاسم: لكنك أسأت إلينا جميعاً.. وأنا لا أقبل أن تعتدي على من هو أصغر منك وتظن نفسك قوياً أمامه.. هل تجرؤ مثلاً على شتم مهند والعراك معه.. سوف يضربك فهو أكبر سناً وأقوى منك..
    سعد: وأنا أيضاً لا أوافقك يا خالد.. نحن لا نقبل أن نشاركك في الاعتداء على الآخرين..
    خالد: لا يهمني..
    فهد: لو واصلت تصرفاتك هذه يعني أنك تتخلى عن صداقتنا لأنّك تحب المشاجرة والعراك؟
    أحمد: أنا لا أقبل أن أعتدي على أحد، ولا أحب أن يعتدي علي أحد.. وسوف أضرب من يضربني ولو كان أكبر مني سناً.. لذلك لا أقبل أن يعتدي أحد على الآخرين ولو كان صديقي..
    جاسم: اسمع يا خالد، إمّا أن تعتذر من محمود أو لن تكون صديقنا بعد اليوم..
    خالد بصوت حزين: ولكنكم أصدقائي الآن.. ويجب أن تقفوا معي لا مع محمود..
    أحمد: صديقك من صَدَقك يا خالد لا من صدًّقك.. والرسول الكريم يقول: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.. أي أن تمنعه عن الظلم.. لا أن تقف معه وتؤيده في ظلمه..
    فهد: هل ترى يا خالد؟؟ كلنا نرفض المشاجرة وأنت تقبلها.. وليس معك حق.. أنت من باشرت المدافعة وقد دفعته أرضاً ونحن كنا ننتظر الطابور لنتشري من كانتين المدرسة... وأنت استقويت على محمود لأنّه ضعيف البنية ولما دافع عن نفسه ضربته وكدت تؤذيه لو لم نمنعك..
    سعد: لقد كان يريد أن يخبر الناظر لكننا رجوناه أن لا يفعل ذلك.. وقد كان لطيفاً وقال إنه سامحك..
    خالد يفكر.. ثم يقول: لكنّه شتمني.
    جاسم: هل نسيت أنك ألقيته أرضاً.. وكدنا ندوس عليه باقدامنا في زحمة الكانتين لولا أن قام بسرعه..
    خالد: عندما قام محمود دفعني إلى الخلف ولذلك ضربته..
    فهد: كانت حركته طبيعية.. هل تريد أن تدفعه وتسقطه ارضاً ويقول لك شكراً..
    خالد: لم أكن أقصد..
    فهد: لا نصدقك فأنت تفعل ذلك دائماً مع من هم أضعف منك.. ألم تسمع الحديث الشريف: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا".
    سعد: وأنت كلمته بكلام سيء.. وقد سمعناك تشتمه.. نحن لا نحب ذلك أبداً يا خالد.. الشتيمة ليست من خلق المسلم ألم تسمع الحديث الشريف الذي يقول "إنّ المسلم ليس بشتام ولا لعان"..
    خالد: معك حق.. لكن..
    فهد: لكن.. لكن.. ما هذا يا خالد؟ إلى متى ستبقى قاسياً على الآخرين..
    خالد: والله لست أدري..
    سعد: ومن يدري إذن؟!
    أحمد: كثير من الطلاب في المدرسة أصبحوا يبتعدون عنك ولا يحبون التكلم معك.. ويقولون إنك سيئ الطبع..
    خالد: آه.. كم أنا سيئ.. وماذا يقولون أيضا؟
    أحمد: أحد اصدقائنا بالفصل كان يلومني لأنني أتكلم معك.. وقال إنه لا يتشرف بأن يكون عنده صديق يؤذي الآخرين.. وطلب مني أن ابتعد عنك لأنني مسالم ولا أحب الشتائم ولا العراك والمشاجرة بعكسك أنت تماماً..
    خالد: هل تتكلم صدقاً يا أحمد.. إلى هذا الحد أصبح الطلاب يكرهونني؟!
    أحمد: نعم يا خالد.. إن إيذاء الناس يكوِّن عنك فكرة سيئة كما أن الله تعالى لا يقبل الأذية.. بينما أنت تظن هذه بطولة..
    سعد: جاء في الحديث الشريف أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".
    قال خالد: يا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.. إلى هذا الحد أنا سيء.
    فهد: هل تـظن أنّ إيذاء الآخرين أمر بسيط؟
    خالد: نعم.. نعم.. كم كنت مخطئاً.. لكني أحيانا لا استطيع أن أضبط نفسي.. وأقوم بفعل لا أفكر فيه..
    أحمد يضحك: ومن هنا تقع الأخطاء الكبيرة والصغيرة..
    فهد: أنسيت الحديث الشريف الذي علمنا إياه مدرس الدين: "إذا مـكنتـك قدرتـك على إيـذاء النـاس فتـذكـر قـدرة الخالق عليـك".
    خالد: نعم أذكره..
    جاسم: ومتى ستقرر أن تطبقه.. فنحن جميعاً نحاول أن نطبقه ولا نؤذي أحداً قد ما نستطيع... لأن اكتمال الدين لا يتم حتى يحب المسلم أخاه المسلم ويترك إيذاءه بلسانه، وبيده.. ولا يتم إسلامه حتى يشغل لسانه في الأعمال التي يكون فيها نفع.
    خالد: نعم.. نعم.. يكفي.. يكفي.. لقد قررت أن أطبق بدءاً من هذه اللحظة...
    فهد: الحمد لله..
    أحمد: وماذا ستفعل الآن؟
    في هذه اللحظة يقترب محمود وهو يمر صدفة في المكان وعندما يشاهد خالد يحاول أن يغير طريقه..
    خالد يناديه: محمود.. محمود.. لا تذهب..
    محمود: ماذا تريد؟؟.. هل تريد أن تضربني مرة ثانية؟؟
    يحاول محمود أن يذهب بسرعة..
    أحمد: انتظر يا محمود لحظة..
    فهد: لا تقلق يا محمود فنحن معك.. لا تقلق.
    محمود: أخاف أن يضربني خالد.
    خالد: لا تخف.. أنا اخطأت بحقك.. تعال لأقبل رأسك واعتذر منك أمام الجميع..
    يقترب محمود ببطء .. ويقول: هل ما أسمعه حقيقي.. أكاد لا أصدق نفسي.. لعلها خدعة؟
    يقترب خالد ويقبل رأس محمود.. فيستغرب محمود وتظهر عليه آثار التعجب..
    خالد: لا تستغرب يا محمود.. والفضل لأصدقائي.. فقد نصحوني وعلموني وقبلت النصيحة..
    محمود: حمداً لله.
    خالد: هل تقبل أن نكون بدءاً من اليوم أصدقاء يا محمود.
    محمود: بكل تأكيد..
    يحضن خالد محمود.. ويضحك الجميع ويصفقون من شدة الفرح..



    38 - الريشات الملوّنات والساعة الغريبة

    في مخيلتي حكايات وحكايات.. قرأت منها الكثير.. وسمعت منها الكثير.. ورسمت في عقلي الكثير الكثير.. فهي كالأحلام.. لا تنتهي ولا تتوقف، بل تكبر وتزداد نمواً كلما مضينا في الحياة.. والحياة أوقات تمر مسرعة.. كلما مرّ يوم تبعه يوم.. والأرض لا تتوقف عن الدوران..
    ومع كل ما أحمله من مخيلة واسعة طائرة محلقة مثل سحابة مطيرة في السماء.. شاهقة مثل قمر.. قررت فجأة ودون مقدمات أن أبقيها لنفسي ولا أقصها سوى على أمّي.. فهي وحدها التي تصدقني وتنصت إليّ بانتباه ومحبة.. وهي التي تستمع إلى أفكاري وأحلامي.. وتطلب مني أن أحكي لها أجمل حكاياتي..

    ***

    بعض صديقاتي في المدرسة ضحكن عندما سمعنني أروي حكاياتي.. لذا قررت أن أخفي حكاياتي في قلبي.. فهي ملكي وحدي.. لي أنا فقط.. لم أشاركهن بها.. ولم أسمح لهن بأن يسخرن مني بعد ذلك اليوم..
    ما همي بهن! فأنا أحلم بأن أطير فوق النجوم.. أصادق كل يوم نجمة من النجمات..
    نعم.. أنا أطير.. شيء جميل أن أطير، لا يعرف معنى ذلك إلا من يطير مثلي.. لذا تفهمني الطيور وأفهمها.. تفهمني ريشة العصفور الخفيفة التي تحملها نسمات ناعسة.. فتتراقص في الفضاء.. ترسم على وجه الهواء ابتسامة منيرة..

    ***

    أحببت ريش الطيور لأن الطيور على أنواعها تقضي عمرها وهي تطير من مكان إلى مكان.. تحلق فوق الأشجار والبحار والأنهار والجبال والوديان والصحاري..
    ومن عادتي أن أخفي بين أوراق كتبي الكثيرة كثيراً من ريشات الطيور.. ومن كل الألوان.. ولست أدري لماذا تعجبت مدرستي عندما طلبت منا نحن طالبات فصلها أن نكتب عن هواياتنا.. فكتبت أن هوايتي جمع الريشات الملونات..
    وما الغرابة في ذلك.. أنا فقط قلت إن هوايتي جمع الريشات الملونات.. ترى ماذا كانت ستفعل لو علمت أني أملك مجموعة متنوعة من ريش الطيور؟.. وأن لدي أيضاً ريشات دجاج وديوك؟؟ (هههههه).. فعلاً إنه لشيء مضحك أليس كذلك؟
    حتى أنا أضحك من نفسي ومن هوايتي.. فأنا بصراحة أعتقد أنها هواية غير عادية وليست مألوفة.. لكن لا يهمني ما يراه الآخرون.. بل ما أراه أنا..

    ***

    أنا مثلاً أعتقد أن حقوق الدجاج ضائعة.. والدجاج تنتسب إلى جماعة الطيور، وهي أيضاً أنواعها كثيرة.. لكنّها لا تطير.. ومع ذلك تظل من عائلة الطيور.. فكيف تسمى طيراً ولا تطير.. وهنالك أيضاً بط لا يطير.. هذه الأنواع من الطيور مظلومة.. فهي تحسب من جماعة الطيور وهي لا تستطيع الطيران..
    أحياناً أتناقش مع أبي بذلك.. خاصة أنه غير مقتنع بهوايتي.. وغالباً ما يشجعني على هوايات أخرى.. لكنه لا يتفق مع آرائي ولا مع تصوراتي.. ورغم ذلك يحب الاستماع أحياناً إلى قصصي وأحلامي.. وعندما يتأمل ريشاتي الملونات أراه معجباً بها، لكنه لا يعبر عن ذلك.. فهو يظنني أضيع وقتي بهذه الهواية الغريبة..

    ***

    لست أدري ما الغريب بهذه الهواية؟ فبعض الناس هوايتهم جمع الصدف.. وبعضهم جمع العملة والطوابع.. مع أن الطوابع تكاد تختفي مع انتشار البريد الإلكتروني.. وهناك من يجمع الحيوانات المفترسة.. وقرأت في الجريدة أن هناك من يربي الثعابين السامة في بيته.. ومن يربي العناكب والحشرات ومن يربي القطط والكلاب وحتى الأسود.... فلماذا يستغربون هوايتي؟

    ***

    أمي الحبيبة تآلفت مع ريشاتي.. في أول الأمر حاولت أن تبدل هذه الهواية.. لكنها في النهاية اقتنعت وصارت تعجبها كثيراً بل تشاركني أحياناً في ترتيبها وتنظيفها..
    البعض يعتقد أنّ في هذه الهواية سراً ما..
    الحقيقة أنه ليس هنالك أيّ سر.. فأنا أحب الطيور لأنها تطير وتطير وتطير..
    والريشة لها رمزية كبرى عندي.. فهي طارت مع الطير إلى أمكنة عديدة.. ورأت الدنيا من أمكنة عالية.. حلقت فوق الأشجار والأنهار والبحار.. ولامست الغيوم والنجوم..
    كل ريشة لها عندي معنى مميز.. وخاصة عندما أراها تطير لوحدها في الهواء بعد أن تنطلق من جسد الطائر الذي يبدل ريشه من حين إلى آخر.. كما أنّ تنوع الريشات التي أراها أمامي كل يوم يمنحني فكرة عن التنوع الأكبر في الكون..

    ***

    وبما أنني أحمل مخيلة متنوعة مثل هذه الريشات، فقد ازدادت مخيلتي مع ازدياد عدد الريشات التي في غرفتي.. فكل ريشة تحكي لي قصة.. وأنا أعرف أنّه في الماضي وقبل اختراع القلم كانوا يستخدمون الريشة في الكتابة والتأليف.. فكانت الريشة تحكي عن نفسها وتكتب حكايتها في أعماق خيالي..
    وكل ريشة عندي تحكي لي قصة الطائر الذي كانت معلقة فيه.. وقبل أن تصل الريشة إليَّ.. حملها الهواء وطارت.. ودارت.. وحلّقت.. إلى أن وقعت بين يديّ.. فأصادقها وتحكي ما رأته من أشياء وأشياء..

    ***
    تعلمت من هذه الريشات أموراً كثيرة..
    نسجتُ في خيالاتي قصصاً مع كل ريشة أخفيتها في غرفتي حتى أضحت مثل مملكة للريش.. وعددها بالمئات ومن كل الأحجام والأنواع..
    كان بإمكاني أن أجمع أكثر بكثير منها، لكني أحب الاحتفاظ بالريشات الجميلات الملونات المميزات.. وليس أي نوع من الريش..

    ***

    وفي يوم حصلت على ريشة طير أحضره جارنا الطبيب من بلد بعيد..
    وهنا أريد أن اقول لكم لا تظنوا أني أنزع الريشة من الطير.. لا أفعل ذلك مطلقاً.. بل أحب أن ألتقط الريشة وهي تطير.. ولا أنزعها من جسد طائر فيتألم..
    وأعود إلى حكاية جارنا الطبيب؛ فقد حملت لي النسمات ريشة من ريشاته الجميلات.. كما حملت لي من قبل ريشاً كثيرة.. خلال زياراتي المتكررة إلى حديقة الطيور القريبة من منزلنا.. أو في طريق عودتي من المدرسة، أو خلال جولاتي في الحدائق والبساتين..
    هذا الطائر الجميل الذي أحضره جارنا الطبيب لم يتحمل فراق طبيعة بلاده... فمات بعد فترة قليلة من وصوله..
    قال جارنا الطبيب لأبي يوماً: إنّ الطائر هذا كان يعيش في حديقة رائعة.. اشتراه ليأتي به الى بيته.. لكنه مات.. ربما لأنه شعر بالحزن لفراق حديقته.. أو لاربما لفقد أحباء وأصدقاء وأقرباء..

    ***

    في الحقيقة.. كل ما أملكه من ريش في كفة.. وما أهداني إياه أبي في يوم من الأيام في كفة أخرى..
    فأظرف شيء في غرفتي هدية ثمينة جداً أشتراها لي أبي بواسطة الإنترنت.. وهي عبارة عن ساعة كبيرة لم أر مثيلاً لها في حياتي..
    فهي ليست ساعة عادية.. بعض الناس قد لا يحبونها ولا يستظرفونها.. أتدرون لمَ؟؟ لأنّ عقاربها من ريش الطيور الطبيعي.. وأرقامها من الريش أيضاً.. أما إطارها فمن خشب الغابات الطبيعي.. لا لون فيه ولا زينة.. فهو كما كان حيث تعيش الطيور نفسها صاحبة ريشات الساعة الملونات..
    الساعة أحضرها لي أبي هدية نجاحي في المرحلة المتوسطة.. رغم أنه غير مقتنع بهوايتي وغرامي لريش الطيور.. علقتها على حائط غرفتي كأنها لوحة الموناليزا..
    هذه الساعة دقيقة جداً في حركاتها.. كأنها قلب ينبض بانتظام على الجدار بدقة متناهية..

    ***

    مرت سنوات والساعة لم تخطئ ثانية واحدة.. وأنا في طبيعتي أحب الدقة..
    كانت ريشات الثانية والدقيقة والساعة تتراقص أمامي كما تتراقص الريشة في مهب الريح..
    أحضرت مرة هذه الهدية معي إلى المدرسة لأريها لصديقاتي في الفصل.. فسخر بعضهن منها.. كما سخرن سابقاً من هوايتي بجمع الريش ومن قصصي معها.. بالرغم من أنها كانت أجمل هدية تلقيتها في حياتي..
    فعاهدت نفسي أن أحتفظ بأشيائي المحببة بعيداً عن الأنظار ولا أذيع سرّها.. وأن أكتم حكاياتي كلها مع ريشات الطيور.. فمن لا يعرف الريش لا يفهم معانيه..

    ***

    وكلما كبرت.. كانت قصصي مع الريش تكبر.. ومخيلتي تتسع..
    وكانت ساعة أبي الغريبة ترافقني في سرّي.. تعلمني بصمت.. بحركات دائبة لا تهدأ ولا تتوقف ولا تمل ولا تئن ولا تشكو ولا تتعب..
    تعمل ليلاً نهاراً دون أن تطلب جزاءً ولا شكوراً..
    علمتني ساعة الريش كيف أعمل مثلها بجد ولا أتذمر..
    وصرت أحب الوقت أكثر.. وأعرف قيمة الوقت الذي تحكيه لي في كل حركة من حركاتها..
    صرت أرسم الثواني والدقائق والساعات في مخيلتي..
    صرت أفكر بالمسافات التي قطعتها هذه الريشات الجميلات في دورانها حول مركز الساعة..
    فكرت بحركة الأرض ودورانها حول الشمس.. وحول نفسها..
    ساعات وساعات تمضي.. أيام وسنين تمر.. وكل يوم له عندي قصة..

    ***

    حسبت المسافة التي تقطعها الريشات في كل دورة.. والساعة كبيرة جداً.. كأنها قمر في غرفتي.. وكانت تضيء في الظلام بشكل عجيب..
    حسبت المسافة..
    كل ثانية وساعة ودقيقة..
    ريشة الثواني تقطع 60 مرة المسافة نفسها التي تقطعها ريشة الدقائق في ساعة واحدة..
    وبعملية حسابية بسيطة وجدت أن ريشة الثواني تدور حول مركزها 60 مرة في الساعة و1440 مرة في اليوم.. فيما تدور ريشة الدقائق حول مركزها 24 مرة فقط في اليوم فقط.. وتظل ريشة الثواني تدور وتدور وتدور وتقطع مسافة هائلة في الشهر الواحد تصل إلى 43200 دورة... وفي السنة الواحدة نحو 518400 دورة... ومع ذلك لا تتذمر ولا تتأفف.. وتظل تدور وتدور وتدور.. رغم اتساع دائرة مروحتها بشكل لافت..

    ***

    وهذه الساعة اليوم أصبحت عجوزاً مثلي.. مضت عليها سنوات طويلة وهي معي.. وما تزال تقريباً على حالها كما أخذتها هدية من أبي..
    دارت ريشات ساعتي الملونات ملايين المرات تعبت من إحصائها.. وما تزال تدور بثبات..
    عرفتُ معنى ثبات الوقت وقيمته منها.. مثلما عرفت قيمة الريشات التي في غرفتي.. فالطائر يبدل ريشاته في وقت معين من السنة.. والهواء يحمل الريشات ويطير بها من عالم إلى عالم.. ومن مكان إلى مكان.. يحمل معها مخيلتي التي تطير وتطير.. مع كل طائر وكل ريشة..

    ***

    مضى وقت طويل مع كل حركة ونبض في الساعة المعلقة على حائط غرفتي.. وانتقلت إلى بيت جديد.. أصبح عندي أبناء وأحفاد.. وما تزال الريشات الملونات صديقات مخيلتي..
    لكني اليوم لم أعد أخشى الحديث عن ريشاتي المحببات.. بل صرت أحكي قصصاً كثيرة عنها.. فلدي كثير من الأحفاد.. وهم يحضرون أصدقاءهم وصديقاتهن لأحكي لهم قصصاً.. وتلقيت دعوات كثيرات من مدارس عديدة.. لأحكي قصصي مع الريشات الملونات.. وقصة الساعة وريشاتها الملونات التي ما تزال تدور وتدور..
    أصدقائي الصغار أحبوا قصصي مع ريشاتي الملونات كما أحبوا قصص ساعتي الغربية..

    ***

    وصلت قصص الريشات والساعة إلى آذان والد تلميذة في فصل حفيدتي الصغيرة مريم.. وكان يعمل صحافياً في جريدة..
    طلب الصحافي مقابلتي وتصوير ريشاتي وساعتي.. سمحت له بذلك..
    كنت فخورة جداً بكل قصصي مع ريشاتي الملونات..
    حكيت له حكاية كل ريشة.. وحكاية جارنا الطبيب.. وحكاية أبي مع الساعة.. أخبرته كيف استهزأت بي صديقاتي عندما عرفن بهوايتي وكيف ضحكن من ساعتي..
    كان الصحافي ذكياً.. تعجب كيف يرفض السابقون هوايتي بينما هي اليوم حديث الصغيرات في مدرسة ابنته..
    قلت له إنني كبيرة الآن.. ربما لأنهم يقبلون هوايتي لأنني كبيرة بالعمر.. وربما لو كنت في مثل سنهم لسخرن مني مرة أخرى..

    ***

    في الصباح التالي تلقيت سيلاً من الاتصالات..
    طلبوا مني أن يقيموا معرضاً رسمياً يعرضون فيه ريشاتي الملونات وأن تكون أمام كل ريشة ورقة تشرح فيها قصتي معها وكيف حصلت عليها..
    وما اسم الطائر الذي تعود الريشة إليه..
    كما أن ساعتي صارت حديث الناس.. وتسابقت مصانع الساعات لطرح ساعات مشابهة.. واتصلت بي شركة ساعات كبرى تطلب مني أن تسمي إحدى ساعاتها باسمي..

    ***

    كنت فخورة جداً بريشاتي.. وفرحت لأنّ الصغار باتوا يقدرون قيمة سّاعتي.. فهي عندي ليست مجرد ساعة أضعها على الحائط..
    وصرت أتحدث عن أهمية الوقت في كل مكان..
    واليوم أتحدث إليكم في هذا البرنامج التلفزيوني بسعادة كبيرة..
    وأقول لكم في الختام إنّ هناك تشابهاً بين الريشة والوقت، فكلاهما يطيران بسرعة.. والفارق أنّي أعود والتقط الريشة.. أمّا الوقت فيطير ولا يعود..
    والحياة مجموعة أوقات تدور بسرعة مثل عقارب الثواني الذي يقطع المسافة حول مركزه ملايين المرات في حياة كل إنسان..
    ولولا أنّ وقت البرنامج انتهى كما يشير لي المخرج.. لحدثتكم أكثر عن ريشاتي الملونات وساعتي العجيبة.. فسامحوني.. وعسى أن ألتقيكم في "ساعة" أخرى..



    39 - البحر الهائج
    غادر سليم في رحلة بحرية أقامتها المدرسة لطلاب المرحلة المتوسطة الأولى بعدما انتقل من المرحلة الابتدائية... وكانت الرحلة المقررة لساعتين تقريباً من شاطئ البحر.. ولم يكن سليم ركب البحر في حياته ولا مرة واحدة.. وكان يخشى السباحة..
    فشعر سليم بالخوف من اللحظة الأولى عندما بدأ المركب يتحرك ويهتز فوق الماء.. لكنه حاول ألا يظهر خوفه لأصدقائه من حوله..
    وما أن تحرك المركب في قلب البحر حتى هبت ريح خفيفة.. فتأرجح المركب فوق الماء.. ورطمت الأمواج جنباته.. فتغير لون سليم.. ولم يستطع عندها أن يكتم حالة الهلع التي أصابته.. وضحك كل من رأى سليم على هذه الهيئة.. دون أن يقصدوا ذلك طبعاً... فقد كانت ضحكتهم طبيعية جداً.. فهم يحبون بعضهم بعضاً.. لكن الحدث فاجأهم... فحزن سليم وخجل من نفسه.. فهاهم كل أصدقائه سعداء.. يمرحون ويلهون وهو يجلس في ركن يمسك المقعد الذي يجلس عليه..
    اقترب مراقب الرحلة وهو مدرس الرياضة البدنية.. وهدأ من روع سليم.. وقال له: لا تخف يا سليم.. هل تشعر بأي دوار؟
    فهز سليم رأسه بالإيجاب.. فقال له المدرس: هل هو مؤلم؟ لقد آلمني أنا أيضاً أول مرة ركبت فيها البحر.. فهذا الأمر يتعرض له كثير من الناس ويسمى دوار البحر.. وهو يصيب كثير ممن يركب البحر ولكن بدرجات.. وبعضهم قد يفقد وعيه..
    ثم أحضر له المدرس دواء لمقاومة دوار البحر.. وأعطاء عصيراً بارداً ليخفف عنه حرارة الجو..
    وبعد دقائق.. استعاد سليم قوته.. وبدأ يتأقلم مع الرحلة البحرية.. وكان الأصدقاء تجمعوا في مساحة واسعة في أعلى المركب.. وكان معهم دفّ وطبلة وبدأوا يغنون وينشدون ويتنافس كل واحد منهم بإبراز مواهبه الغنائية.. ثم تنافس بعضهم على قول الشعر..
    وشارك سليم أصدقاءه في فرحتهم... ونسي خوفه وما أصابه.. ولم يلم أصدقاءه لأنهم ضحكوا عندما صاح من الخوف.. فهو يعلم أنّهم لم يقصدوا السخرية منه.
    وعندما عاد سليم إلى بيته.. قصّ على أمّه وأبيه ما جرى في الرحلة.. وقال لهما إنّه قرر أنْ يتعلم السباحة حتى لا يخاف البحر بعد اليوم..
    وكان الأب والأم سعيدان وفخورين بابنهما..

    40 - رحلة من كوكب مجهول

    لطالما حلم الإنسان بأن يطير ويطير ويطير إلى أبعد ما في الدنيا.. منذ زمان وهو يحلم.. قبل اختراع المناطيد والطائرات والصواريخ والمحطات الفضائية والأقمار الصنعية..
    كان يرى طيوراً تحلق عالياً عالياً.. ويتمنى لو يحلق مثلها..
    اخترع قصة بساط الريح.. وقصة الحصان الطائر.. وقصصاً أخرى كثيرة عن الطيور التي تحمل الإنسان على ظهرها.. ومكنسة الساحرة الطائرة.. وغير ذلك من الأحلام الطائرة.. وكل شيء يبدأ بحلم.. لكن البعض يتهم الحالمين بالجنون.
    قد يُسجن بعض الحالمين بسبب أحلامهم.. ويهاجرون بلادهم من أجل أحلامهم..
    ومع ذلك تظل الأحلام أكثر الأشياء قرباً إلى الإنسان ولا يمكنه أن يتخلى عنها... وربما احتفظ بأحلامه دون أن يخبر الناس عنها.
    ومن بين هؤلاء الحالمين مجموعة شبان صغار يعيشون القرن المقبل في بلد بعيد متقدم جداً، يدرسون معاً في مدرسة واحدة.. وفي صف واحد، أعمارهم متقاربة، وكانوا يفكرون دائماً بمشاكل العالم، ويتمنون أن يحلوها، وأن يستيقظوا يوماً من نومهم ويقوموا من أسرَّتهم وتكون الدنيا غير هذه الدنيا ليعيش العالم في أمان وسلام..
    وفي هذا القرن الذي يعيشون فيه (2100) انتشرت وسائل كثيرة جعلت الناس يبدون وكأنهم يعيشون داخل أجهزة إلكترونية عجيبة، تغير الكون، وازدادت نسبة التلوث، واتسع ثقب الأوزون، واشتدت حرارة الأرض، وارتفعت مياه البحار مما أدى إلى غرق مساحات شاسعة من الأراضي، وذوبان بعض الجزر الصغيرة بعد أن انغمرت بالمياه من كل جانب..

    ***
    كان الأصدقاء الصغار قاسم ورباح وطلال مغرمون بالعلم، لكنهم كانوا في الوقت نفسه لا يحبون هذا العلم لأنّه جعل الدنيا مثل غرفة (سونا) تغطيها سحابة من دخان المصانع وعوادم السيارات والطائرات وحرائق الغابات التي بقي منها القليل القليل.. إضافة إلى كل ما سببه الإنسان من دمار للأرض من حروب نووية وخراب بسبب كثرة النفايات وغيرها..
    الأصدقاء الطيبون كانوا يحلمون بعالم آخر يختلف عن هذا العالم الذي يعيشون فيه..
    كانوا يفكرون بالتحليق خارج الأرض بحثاً عن مكان آمن، ويتابعون تطور رحلات الفضاء، مع تأكيد رواد الفضاء كل مرة أنّه لا حياة خارج الأرض، وأنّ الكواكب كلّها تخلوا من أي نوع من أنواع الحياة..
    ومع ذلك فإن الأصدقاء الثلاثة يؤمنون بأنّ كوكباً ما قد يكون صالحاً ليأوي بعض الناس الذين يختلفون عن غيرهم، ويكرهون ما ابتليت به الدنيا من مصائب كان سببها الناس أنفسهم، وليتخلصوا أيضاً من بعض العادات التي انتشرت، حيث بات كل شخص يريد أن يأكل لحم أخيه "حياً".. فضلاً عن أكله ميتاً، فكيف يمكن لهؤلاء الأصدقاء الطيبين أن يكون مستقبلهم في أرض أصبح قانونها مثل البحر، السمك الكبير يأكل السمك الصغير.. وفضاؤها أضحى غمامة سوداء إن أمطرت ملأت الأرض مياهاً ملوثة، وإن لم تمطر حبست ذرات الغبار ليسقط من جديد على روؤس الناس ليتنشقونه ويدخلونه صدورهم..
    ظل الأصدقاء يبحثون ويبحثون بلا كلل ولا ملل، أحضروا من أجل ذلك وسائل اتصال فضائية حديثة جداً عبر الأقمار الصنعية، لا للتسلية وتضييع الوقت، بل لمحاولة التواصل مع كائنات من خارج الأرض ربما تكون موجودة بالفعل، حتى يهربوا من الدنيا التي يعيشون فيها، بعد أن اسودت السماء وفسدت الأرض.. وسئم المصلحون من إصلاحها..


    ****

    وفي يوم، وفيما كان طلال يدير موجات جهاز الاتصال سمع حركة فضائية غير معتادة، فنادى على صديقيه قاسم ورباح ليستمعوا معاً إلى بعض الذبذبات والتموجات التي بدأت تأتي من بعيد ويحاولوا فك رموزها..
    أرسل طلال إشارة عبر الجهاز إشعاراً بأنه تلقى شيئاً ما..
    كادت أنفاس الأصدقاء تتوقف من شدة الترقب.. العيون مشدودة والأسماع مرهفة.. والقلوب تدق بسرعة عنيفة..
    عيونهم كانت شاخصة.. تترقب شيئاً ما غير متوقع يحدث أمامهم.. طال انتظار الأصدقاء..
    ظن طلال أنّه يحلم أحلام اليقظة.. ضحك قاسم ورباح.. اعتقدا أنّ صديقهما أصبح مشكوكاً في عقله من كثرة التفكير والبحث عن المجهول...
    وفيما الأصدقاء يضحكون من هذا الموقف.. وبشكل لم يكونوا يتوقعونه على الإطلاق.. انطلقت من الجهاز أصوات وتموجات لم يعهدوها من قبلـ فعاد إليهم الوجوم والترقب والدهشة.. لكن هذه المرة بشكل أكثر من السابق.... وبدأت دقات قلوبهم تشتد حتى إن الواحد منهم يكاد يسمع صوت قلبه من شدة الخفقان...
    وما هي إلا ثوان معدودات حتى تلقى الأصدقاء صدى لتلك الإشارات التي أرسلوها، فعاد الأصدقاء يضحكون.. وقال قاسم: أكيد إننا جننا.. نحن نبحث عن المستحيل.. هيا.. لنتوقف عن هذا الجنون..
    ***
    قال رباح: ربما كانت هنالك مشكلة في الجهاز، أو أن الإشارات التي أرسلناها اصطدمت بكوكب ما أو بشهاب فضائي فارتدت إلينا..
    فقال قاسم: أو ربما حدث تداخل مع جهاز أرضي آخر..
    وفيما هم يفكرون ويضعون الافتراضات.. عادوا ليسمعوا صوت إشارات جديدة..
    هنا تغيرت ملامح الأصدقاء.. وبدأوا ينظرون إلى بعضهم بعضاً.. دون أن يتكلموا كلمة واحدة.. وبدأت الإشارات تشتد وتتوالى.. وبدأ الصوت يتضح لكنه لم يكن مفهوماً..
    اقترب قاسم من جهاز الإرسال وراح يتكلم عبر المذياع: أنا طلال أنا طلال.. من معي.. من معي؟ هل من أحد يسمعني؟
    كان هنالك بعض التشويش.. فأخذ طلال يكرر جملته ويرفع صوته.. والرد عبارة عن ذبذبات ليست مفهومة..
    قال قاسم: أه منكما.. يكفي.. يكفي.. سأجن.. أكيد أننا نحلم..
    فأجاب رباح: يبدو أننا بالفعل أصبحنا مجانين..
    لكن طلال كأنه لم يسمع قولهما وظل يردد: أنا طلال أنا طلال.. من معي.. من معي؟ لكن دون فائدة..
    فقال قاسم ضاحكاً: أعتقد أننا بحاجة لفترة من الراحة.. لقد بدأت الأوهام تسيطر علينا بدلاً من الأحلام..
    قال رباح: أنا ذاهب إلى بيتي لأنام.. قبل أن أصبح مجنوناً بشكل رسمي..
    قال طلال: اذهبا الآن.. لدي بعض العمل سأنجزه قبل أن أصعد إلى المنزل..
    فقد كان مقر الأصدقاء الثلاثة في غرفة صغيرة في حديقة بيت طلال، خصصها له أبواه من أجل مذاكرته واختراعاته وجلوسه مع أصدقائه..
    خرج رباح وقاسم وظل طلال لوحده.. وذهب الصديقان فوراً كل منهما إلى بيته..
    ***

    جلس طلال يفكر بالأصوات التي سمعها.. بالتأكيد هي ليست من الأصوات المألوفة.. قد تكون تداخلاً مع أجهزة أخرى ولكننا بالفعل لم نكن نحلم..
    اقترب طلال مرة أخرى من الجهاز وراح يردد: مرحباً.. مرحبا.. أنا طلال أنا طلال من كوكب الأرض.. هل يسمعني أحد؟؟
    وبعدما كرر جملته عدة مرات.. سمع صوتاً من بعيد يقول: مرحباً.. مرحباً.. أنا طلال.. أنا طلال.. وهذه المرة كان الصوت واضحاً جداًً.. لم يكن صدى صوت طلال.. لكنه يردد كلمات طلال.. قال طلال بلهفة: من معي من معي.. رد علي أرجوك؟
    فسمع من يردد جملته مرة ثانية: من معي.. من معي .. رد علي أرجوك؟
    هنا لم يتمالك طلال نفسه.. فقام بتقوية جهاز الالتقاط.. ورفع الصوت.. وأحضر جهاز التسجيل وبدأ يسجل كل ما يقال.. ويدون في مفكرة صغيرة معه..
    بعد دقائق سمع الصوت نفسه يقول: مرحبا طلال.. أحدثك من مركبة فضائية من كوكب الشمع.. هل تسمعني.. كوكبنا بعيد جداً.. ونحن الآن قريبون من مجرتكم..
    ذهل طلال مما سمع.. ظن أنه يتخيل ما يسمع.. لكن الصوت تابع الكلام: لقد أتينا من كوكب بعيد بعيد.. وقد التقطنا إشارتك وسوف نصل إليك بعد ساعة من ساعتكم تماماً في سرعتنا العالية.. نريد أن نتعرف إلى كوكبكم.. وقد سجلنا من بعيد بعض المعلومات عنكم.. واستطعنا أن نتعلم لغتكم..
    ***
    لم يصدق طلال ما تسمعه أذناه.. أسرع واتصل بصديقيه قاسم ورباح بواسطة ساعته المرئية حتى يأتيا بسرعة.. وخلال لحظات وصل الصديقين على مركبتهما السريعةن جداً وراح طلال يسمعهما صوت المسجل فقد توقع أن لا يصدقا ما دار من حديث بينه وبين الصوت الآتي من بعيد لو أخبرهما بنفسه عما حدث..
    ضحك الصديقان وظنا أنّ أحداً يضحك عليهما بعد أن عرف بمحاولتهم الاتصال بالكون الخارجي..
    فقال لهما طلال.. أمامنا فترة قصيرة وتتضح الأمور وسوف نرى من يأتي إلينا..
    في هذه اللحظة سمعوا الصوت مجدداً: نحن نقترب من كوكب الأرض لكننا سنظل خارج الغلاف الجوي فمركبتنا كبيرة ولو دخلنا قد نمزق الغلاف الجوي.. ونضر بكم.. لكننا نحن لن نتأثر فمركبتنا قوية جداً وهي لا تعمل بالوقد المدمر للكون كما تستخدمون أنتم الوقود الذي ينشر الدخان الفاسد.. نحن بيئتنا خالية من التلوث..
    وتابع الصوت يقول: سوف نرسل إليكم مركبة صغيرة لنصل إليكم مباشرة.. سوف تروننا بعد قليل... سوف آتي أنا مدير الرحلة.. ومعي أحد الزملاء..
    انتظر الأصدقاء الثلاثة بشوق شديد..

    ***

    مرت لحظات كانت من أصعب اللحظات..
    فجأة سمعوا أصواتاً مرتفعة وضجيجاً..
    ثم سمعوا الصوت نفسه يقول:
    نحن نأسف.. نحن نعتذر.. لا نستطيع دخول أرضكم.. لا نستطيع.. لقد سجلت مركبتنا تلوثاً هائلاً في أرضكم.. لن نستطيع زيارتكم، ولن نتمكن من الوصول إليكم.. إعذرونا.. فما نملكه من معدات حالياً لا تسمح بالتكيف مع نسبة التلوث الموجودة في الغلاف الجوري المحيط بالأرض.. لقد أخذنا عينات من الهواء.. ربما نعود في سنوات مقبلة.. لن نستطيع التواصل معكم.. سينقطع الاتصال فوراً.. نحن نبتعد بشكل سريع.. مع السلامة..

    41 - رحلة بالمنطاد

    قضى جاسم أياماً طويلة يعمل على صنع منطاد يطير به من مكان إلى مكان..
    يحلق متمتعاً بجمال الطبيعة من بحار وتلال وجبال ووديان..
    كان أبوجاسم متحمساً مثل ابنه جاسم.. بل أكثر منه ربما..
    يريد أن يحقق أمنية ابنه الوحيد... كما كان متشوقاً للقيام بهذه الرحلة الفريدة.. رغم أنهما ركبا الهواء مراراً على أجنحة الطائرات.. لكن للمنطاد متعة مختلفة جداً.. كما يعتقد جاسم وأبوه..
    ظلا يعملان ليلاً ونهاراً وبمشاركة مهندسين متخصصين حتى تمكنوا جميعاً من صنع المنطاد..
    وعلى وقع الطبل والزغاريد.. اطلق جاسم شارة الانطلاق.. ونجح المغامران، جاسم وابوه بالتحليق بسهولة لم يكونا يتوقعانها..
    وطار المنطاد في الهواءً..
    راح جاسم يترقب بلهفة ما سيشاهدة من جمال الطبيعة وروعتها..
    وبعد فترة قصيرة بدأ جاسم وأبوه يلاحظان أنّهما يمران فوق غابات شبه محترقة.. تم تقطيع معظم أشجارها..
    ثم طارا فوق نهر بدت مياهه سوداء..
    وفي طريقهما مرا فوق واد عميق بدا من بين التلال التي تحيط به وكأنّه عبارة عن مزبلة كبيرة.. فيها كل أنواع المهملات..
    وبعد قليل وصل منطاد المغامرين إلى شاطئ البحر.. فشاهدا من فوق الزجاجات الفارغة والأوراق وبقايا الطعام منثور على رمال الشاطئ..
    وما أن اقتربا من مياه البحر حتى بدا لون البحر شاحبا حزيناً..
    أوقف أبوجاسم المنطاد في الهواء.. وراح يتأمل البحر الحزين..
    فقال جاسم بنبرة مليئة بالألم: أبي.. ما كل هذا الذي رأيناه.. ما كنت أتوقع أن أرى ذلك.. لماذا تقطع الأشجار؟؟ وتحرق؟؟ ولماذا ترمى النفايات فتموت الطبيعة؟؟ ولماذا مياه النهر تبكي من شدة حزنها؟؟ وها هو البحر أشد حزناً؟؟
    قال الأب: انظر يا بني إلى أعماق البحر.. هل ترى لماذا هو حزين متألم.. ترى لو تحدث البحر الآن.. ماذا سيقول؟؟
    في هذا اللحظة.. ارتج البحر.. وعلت أمواجه.. وارتفع الماء حتى اقترب من المنطاد.. ثم سمع جاسم وأبوه البحر يتحدث ويقول وقد أصابتهما الدهشة:
    مرحباً بكما أيها الشابان.. أعرفتما سر حزني وألمي؟؟... خفت عندما شاهدتكما تمران من فوقي.. اتعقد أنّكما ستفعلان كما يفعل كثير من الناس.. لكني عندما سمعت حديثكما فرحت وقلت: الحمد لله.. فالدنيا ما زالت بخير..
    قال جاسم بعد أن هدأ خوفه من المفاجأة وبعد أن سمع كلام البحر: لماذا انت حزين مهموم أيها البحر ولماذا خفت منا؟ وماذا يفعل كثير من الناس؟
    قال البحر: بالتأكيد أنكما قبل أن تصلا إلى هنا مررتما بالتلال والجبال والوديان على الطريق.. وشاهدتما ما يصنعه بعض الناس من إساءة للطبيعة.. وتلويث للبر قبل البحر.. انظرا إليّ.. تأملاني إيها الصديقان الحبيبان.. إن قاعي يئن من كثرة ما يرمي الناس في قلبي من نفايات.. لكن أعماقي سحيقة لا تظهر ما في عمقها.. ليس كمثل الوادي.. لو رأيتما أعماقي بلا ماء لدهشتما مما في بطني من نفايات تلقى من هنا وهناك.. فضلاً عما ترميه السفن.. وما يصلني من مخلفات الإنسان يومياً.. حتى كدت لا استطيع التنفس..
    قطع أبو جاسم كلام البحر وقال: يبدو أنك تعيش في عذاب أيها البحر.. كيف يمكن أن نساعدك..
    قال البحر برجاء: أريد أن تساعدوني لأكون نظيفاً.. أكره ما يلقيه الناس في جوفي.. أسماك تموت.. العشب في قيعاني تتعذب.. ومياهي تتلوث.. وكثير من المخلوقات التي كانت تعيش في داخلي ماتت وانقرضت.. وليس ذلك فقط.. بل هناك أناس يحبون قتل بعض الأحياء النادرة.. مثل الحيتان الضخمة.. وأسماك القرش.. والدلافين وكلاب البحر.. حتى أصبح كثير من المخلوقات البحرية تعد بالمئات فقط حول العالم.. وأخاف أن تنقرض.. إما من الصيد الجائز أو من التلوث الذي يميتني أنا ومن يعيش في داخلي..
    قال أبو جاسم: يا ليتنا يا بحر نستطيع أن نساعدك.. يبدو أنّ الناس ترمي النفايات في كل مكان بلا أي مراعاة لما سيحدث في المستقبل.. حتى الأرض ارتفعت حراراتها من بعض ما يفعله الإنسان من إضرار بالبيئة ومن انبعاث الغازات المضرة..
    ضحك البحر وقال: هذا سبب آخر لحزني.. هل تصدق أنّه حتى الكثير من المطر الذي يسقط علي من الفضاء يحمل في قطراته أوساخاً واضراراً وغازات وكربونات مميتة...
    ثم قال البحر بحزم: عليكما أن تساعدانني لأنكما بذلك تساعدان الأرض نفسها.. لو ضاعت عليكما الأرض كيف يمكن للإنسان أن يحيا فوقها.. فكل شيء على الأرض يبكي مثلي..
    شعر أبو جاسم وابنه أن عليهما مهمة ثقيلة ورسالة كبيرة ينبغي حملها.. وقررا العودة من حيث أتيا ليخبرا كل الناس بما رأياه من مشاهد.. وينقلا كلام البحر بأمانة.. ليسمعه كل العالم..
    شكر البحر المغامرين جاسم وأباه.. وتمنى أن يعودا إليه مرة ثانية ويكون البحر والأرض بألف خير..


    42 - ليلى والتمساح


    بعد أن ذاقت ليلى خداع الذئب في قصتها المشهورة التي يعرفها الصغار والكبار والبنات والصبيان والرجال والنساء، وفي كل اللغات والبلاد، لم تعد تصدق ذئباً وتأمَن مكر الذئاب..
    وكلما صادفت ذئباً وهي تمشي في طريقها في الغابة.. ابتعدت عن طريقه.. وسلكت طريقاً آخر لا يسلكه.. وسبيلاً مختلفاً لا يطرقه..
    ومرّت أيّام وأيّام وليلى على هذه الحال..
    وفي يوم تلقَّت ليلى دعوةً من صديقة لها، تقيم في الجهة الأخرى من النهر الذي يمر وسط الغابة ويشقها إلى قسمين..
    وكانت ليلى تحب زيارة صديقتها والتعرف إلى أسرتها ومنطقتها.. لكن أمّها لم توافق على ذهابها لوحدها إلى الضفة الثانية من النهر.. فأصرّت ليلى على الذهاب وصارت ترجو أمّها لكي توافق، مؤكدة أنّها لنْ تتأخر في العودة..
    فوافقت أمها على مضض وأوصتها كعادتها بأن تنتبه إلى نفسها في الطريق ولا تكلم أحداً..
    ذهبت ليلى إلى النهر.. فلم تجد مركباً يوصلها إلى الضفة الأخرى.. فجلست تنتظر وصول مركب ما..
    صارت ليلى تتأمل الطبيعة الساحرة.. وتنصت إلى صوت النهر ينساب بهدوء في مجراه.. وكان صوت الضفادع والبلابل والحساسين يزيد المنظر جمالاً وحسناً..
    وبعد مدة قصيرة.. وفيما كانت ليلى غارقة في هذا المشهد البديع الجميل.. سمعت صوتاً يناديها: ليلى.. ليلى...
    نظرت حولها فلم تجد أحداً..
    صار الصوت يرتفع أكثر: ليلى ليلى.. أنا هنا داخل النهر.
    وقفت ليلى وتوجهت نحو النهر، فرأت تمساحاً ضخماً يلوح لها بذنبه ويضرب برأسه صفحة الماء..
    خافت ليلى وتراجعت.. فقال لها التمساح بصوت هادئ حنون: أهلاً بك يا بنيتي.. رأيتك تجلسين وحدك فعلمت أنّك تنتظرين مركباً بوصلك إلى الضفة الأخرى من النهر.. المراكب اليوم ذهبت كلها.. وستعود متأخرة.. ما رأيك أن تصعدي على ظهري فأحملك إلى الضفة الأخرى حتى لا تتأخري بالوصول؟
    احتارت ليلى بعد سماعها لهذا الكلام.. فشكرت التمساح وقالت له إنّها ستنتظر أحد المراكب.. لأنّها تخشى ركوب ظهره حتى لا تقع في الماء..
    فعاد التمساح وقال لها: لا تخافي يا ليلى... فأنا أعرفك.. وأعرف أمك وأباك... ولطاما نقلت أباك عبر النهر.. ألم يحدثك أبوك عني؟؟ غريب أنّه لم يخبرك عن قصصي معه.. فأنا أعرفه منذ زمن بعيد.. هيا يا ليلى لا تضيعي الوقت ولا تخافي.. سأطفو فوق الماء في هدوء تام.. ولن تشعري أنك في النهر.. لا تخافي.. أعدُك بمغامرة جميلة تحكيها لكل صديقاتك..
    فكرت ليلى..
    قالت في نفسها يبدو أنّه تمساح لطيف.. ومن يدري؟ ربما لن تأتي المراكب اليوم.. وحتى لو أتت فسوف تأتي متأخرة وأنا لا أريد التأخر أكثر من ذلك..
    فقالت للتمساح إنّها موافقة، وسألته عمّا يريد بالمقابل؟
    فضحك التمساح وطمأنها أنّه لا يريد شيئاً.. فهو يحب المساعدة فقط.
    صعدت ليلى ظهر التمساح بعد أن اقترب من الضفة.. وعندما وطأت ظهره بباطن قدميها شعرت بقسوة جلده وحدة تعرجاته.. ثم جلست على ظهره الصلب بهدوء.. وطلب منها أن تمسك به بقوة..
    صار التمساح يسبح برفق وهدوء تام كيلا تقع ليلى في النهر..
    بعد أن وصل التمساح إلى منتصف النهر ما بين الضفتين وقف في مكانه..
    لم تفهم ليلى سبب توقف التمساح..
    فقالت: ما بك أيها التمساح العزيز؟
    قال: ما رأيك يا ليلى لو نتوقف للحظات وآخذك إلى بيتي لتتعرفي إلى زوجتي وأبنائي التماسيح الصغار.. فبيتنا قريب من هنا.. ثوان معدودات ونصل إليه..
    قالت له: لكني أخشى أن أتأخر أكثر.. فالوقت يمضي بسرعة..
    قال التمساح: لا تخافي.. هذا هو بيتي.. فوق هذه الجزيرة الصغيرة وسط النهر.. انظري ها هو.. سوف يفرح أولادي الصغار بزيارتك..
    قالت: حسناً.. بشرط ألا نتأخر..
    شكر التمساح ليلى على قرارها النبيل.. ثمّ استدار نحو الجزيرة الصغيرة.. وبسرعة وصل إليها حيث كانت أسرته تنتظره..
    عندما رأى التماسيح الصغار الصغيرة ليلى على ظهر أبيهم بدت عليهم الفرحة العارمة وراحوا يصيحون ويرفعون أصواتهم مرحبين مهللين..
    فرحت ليلى كثيراً بهذا الاستقبال الحافل.. وحيَّت التماسيح الصغار وأمهم.. وشكرتهم جميعاً على هذا الترحيب..
    ثم صعدت ليلى إلى الجزيرة الصغيرة، وجلس التماسيح الصغار حولها، والأم والأب يراقبان..
    شعرت ليلى بلطف التماسيح البالغ.. وأحبت أن تجلس معهم فترة طويلة.. فطلب التماسيح الصغار منها أن تحكي لهم قصتها المشهورة مع الذئب..
    فضحكت ليلى وراحت تحكي لهم القصة..
    وبعد أن انتهت من القصة شعرت أنّ الوقت مضى بسرعة، فطلبت من التمساح الأب أن يوصلها إلى ضفة النهر.
    فقال: لها ما زال لدينا بعض الوقت..
    فقالت: لكني سأتأخر؟
    فصار التماسيح الصغار يتوددون إليها ويرجونها أنْ تبقى معهم بعض الوقت..
    نظرت ليلى إلى التمساح الأب.. وكانت لا تريد أن تُحزن التماسيح الصغار.. فقالت لهم: حسناً.. سأبقى لفترة قصيرة.
    ثمّ قالت للتمساح الأب: لكنْ عليك أنْ توصلني إلى الضفَّة الأخرى ثم تعيدني لأنني أخشى أنْ لا أجد مركباً في طريق العودة..
    فطمأنها التمساح.. وقال لها إنّه سينتظرها حتى تنتهي من زيارتها..
    فعادت ليلى لتتحدث إلى التماسيح الصغار، فسألتهم عما يفعلون في أيامهم؟ فقالوا لها إنّهم ما زالوا صغاراً، وأبوهم هو الذي يذهب إلى النهر ويحضر لهم كل يوم طعاماً شهياً تحضره لهم أمهم في مائدة لذيذة، ويجلسون يأكلون ويتكلمون حتى المساء، ثم ينامون، وفي كل يوم يحضر لهم أبوهم وجبة طيبة شهية لذيذة..
    فسألتهم: أين ذهبت أمهم؟
    فقالوا: ذهبت تحضّر أدوات الطبخ استعداداً لوجبة اليوم..
    نظرت ليلى حولها فلم تجد شيئاً من الطعام.. وكان التمساح الكبير ابتعد عنها قليلاً يجمع عيدان الحطب..

    سألت ليلى التماسيح الصغار بلطف: وماذا ستأكلون اليوم يا أحبائي؟
    ضحك التماسيح الصغار.. وسال لعابهم.. وقالوا: طعامنا اليوم شهي جداً.. طعامنا اليوم هو "أنت"...
    وصاروا يصيحون ويضحكون.. وهجموا مرة واحدة على ليلى ليمسكوا بها..
    قفزت ليلى بسرعة في النهر دون أن ينتبه لها الأب ولا الأم.. فصار الصغار يصرخون..
    حاول الأب اللحاق بليلى التي كانت خائفة جداً وتسبح بقوة نحو ضفة النهر.. لكن كيف تنجو ليلى من هذه المصيبة هذه المرة؟ فالتمساح قوي جداً وسريع جداً.. ومن يسبقه يجب أن يكون بطلاً في السباحة.
    صار التمساح يضحك ويماطل بالقبض على ليلى وينتظر اقترابها من الضفة حتى يمسك بها.. وظل التمساح يضحك ويذكّر ليلى بقصتها مع الذئب.. ويقول لها: من ينقذك مني اليوم يا ليلى.. فأنا سأنتقم لصديقي الذئب..
    ظلت ليلى تسبح وتسبح وتحرك يديها بكل ما تملك من قوة.. ولما اقتربت من الضفة.. تحرك التمساح نحوها بسرعة هائلة.. وعندما أوشك التمساح أن يمسك بليلى.. وصل حارس الغابة نفسه الذي أنقذها سابقاً من الذئب الشرير.. وأطلق على التمساح طلقة من بندقيته فأصابه في خاصرته.. فصار التمساح يتلوى من الألم.. وغاص في قعر النهر حتى اختفى..
    عندها أسرعت ليلى بالخروج والنجاة من هذه المصيبة التي وقعت بها..
    اقترب الصياد من ليلى.. وهنأها على نجاتها.. وكان سعيداً لأنه أنقذ ليلى مرتين..
    وبعد أن عرف قصة ليلى مع التمساح.. حذرها من الوقوع مرة ثالثة في فخ جديد.. عندها ربما لن يكون حارس الغابة موجوداً لينقذها من الأشرار...

    43 - بيتي.. قصري

    بيتي عند النبع الصغير.. أسمع الخرير.. في كل أوقاتي.. مدرستي من النهر قريبة، وطريقي دائماً قرب الماء..
    قريتي الصغيرة كأنها أميرة.. الماء من حولها أسوارة في معصم.. الماء يخرج من كل حجر...
    البيت من شجر.. والسقف من عريش.. والزنبق يحيط بي في الصيف والخريف..
    الماء يعزف الألحان.. والطير يغني أغنية الماء.. صباح مساء..
    أشرب الماء كأنه دواء.. الدواء طعمه مر.. لكن دوائي لذيذ وعذب..
    أحب الصباح.. وأحب الغروب.. بين الورود عندي أصدقاء، وفي كل بستان ورود..
    بيتي أراه كما لا يراه الآخرون.. بعضهم يقول: هذا البيت بارد شتاء.. حار صيفاً.. وأنا أراه دافئاً في كل حين..
    لا يهمني من يقول ولا ما يقال، ولا أكترث بمن يعترض على بيتي.. فأنا الأعرف بما يكون..
    بيتي يسكنه الحب والسكون.. بيتي عند النبع.. قصر.. من أجمل ما يكون..
    قد يرى البعض أن النبع مليء بالبعوض.. أو على ضفاف النهر رمال ووحول.. لا يهمني ما يرونه.. فهذا بيتي، ومن لا يرضونه يرضيني ويكفيني، وكل ما فيه يغنيني..
    بيتي هو قصري.. كل ما فيه جميل.. كل ما فيه أصيل..
    ليس في الدنيا مكان مثل بيتي..

    44 - حديقة أخضر

    كان هنالك ولد اسمه أخضر يعيش في بلدة بعيدة.. وخلف بيته كان هناك زاوية ترابية صغيرة غير مزروعة.. وكان الناس يرمون فيها بعض نفاياتهم.. ومع الوقت كثرت النفايات..
    أخضر فكر أنّ النفايات ستزداد.. وسيمتلئ المكان بالأوساخ والبعوض والحشرات..
    قرر أن يفعل شيئاً لإنقاذ جيرانه وأهله من الخطر..
    قال لأبيه إنّه سيقوم بجمع النفايات في أكياس ثم ينقلها إلى حاوية النفايات حتى يبقى المكان نظيفاً.. ثم يقوم بعد ذلك بزراعة الزاوية الصغير بالزهور والأعشاب الخضراء الجميلة التي تجعل منظر المكان رائعاً..
    هنأه أبوه على فكرته وشجعته عليها أمه..
    قال له أبوه إنه سيساعده على تنفيذ فكرته بعد صلاة فجر اليوم التالي..
    وفي الصباح.. وبعد أداء الصلاة في المسجد القريب.. سارع الأب وابنه للبدء بتنفيذ ما عزما عليه، وقضيا قليلاً من الوقت في همة ونشاط.. فمر جارهما أبو عزيز ورأى ما يفعلان فسارع لمساعدتهما، وكذلك فعل العم طلال وابنه جواد.. وجاء جمع من المصلين ومعهم إمام المسجد.. وتعاونوا جميعاً على ذلك.. ولم يطلع النهار وتشتد الشمس حتى كانت الساحة الترابية نظيفة تماماً...
    فرح أخضر بهذا الإنجاز السريع وبهذه الهمة العالية لجيران الحي.. وشكرهم جميعاً قبل أن يذهبوا إلى منازلهم ليرتاحوا ويحكوا لأسرهم ما حدث.
    عصر ذلك اليوم أحضر أخضر مجموعة من بذور الورود المتنوعة والأعشاب الخضراء وبدأ برمي البذور بطريقة متناسقة..ثم قام بسقي الأرض حتى ارتوت ..
    وظل أخضر على هذه الحال أياماً عدة حتى بدأت الورود تكبر والأعشاب تنمو ..
    وشاع في البلدة ما فعله أخضر.. فصار الجميع يأتون ليشاهدوا حديقته الصغيرة ويشكرونه على دوره في تنظيف البلدة وتجميلها.
    ومنذ ذلك اليوم يحرص أبناء البلدة على تنظيف شوارعهم وساحاتهم ويحافظون على جمالها.. وأطلقوا على الزاوية الترابية الصغيرة التي أصبحت جنة جميلة لها رائحة طيبة اسم: "حديقة أخضر".


    45 - البنت التي اسمها غزة

    عاشت غزة بعيدة عن أخواتها.. ومن حولها الأعداء يرهبونها.. فلا تخاف.. ويبكونها.. فلا تبكي..
    كانت مثل كل أخواتها.. قوية.. تعرف أن الخوف لن ينفعها..
    تعلمت أن تكون أقوى من الحصار.. فلا الحصار ينفع.. ولا كل الجدر التي تصنع..
    وكبرت غزة..
    كانت تسقي حقل أبيها بعرق تعبها.. ولا تعبأ بانقطاع الماء عن الحقل..
    تحمل كتابتها وتكتب وظيفتها على قنديل زيت شجرة زيتون عتيقة... زرعها جد جدها.. فكيف يريدون منها أن تهجر بستانها وشجرتها؟؟ وأن تترك الأرض التي ارتوت بعرقها وعرق أبيها وجدها.. وجد جد جدها...
    استفاقت غزة يوماً على ضربات النار.. وكل يوم ضربات من نار.. لكنّها هذه المرة ضربات أكثر زعيقاً.. وحريقاً..
    لم تعبأ غزة بالحصار.. كما لم تعبأ بضربات النار.. وبطلعات العدو الجوية وبهجماته الأرضية..
    صبرت غزة.. تعلمت الصبر من جدها وجدتها وأمها وأبيها..
    كانت غزة.. صابرة.. صامدة..
    فتحت عينيها..
    قالوا لها: أغلقي عينيك.. إنهم يرمون علينا قذائف فسفورية.. تحرق العيون من بعيد..
    ضحكت غزة..
    فهي لا تخشى كل (الفوسفوريات) وكل القنابل التي يلقونها..
    كانت تحمل علم بلدها بيد.. وبيدها الأخرى كتابها؛ تقرأ حروفه على ضوء القنابل الفوسفورية..
    تريد أن توصل للعدو رسالتها: بأنها لا تخاف ولا تهاب كل أنواع القنابل..
    ومضت الأيام.. وغزة أقوى وأقوى وأشد قوة..
    لا يزيدها الحصار والتجويع و"التعطيش" والتشويه إلا صموداً وقوة وصلابة..
    شاهدت أخاها يستشهد على باب بيتها.. كان يحاول مساعدة مصاب لعبور الحدود.. فاغتالته رصاصة غادرة من بعيد..
    شاهدت أباها يرتفع شهيداً قرب شجرة الزيتون - نفسها - بشظية قنبلة قالوا إنّها قنبلة ذكية.. ويا لهذا الذكاء..
    رأت كثيراً ممن تحبهم وتعرفهم يرتفعون شهداء.. لكنّها لم تستسلم..
    نظفت بنادق إخوتها.. واحتفظت لنفسها ببندقية أخيها الشهيد..
    كلهم يعرفون أن البنادق لا تنفع مع الفوسفور الطائر..
    لكنها حملت مثلهم بندقية..
    وقاومت على الأرض عدوها.. وهزمته..
    فالأرض ليست له.. إنها لغزة.. ولإخواتها..
    وخرج المحتل من أرضها مهزوماً.. لكنه ظل يحاصرها..
    كأنه يخشى أن تنبت (غزة) غصوناً وفروعاً.. وجذوعاً.. فيريد أن يميت جذورها..
    لكنها غزة.. لا تعرف اليأس..
    إنها البنت التي اسمها (غزة).. والجميع يعرفها..



    سادساً: قصص مغناة


    46 – العصفور المغامر
    47 – محمد الدرة
    48 – كوكو العصفور
    49 – الوالي
    50 - أحب الخير للإنسان


    46 - العصفور المغامر

    طار العصفور الصغير..
    طار بعيداً بعيداً يلهو ويلعب..
    يبحث عن حَبٍّ منثور..
    كان يطير بكل جدارة.. يحرك جناحيه بخفة ومهارة...
    هذا الطير ما أجمله.. يسبح في الريح برشاقة..
    طار وحلق حتى دنا.. من بيدر قمح يلمع تحت الشمس..
    هب سريعاً نحو البيدر.. كان القمح لذيذ الطعم..
    أكل العصفور بسرور..
    اقترب الليلُ وخفَّ النور.. وامتلأ بطن العصفور..
    بسط العصفور جناحيه.. حرك قدميه بفتور..
    حرك ريشه الناعم.. لكن هيهات يطير..
    صار البطن أثقل منه.. زحف يشكو سوء حظه..
    وقبل أن تغيب الشمس.. مرّ بالبيدر صاحبه...
    فرأى العصفور المسكين.. لا يقدر أن يطير..
    رفعه بيده.. ورثا لحاله..
    خاف العصفور من العقاب.. بعد أن أكل القمح بلا حساب..
    حمله المزارع.. ووضعه في سجن صغير..
    قضى أياماً يأكل قليلاً من الطعام..
    وبعد أسبوع.. خفَّ وزن العصفور..
    فتح المزارع باب السجن... وترك العصفور يطير..
    عاد العصفور لبيته.. فرحت أسرته بعودته.. كانت قلقة عليه..
    فأخبرها بقصته..
    تعلم العصفور أن لا يأكل بعد اليوم فوق طاقته..
    ليعود خفيفاً رشيقاً كما كان..
    وأن لا تدعوه حلاوة الطعام للأكل دون نظام..
    ومن يومها.. والعصفور سعيد.. وعن الداء بعيد..
    وشعاره دوماً: غذاء نافع مفيد...

    47 - محمد الدرة
    قال الأب يروي قصته:
    خرجت يوماً مع طفلي.. نبتاع شيئا للدار ..
    رآنا عدو محتشد.. جيش الأعداء الجرار ..
    فرمانا بجمر وبنار ..
    ناديت : ارحمني في ولدي ..
    قالوا : طفل .. يا للعار .. اقتلوه .. احرقوه .. بيده أكوام الأحجار ..
    آه .. كم نخشى الأطفال ..
    قلت : يا ولدي لا تجزع .. أحميك بصدري من المدفع .. وإن اشتدت نارهم .. فالنار يا ولدي أرحم ..
    ألقوا ما شئتم من حقد .. كل هذا لن ينفع ..
    أدخل في لحمي يا محمد ..
    الموت فدى القدس شرف و عفاف وطهر ..
    ما بالك تصمت يا ولدي ..
    آه .. قتلوك يا محمد ..
    ارحل يا ولدي بهدوء ..
    اغمض عينيك بسلام ..
    دماؤك ريح كالإعصار .
    إخوانك أطفال الأحجار .. لن ينسوا دماءك يا محمد ..
    امض يا ولدي في عز .. امض يا ولدي بفخار ..
    وهم في الدنيا رمز العار .. هم في الدنيا رمز العار ..

    48 - كوكو العصفور
    تحت النهر قرب البحر
    تحت المطر بين الزهر
    طار العصفور
    غنى العصفور
    غرد للشمس وللقمر
    ×××
    فوق الشجر عند الثمر
    وقت الظهر وقت الفجر
    عند السحر
    صلى العصفور
    قرأ العصفور
    آيات الله الغفور
    أحنى جبهته للشكر
    ×××
    تحت النهر قرب البحر
    تحت المطر بين الزهر
    طار العصفور
    غنى العصفور
    غرد للشمس وللقمر
    ×××
    كوكو العصفور حلو ووقور
    يعمل بنشاط من غير فتور
    لا يخشى الموت قوي وجسور
    يحب الخير
    يحب الغير
    مثل الأبطال
    مثل الأحرار
    يمضي ويطير
    بكل ثبات
    وبكل حبور
    لا يلجأ أبدا للغدر
    ×××
    تحت النهر قرب البحر
    تحت المطر بين الزهر
    طار العصفور
    غنى العصفور
    غرد للشمس وللقمر
    ×××
    كوكو العصفور
    طير مشهور
    يصون الأرض يحمي الروض
    مثل النسور
    لا يرضى أبدا بالقهر
    ×××
    صوت العصفور فرح وسرور
    بيت العصفور عطر وزهور
    قلب وشعور مرج وقصور
    ويسعى دوما للنصر

    49 - الوالي
    بربر الوالي.. الوالي عبس
    مد الشفتين والأنفاس حبس
    قامت الدنيا.. الوالي ضرس
    أرسل النظرة والحيط انبجس
    هدد بأصبع ناعم الملمس
    والمسكين أمامه يتوجس
    صاح الوالي كيف تجرؤ؟
    كيف تأتي بهذا الجرم إيّها التعس؟
    كيف تخطئ هذا الخطأ المُلتبس
    ثمّ نطَّ عليه مثل أسد مفترس
    أمسك به مزمجراً
    إياك إياك أن تعيد الكرة إيّها النحس
    وتطبخ ثانية شوربة العدس؟






    50 - أحب الخير للإنسان

    أنا فرشاة للأسنان أحب الخير للإنسان
    إني للأطفال صديقة لكن يكرهني الأطفال

    جاء طفل في عجل يسألها ما سبب الأحزان؟
    قالت والألم يبكيها: في رأسي أشواك ناعمة
    تنظف أسنان الأطفال 00
    لكن منهم من يكرهني
    يرفض يرفض أن يحملني
    قال طفل في عجب: أنا أهواك فرشاتي
    في محفظتي أحفظك أحملك دوماً بثباتِ

    قالت فرشاة الأسنان:
    لستُ شيئاً تحفظه استعملني استعملني
    في المحفظة لا تتركني

    دوما دوما استخدمني
    في الصبح
    في الظهر
    وقبل النوم
    على أسنانك مررني
    واجعلني واجبك اليومي
    أجعل من فمك نظيفاً أبعد عن أسنانك مرضاً
    أجعلها صلبة ومتينه فلا تتركني الدهر دفينة
    وعن أسنانك تبعدني
    ماذا تريد خيراً مني هلا محيت الحزن عني.










    الفهرس

    أولاً: سلسلة المجتهدون الصغار

    1 - الامتحانات النهائية
    2 - الممتلكات العامة
    3 - مساعدة الناس فضيلة
    4 - عطلة الربيع
    5 - حب الصحابة
    6 - أضحية العيد
    7 – خرطوم الماء


    ثانياً: حكايات الحيوانات

    8 - العصفور الرحال
    9 - القطة العطشانة
    10 - ريش العصفور
    11 - بحيرة الضفادع


    ثالثاً: قصص إسلامية

    أ - أبو بكر الصديق والرسـالة الإلكترونيـة
    12 – عبدالله يعود من المدرسة حزيناً
    13 – أمر لا يُصَدَّقُ
    14 - عبدالله يخبر أباه
    15 - سباق في الخير
    16 – حياته قبل الإسلام
    17 – الأم تقول كلاماً مهماً
    18– رجل لا يعرف أصحابه جيداً
    19 - مصاهرات بيت النبوة وأبي بكر
    20 – مدونة على الإنترنت
    21 – الخلاف مع فاطمة
    22– الصِّدِّيقُ مَنْ مِثلهُ
    23 – اللحظات الأخيرة في حياته

    ب - عثمان بن عفان رضي الله عنه.. الصّهر والصّاحب

    24 - قرشيٌّ من بني أمية
    25 - أحسن زوجين رآهما إنسان
    26 - كرمه رضي الله عنه
    27 - تجهيز جيش العسرة وشراء بئر رومة
    28 - تبشيره بالجنة
    29 - بيعة الرضوان
    ‏‏ 30 - توليه الخلافة
    31 - استشهاده

    رابعاً: اضحك مع جحا

    32 - حسن أم خس؟
    33 - جحا وحماره..
    34 - فطائر وحلوى
    35 - تربية
    36 – مواقف مضحكة

    خامساً: قصص متنوعة

    37 - الأصدقاء الطيبون
    38 - الريشات الملوّنات والساعة الغريبة
    39 - البحر الهائج
    40 - رحلة من كوكب مجهول
    41 - رحلة بالمنطاد
    42 - ليلى والتمساح
    43 - بيتي.. قصري
    44 - حديقة أخضر
    45 - البنت التي اسمها غزة

    سادساً - قصص مغناة

    46 – العصفور المغامر
    47 – محمد الدرة
    48 – كوكو العصفور
    49 – الوالي
    50 - أحب الخير للإنسان


+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •