Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
دراسات واراء بتاريخنا .

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 19 من 19

الموضوع: دراسات واراء بتاريخنا .

  1. #1
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي دراسات واراء بتاريخنا .

    إعادة ترتيب التاريخ الإسلامي
    المستشار : محمد سعيد العشماوي




    جرى العرف على تقسيم التاريخ الإسلامي إلى ست مراحل:
    1.. فهو يبدأ بعهد النبي (صلى الله عليه وسلم) من 610 إلى 632م.
    2.. ويلي ذلك عصر الخلافة الراشدة من 634 إلى 660م، (10 – 41 هـ).
    3.. ويتبع ذلك عصر الخلافة الأموية من 661 إلى 745م، (41 – 127 هـ).
    4.. ويتبع ذلك عصر الخلافة العباسية من 750 إلى 1516م، (132 – 922 هـ).
    5.. وخلال هذه الخلافة قامت الخلافة الفاطمية، التي حكمت مصر والشام أساسا من 909 – 1160م (793 – 555 هـ).
    6.. وانتهى الأمر إلى السلطنة العثمانية التي كانت قد بدأت 1281م واستمرت حتى 1517م (680 – 918 هـ)، وهى سلطنة عادية، ثم شرعت تدعى أنها السلطنة الإسلامية، التي ورثت الخلافة من 1517 – 1924م (927 – 1343 هـ).


    غير أن هذا التقسيم فيه كثير من العمومية والإبهام والإضغام، مما أدى إلى التعميم والتخليط والتفريط في فهم التاريخ الإسلامي، سواء لدى الفرد العادي أم لدى الكُتاب والدارسين.
    وفى سبيل تقديم إيضاح أوفى فقد كنا قد نشرنا في إحدى المجلات المصرية مقالة عنوانها (الأمة والدولة في المفهوم الإسلامي)، ثم نُشرت هذه المقالة مع مقالات أخرى في الكتاب الذي صدر عن سلسلة (اقرأ) وعنوانه (من وحى القلم).
    وفى هذه المقالة قدمنا تفصيلا أكثر لعدد الإمارات أو السلطنات أو الدول (تجاوزا) التي حكمت مدى التاريخ الإسلامي، لكنا في هذه الدراسة نعيد ترتيب عصور الخلافة الإسلامية، فيما بعد عهد النبي وعصر الخلفاء الراشدين، على نحو آخر، لعله أجدى وأفيد وأنفع في بيان خفايا التاريخ وعناصر حركته وعوامل مده وجزره، أو ارتفاعه وانهياره.


    (1) العصر الأموي: ويتضمن حكم معاوية ابن أبى سفيان ثم يزيد ابن معاوية ثم معاوية ابن يزيد (166_683 م)، 41 _ 64 هـ.
    (2) العصر المروانى، ويبدأ بمروان ابن الحكم وينتهي بمروان ابن محمد (683_ 745 م)، 64 _127 هـ
    (3) العصر العباسي الأول، ويبدأ من قيام الخلافة العباسية إلى سيطرة الترك على الحكم (750_ 842 م)، (132 _ 232 هـ)، ويمكن أن يسمى بالعصر الفارسي الأول.
    (4) العصر العباسي الثاني، ويبدأ بخلافة المتوكل على الله العباسي وينتهي بظهور الدولة البويهية (847 _ 944 م)، (232 _ 334 هـ)، ويمكن أن يسمى بالعصر التركي الأول.
    (5) العصر العباسي الثالث، ويبدأ باستقرار الدولة البويهية وينتهي بدخول السلاجقة إلى بغداد 946 _ 1055 م، (334 _ 447 هـ)، ويمكن أن يسمى بالعصر الفارسي الثاني.
    (6) العصر العباسي الرابع، ويبدأ بدخول السلاجقة إلى بغداد وينتهي بدخول المغول إليها (1055 _ 1256 م)، (447 _ 656 هـ) ويمكن أن يسمى بالعصر التركي الثاني.

    هذا بالإضافة إلى الخلافة الفاطمية، وهى من البربر والصقليين، والسلطنة العثمانية وهى من الترك.
    كان أهم فرعين في قبيلة قريش، هم الأمويون بزعامة أبى سفيان ابن حرب والهاشميون بزعامة العباس عم النبي (صلعم)، وكان الفرع الأموي أكثر ثراء وأشد دهاء. وقد سكت هذا الفرع، وهو يتربص للحكم والسلطان، مدى وجود النبي (خاصة وأن أبا سفيان لم يسلم إلا عند فتح مكة سنة 8 هـ)، وخلال خلافة أبى أبكر وعمر ابن الخطاب، فلما وُلى عثمان ابن عفان الخلافة، طابت لهم الحال واستوى فيهم الأمر، فبدءوا يظهرون على الجميع ويسيئون استغلال السلطة والاستيلاء على أموال المسلمين، وقد استسلم عثمان لمروان ابن الحكم فكان أكبر مستشاريه، خاصة وقد زوجه عثمان ابنته وجعل له خمس غنائم أفريقية.
    وبسبب جنوح عثمان ابن عفان إلى عشيرته من الأمويين (ولأسباب أخرى) فقد ثار عليه الثوار وقتلوه، وبويع لعلى ابن أبى طالب بالخلافة، ووقعت أحداث الفتنة الكبرى، إلى أن قُتل على ابن أبى طالب، فبدأت الكفة تميل تمام لصالح الأمويين، حتى بويع معاوية بالخلافة (41 هـ).


    وفى عصر ما قبل الإسلام، المسمى بالعصر الجاهلي، كانت العصبية تضرب بين القبائل بسبب الأنساب، التي تعود إلى القبيلة والعشيرة والبطن فيها والفرع منها، وهكذا، وعمل الإسلام على إنشاء أمة (جماعة) من المؤمنين تربطهم ببعضهم البعض وشيجة الإيمان التي أذابت بحرارتها عرى القبليّة وقطعت حبالها، فلما بدأ العصر الأموي حدث انقلاب جذري في الإسلام، مفهوما ومضمونا، نظاما وتطبيقا، فقد كانت الخلافة من قبله مدنية تصدر عن المسلمين، ثم صارت من بعده مُلكا عضودا وقيصرية في الواقع والحقيقة، وكان الحكم شورى فأصبح غلبة وإرثا، وكان المال مال المسلمين فغدا مال الخليفة، يأخُذ منه ما يشاء ويعطى ما فضل عنه، فضلا منه على الناس.


    ومع هذا الاستبداد مع المسلمين، فقد تعصب الأمويون للعرب واختصوا أنفسهم بالخير وظلت خشونة البادية ظاهرة على حكمهم غالبة في سياستهم، مما أثار عوامل الحسد في نفوس القبائل المسلمة التي كانت ذات شأن في الجاهلية وصدمها أن ذهب شأنها وضاع فضلها في هذا الجو القبلي البغيض، فانقسم المسلمون إلى جانب يضم المهاجرين من قريش، وقبائل كنانة وثقيف وهذيل، وأهل مكة والمدينة، وجانب يضم قبائل بكر ابن وائل وعبد القيس من ربيعة، وكندة والأزد من اليمن، وتميم وقيس من مصر. فكان القرشيون، وبالأحرى، الأمويون يترفعون ويتسيدون على غيرهم، ومعهم من ظاهرهم، بينما يبغض الجانب الآخر من القرشيين ومظاهريهم. ومع الوقت تحول الصراع إلى نزاع وحروب بين اليمنية القحطانية (العرب العاربة)، وبين العدنانيين النزاريين (العرب المستعربة)، وظل هذا الصراع يحكم التاريخ الإسلامي، مدى طويلا، في الشام والعراق ومصر وخراسان وأفريقيا والأندلس.


    وإذ كان معاوية، مؤسس الخلافة الأموية خبيثا داهية، فقد عمد لتثبيت ملكه، وتحويله إلى الإرث، إلى أن يصانع الكثيرين ويتألفهم بالمال، حتى آل الملك إلى المروانية، مروان ابن محمد ثم عبد الملك ابن مروان ثم الوليد فسليمان، فإذا النزعة القبلية والنعرة العصبية تعلو بشدة وتحكم بقوة وتعمل بسفور، مما دعا الجاحظ _ فيما بعد أن يصف هذه الخلافة بأنها عربية أعرابية،والأعراب _ كما جاء في القرآن ((أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله))، سورة التوبة 9 : 97 ذلك أن الأعراب أجلاف، يعرفون الإسلام على حرف، ويطبقون تعاليمه بسطحية وتأويل يناسب أغراضهم ولا يلتزم القصد الحقيقي أو الجوهر الصحيح. في هذا المناخ القبلي الوخيم رأت العرب أن الإسلام دين خاص بها هي، تستند في ذلك إلى آيات من القرآن ((إنا أنزلناه قرآنا عربيا)) سورة يوسف 12: 2، ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)) سورة إبراهيم 14: 4، ((نزله الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين)).. ((ولو أنزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به بمؤمنين)) سورة الشعراء 26: 196 _ 198. ونتيجة لذلك فإنهم كانوا يفرضون الجزية على أي بلد (مدينة أو قرية) يغزونها دون أن يعرضوا الإسلام على أهله، ما داموا من غير العرب
    ويكفى للتدليل على ذلك تقديم مثلين، يغنيان عن كثير: _

    (أ‌) فيما يسمى بوقعة الولجة ببلاد فارس فقد قام خالد ابن الوليد - في الناس الذين جاءوا معه - خطيبا يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب، وقال : ألا ترون إلى الطعام..وباالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش، لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به، ونولى الجوع والإقلال.. وسار خالد في الفلاحين بسيرته فلم يقتلهم (حتى يظلوا في فلاحة الأرض) وسبى ذرارى (أولاد) المقاتلين ومن أعانهم، ودعا أهل الأرض إلى الجزية وأن يصيروا من أهل الذمة (رغم أنهم ليسوا من أهل الكتاب)، (تاريخ الطبري) _ الجزء الثالث _ طبعة دار المعارف _ ص 354).

    (ب‌) كتب معاوية إلى عمر ابن الخطاب يرغّبه في ركوب المسلمين البحر لغزو قبرص، وهو يقول في ذلك (إن بالشام قرية يسمع أهلها نباح كلاب الروم وصياح ديوكهم) يقصد بذلك قبرص (مع انها تبعد عن الشام كثيرا فلا يمكن أن يسمع من بالشام نباح كلابها وصياح ديوكها). ورفض عمر أن يركب المسلمون البحر، غير أن معاوية غزا قبرص في عهد عثمان، ثم صالح أهلها على جزية قدرها سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة، دون أن يعرض عليهم الإسلام (المرجع السابق _ الجزء الرابع _ ص 262).


    ومع ذلك فإن أعدادا غفيرة من غير العرب شرعت تدخل في الإسلام لأسباب مختلفة، وأنفت العرب أن يتساوى هؤلاء بهم فسموهم الموالي، واشترطوا على كل منهم أن يتخذ له من العرب وليا له، يكون من حقه التصرف في كل شئونه، وكانت الجزية ترفع عمن يسلم من هؤلاء الموالى، حتى هال بعض الحكام دخول الناس في الإسلام فرارا من الجزية (التي كانت مع قلة مبلغها تفيد معنى الذل والمهانة عند من يُجبرَون على دفعها)، وكتب عمال الحجاج ابن يوسف الثقفي أشهر ولاة عبد الملك ابن مروان، والمروانية عموما يقولون له (إن الخراج قد انكسر، وأن أهل الذمة قد أسلموا، ولحقوا بالأمصار) فأمر الحجاج بأن تؤخذ منهم الجزية مع إسلامهم (ابن الأثير، جزء 4، ص 179).

    وعندما وُلى عمر ابن عبد العزيز أمر الخلافة (717 _ 719 م، 99 _ 101 هـ) أسقط الجزية عن المسلمين من غير العرب، وقال في ذلك (إن محمدا قد أرسل هاديا ولم يرسل جابيا)، غير أن العرب لم تقبل صلح عمر ابن عبد العزيز (وهو حفيد عمر ابن الخطاب) ولم ترتض فهمه للإسلام على أنه عقيدة وشريعة وليس جزية واستعبادا، ومن ثم فقد دسوا السم للخليفة عمر ابن عبد العزيز، فمات ولم يحكم إلا عاما واحدا وتسعة أشهر، وبعد وفاة عمر أُعيد فرض الجزية على المسلمين من غير العرب.

    مفاد ذلك أنه وإن كانت الفترة الأموية _ بالنهج الذي اتبعناه _ فيها تعصب للعرب عامة، وللعدنانيين خاصة، ولقريش بصفة أخص، وللأمويين بما هو أخص الأخص، فإن الفترة المروانية أضافت إلى عصبية المروانيين ونعرتهم الاستعلائية اضطهادا لغير العرب، حتى وإن أسلموا، ففرضت عليهم الجزية، بما في ذلك من معاني التبعية والعبودية والإذلال، حتى من مسلم لمسلم.

    أدت العصبية العربية إلى عصبية الموالى، والفرس خاصة، وغلبت القوميات (وهى العنصرية بالمفهوم المعاصر) روح الدين السمحة الإنسانية، واستغل الهاشميون، من عباسيين وعلويين، غضب الفرس من العرب ورغبتهم في خلع نيرهم، فاستثاروهم حتى استطاعوا بقيادة أبى مسلم الخراساني (الفارسي)، القضاء على الحكم المروانى وإحلال الحكم العباسي بدلا منه، وكان هذا الحكم مختلفا عن الحكم الأموي والحكم المروانى، اختلافا بينا.

    فينما كانت الخلافة الأموية، بعصريها،، عربية، أعرابية (بدوية) فقد صارت الخلافة العباسية فارسية أممية، وفى حين كانت عاصمة الخلافة الأموية المروانية في دمشق على حدود بادية العرب، وكان الخلفاء عرب الآباء والأمهات، وكان القادة والولاة والجنود والقضاة والكتاب ورجال الحكم عربا، فإن العباسيين اتخذوا الوزراء والقواد والولاة من الفرس غالبا واتخذوا بغداد عاصمة لهم، وهى على حدود بلاد فارس، وفتحت البلاد أبوابها للناس جميعا فتقاطر إليها، وأقام فيها، جمع كثير من مختلف الجنسيات والشرائع، فصارت بغداد بهذه الروح، وذلك العمران بؤرة العلم ومجمع العلماء ومركز التسامح، وانتقلت هذه الحال إلى كثير من الحواضر الإسلامية كالفسطاط ودمشق وقرطبة، والقيروان وغيرها، فأدت إلى ظهور واستقرار الحضارة الإسلامية.

    كان من نتائج هذا الانقلاب أن الموالى، أي المسلمين غير العرب صاروا محور الحكم وأساس النهضة، فبعد أن كان الأمويون يزرون عليهم، قربهم العباسيون، وفيهم الخراسانيون الذين نصروهم في تقويض الحكم المروانى وتأسيس خلافتهم، وقدموا سائر الموالى واستخدموهم في أمور الحكم، وكان من أشهر الحكام الفرس آل برمك وآل الفضل، وبادل الموالى هذا التسامح معهم بتسامح آخر من جانبهم، ذلك أنه مع بقاء الفرس عامة على لسانهم الفارسي حتى اليوم، فإن من عاش منهم في بغداد وفى كنف العباسيين، وفى ظلال الحكم غير لسانه وبدل إسمه، فصارت لغتهم هي العربية وصارت أسماؤهم عربية كذلك، حتى إنه ليصعب على غير الدارس أن يميز الفارسي من العربي، حين يسمع عنه أو يقرأ له، وخاصة في وقتنا الحالي.
    وكان من دواعي ابتداء النهضة، وإنشاء الحضارة، نقل العلوم والفنون والآداب اليونانية والفارسية والهندية، والكلدانية والنبطية والبابلية والمصرية وغيرها إلى العربية، وساهم الجميع في وضع أسس الحضارة ورفع ألوية التمدن.

    فمن الموالى (الفرس) في الشعر، بشار ابن برد والحسن ابن هاني (أبو نُوَاس)، وإسماعيل ابن القاسم ابن سويد (أبو العتاهية) والحسين ابن الضحاك. ومنهم في علم النحو سيبويه (أبو بشر عمرو ابن عثمان) والكسائى (على ابن حمزة) والفرَاء (أبو زكريا يحيى ابن زياد الديلمى) وابن السكيت (أبو يوسف يعقوب ابن إسحاق).

    وفى الآداب عبدالله ابن المقفع (مترجم كتاب كليلة ودمنة) وسهل ابن هارون (الذي كان الجاحظ يأتم به).
    وفى الفقه أبو حنيفة (النعمان ابن ثابت).

    وفى الحديث ابن جريح وسفيان ابن عيينه، والواقدى وابن نافع الصنعانى، وفى التاريخ الواقدى (أبو عبدالله محمد ابن عمر ابن واقد) ومحمد ابن إسحاق.

    أدت غلبة الفرس في العصر العباسي الأول، وخاصة في شئون الحكم والسياسة، إلى أن يُطبقوا على كل شيء ويحكموا قبضتهم على الناس والمال، حتى قيل إن هارون الرشيد كان يطلب المال (أو الشىء) فلا يحصل عليه بسهولة نتيجة شدة قبضة البرامكة (وزرائه) على أزمّة الأمور وخزائن المال، مما كان أحد الأسباب التي أدت به إلى نكبتهم، وتطرقت هذه النكبة إلى تحوط الخلفاء من الفرس وتخوف الفرس من الخلفاء. وفى عهد المعتصم الابن الثالث لهارون الرشيد والذي ولى الخلافة بعد الأمين والمأمون بدأ الاستغناء عن الفرس والاستكثار من الترك، الذين سرعان ما استبدوا بالحكم في عهد المتوكل، وانتهى الأمر بأن قتلوه.

    بهذا بدأ العنصر التركي يظهر على مسرح السياسة في العالم الإسلامي، وظل عاملا فعالا شديد الفعالية، منذ هذا الوقت، وحتى مارس سنة 1924، الأمر الذي يقتضى بيانا علميا واضحا وافيا عن هؤلاء الترك.
    الترك اصطلاح يطلق في معناه الواسع على الشعوب التي تتكلم اللغة التركية في تركيا وفى الجمهوريات التركستانية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، وفى تركستان الصينية، وشرق إيران.

    وثم أكثر من نظرية عن المكان الذي بدأت فيه هذه الشعوب، فنظرية ترى أنهم بدؤوا من شمال كوريا وشمال الصين ثم اندفعوا إلى الغرب مع بقاء عناصر منهم حول المنطقة التي بدؤوا فيها، ونظرية أخرى ترى أنهم عاشوا أصلا في جنوب سيبريا وفى تركستان (منطقة وسط آسيا) ثم توسعوا في الانتشار جنوبا وغربا.

    وهذه الشعوب (أو القبائل) هي التتار : وهى من أرومة (أصول مغولية)، ونظرا لأن لفظ التتار اكتسب في التراث البشرى معنى سيئا، يفيد القضاء على الزرع والضرع، مثلما يفعل الجراد، فقد حرص التتار على أن يُسموا أنفسهم الترك، نسبة إلى اللغة التي يتكلمونها، وحتى يخفوا حقيقة أمرهم كتتار، ومن ثم فقد قيل عنهم إنهم ترك، ومن هؤلاء التتار قبائل غزت آسيا الصغرى، وسموا أنفسهم العثمانيين، نسبة إلى قائدهم آنذاك عثمان ابن أرطغرل ابن سليمان شاه (1281 _ 1325 م). وفيما عدا تركيا، فإن التتار يتركزون في العصر الحالي، فيما يسمى تركستان الغربية، وتركستان الشرقية.

    وتركستان الغربية تضم الجمهوريات التى استقلت حديثا عن الاتحاد السوفيتى، وصارت تكون ما يعرف بجمهوريات آسيا الوسطى وهى : تركمانستان، وأوزبكستان، وتادجكستان، وقرغيرستان، وقازاقستان.
    أما تركستان الشرقية أو الصينية فهى مقاطعة سكيانج بالصين.

    ومنطقة تركستان الغربية كانت على مر العصور، ومازلت معبرا يربط الشرق بالغرب، وطريقا سلكه كثير من الغزاة والشعوب والقبائل المهاجرة، وقد ظهر فيها البترول، مما يؤذن بأنها سوف تكون منطقة مهمة للغاية، وقد تلعب دورا ملحوظا في المستقبل العالمى.

    التتار من ثم اسم عام يطلق على شعوب اكتسحت أجزاء من آسيا وأوربا بزعامة المغول (وهم أصول التتار) في القرن الثالث عشر، وقد استولت قبائل منهم على الروسيا، وظلت منطقة سيبيريا تعرف ببلاد التتار (ترتارى)، كما زحفوا على منطقة القرم، وهى شبة جزيرة على الساحل الشمالى للبحر الأسود وظلت هذه المنطقة تعرف ببلاد التتار الصغرى.

    والمغول شعب أسيوى منتشر حالا (حاليا) في منغوليا وشرق منشوريا وغربها، وفى جنوب ووسط سيبيريا.
    وقد ظهر المغول، على المسرح العالمى، وهم يقودون جحافل يشكل التتار القوة الأساسية منها، ويتزعمهم جنكيزخان (1167_ 1227) وخلفاؤه ومنهم باطوخان وقبلاى خان، ففتح منغوليا وأسس بها عاصمة له في قرقورم، ثم هاجم سنة 1213 إمبراطورية الشان شمال الصين، وفى سنة 1215 استولى على أغلب أراضى الصين بما فى ذلك العاصمة يتشنج (بكين الحالية)، وفتح خلال سنى 1218 _ 1224 تركستان الشرقية وبلاد ما وراء النهر وأفغانستان، وأغار على فارس ومنطقة تركستان الغربية، ثم ظهر منهم تيمورلنك (حوالى 1336 _ 1405) وادعى أنه من سلالة جنيكيزخان، فاستولى على منطقة تركستان الغربية وسيطر عليها تماما سنة 1369، واتخذ من سمرقند عاصمة له، ومنها غزا فارس وجنوب الروسيا وجنوب الهند واستولى على مدينة دلهى، وفى سنة 1400 اكتسح بلاد الكرج ثم اكتسح شمال سوريا، وإستولى على مدينة حلب، فانتهبها وخربها هو وجحافله، ثم سقطت في يده دمشق، فنقل عنوة طائفة من أفضل علمائها، وأمهر صناعها وفنانيها إلى سمرقند (كما فعل خلفه وصنوه سليم الأول، فيما بعد، حين استولى على مصر سنة 1517،وزحف بعد ذلك على بغداد، فدخلها للمرة الثانية (وكان التتار من أسلافه قد دخلوها ودمروها من قبل سنة 1242..ثم والى الزحف إلى آسيا الصغرى، وهزم العثمانيين أولاد عمومته فى موقعة أنقرة سنة 1402 وأسر سلطانهم بايزيد.


    هؤلاء هم الترك الذين هم فى الحقيقة تتار من أرومة (أصول) مغولية، قادهم المغول في حروب ضارية وحملات قاضية على الشعوب وعلى الحضارة،فأصبح لإسمهم، تتار أو مغول، وقع بشع في آذان الناس وأسماع التاريخ، مما دفعهم، ودفع المؤرخين الموالين لهم، إلى أن يسبغوا عليهم وصف الترك، وهو اسم اللغة التي يتكلمون بها، وليس إسما لشعوبهم وقبائلهم، حتى يتخفوا وراء هذا الاسم فلا يعرف الناس حقيقتهم ولا يذكر التاريخ أصولهم. كيف إذن اتصل هؤلاء التتار بالإسلام،فصار أغلبهم مسلمين (كما أن قبائل منهم اعتنقت اليهودية، هم قبائل الخزر، وصاروا هم اليهود الأشكيناز الذي أقام غالبهم في شرق أوربا)؟.

    فى عهد عمر ابن الخطاب، وبعد فتح مدن من فارس، اتجه الغزو إلى طبرستان فكتب قائد جيوش المسلمين إلى حاكمها كتابا جاء فيه، (إنك آمن.. وتتقى من ولى فرج أرضك بخمسمائة ألف درهم من دراهم أرضك)، أي إن دفعت من غلة أرضك هذا المبلغ ؛ وبعد طبرستان سارت جيوش الغزو إلى أذربيجان ففتحوها وفرضوا عليها الجزية، ثم تلى ذلك غزو أرمينيا.

    بذلك شرع المسلمون يدخلون مناطق التتار ويدخلونهم إلى عالم الإسلام.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    إعادة ترتيب التاريخ الإسلامي "2"
    المستشار : محمد سعيد العشماوي





    منذ عهد المعتصم (أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد) سنة 833م بدأت الخلافة تعتمد على التتار (وقد قيل إنهم ترك) بدلا من الفرس، الذين كانت قد ركنت إليهم الخلافة العباسية الأولى، منذ أن بدأت.

    بعد المعتصم تولى الخلافة الواثق بالله ابنه، ثم المتوكل على الله ابن الواثق سنة 847م وفى هذا المدى القصير (عشر سنوات)، ارتفع شأن التتار (الترك) واشتد بأسهم وغلب استبدادهم، فسلبوا المتوكل كل سلطة وجعلوه مجرد صورة، لا عمل لها ولا نفع منها، حتى قال المتوكل يصف حاله تلك:
    أليس من العجائب أن مثلي
    يرى ما قل ممتنعا عليه
    وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا
    وما من ذاك شيء في يديه

    فإذا كان الخليفة العباسي قد صار إلى هذه الحال التي يصفها بنفسه، فيقول ما يعني إن التتار (الترك) يأخذون الدنيا كلها بإسمه، ويداه صفر من كل شىء وأي شيء أخذوه بإسمه ذاك، فكيف يقال إن هذا العصر هو ذات العصر العباسي، ولا يوصف بوصفه الحقيق، وهو العصر التتاري (التركي) الأول؟

    لقد كانت في نفوس هؤلاء التتار غصص منذ استذلتهم العرب، فما إن سنحت لهم الفرصة، حتى قبضوا عليها بشدة، وركبوا الموجة بحدة، وبدأ بهم عهد أدنى إلى عهود الإرهاب، فلقد أغووا المنتصر – أو أغراهم هو – بقتل أبيه المتوكل فقتلوه، وولوا المنتصر خليفة، ولم يحكم غير بضعة أشهر، وولوا بعده المستعين بالله، ثم المعتز بالله الذي قتلوه شر قتلة، وولوا الخليفة المستكفى ثم سملوا عينيه وحبسوه حتى مات، ومنعوا عن القاهر أي زاد أو مؤونه حتى أنه تكفف الناس يسألهم ما يعينه على المعاش، بعد أن خلعه التتار.

    وزاد على ذلك أنه لم يعد الأمر في يد قادة الجيش وجنوده، بل وأصبح للخدم سلطان بالغ، واستكثر الخلفاء من هؤلاء الخدم ليستعينوا بهم حتى أنه كان للمقتدر بالله (908-932م) من الخدم والخصيان 11 ألف شخص وكان يقدم هؤلاء الخدم ويستعين بهم، وولاهم قيادة الجند وغيرها من الرياسات، وأدى ذلك إلى استشراء الفساد والرشوة، وإلى تبادل المصادرات والإغتيالات بين الخلفاء من جانب والوزراء والقواد من جانب أخر، فضعف شأن السلطة المركزية في بغداد، وطمع العمال والولاة في أعمالهم وولاياتهم فبدأ استقلال الإمارات والممالك، وظلت الحال في هذا التردي، تزداد سوءا على سوء، حتى انهار حكم التتار في أيام المستكفى (944-946م) فدخل الديلم الفرس بغداد، وبدأ عصر الفرس الثاني.

    في العصر العباسي الثاني، كالعصر السابق له، كان للموالي باع طويل في العلوم والشعر والتاريخ والترجمة.

    فمنهم في الشعر، ابن الرومي (أبو الحسن على ابن العباس ابن جريج) وفى الأدب: الجاحظ (أبو عثمان عمرو ابن بحر)، وابن أبى الدنيا (أبو بكر عبيد الله ابن محمد) وكان مؤدب المكتفى بالله، وقدامة ابن جعفر، وابن عبد ربه (أبو عمر أحمد ابن محمد القرطبي)، وأبو بكر الصولى (محمد ابن يحيى).

    وفى النحو: أبو العباس ثعلب (أحمد ابن يحيى ابن زيد)، وابن ولاد (المصري)، وأبو جعفر النحاس (أحمد ابن محمد ابن إسماعيل)، وأبو القاسم الزجاجي (عبد الرحمن ابن إسحاق).

    وفى التاريخ: ابن عبد الحكم (عبد الرحمن ابن عبد الله)، البلاذرى (أبو جعفر أحمد ابن يحيى)، محمد ابن حبيب (أبو جعفر)، وعمر ابن شبه (أبو زيد عمر)، وابن طيفور (أبو الفضل أحمد ابن أبى طاهر)، واليعقوبى (أحمد ابن أبى يعقوب)، والطبري (أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري)، وأبو زيد البلى (أحمد ابن سهل).

    وفى الجغرافيا: ابن خرداذبة (أبو القاسم عبيد الله ابن أحمد)، وابن رسته (أبو على أحمد ابن عمر)، وابن فضلان.

    وفى الحديث: البخاري (أبو عبد الله محمد ابن أبى الحسين مسلم ابن الحجاج)، ابن ماجه (محمد ابن يزيد).

    وفى الفلسفة: الفارابي (محمد ابن طرخان).

    وفى الطب: ابن ماسيويه (أبو زكريا يوحنا)، ابن سهل (سابور ابن سهل)، والرازي (أبو بكر محمد ابن زكريا).

    غلبة التتار (الترك) على الحكم والسلطان كان من نتائجها أن ظهر بين العلماء والأدباء، في عصرهم ذلك، تتار منهم، أشهرهم هو البخاري صاحب أهم صحيح في كتب الحديث، إذ هو من بخارى وتقع في جمهورية أوزبكستان وعاصمتها سمرقند، من بلاد التركمستان الغربية، وكذلك مسلم تلميذه فهو من نيسابور التي تقع بالقرب من بخارى.

    هذا مع بقاء الموالي، أو المسلمين غير العرب، مهيمنين ومسيرين لحركة الفكر والفكر الديني، ومنهم الطبري، صاحب تاريخ الطبري الشهير وتفسير القرآن، فهو من طبرستان، وكانت منطقة بين بلاد فارس والتتار، وهى الآن في إيران.
    وفى هذا العصر (العباسي الثاني التتاري التركي) ترجم سعيد الفيومي (282هـ) وهو إسرائيلي من مصر، كتب موسى الخمسة من التوراة إلى العربية، كما ترجم سفري أشعيا وأيوب.

    لما ضعفت سلطة الخلفاء ووهنت قوتهم، استقلت بعض المماليك بالحكم، فقامت في العراق وفارس المملكة البويهية، ملوكها آل بويه من فارس، وهم من الشيعة العلوية، والمملكة السامانية في تركستان، والمملكة الزيادية في طبرستان، والمملكة الغزنوية بأفغانستان والهند، والخلافة المروانية بالأندلس، والخلافة الفاطمية بمصر.

    واستطاعت المملكة البويهية أن تسيطر على الخلافة في بغداد في عصر المستكفى (944-946) فبدأ بذلك العصر الفارسي الثاني، وهو عصر شيعى علوى، رفع منار التشيع وأحيا معالم دعواه ونتج عن هذا العصر تقويض نفوذ التتار (الترك) واستمرار ضعف سلطة الخلافة.

    وفى بيان وضع وفضل الفرس في هذا العصر، يقول الشاعر (أبو الفضل السكري):
    من مثل الفرس ذوى الأبصار
    الثوب رهن في يد القصار
    وتوالى بروز دور الموالى وتكاثرت أنشطتهم في الشعر والآداب والعلوم، ففي الشعر ظهر كشاجم (أبو الفتح محمود ابن الحسين)، وابن هاني الأندلسي (أبو القاسم محمد)، ومهيار الديلمى (أبو الحسن مهيار).

    وفى الأدب والرسائل: ابن العميد (أبو الفضل محمد)، والأصبهانى (أبو بكر محمد ابن العباس)، وبديع الزمان الهمذانى (أبو الفضل أحمد ابن الحسين)، والثعالبي (أبو منصور عبد الملك ابن محمد)، والأجهانى (على ابن الحسين أبو الفرج) والقيرواني (أبو العباس حسن ابن رشيق).

    وفى النحو: ابن خالويه (أبو عبد الله الحسين)، والزبيدى (أبو بكر محمد) وابن جنى (أبو الفتح عثمان).

    وفى اللغة: المطرز البارودي (أبو عمر محمد ابن عبد الواحد)، وأبو أحمد العسكري، وابن فارس (أبو الحسين أحمد ابن فارس)، والجوهري (أبو نصر إسماعيل ابن حماد)، والقزاز (أبو عبد الله محمد ابن جعفر القيرواني)، وابن سيده (الحافظ أبو الحسن المرسى الأندلسي).

    وفى التاريخ: الأصفهاني (حمزة ابن حسن)، ومكسويه (أبو على الخازن)، والعتبى (أبو النصر محمد ابن عبد الجبار)، وهلال الصابى (أبو الحسن ابن المحسن)، وفى الجغرافيا: الأصطرخى (أبو اسحاق الفارسي).

    وفى الفلسفة والعلوم: ابن سيناء (أبو على الحسين ابن عبد الله)، والبيروني (أبو الريحان محمد أحمد).
    في 1055 سنة 447 بدأ عهد جديد للتتار الترك السلاجقة، فقد وهنت مع الأيام قوة وسلطة البويهيين في بغداد وفارس، كما ضعفت أحوال الفاطميين في مصر، وكلاهما من الشيعة، فالبويهيون شيعة إمامية علوية، والفاطميون شيعة إسماعيلية، وفى ذلك الوقت ظهرت أمة (جماعة) ذات سلطان وبطش في منطقة تركستان الغربية (التتارية) يتزعمها سلجوق ابن بكباك، وهو أمير تتاري تركي، ولكي يحقق مطامعه في السيطرة على الخلافة الإسلامية فقد أسلم (رئاء) هو ورجاله، وقاد جيشا جرارا من التتار، فقطعوا نهر جيجون وهم يقتحمون ويكتسحون حتى امتد سلطانهم من أفغانستان إلى البحر المتوسط (الأبيض) ثم تقطعوا في إمارات، فالسلاجقة العظام حكموا من 429-552هـ، وسلاجقة كرمان من 433-583هـ.وسلاجقة الشام من 487-511هـ، وسلاجقة العراق وكردستان من 511-590هـ، وسلاجقة بلاد الروم من 470-700هـ، أي إن السلاجقة حكموا مناطق متعددة وشاسعة نحو ثلاثة قرون، وبلغ اتساع مملكتهم من حدود الهند إلى آخر حدود الشام، ودخلوا بغداد سنة 447هـ-1055م، فبدأ بذلك عهد التتار (الترك) الثاني، على ما سلف. وكان أهم وزرائهم نظّام الملك وهو الذي كان الدافع الحقيق لما كتبه أبو حامد الغزالي، بما فيه من تناقض وتهاتر ووهن (يراجع في ذلك كتابنا: العقل في الإسلام)
    وخلال فترة سيطرة التتار على الخلافة العباسية (التي كانت مجرد دمى ومحض صور) بدأت الحملات الصليبية، فسيطر الصليبيون على بلاد الشام مدة 90 عاماً (492-582هـ).


    وفى أواخر عصر السلاجقة ظهر جنكيزخان القائد المغولي فحمل على بلاد العالم الإسلامي – على ما أنف بيانه – فخرب مدنها وأحرق مكاتبها وقتل أهلها بما لم يسبق له مثيل، ثم ظهر بعد منه هولاكو التتاري الذي غزا بغداد وخربها وقتل الخليفة المستعصم (656هـ-1258م). وكان نتيجة هذا الإضطراب السياسي، وما أدى إليه من تخريب وتحريق، أن عمد بعض العلماء إلى حفظ ما بقى من الكتب، واكتنازها بالتلخيص والجمع، مع حذف الأسانيد والمراجع، حتى يمكن جمع كثير من الحقائق في حجم صغير، ويكون الكتاب الواحد زبدة عشرات من الكتب، وهذا ما فعله ياقوت بمعجمه، وابن خليكان بوفياته، وابن أبى صبيعة بطبقاته. وهكذا.

    وكانت ثمة نتيجة أخرى مهمة هي انتقال جانب كبير من الشعر وغيره إلى مصر، خاصة في نهاية حكم الفاطميين، وسلطان الأيوبيين (567-650هـ).

    فظهر في مصر من الشعراء ابن قلاقس (أبو الفتوح نصر الله الملقب بالقاضي الأغر)، وابن سناء الملك (هبة الله ابن القاضي الرشيد والملقب بالقاضي السعيد)، وابن النبيه (على ابن محمد ابن الحسين كمال الدين)، وابن شمس الخلافة (أبو الفضل جعفر)، وعمر ابن الفارض (أبو حفص عمر ابن أبى الحسن)، وجمال الدين ابن مطروح، وسيف الدين البار وقى، وبهاء الدين زهير (أبو الفضل ابن محمد ابن على المهلبى).

    وظهر في الإنشاء: القاضي الفاضل (عبد الرحيم ابن على) وفى النحو: ابن ما يشار، ومن الذين ظهروا في بغداد: الزمخشرى (أبو القاسم محمود) وهو تتاري من خوارزم، وكان إمام عصره في اللغة والنحو والبيان والتفسير والحديث، وناصر المطرزى (أبو الفتح ناصر) وهو تتاري من خوارزم كذلك.

    وظهر فيها -كما سلف- أبو حامد الغزالي (محمد ابن محمد ابن أحمد) وهو فارسي ولد في طوس ونشأ فيها ثم انتقل إلى بغداد، والشهرستانى (صاحب كتاب الملل والنحل)، ومحى الدين ابن عربي (وقد ولد بمرسية بالأندلس) ثم نزح إلى بغداد، هذا فضلا عن ابن رشيد (أبو الوليد محمد ابن أحمد) المولود بقرطبة بالأندلس.

    سقطت بغداد في قبضة المغول (وجحافلهم من التتار) 656هـ-1258م، وبذلك صارت أكثر بلاد العالم الإسلامي في قبضة المغول والتتار (الذين يسمون خداعا بالترك)، فقد امتدت سلطة المغول (التتار) من حدود الهند شرقا إلى حدود سوريا غربا، تتخللها بلاد في سيادة الفرس فترة قصيرة، وبلاد تحت حكم المماليك، وهم تتار وشراكسة وقوقاز.

    فقد كانت مصر والشام في حوزة السلاطين المماليك من 648م-938هـ، وكانت آسيا الصغرى في حوزة السلاجقة ثم أخذها العثمانيون، وكلاهما من التتار (الترك)، وكانت العراق وفارس في سلطة السلطنة الألخانية، وهى مغولية (تتارية)، ثم صارت فارس إلى الحكم التيمورى، وهو مغولي (تتاري)، وتخلل ذلك فترات صارت فيها الأحوال إلى إمارتين في فارس (الجلايرية والمظفرية) وإمارتين في آسيا الصغرى (القراقيونلية والأقاقيونلية)، وكانت تركستان وأفغانستان في يد الشفطائية، ثم صارتا إلى قبضة التيمورية، وكلتاهما مغولية (تتارية).

    ونظراً لسيادة المغول (التتار) على بلاد العالم الإسلامي بأجمعها فقد انحصرت سيادة العرب في اليمن والمغرب، ذلك أن اليمن تجزأ في إمارات صغيرة هي زبيد وصنعاء وعدن، وأما المغرب فقد تقطع في ممالك هي تونس والجزائر ومراكش وغرناطة، بعضها يحكمه العرب وبعضها في سيادة البربر، أما الهند فلم يفتح المغول منطقة دلهي، إلا بعد ذهاب هذا العصر.
    وفى 897هـ-1492م فر من غرناطة بالأندلس (جنوب أسبانيا) أبو عبد الله محمد آخر ملوك الطوائف.

    فاكتساح المغول (التتار) للعالم الإسلامي نحّى العنصر العربي، وهدد اللغة العربية ذاتها، لولا أن القرآن هو الذي أبقاها حية فعالة، خاصة وقد ترتبت عليه علوم عدة كالتفسير والتاريخ والحديث والفقه وغيره.

    في 1516 استولى العثمانيون على بلاد الشام، وفى 1517 استولوا على مصر، ونقلوا الخلافة إلى أسرتهم، وإن ظلوا يلقبون بالسلاطين، والعثمانيون – كما سلف – هم في الأصل تتار (من تركستان الغربية) أو شراكسة (من بلاد الشركس)، وهى منطقة تقع في جنوب شرق الروسيا الأوربية، بين البحر الأسود ونهر كوبال من جهة، ومنطقة القوقاز الكبرى من جهة أخرى. وقد ترك الشركس المسيحية واعتنقوا الإسلام في القرن 17، وكانت تركيا تقوم بحكم شركسيا، أي بلاد الشركس، حتى نزلت عنها للروسيا 1829.

    وظلت مصر في حكم المماليك، الذين كانوا يدفعون جزية إلى السلطنة العثمانية (وهى جزية ظلت مصر تدفعها وتسمى الصدّة، ربما من قبيل السهو والخطأ، حتى 1955) إلى أن تولى محمد على الكبير حكم مصر 1805، فبدأت مصر الحديثة، وهو ما تداعى إلى باقي البلاد العربية التي شرعت تباعا في الإستقلال وإقامة نظام الدولة الوطنية.


    من العرض السالف، على إيجازه، يخلص أن إعادة ترتيب أوارق التاريخ الإسلامي، والنظر إليها من خلال أسلوب علمي نظامي، واضح ومطرد، لابد أن يؤدى إلى تغيير كثير من المفاهيم، وتبديل عديد من المعاني، وتقويض وفير من الدعاوى ؛ وهو أمر مع لزومه وضرورته، قد يصدم مشاعر غير سوية، ويفجر عواطف غير ناضجة، ويرهق عقولا غير متزنة، فضلا عن أنه لابد أن بستثير أصحاب الدعاوى التي تقوم على الجهالات وتتحرك بالشعارات وتستفيد من الضلالات.


    فنتيجة للفهم والتقييم (التقويم) العلمى النظامى الواضح المطرد، ينتهى النظر في التاريخ الإسلامي إلى ما يلي:

    (أولاً) السلطة السياسية (الخلافة أو السلطنة أو الإمارة أو غيرها) لم تكن إسلامية أبدا، بعد عهد الخلفاء الراشدين، بل وكانت ضد تعاليم الإسلام، ما دام قوامها العنصرية وأساسها الشمولية وصميمها العدوانية.

    فالخلافة الأموية المروانية كانت عربية أعرابية، تعصبت للعنصر العربي، وحكمت بكل جلافة البدو وكل صلافة الجهل، حتى أنها قصَرت الإسلام على العرب وحدهم، ولم تفهمه أو تُعمله كشريعة إنسانية عامة، مما تأدى بها إلى أن تفرض الجزية على المسلمين من غير العرب، بإعتبارهم عبيدا لهم وتُبَّعاً، لا يحررهم الإسلام من الجزية التي لا تفرض بنص القرآن إلا على غير المسلم، إن رغب أن يدخل في عهد أو ذمة المسلمين.

    والخلافة العباسية قامت بجهود وحروب الفرس الموالى، الذين ثاروا على الخلافة الأموية المروانية، كرد فعل للعنصرية العربية والجهالة البدوية، ورغبة منهم في رفع نير الذل والإستعباد الذي فرضته عليهم، وعلى غيرهم من المسلمين غير العرب، خلافة بدوية جافية ظالمة.

    ولما نجح الفرس في إقامة الخلافة العباسية سيطروا عليها تماما، في عهدها الأول، فكانت عباسية اسما وفارسية فعلا، وفى هذا الحكم الفارسي تجلت النعرة العنصرية وتبدت الجفوة الإنتقامية، من العرب ابتداء، ثم من غيرها تباعا.

    وسقط الحكم الفارسي فحل محله الحكم التتاري (الذي يقال إنه حكم الترك، دون بيان للحقيقة أو إيضاح للواقع)، لقد بدأ العرب بغزو بلاد التتار (تركستان الغربية) واستولوا عليها وتسيدوا على شعوبها، غير أن هؤلاء التتار أدركوا قوانين اللعبة، واستعدوا للمنازلة والمصارعة، فاعتنقوا الإسلام (ولو ظاهريا) ثم نفذوا إلى سدة الحكم وشدة السلطة، فقبضوا عليهما بقوة، وحولوا الخلفاء إلى دمى في أيديهم وصور أمام الناس.

    وتداول السلطة، في الخلافة العباسية، كل من الفرس والتتار، حتى آلت إلى السلاجقة التتار، ثم إلى العثمانيين التتار كذلك. (ثانياً) أن العنصر الذي حكم البلاد الإسلامية أطول فترة هو العنصر التتاري، سواء قيل إنه المغول (فالتتار من أرومة وأصول مغولية، أي إن المغول تتار، وأن التتار مغول. أو على الأقل فإن المغول قادوا التتار زمنا، حتى انفرد التتار بمسرح التاريخ) أو قيل إنه العنصر التركي، فالتركية لغة أطلق منها اسم التحرك على المتحدثين بها، بعد أن اتخذ لفظ التتار معنى سيئا نتيجة ما كانوا يفعلونه في الحروب من قضاء على الزرع والضرع، بما يشبه عمل الجراد عندما يحط على مناطق مزروعة خضراء فيتركها وقد صارت أعوادا يابسة، غير أنه من المؤكد أن دولة تركيا الحديثة، والتى أصبح الفهم الدارج يتصور أن الترك متصلون بها أو قادمون منها، لم تكن قد نشأت في العصر العباسي الثاني – عصر التتار – وقد قامت كدولة في أسيا الصغرى من قبائل تتارية نازحة 1281م، 680هـ.


    فالتتار – الذين قيل إنهم ترك – حكموا عصرين إبان الخلافة العباسية، ثم نزعوا الخلافة من العباسيين ونقلوها إليهم إثر غزو مصر 1517م، هذا فضلا عن أن المماليك الذين حكموا مصر والشام وامتد نفوذهم إلى أرض الحجاز هم تتار في الأغلب، أو شراكسة (وهم أبناء عمومة التتار)، أما العثمانيون فهم تتار نزحوا إلى آسيا الصغرى واستولوا عليها، والسلطنة الغزنوية في أفغانستان وفى سلطنة دلهي هي سلطنة مغولية (أي تتارية) وهكذا دواليك، على نحو ما سلف.
    (ثالثاً) أن نسبة التاريخ الإسلامي إلى الإسلام ذاته إهانة للدين وإساءة للشريعة. فهذا التاريخ هو تاريخ صراع القبائل، وتاريخ العنصر التتاري، وهو بهذه المثابة مرحلة من مراحل الترايخ الإسلامي، لا ينبغى أن يفرض على الإسلام ذاته، ويصبح هو النموذج الديني والمثل الشرعى، حتى لا يؤدى بالمسلمين إلى أن يأتموا بأعمال التتار وأن يتطبعوا بسلوكياتهم الوحشية العدوانية الفتاكة. (رابعاً) أن أهم الأشخاص الذين أثروا في الفكر الإسلامي وصاغوا عقلية المسلمين، ولم يزالوا مؤثرين فعالين هم فرس أو تتار، فمن الفرس أو حامد الغزالى والطبري، ومن التتار (الترك) البخاري ومسلم، هذا فضلا عن أن ابن سينا من أفغانستان وقد نزح إلى بخارى التتارية، وأن كلا من الجوهرى (واضع قاموس الصحاح) والزمخشرى تتاري.
    (خامساً) أن إخفاء الحقائق بتغيير لفظ التتار إلى لفظ الترك (وهو في الأصل إسم للغة لا للجنس)، أو بإستعارة أسماء عربية بدلا من الأسماء الفارسية أو التتارية وضع مضلل وحال مبلبل، إذ أدى ويؤدى بالمسلمين إلى فهم المسائل على غير حقيقتها وتقدير الوقائع تقديراً مخالفاً لأصولها – فحين يقال عن التتار خطأ بأنهم ترك فإن ذلك يوحى بأنهم من الترك العثمانيين الذين أقاموا سلطنة في آسيا الصغرى، وصاروا خلفاء المسلمين من 1517 حتى 1924م مما فرض على المسلمين احترامهم، بحسبانهم الخلفاء وحماة الحرمين، ورسب في نفوس عامة تقديراً لهم ينسحب بطبيعة الحال إلى من يوصفون خطأ بأنهم أتراك، وهم في الحقيقة تتار، كما أن العثمانيين أنفسهم تتار.

    وحين يقرأ المسلم العادي اسم أبى حامد الغزالي أو إبن جرير الطبري أو أبى عبد الله البخاري أو أبى الحسين مسلم القشيري، وغير ذلك من أسماء يقر في نفسه أنهم مسلمون عرب، فيأخذهم على هذا المحمل، ويقدر أفكارهم في ذلك الإطار، مع أن معرفة مكان الميلاد والنشأة وحقيقة الجنس واللغة الأم أمور وشروط لابد منها – في صحيح العلم وصحيح الفهم – لتقدير أعمال الكاتب أو الباحث أو الفيلسوف، إذ قد يكون قد تشرب أفكارا من بيئته الأولى خلال طفولته أثرت في مفاهيمه ووجهت كل تقديراته، حتى وإن لم يدرك هو ذلك، كأن تترسب في أعماق الفارسي أفكار وممارسات فولكولورية فيها الكثير من الزرادشتية أو المجوسية فينقلها إلى الفكر الإسلامي، بوعي منه أو دون وعي ؛ هذا بالإضافة إلى أن بعض الفرس وبعض التتار كان يحمل بغضا شديدا للعرب، ربما دفعه إلى التأثير السلبى على الفكر الإسلامي ذاته تنفيسا عن ذلك تقاة أو يتصور خلافه عماء.


    فهل يمكن أن تكون هذه الدراسة مفتاحاً لمنهج جديداً يبدأ به المسلمون إعادة فهم تاريخهم وتقييم أفكارهم!؟ لعل وعسى.




    saidalashmawy*************
    القاهرة

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    النزعة المركزية الإسلامية
    عادل الحريرى




    على مستوى التاريخ


    1 - يوجد لدى الثقافة الإسلامية السائدة قديما وحديثا اعتقاد راسخ بأن العالم لم يعرف فترة مثالية من تاريخه سوى عصر سيادة الإسلام. ومع الانتقادات التى وُجهت للدولة الإسلامية صار من المعترف به فى الفكر الإسلامى أن الدولة الإسلامية بحق هى دولة الرسول والخلفاء “الراشدين” (نحو 40 سنة فقط) ويقصرها البعض على عهدى أبى بكر وعمر بالإضافة طبعا لعصرمحمد. وقد شهدت هذه الفترة من تاريخ الإسلام ما عُرف باسم حرب الردة البالغة الضراوة ثم الغزوات الإسلامية الكبرى وما صاحبها من أعمال عنف رهيبة فى الشرق الأوسط كله، ومما يُعرف ب”الفتنة الكبري”فى آخر فترة حكم عثمان ابن عفان بسبب الفساد المعمم بإقرار معظم ُكتاب التاريخ المسلمين، الذى حكم لمدة 12 عاما متضمنة حروبا دموية بين المسلمين فى معركة الجمل ومعركة صفين اللتين قُتل فيهما عشرات الألوف من المسلمين، والمعارك الدموية بين الدولة والخوارج، وانقسام الإسلام إلى سنة وشيعة وخوارج وغيرها من المذاهب المتحاربة،. وما يميز هذه الفترة من وجهة النظر الإسلامية السنية أن الحكام قد تم اختيارهم وفقا لمبدأ الشورى كما كانوا يلتزمون بتطبيق الشرع الإسلامى فعليا، وبالتالى كان العدل مطبقا بالمفهوم الإسلامى للعدل. بعد ذلك جاءت الدولة الأموية كملك عضوض ولم يعد الحكام يلتزمون بالشريعة بل راحوا يستخدمون الفقهاء لصالحهم وتغلبت المصالح "الدنيوية" على تصرفات الحكام. وقد تناول أبو الحسن الندوى هذه القضية بالتفصيل فى كتابه سابق الذكر: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟، مقارنا بين فترة حكم الخلفاء "الراشدين"، شاملين عمر ابن عبد العزيز، وبقية العصور السابقة على الإسلام واللاحقة على ما أسماه بانحطاط المسلمين معتبرا العصر الإسلامى هو العصر الذهبى للعالم. وتتبنى الثقافة الإسلامية بوجه عام الأفكار المطروحة بالكتاب المذكور، ويجتر الإسلاميون نفس الكلام لدى مقارنتهم تاريخ الإسلام بتاريخ الشعوب المختلفة وخصوصا تاريخ الغرب.


    2 - إن تحديد فترة 40 سنة فقط (42 إذا شملت فترة حكم عمر ابن عبد العزيز) كتاريخ الإسلام أمر فيه تعسف واضح. ولا يلتزم عموم الإسلاميين بهذا بل يلجأ الكثيرون تلقائيا للافتخار بعصور لاحقة شاملة أحيانا كثيرة العصر العثمانى. بل وبالافتخار بإنجازات علماء “مسلمين” من "الكفار"أو المتهمين ب"الكفر" من قبل الرأى العام المسلم. فتحديد تاريخ الإسلام يتم وفقا لمعايير مختلفة حسب الظروف؛فهو تاريخ الحاكمية تارة وتاريخ الثقافة الإسلامية تارة أخرى. ويستمر نفس المنهج الانتقائى حين يقوم الإسلاميون بترشيح (filteration) التاريخ الإسلامى، فما هو مشابه لتاريخ أمم "الكفار" يُعد انحرافا عن الإسلام وكثيرا ما يُعد “تأويلا خاطئا” إذا كان يمس الصحابة، ويفسر “الانحراف” إما بأن المسلمين قد تخلوا عن دينهم أو أن "الكفار" قد تآمروا عليهم واندسوا وسطهم ودفعوهم للانحراف. أما الفكرة الإسلامية غير المطبقة إلا لأربعين سنة فلم تخل من “الأخطاء” بسبب العناصر المندسة من "الكفار" (مثل عبد اللـه ابن سبأ المزعوم) أو حسن النية الزائد (مثلما يُفسر مثلا فساد عثمان ابن عفان ومعاوية ابن أبى سفيان) . وتستمر الانتقائية حين تتم محاولات البرهنة على عظمة تاريخ الإسلام بمجرد ضرب أمثلة متناثرة وفردية وتتعلق بشخص الحاكم أحيانا لا بالنصوص أو بنصوص لم تُطبق أصلا، دون الانتباه لأمثلة مضادة كثيرة للغاية تتعلق بنفس الموضوع.


    3 - لقد انتصر الإسلام على “كفار” العرب ثم توسعت دولته. ومن الأمور الشائعة لدى المؤرخين أن التاريخ يكتبه المنتصرون، لذا فقد سادت كتابة المسلمين لتاريخ الإسلام وصراعه مع المنهزمين من أعدائه وقليل هى كتابات المهزومين لهذا التاريخ وهى شهادات متناثرة بينما اعتمد المستشرقون أساسا على المصادر الإسلامية. ومع ذلك جاء التاريخ الإسلامى ليصور الدولة الإسلامية تصويرا غير مثالى على الإطلاق. ومع ذلك تتصور الثقافة الإسلامية المعاصرة أن هذا التاريخ كان فى مجمله تحقيقا للقيم النبيلة والمثل الفاضلة بعكس تاريخ الغرب الذى يتم عرضه إسلاميا عادة بصورة بشعة. كما لجأ المنتصرون وحتى الإسلاميون المعاصرون إلى عرض حياة العرب قبل الإسلام فى صورة منفرة وتصويرهم كقوم من الهمج قليلى الحيلة غير المتحضرين، لطمس عصر ما قبل الإسلام من جهة وللبرهنة على إعجاز الدين الجديد الذى نشأ حسب هذا التصوير للعرب بدون أساس اجتماعى مهد له من جهة أخرى. وهو أمر لا يمكن تصوره مع وجود هذه اللغة المتماسكة والفصاحة والشعر الذى أنتجه “كفار” العرب. وقد لجأ المنتصرون إلى كل ما من شأنه طمس التراث العربى القديم من أشياء كان يمكن أن تُعد من الآثار، مثل اللهجات العربية بخلاف لهجة قريش ولغات العرب الأخرى غير العربية، ذلك أنها لغات "الكفار"، فالمنتصرون قد اعتبروا لغة القرآن هى “اللغة” وما عداها مجرد رطانة وأن لغة قريش هل اللغة العربية الجيدة وفقا لسيبويه حسب ما ذكر جواد على الذى نقل أيضا عن الرافعى قوله: “ اعتبروا لهجات العرب لعهدهم كأنها أنواع منحطة خرجت عن أصلها القرشى بما طرأ عليها من تقادم العهد وعبث التأريخ، فلم يجيئوا ببعضها إلا شاهداً على الفصاحة الأصلية فى العربية وخلوّها من التنافر والشذوذ، وتماماً على الذى جمعوه من أصول العربية، وتفصيلاً لكل شيء إلا التأريخ“.


    ومن المؤكد أن العرب لم يكونوا من الشعوب المتقدمة ولكن لم يكونوا أيضا مجرد همج، وقد ظهرت لديهم دول وحكومات مثل كندة والحيرة ودولة الغساسنة وغيرها على سواحل الخليج بخلاف ممالك اليمن، بل وعرفت مكة نفسها شكلا من الحكومة الديموقراطية إلى حد كبير. ولم يكونوا مجرد قتلة ولصوص بل كانت مكة مركزا تجاريا عالميا ومورست أشكال من التنظيم الاجتماعى المتماسك إلى حد ما وعرفوا قدرا كبيرا للغاية من التسامح الدينى والانفتاح الثقافى وإن لم يظهر لديهم فلاسفة ومفكرون بل “حكماء” اعتمدوا على نشر أفكارهم بالشعر. كل هذا يوجد متناثرا وعرضا أحيانا فى كتب التراث الإسلامى نفسها. فى الواقع يمكن تتبع بدايات الإسلام فى أديان العرب السابقة نفسها بل وكذلك الكثير للغاية مما أتى به من قيم وطقوس للعبادة ومن نافلة القول أن الدولة الإسلامية قد أُقيمت بسواعد العرب أنفسهم ولم تأتى ملائكة لإنشائها وإذا كانت قد نفت ونقضت أوضاعا سابقة فقد احتفظت أيضا بالكثير مما كان. ولذلك ننظر إلى محاولات الإسلاميين تصوير الأمر كأن الإسلام قد حول العرب من كائنات دنيا إلى ملائكة على أنها مجرد محاولة لإبراز المصدر الإلهى للإسلام الذى جاء – زعما – ليستبدل الظلام بالنور.. تضخيما لدور الإسلام على حساب السابقين؛"الكفار". ورغم احتفاظ الإسلام بالكثير من ثقافة "الجاهلية" مثل كثير من طقوس الحج، تعدد الزوجات وإن كان قد وضع حدا أقصى، تقديس الكعبة والحجر الأسود.. إلخ، يصر الإسلاميون قديما وحديثا على قلب هذه الحقيقة؛فيُقال أن تلك الطقوس والعادات كانت فى الأصل من الإسلام فى مرحلة النبى إبراهيم وأن العرب الوثنيين احتفظوا بها رغم ردتهم من دين إبراهيم إلى الوثنية وأن الإسلام بالتالى لم يأخذ شيئا من الجاهلية بل حافظ على ما كان من دين ابراهيم. رغم أنه لم يثبت فى التاريخ أن هناك شخصا نبيا اسمه ابراهيم أصلا ولا أن ديانته المزعومة تضمنت الطقوس المذكورة وكل ما هو معروف أن العرب الوثنيين كانت لهم طقوس وعادات احتفظ بها الإسلام. إنهم حتى ينفون أن الإسلام قد أخذ شيئا من الآخرين رغم وضوح ذلك ويصرون على العكس على أن"الكفار" هم الذين أخذوا بعض طقوسهم عن إسلام قديم مفترض.


    4 - وبينما وُجد فى الغرب كثيرون ينتقدون التاريخ الأوربى ويدينون ما ارتكبه أجدادهم من أعمال وحشية لا نصادف فى العالم العربى والإسلامى من يفعل نفس الشيء إلا نادرا. وكثيرا ما يتم اختزال تاريخ الإسلام فى الأربعين سنة الأولى بعد الهجرة النبوية تفاديا للاعتراف بالمساواة بين تاريخ الإسلام وتاريخ الغرب. ويُصور تاريخ الأربعين سنة كما لو كان المجتمع الإسلامى محكوم ب”قوانين”تختلف عن تلك التى تحكم المجتمعات الأخرى. فالصراعات الاجتماعية والدولية للمجتمع الإسلامى محكومة بأهداف مثالية عليا أما بالنسبة للآخرين فتتحكم المصالح المادية بل ويحركها الحقد الأعمى على الإسلام بلا مبرر واضح.


    5 - ليس المجال هنا لتحليل تاريخ الإسلام وما يعنينا هو إبراز كيف يستخدم الفكر الإسلامى معيارين للحكم على كل من تاريخ الإسلام وتاريخ الشعوب الأخرى، زعما أن الأول يتحرك وفقا لأهداف نبيلة وقيم فاضلة بعيدا عن المصالح "الدنيوية"، بينما يتحرك الآخرون وفقا لمصالح مادية ومنافع عابرة، ويُضاف لذلك من حين لآخر ما يُسمى الحقد الأعمى على الإسلام. وبذا يتصور الفكر الإسلامى أنه مثلما يقسم هو البشر إلى مسلمين و”كفار” ينقسم مسار التاريخ البشرى وتنقسم”قوانين”المجتمع إلى نوعين؛ منظومة للمسلمين وأخرى لل”كفار”. ومن الغريب أن الفكر الإسلامى القديم كان أكثر صراحة من الإسلام المعاصر حيث قدم المؤرخون المسلمون القدامى الوقائع بقدر من الحيادية وفسروا التاريخ الإسلامى أحيانا تفسيرا “دنيويا”؛نقصد واقعيا؛لا غيبيا، إلى حد ما. ونحن لا يعنينا هنا أن نقدم نقدا لتاريخ الإسلام وكل ما نريده هو إبراز كيف يتعامل الفكر الإسلامى المعاصر خصوصا مع التاريخ بمكيالين، وكيف يقوم بالتغطية على وحدة التاريخ البشرى من حيث طبيعة التحولات وارتباطها بمصالح اجتماعية وسياسية معينة؛أى "دنيوية".


    وسوف نقدم بعض الأمثلة العملية:




    يتبع .................

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    - مثل أية دولة شهدت الدولة الإسلامية ذات الأربعين سنة عددا من الحروب الداخلية. منها حروب محمد وحروب الردة التى ارتكبت فيهما وفقا للمؤرخين المسلمين- أعمال شديدة القسوة منها: تبادل القتل بين المسلمين و"الكفار" حرقا أو إلقاءً من أعلى الجبال، وقد ذكر ابن الأثير عن خالد ابن الوليد فى حروب الردة: ولم يقبل من أحد من أسد وغطفان وطيئ وسليم وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام فى حال ردتهم فأتوه بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم فى الآبار وأرسل إلى أبى بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة ابن هبيرة ونفرًا معه موثقين، كما قتل جيش أبى بكر كثيرا من الأسرى وأسر المدنيين من النساء والأطفال رغم أن بعضهم كانوا مسلمين مثل بنى جزيمة الذين قتلهم جيش خالد ابن الوليد وهم أسري والذى قتل أيضا بنى يربوع؛ قوم مالك ابن نويرة وسبى أهله حتى أفرج عنهم أبو بكر وسلمهم لأخى مالك؛متمم ابن نويرة مع الدية. واستمر كثير من النساء أسرى فى عهد أبى بكر الصديق حيث أفرج عنهم عمر ابن الخطاب حين صار خليفة‏، قائلا إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضًا وقد وسع اللـه عز وجل وفتح الأعاجم‏. ‏
    وأطلق سراح سبايا العرب إلا امرأة ولدت لسيدها وجعل فداء لكل إنسان ستة أبعرة أو سبعة إلا حنيفة وكندة فإنه خفف عليهم لقتل رجالهم فتتبع النساء بكل مكان . ‏


    ثم جاءت موقعة الجمل بين على ابن أبى طالب وحلف من عائشة بنت أبى بكر وطلحة والزبيرالمبَشران بالجنة وانتهت بهزيمة الحلف المذكور وقد قدرت مصادر التاريخ الإسلامى عدد القتلى بالآلاف، فذكر ابن كثير رقم عشرة آلاف بخلاف الجرحى الذين قال إنهم لا يُحصون كثرة، وذكرت مصادر أخرى رقما 13 و 20 ألفا من القتلى المسلمين، ومما ذكر ابن كثير بشأنها أنه “لم تر وقعة أكثر من قطع الأيدى والأرجل فيها من هذه الوقعة”. وتلتها معركة صفين بين على ابن أبى طالب والأمويين قُتل فيها حسب المصادر الإسلامية 70 ألف مسلم، بخلاف ما حدث من خداع وكذب بين المسلمين طلبا للسلطة وهو مطلب “دنيوي”. بل ولم تكن معركة الحسين مع يزيد ابن معاوية سوى صراعا على السلطة من قبل الطرفين الذى يُعد أولهما مقدس لدس الشيعة وإلى حد ما لدى السنة والقصة مروية بكل تفاصيلها فى عشرات من كتب التاريخ التراثية. فهل من الممكن تصور أن هذه الحروب الدموية كانت فى سبيل مباديء عليا مزعومة بينما كانت الحروب الأهلية فى بقية العالم ذات طابع دنيوي؟

    مع هذا رفض معظم أهل السنة محاكمة هذه المعارك محاكمة واقعية، أو “دنيوية” مثلما يحللون الصراعات التى شهدها الغرب. فيحرمون مثلا انتقاد “الصحابة”ومنهم المشاركين فى الحروب الأهلية المذكورة أعلاه، ويعتبرون أن الأطراف المتقاتلة فى الجمل وصفين قد تأول كل منهم وأن من تأول فأصاب له أجران ومن تأول فأخطا فله أجر حسب الحديث النبوى الشهير. إن القتل والخدع فى الحرب الأهلية واستخدام الدين كستار وغير ذلك من الأعمال البشعة لم تُدان إلا من الشيعة والمعتزلة خصوصا، وأقل القليل من أهل السنة. والمبرر الذى يُساق هنا شكلى تماما. فيستند علماء السنة إلى آيات من القرآن أو أحاديث تمتدح الصحابة عموما وتصفهم بأنهم أفضل البشر وتبشر بعضهم بالجنة مقدما، أى قبل حساب الملكين. وعلى أساس ذلك تُفسر كافة أفعالهم -أو أفعال بعضهم- كمجرد تأويلات حسنة النية. وهناك من السنة العملية ما يدعم مثل هذا المنطق. فعلى سبيل المثال رفض أبو بكر الصديق توقيع أية عقوبة على خالد ابن الوليد حين قتل كثيرا من المسلمين فى حروب الردة منهم مالك ابن نويرة، الذى قُتل رغم إعلانه الإسلام “وجعل رأسه – حسب رواية- أحد أثافى قدر طبخ فيها طعام” وتزوج زوجته، معتبرا إياه قد “تأول فأخطأ”. ومن قبل لم يعاقبه محمد نفسه حين قتل عددا كبيرا من المسلمين من بنى جزيمة لثأر شخصى كما قيل معتبرا إياه قد أخطأ ومقدما الدية لأهل القتلى دون حتى أن يعزل خالد ابن الوليد. ومن المعروف أن خالد كان قائدا عسكريا فذا حقق انتصارات كبرى للمسلمين فى المعارك فلم تكن خسارته أمرا يسيرا، وعلى هذا الأساس ُفسر عدم عقابه من قبل بعض الفقهاء بأنه من المصالح المرسلة)

    بل ومن الطريف أن من القرآن والأحاديث ما تم التغاضى عنه علنا فيما يخص قتال المسلمين معا، منها الحديث القائل:
    إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار (البخاري-31) ، فاعتُبر غير منطبق على المتحاربين من الصحابة. إذن يحق للصحابة ارتكاب أى عمل وكل ما فعلوه شاملا الفساد الواسع فى عهد عثمان وإنشاء الدولة الأموية بالسيف.. إلخ يجب تفسيره على أساس افتراض حسن النية بغض النظر عن آثاره فى التاريخ. إن إسالة الدماء والأعمال الوحشية والخيانات والغدر والصراع على السلطة والثروة تُفسر بمبدأ إذا كان هذا يتم فى عالم الصحابة المقدس وبمبدأ آخر إذا تم خارج هذا العالم، خصوصا إذا حدث فى بلاد "الكفار".


    أما بعد الأربعين سنة فحدث الشيء نفسه وعلى نطاق أوسع فى العصر العباسى: فاقت جرائم العباسيين سابقيهم من الأمويين، اذ بدأوا عهدهم بمجازر بشعة ضد الأمويين فى الشام ومناطق أخرى ناهيك عن قمع الثورات والانحلال الأخلاقى الذى تفشى فى ذاك العصر ونهب الأموال والإسراف والتبذير واكتناز الأموال. ومن الأمثلة الفاضحة حسب روايات إسلامية أن الخليفة هارون الرشيد خلف من الجواهر والأثاث والأمتعة سوى الضياع والدور ما قيمته مائة مليون و35 ألف دينار.


    أما مقتل أربعة من خمسة خلفاء “راشدين” ثلاثة منهم على أيدى مسلمين: عثمان وعلى وعمر ابن عبد العزيز، وأحدهم فى ثورة شعبية ومقتل نصف العشرة المبشرين بالجنة أربعة منهم بأيدى مسلمين، فلا يلفت انتباه الإسلاميين بما فيه الكفاية، وتُفسر هذه الوقائع وفقا لنظرية المؤامرة على الإسلام مع أن القتلة فى حالة عثمان وعلى وعمر ابن عبد العزيز كانوا مسلمين، وإن قتل الخلفاء بهذا المعدل لينقض الادعاء بالطابع المثالى لدولة “الراشدين”. ومما اعتاد أن يرد به الإسلاميون على منتقدى تاريخ الدولة الإسلامية أن يتهمونهم بسرد وقائع محدودة من ذلك التاريخ مهملين مجمل ما حدث فيه، بينما هم الذين يفعلون ذلك، ضاربين أمثلة فردية وجزئية ومقطوعة من السياق العام، وهى أمثلة يحفظها طلاب المدارس المسلمون لقلتها




    يتبع ....................

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    - شهدت الدولة الإسلامية طوال تاريخها فى الأربعين عاما وما بعدها عشرات الحروب الأهلية الدينية وغيرها وصراعات على السلطة والثروة قُتل فيها مالايُحصى من المسلمين و"الكفار".. مثلها مثل أية دولة أخرى. ومن أسباب تلك الحروب تسلط الحكام والتفاوتات الطبقية الهائلة واضطهاد المعارضين واضطهاد غير العرب فى العصر الأموى واضطهاد أهالى المستعمرات معظم الوقت، وأقيمت محاكم التفتيش وما يشبهها فى عدة عهود وابتدأت منذ عهد الخلفاء الأمويين المتأخرين والعباسيين المبكرين: المهدى والهادى والرشيد ثم المأمون والمعتصم الذين جندوا الجنود لمكافحة “الزنادقة”وقتلهم وحرق كتبهم، ومنها الفترة التى سيطر فيها فكر المعتزلة، العقلانيين المسلمين الذين اضطهدوا وقتلوا من لا يقول بخلق القرآن ثم اضُطهدوا هم أنفسهم وقُتل بعضهم بسبب قولهم بخلق القرآن!.

    كل هذا مذكور بكل التفاصيل فى كتب التراث الإسلامية ولا توجد مصادر بديلة تعطى صورة مختلفة. ولكن يقف الفكر الإسلامى عاجزا عن تبرير ذلك أو الاعتراف بمغزاه "الدنيوي" بشجاعة. وعادة ما يتم التشكيك فى كُتاب التاريخ وفى نية بعضهم. ومن الأمثلة الملفتة للنظر إنكار أحمد صبحى منصور، الإسلامى المستنير جدا لمذبحة قبيلة بنى قريظة اليهودية مدعيا أنه تم إجلاؤها مثل القبيلتين اليهوديتين الأخرتين وهو شيء لم يأت له ذكر فى أى مصدر إسلامى أو غير إسلامى.. وهو يستند فقط إلى النص المقدس؛ مستنتجا التاريخ من النص رغم أن حدثا كبيرا مثل ترحيل أو تصفية بنى قريظة ليس من السهل أن يُنسى من ذاكرة الرواة. كذلك أنكر مفكر مستنير مثل محمد سعيد العشماوى الإسلامى أيضا حوادث اغتيال المعارضين "الكفار" فى عهد محمد وبأوامر منه معتبرا أن هذا لا يمكن أن يصدر من نبى رغم أن تفاصيل التفاصيل لهذه الوقائع قد كُتبت بأيدى المؤرخين المسلمين الذين لم يشك أحد فى نياتهم تجاه الإسلام. ويشعر أبو عبد اللـه الذهبى بالمرارة أو يصاب بخيبة الأمل – على حد تعبيره- “و هو يتابع تفاصيل العصر الراشدى، وهو العصر الذهبى فى تاريخ الإسلام، فى حشود الروايات التى تقدمها مصادرنا القديمة، وعلى رأسها تاريخ الرسل والملوك للإمام الطبرى، فيجد البون شاسعاً بين ما يعهده من عدالة صحابة رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، من سلامة فى الاعتقاد واستقامة فى السلوك، وما كانوا عليه من خلق كريم، وبين ما تصوره الروايات التى نقلها الرواة والإخباريين على أنه الواقع التاريخي”.. أنه لا يستطيع أن يستخدم الوقائع للحكم على الناس بل يستند إلى النص المقدس القائل بعدالة الصحابة وحسن أخلاقهم، وهو لم يقدم معلومات تاريخية أخرى .


    - مثل أية دولة تنشأ على مبادئ مثالية شهدت الدولة الإسلامية فى البداية شيئا من البساطة خصوصا فى علاقة الحكام والمحكومين. ومن هذه المرحلة يستخدم الإسلاميون بعض الأمثلة للبرهنة على اختلاف الدولة الإسلامية عن غيرها مثل قصة جلد ابن عمرو ابن العاص وقصة مثول على ابن أبى طالب واليهودى أمام القاضى، وغيرهما. ولكن مع تبلور مؤسسات الدولة ومصالح الجماعات المختلفة بدأت تظهر أشكال من التمايز والصراعات الاجتماعية العنيفة كان أهمها الثورة التى حدثت فى آخر ولاية عثمان ابن عفان الذى رفض التنازل عن الحكم قائلا: “لا أخلع قيمصًا ألبسنيه اللـه عز وجل”.

    وقد ذكرت مصادر التاريخ الإسلامية الكثير عن مظاهر الثراء التى استشرت فى عهد الخلفاء "الراشدين" لجماعات معينة، خصوصا من الصحابة حيث تفاوتت “العطايا” التى قدمها الخلفاء من شخص لآخر ابتداء من عمر ابن الخطاب الذى غير سنة أبى بكر فى هذا وتراكمت بالتالى ثروات طائلة لدى معظم الصحابة خصوصا فى عهد عثمان ابن عفان. فعلى سبيل المثال ذكر المسعودى والذهبى وابن سعد نقلا عن آخرين أن عثمان ترك ثلاثين مليون وخمسمائة ألف درهم ومائة ألف دينار فانتهبت وخلف خيلاً كثيراً وإبلاً. وترك ألف بعير بالربذة وترك صدقات كان تصدق بها ببراديس وخيبر ووادى القرى بقيمة مائتى ألف دينار.

    وبعد سداد ديونه تبقى لورثة الزبير ابن العوام حسب ما ذكر ابن سعد خمسة وثلاثون مليون ومائتا ألف. وذكر المسعودى أن ماله بلغ بعد وفاته خمسين ألف دينار، كما خلف ألف فرس، وألف عبد وأمة.


    طلحة ابن عبيد اللـه التيمى: كانت غلته من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراة أكثر من ذلك، وشيد داره بالمدينة وبناها بالآجر وابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت

    أما عبد الرحمن ابن عوف فترك ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً، وكان فيما ترك ذهب ُقطع بالفؤوس ومما يدل على كثرة ماله أنه لما حضرته الوفاة أوصى بألف فرس وبخمسين ألف دينار فى سبيل الله، كما قيل إنه وقتئذ بكى بكاء شديداً فسُئل عن بكائه فقال‏: ‏ إن مصعب ابن عمير كان خيراً منى توفى على عهد رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم ولم يكن له ما يكفن فيه وإن حمزة ابن عبد المطلب كان خيراً منى لم نجد له كفناً وإنى أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته فى حياة الدنيا وأخشى أن أحتبس عن أصحابى بكثرة مالي


    أما عمرو ابن العاص فقد ترك عند موته سبعين بهارًا دنانير، والبهار‏: ‏ جلد ثور ومبلغه أردبان بالمصري، ولم يكن له مال قبل أن يولى أمر مصر. وذكر المسعودى أنه خلف “من العين ثلثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الورق ألف درهم وغلة مائتى ألف دينار بمصر وضيعته المعروفة بمصر بالوهط قيمتُها عشرة آلاف ألف درهم”، وذكرالذهبى أنه” خلف من الذهب قناطير مقنطرة”، وقد اتهمه عمر ابن الخطاب باستغلال منصبه فى جمع الأموال وصادر نصف ماله لحساب بيت المال مثلما صادر نصف أموال بقية عماله على الأمصار متهما إياهم: "أما بعد فإنكم معشر العمال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام وأورثتم الحرام".
    وعن طلحة ابن عبيد اللـه أنه باع أرضا له بسبعمائة ألف وكان يغل بالعراق نحو أربعمائة ألف ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار (وكان يرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة آلاف) وقيل إن غلته كل يوم ألف واف ودانقين، وترك بعد موته مليونين ومائتى الف درهم، ومائتى الف دينار، وقومت أصوله وعقاره بثلاثين مليون درهم وترك مائة بهار فى كل بهار ثلاث قناطر ذهب، والبهار جلد ثور.

    وقد ذكر المسعودى نقلا عن سعيد ابن المسيب أن زيد ابن ثابت حين مات خلف الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار. وكان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر، فقلما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل.

    ومات يعلى ابن منية، وخلف خمسمائة ألف دينار، وديوناً عند الناس، وعقارات، وغير ذلك من التركة ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.
    وبنى سعد ابن أبى وقاص داره بالعقيق.


    واستولى فى النهاية الأمويون على المناصب وبالتالى مصادر الثروات مما أدى إلى الثورة واختيار على ابن أبى طالب الأيديولوجى النقى والمتشدد لمواجهة الأمويين الذين هزموه سياسيا فى النهاية رغم انتصاره عسكريا فى البداية.


    وفى العصور التالية لعصر “الراشدين” استمر توزيع الثروات يتسم بالتفاوت الشديد وتحدثنا المصادر الإسلامية عما يفوق الخيال من ترف الحكام والطبقات الغنية وفقر العامة خصوصا من أبناء الشعوب من غير العرب، والفساد الشديد فى البلاط وجهاز الدولة، مما لا سر فيه ولا يحتاج منا للشرح.



    يتبع ............

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    يدين الفكر الإسلامى بمرارة الاستعمار الأوربى، ولكنه يقف بإجلال أمام ما يسميه بالفتوحات الإسلامية. وقد أسماها بعض الإسلاميين بالاستعمار الإسلامى، مثل أبى الحسن الندوى: “ فالإسلام استعمارى إن كان لا بد من هذا التعبير، ولكن هذا النوع من الاستعمار ليس مدفوعاً بحب الحكومة والاستيلاء، وليس من الأثرة الاقتصادية للقومية فى شيء، ولم يكن يحفز المجاهدين الأولين إلى الجهاد طمع فى خفض من العيش ورخائه على حساب الناس الآخرين، ولم يقصد منه إلا بناء إطار عالمى لأحسن ما يمكن للإنسان من ارتقاء روحي”، وكذلك حسن البنا الذى اعتبر أن الاستعمار الإسلامى لم يشبهه أى استعمار فى التاريخ أبدا، لا فى غايته ولا فى مسالكه وإدارته ولا فى نتائجه وفائدته، فإن المستعمر المسلم إنما كان يفتح الأرض حين يفتحها ليعلى فيها كلمة الحق، كما وصفه باستعمار الأستاذية والإصلاح.
    وهذه المسألة بالذات تحتاج بعض الاهتمام نظرا لأهميتها الكبيرة فى الفكر الإسلامى المعاصر

    * فهذا الادعاء قال به كل استعمار

    فالاستعمار الأوربى زعم أنه ما دخل البلاد الأخرى إلا لنشر الحضارة أو الأخلاق المسيحية، ويزعم الأمريكيون أنهم يريدون نشر الديموقراطية، وما قامت الحروب الصليبية التى تثير كره الإسلاميين بشدة إلا تحت شعارات دينية.. هذا هو أحد أوجه التشابه بين الاستعمارين. فالحرب الصليبية إذا صدقنا أنها كانت حربا دينية هى بالضبط “الجهاد”المسيحى، والجهاد هو حرب صليبية (أى مقدسة) إسلامية.. ولكن الفكر الإسلامى يدين الحروب الصليبية ويصفها بكل الصفات البشعة بينما يغض النظر عن الجهاد وما فعله من سبى ونهب وهدم لدور العبادة وقتل وأعمال إبادة جماعية أحيانا كما ذكرت كتب التاريخ الإسلامية نفسها


    * لم تكن الغزوات الإسلامية تتم دائما تحت شعارات دينية صرفة، ومنذ عهد محمد وعد أصحابه بكنوز كسرى وقيصر ودعا قريش لاتباعه واعد إياهم بأخذ الجزية من "العجم" حسب ما ُذكر من حديثه لعمه أبى طالب: أريدهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها العجم الجزية (مسند أحمد -3417) .
    كما بشر أصحابه باحتلال الأراضى:
    إن اللـه زوى لى الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لى منها (الأحاديث الصحيحة للألباني )
    بل لم يخل الأمر من إغراء بالنساء:
    اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم، نسب الحديث لمحمد فرد عليه شخص اسمه الجد ابن قيس قائلا: ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء، يقصد ائذن لنا بعدم المشاركة فى الغزو. وحين قرر عمر ابن الخطاب غزو الشام قام فى المسجد وقال:
    “إنكم قد أصبحتم فى غير دار مقام بالحجاز، وقد وعدكم النبى صلى اللـه عليه وسلم فتح بلاد كسرى وقيصر؛ فسيروا إلى أرض فارس”.


    ومما نُسب لعائشة بنت أبى بكر أنها قالت بعد فتح خيبر: الآن نشبع من التمر، فكان هذا هو ما لفت نظرها. ولا يمكن لأى باحث موضوعى أن يفصل بين الغزوات الإسلامية والكميات الهائلة من الأموال التى تدفقت على الدولة الإسلامية التى بُنيت وعاشت على الخراج المستقطع من الأراضى المفتوحة. ولا يمكن التغاضى عن اعتبار أشرف مصادر المال فى الإسلام هو الغزو.

    كما لا يمكن النظر إلى اعتبار السبى من الأطفال والنساء مالا للمسلمين أنه يحمل معانى أو أهدافا أخلاقية ودينية رفيعة، ومن الوقائع التى لا يمكن اعتبارها غير مشينة أن من شروط صلح المسلمين مع كثير من البلدان التى غزوها تضمنت تسليم رهائن من أبنائهم لضمان التزامهم بدفع الجزية والالتزام بشروط الصلح الأخرى وأحيانا تضمنت الشروط دفع عدد من العبيد كجزية، ومن أمثلة ذلك الاتفاق مع أهل النوبة بعد فشل الغزو فى احتلالها على أن يعطوا المسلمين 360 من العبيد كل عام، ربما يكونوا من أبناءهم، وحسب البلاذرى أن هذا مقابل أن يقدم لهم المسلمون طعاما بنفس القدر.. وذكر عن أبى عبيد عن عبد اللـه بن صالح عن الليث بن سعد قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا وأن يعطونا رقيقًا ونعطيهم بقدر ذلك طعامًا فإن باعوا نساءهم لم أر بذلك بأسًا أن يشترى... وأن الخليفة المهدى "أمر بإلزام النوبة فى كل سنة ثلاث مئة رأس وستين رأسًا وزرافة على أن يعطوا قمحًا وخل خمرٍ وثيابًا وفرشا أو قيمته‏"[46]، كما أجبر أهل برقة من مدينة أنطابلس‏ على دفع الجزية إما مالا أو ببيع أبنائهم لتسديدها.
    أما بلاد المشرق من فارس والهند ودول آسيا الأخرى فكانت أعمال القتل أوسع وأكثر فظاعة مما شهدت الشام وبلاد أفريقيا، كما كانت أعداد السبايا أكثر، دون أى اعتداء من قبل أهل هذه البلاد الذين كانت كل جريرتهم أنهم رفضوا الاستسلام بسهولة للغزاة العرب، وتمردوا بقدر أكبر من غيرهم. وكيف نصف جلوس عشرات الألوف من العرب المسلمين بالجزيرة العربية فى عهد “الراشدين” للتسلية بالجنس والأكل بينما يأتى إليهم “العطاء” من أموال الجزية والخراج شاملة السبى من النساء والأطفال.. هل يمكن الكشف عن أية قيمة إنسانية رفيعة لهذا الوضع؟!
    ألا يمكن القول أن العرب حين صاروا مسلمين حولوا صراعاتهم الداخلية بغرض النهب والسلب إلى صراع بينهم وبين الشعوب الأخرى بنفس المنطق؟. وإن مشاركة “كفار”أحيانا فى الغزوات الإسلامية (بالطبع طمعا فى المغانم) ليشكك بوضوح فى المأرب الدينى لهذه الغزوات.

    لقد مارست القبائل العربية أعمال الإغارة والسلب والسبى واعتبر الإسلام أن المال الآتى من الغزو فى سبيل اللـه أشرف المال، ثم اتجه العرب الجدد؛المسلمون، لغزو "العجم" وممارسة نفس اللعبة: النهب والسبى، ولكن صار هذا يتم باسم اللـه

    وإن هجرة مئات الألوف من الأعراب؛الأشد كفرا ونفاقا حسب القرآن نفسه (التوبة: 97) واستيطانهم فى الأراضى المفتوحة لا يمكن فهمه كعمل ذو أهداف أخلاقية. وإذا عدنا لقراءة المراسلات بين عمر ابن الخطاب وعمرو ابن العاص والخلاف بينهما على خراج مصر لرأينا بوضوح أن اعتصار البلاد المفتوحة كان هدفا للطرفين وما الخلاف إلا على أفضل معدل للنهب، فكان الخليفة يطالب بأكبر كمية من الأموال ولكن عمرو ابن العاص كان يرى أن يأخذ من السكان ما يمكن بحيث يحفظ لهم ما يكفى لمعاشهم حتى يحافظ على قوة العمل وبالتالى يضمن الخراج فى الأعوام التالية، وهو المنطق الذى استخدمه عمر ابن الخطاب نفسه مع أهل العراق والشام، ويبدو أنه تعلمه من ابن العاص وغيره، فأوصى بألا تحمل الأرض "بأكثر مما تحتمل" على حد التعبير المسند إليه وبفرض الجزية، بنسبة يمكن للسكان تحملها، وتقسيمها بين المسلمين كما أوصى بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم وأن يقاتل من ورائهم.. كذلك لم تكن عملية جمع الجزية والخراج وغيرهما من الضرائب تتسم بالنزاهة أو الالتزام حتى بعقد الذمة، حيث أن الخراج نفسه والضرائب الأخرى لم تدخل فى هذا العقد وكذلك تم أحيانا زيادة الجزية عما نص عليه عقد الذمة فى مخالفة صريحة للعهد فقد فعلها مثلا معاوية ابن أبى سفيان حسب ما ذكر المقريزى:
    ”وكتب معاوية ابن أبى سفيان إلى وردان وكان قد ولى خراج مصر‏:
    ‏ أن زد على كل رجل من القبط قيراطًا فكتب إليه وردان‏: ‏ كيف نزيد عليهم وفى عهدهم أن لا يزاد عليهم شيء‏. ‏ فعزله معاوية وقيل فى عزل وردان غير ذلك”‏.


    . كما أن فرض الجزية على الذين أسلموا من قبل الأمويين حتى ألغاها عمر ابن عبد العزيز وقد ُذُكر أن والى خراسان فى عهده، الجراح ابن عبد اللـه الحكمى، كان قد فرض الجزية على من أسلم من "الكفار" ويقول لهم أنتم أسلمتم فرارا منها، فامتنعوا من الإسلام وثبتوا على دينهم وأدوا الجزية، فعزله عمر. وأحيانا على الموتي، لا يمكن أن تُفسر دوافعه تفسيرا أخلاقيا. بل تمت فى أحيان كثيرة عمليات قتل من قبل الولاة، منهم عمرو ابن العاص، للاستيلاء على الذهب والأموال الأخرى، وهذه الوقائع متوفرة بكثرة هائلة فى المصادر الإسلامية، فذكر – كمثال- المقريزى نقلا عن ابن عبد الحكم أن عمرو ابن العاص لما فتح مصر قال: إن من كتمنى كنزًا عنده فقدرت عليه قتلته”ونفذ هذا فعلا ضد شخص اسمه بطرس فاعتبر الأقباط وأخرجوا ما لديهم من كنوز، ولنا أن نتساءل: لماذا يصادر الكنوز؟!.




    يتبع .........

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    لم تكن الغالبية العظمى للغزوات الإسلامية دفاعية أبدا، وهنا يختلف بعض الإسلاميين المعاصرين. والرأى السائد أنها كانت هجومية وهذا يتفق مع دعوة الإسلام للغزو. أما بعض الدعاة المعاصرين فيدعون بالطابع الدفاعى لكل الغزوات الإسلامية وهو رأى غير سائد فى الفكر الإسلامى. ولم يتبن الفقهاء الكبار فى الماضى هذا الزعم لأن الغزو هو أشرف الأعمال فى الإسلام ولم يجد الخلفاء الراشدون ولا النبى محمد أية غضاضة فى غزو البلاد الأخرى واستعمارها وأخذ خراجها. ولا يستطيع أى باحث نزيه أن يتصور أن احتلال الأراضى الممتدة من اسبانيا إلى غرب الصين من أعمال الدفاع عن النفس!.
    بل إن غزوة بدر نفسها لم تكن إلا عملا هجوميا. ولم تتحرج كتب التاريخ الإسلامية من ذكر تفاصيل الغزوات وأعمال القتل والسبى والنهب والسلب التى تمت فيها من قبل الجيش الإسلامى. وتفاصيل إرسال الجيوش ل”فتح” بلاد بعيدة وآمنة مدونة تفصيلا فى كتب التاريخ، فلم تعتد المدن الليبية والقبائل البربرية فى المغرب وأبناء الهند وغيرها على دولة الخلفاء، ولم تهاجم أسبانيا العالم الإسلامى بل العكس صحيح، ولم تعتد شعوب مصر والشام على عرب الجزيرة بل كانت شعوبا تخضع للاحتلال وحكمها العرب المسلمون بدلا من الروم والفرس ولم يسلموها إلى أهلها لكى يعيشوا أحرارا. إن الإسلاميين الذين يشكون من الخطاب الأمريكى الحالى الذى يعتبر المحتل مدافعا عن نفسه والمقاوم للاحتلال إرهابيا، قد سبقوه حين اعتبروا الاستعمار الإسلامى دفاعا عن الإسلام والمقاومين من حزب الشيطان. وقد سجل المؤرخون المسلمون كثيرا من وقائع الإبادة والمذابح والسبى التى تعرض لها أبناء البلاد "المفتوحة" بسبب دفاعهم عن أنفسهم وأحيانا دون أى مبرر، نسوق منها أمثلة:
    - توجه ابن عامر إلى اصطخرعام 29 هجرية فقاتل أهلها فهزمهم وقتل فيها نحو مائة ألف‏. ‏ والمدينة فتحت 3 مرات على الأقل منذ 23 هجرية وفى كل مرة تعرض أهلها للقتل والسبى بسبب دفاعهم المستميت عن أنفسهم.

    - توجه سعيد ابن عثمان ابن عفان إلى سمرقند عام 56 هجرية بأوامر الخليفة معاوية فخرج إليه أهل الصغد من الترك فقاتلهم وهزمهم وحصرهم فى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهناً خمسين غلاماً يكونون فى يده من أبناء عظمائهم، فأقام بالترمذ ولم يف لهم، وجاء بالغلمان الرهن معه إلى المدينة‏. ‏
    - سنة 121 هجرية افتتح مروان ابن محمد بلاد صاحب الذهب، وأخذ قلاعه وخرب أرضه، فأذعن له بالجزية فى كل سنة بألف رأس يؤديها إليه، وأعطاه رهناً على ذلك‏. ‏
    - توجه يزيد الرويان إلى جرجان وكان أهلها قد ثاروا وقتلوا خليفته فدخلها وأهلها غافلون فقتل خلقًا من أهلها وسبى ذراريهم وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره‏‏. ‏
    - سنة 223 هجرية خرج الخليفة المعتصم إلى عمورية فقتل ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم وحرقها بالنار.
    - الملك محمود ابن سبكتكين فتح بعض من بلاد الهند وكسر صنم سومنات فى شعبان سنة 416 هجرية وأوقدت جيوشه النيران على الصنم وقتل خمسين ألفا من أهل البلد.

    - افتتح موسى ابن نصير 84 سنة هجرية الأندلس وبلغ عدد السبى خمسين ألفاً. ومن الأمثلة على وحشية الغزاة المسلمين ما ذكره ابن عبد الحكم؛فوفقا لروايته حين نزل المسلمون جزيرة أسميت فيما بعد بأم حكيم أخذوا من بها ثم عمدوا إلى رجل منهم فذبحوه ثم عضوه (أى قطعوه) وطبخوه ومن بقى من أصحابه ينظرون، ثم أوحوا لهم بأنهم أكلوه بينما ألقوه جانبا وكانوا يأكلون لحما لحيوان، ثم أطلقوا سراحهم فأشاعوا فى الأندلس أن المسلمين يأكلون لحم البشر وذلك لإرهاب الناس.
    - وفى فارس وخراسان بلغ عدد السبى فى عام ونصف فقط أربعين ألفا.

    وهذه أمثلة قليلة جدا من كثير من أعمال الإبادة الجماعية واغتصاب النساء ونهب الثروات تكتظ بها كتب التاريخ المكتوبة بأيدى مسلمين فخورين بجرائم الحرب التى يشكى منها أحفادهم الآن

    - يفهم المسلمون من النص المقدس ما يقدم تبريرا دينيا للغزو واستعمار أراضى الآخرين: وعد اللـه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم (النور: 55) . وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن المقصود هو كل الأرض أوكما قال الطبري” أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها”.


    ولقد كتبنا فى الزبُور من بعد الذكر أن الأرض يرثُها عبادى الصالحون (الأنبياء: 105) . وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المقصود هم المسلمون، أما الأرض ففيها ذهب البعض إلى أنها أرض الجنة وذهب آخرون إلى أنها الأرض كلها، أرض المسلمين و"الكفار"، وتأتى فكرة المهدى المنتظر لتستكمل مشروعية الغزو الإسلامى للعالم؛فيعتقد جل المسلمين خاصة وعامة عدا قلة قليلة من العقلانيين (منهم ابن خلدون ومحمد عبده ورشيد رضا) أن العالم سيشهد ظهور قائد مسلم (بالطبع) من أهل البيت النبوى يزيل الظلم ويملأ الأرض عدلا، وستكون الأرض كلها حينئذ تحت سيطرته، ثم يأتى المسيح ليستكمل الأمر بالغلبة النهائية والمطلقة للإسلام

    وفى تعليق عمر ابن الخطاب على فتح فارس ما لا يحتاج للتعليق؛إذ قال‏: ‏ "ألا وإن ملك المجوسية قد ذهب فليسوا يملكون من بلادهم شبراً يضر بمسلم ألا وإن اللـه قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم لينظر كيف تعملون"


    - ونحن لا نهتم بإدانة الغزوات الإسلامية ولكن فقط نوضح أن الدولة الإسلامية مثلها مثل أية دولة أخرى سواء فى عهد "الرشدين" أو غيرهم قد مارست سلوك الدولة؛أى عملت ما استطاعت لتحقيق مصالحها المادية بالوسائل الممكنة وقتها. ولكن الفكر الإسلامى يصر على الكيل بمكيالين فى هذا الموضوع بالذات. فالاستعمار الإسلامى كان “فتحا” أما الاستعمار الآخر فكان غزوا، مع ادعاء أن الأول لم تكن أهدافه دنيوية بل دينية والثانى كان هدفه المصالح المادية أو القضاء على الإسلام.
    وفى هذا الموضوع يجرى التمييز مثلا بين تحرر أسبانيا من الاستعمار الاستيطانى العربي-الإسلامى، وتحرير فلسطين من الصليبيين. ومن الأمثلة البسيطة أن يُعتبر قاتل الجنرال كليبر (سليمان الحلبي) بطلا بينما يوصف أبو لؤلؤة قاتل عمر ابن الخطاب بأسوأ الصفات رغم أن كل منهما قتل مستعمرا أجنبيا لبلاده.


    - وإذا كان الاستعمار الإسلامى قد أقام حضارات فى البلاد المستعمرة فقد قدم الاستعمار الغربى رغم ما ارتكب من جرائم ضد الإنسانية الكثير من التقدم والحضارة للمستعمرات، بل أقام أعظم حضارة فى التاريخ فى أمريكا بعد جريمة إبادة معظم سكانها الأصليين بفظاظة.


    - أما اتهام الاستعمار الغربى بفرض ثقافته ومحو هوية الشعوب المستعمرة فلا يقارن الإسلام فى هذا، حيث تم تعريب شعوب بأكملها وطمس ثقافاتها بل وتحقيرها والتقليل من شأنها لصالح الثقافة الإسلامية. وبخصوص هذه النقطة نسوق ما كتبه المقريزى عن رأى الفاتحين العرب-المسلمين فى بعض الشعوب التى احتلوا أرضها:
    ومن أخلاق أهل مصر قلة الغيرة ومن أخلاقهم‏: ‏ الانهماك فى الشهوات والإمعان من الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة. وقد روى عن عمر ابن الخطاب أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان وأخلاق سكانها فقال‏: ‏ إن اللـه تعالى لما خلق الأشياء - جعل كل شيء لشيء فقال العقل‏: ‏ أنا لاحق بالشام فقالت الفتنة‏: ‏ وأنا معك وقال الخصب‏: ‏ أنا لاحق بمصر فقال الذل‏: ‏ وأنا معك وقال الشقاء‏: ‏ أنا لاحق بالبادية فقالت الصحة‏: ‏ وأنا معك‏. ‏ ويقال‏: ‏ لما خلق اللـه الخلق خلق معهم عشرة أخلاق‏: ‏ الإيمان والحياء والنجدة والفتنة والكبر والنفاق والغنى والفقر والذل والشقاء فقال الإيمان‏: ‏ أنا لاحق باليمن فقال الحياء‏: ‏ وأنا معك‏. ‏ وقالت النجدة‏: ‏ أنا لاحقة بالشام فقالت الفتنة ‏: ‏ وأنا معك‏. ‏ وقال الكبر‏: ‏ أنا لاحق بالعراق فقال النفاق‏: ‏ وأنا معك... وعن ابن عباس ‏: ‏ المكر عشرة أجزاء‏. ‏ تسعة منها فى القبط وواحد فى سائر الناس‏. ‏ ويقال‏: ‏ أربعة لا تعرف فى أربعة‏: ‏ السخاء فى الروم والوفاء فى الترك والشجاعة فى القبط والعمر فى الزنج‏. ‏ووصف ابن العربية أهل مصر فقال‏: ‏ عبيد لمن غلب‏. ‏ أكيس الناس صغارًا وأجلهم كبارًا‏. ‏ وقال عبد اللـه ابن عمرو‏: ‏ لما أهبط إبليس وضع قدمه بالبصرة وفرخ بمصر‏. ‏ وقال كعب الأحبار‏: ‏ ومصر أرض نجسة كالمرأة العاذل يطهرها النيل كل عام‏. ‏ وقال معاوية ابن أبى سفيان‏: ‏ وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف‏:
    ‏ فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس‏. ‏ فأما الثلث الذين هم الناس‏: ‏ فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس‏: ‏ فالموالى والثلث الذين لا ناس‏: ‏ المسالمة يعنى القبط‏‏

    - أما موقف الفكر الإسلامى ممن أسموا بالشعوبية وهم المعادين لحكم العرب، فمعروف جيدا وهو العداء الشديد واتسم الرد عليهم بتحقير ثقافة غير العرب والربط بين العداء للعرب و"الكفر" والزندقة، ولنتذكر أن الإسلام قد تضمن ضرورة توقير العروبة لغة وشعبا. وقد كان الرد العربى –الإسلامى غير متوازن، عنصرى وتكفيري. ألا يتشابه هذا مع موقف الاستعمار الغربى والمركزية الأوربية؟؟.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    عادل الحريرى

    على مستوى الواقع المعاصر




    ينتقد الإسلاميون الحضارة الحديثة؛ "الدنيوية" أو الجاهلية كما ينعتونها. وهذا يفعله أيضا كثير من المفكرين الغربيين. ولكن يتميز الإسلاميون بأنهم يعزون نفس ما ينتقدونه فى الغرب ويوجد فى بلاد الإسلام إلى الغزو الثقافى الغربى.. أما عالم الشرق الإسلامى فهو الأرقى أخلاقيا وقيميا وما انحرافه إلا شيء غير أصيل، دخيل عليه، مستورد من الخارج سواء فى إطار مؤامرة عالمية على الإسلام أو لانحراف الحكام وبعد المسلمين عن دينهم. فالمقارنة هنا ليست بين واقع وواقع بل بين واقع (الغرب) ونص (الإسلام) . وكأن الغرب يفتقد إلى النصوص الإنسانية للغاية بل إن الفكر الليبرالى والاشتراكى والنزعة الإنسانية قد نشأت هناك. وعادة ما يتناول الإسلاميون الحضارة الغربية المعاصرة كاشفين عن جذورها اليونانية والرومانية، الوثنية والمادية والتى تهتم بالمتعة واللذة.. إلخ. وهنا أيضا يتم تناسى الجذور الوثنية جدا للإسلام، الذى نشأ فى مجتمع يعبد الحجارة وحافظ على كثير من نفس الطقوس. هذا بخلاف التراث الوثنى لمختلف البلاد العربية والإسلامية والتى تركت بصماتها على الإسلام، منها تقديس الموتى بدرجة أو بأخرى والتعبد “لأولياء اللـه الصالحين”.


    كما تُتهم الحضارة الحديثة بالإفلاس منذ عقود طويلة دون تقديم ما يدل على ذلك، والمقصود عادة هو الإفلاس المعنوى؛القيمى والأخلاقى.. المزعوم فيقارن بإنجازات الحضارة الإسلامية التى انهارت منذ قرون. وهنا تتم المقارنة بين حاضر وماضى، بغض النظر عن محتوى المقارنة. ويتم بالطبع التعامى عما قدمته الحضارة الحديثة من القيم الإنسانية والنضالات البطولية للشعوب الأوربية ضد الطغيان والفساد والأنظمة القمعية والثورات العديدة والتضحيات الجسام التى قدمتها تلك الشعوب والتى أسفرت فى النهاية عن إقامة أنظمة ومنظومات قيمية ليست مثالية حتما ولكنها تحترم بقدر ما حقوقا عديدة للناس وتحقق بعض أشكال المساواة والحريات الشخصية والعامة التى لم يعرفها عالم الشرق الإسلامى. ويصور الإسلاميون الإنسان الغربى غارقا فى الملذات الحسية التى يعدونها رخيصة ولا ندرى لماذا تُعد رخيصة أصلا، وكذلك متناسين أن هذا الإنسان يستمتع بجانب المتع الحسية كما ينعتونها بالأدب والموسيقى الرفيعة وأشكال أخرى كثيرة من الفنون الجميلة والهوايات المتعددة ناهيك عن تمتعه بالعلوم الحديثة واكتشافات الكون والآثار القديمة وتاريخ الشعوب الأخرى.. إلخ فأين الإفلاس المزعوم؟؟. وإذا كان الإسلاميون لا يستطيعون أن يروا فى رقص الباليه –مثلا- سوى حركات جنسية، فأبناء الحضارة الحديثة لا يرون فيه هذا إطلاقا بل معانى أعمق من هذا بكثير مما لا يفهمه أصحاب النظرة الضيقة -الجنسية للجسد الإنسانى. ونحن نشير إلى أن القيم الحديثة لا تتعلق فقط بالمتع الجسدية عكسما يصورها الإسلاميون للحط من شأنها-رغم أنها كما نعتقد ليست منحطة- لنكشف فقط عن لجوء هؤلاء إلى الكيل بمكيالين، ولكن الأهم من ذلك ما حللناه من قبل من اعتبار الإسلاميين قيمهم هى المعيار المطلق للحكم على قيم الآخرين


    == يوجه العرب والإسلاميون كثيرا من الانتقادات للعنصرية الغربية والنظرة المتعالية للغرببين إلى الشعوب الأخرى والمركزية الأوربية عموما. ولكن يتناسون أن العرب المسلمون يتصرفون بنفس الطريقة: إن العداء الشديد للغرب ككل، رغم وجود اتجاهات غربية غير مركزية وغير عنصرية، والذى برز بشدة أيام الاحتلال الأوربى وتعمق بشدة مع صعود الناصرية والقومية العربية أمر واضح للعيان. أما قمع العرب المسلمين للأكراد وسكان جنوب السودان والبربر وال”بدون”، والتمييز العنصرى الصريح فى بلدان الخليج ومنها السعودية المسلمة للغاية ضد عرب آخرين والأجانب عموما وغير المسلمين فهى أمور تتحدث عنها الصحافة اليومية ويعرفها مئات الملايين من الناس. ومازالت الثقافة العربية –الإسلامية تتغنى بأصالة العرب وعظمتهم الفطرية وصفاتهم الفريدة كما كان يتكلم الجاحظ وابن تيمية بالضبط فى عنصرية صريحة حيث يُربط الإسلام بالعروبة بالتفوق على الآخر.


    ولا ترى المركزية الإسلامية أن فى الغرب اتجاهات إنسانية وعالمية قوية بل والكثير من الناس هناك متعاطف مع العرب والمسلمين وليس الجميع كتلة واحدة معادية على طول الخط، اللهم إلا إذا اعتبر الجميع متفقون على تقسيم الأدوار فى إطار مؤامرة وهمية على المسلمين.

    == لا يكف الإسلاميون عن الصراخ بخصوص مظاهر اضطهاد المسلمين فى أى مكان فى العالم كالشيشان، البوسنة، الصين، الفلبين، الهند.. إلخ. ولكن أولا لا يهتمون باضطهاد غير المسلمين: فى السودان مثلا، أقباط مصر، نيجيريا.. بل يميلون إلى إنكارها. وثانيا تتجه قوافل الإغاثة المسماة بالإسلامية إلى المسلمين المنكوبين بشكل أساسى، بينما تقوم منظمات دولية لل”كفار” بتقديم المساعدة للجميع من “كفار” ومسلمين: منظمة الصليب الأحمر الدولى، أطباء بلا حدود وغيرهما الكثير. ومما يلفت النظر أن الصوت الإسلامى كان عاليا للغاية فيما يخص مسلمى البوسنة بينما لم يحرك ساكنا إزاء مذابح أفريقيا التى تمت فى نفس الفترة تقريبا وراح فيها أعداد هائلة من القتلى، ببساطة لأنهم “كفار” ولأن البوسنة تقع فى أوربا، أرض العدو التاريخى، ولا نتصور أى تفسير آخر. وقد وجدنا الشعوب الإسلامية تقدم تبرعات ضخمة لتمويل الحرب فى أفغانستان والبوسنة والشيشان ولكنها بخلت تجاه إعصار تسونامى، وتحت الضغط الدولى والإحراج تبرعت الأسر الحاكمة فى الخليج بالمال فى محاولة لتجميل المسلمين ولكن كانت المحاولة فاشلة حين أعلن مصدر سعودى وقتها لتبرير التبرع أمام الرأى العام المسلم أن كثيرا من المتضررين مسلمين!!، والأغرب أن أحد كبار الإسلاميين؛زغلول النجار، أعلن مرارا أن ما حدث كان عقابا من اللـه للفجاروالعصاة فى شرق آسيا.

    * فى الوقت الذى ينتقد فيه الإسلاميون الهيمنة الغربية ويطالب بعضهم الغرب بالاعتذار عن استعمار البلاد العربية والإسلامية لم يرتفع صوت ذو صدى فى العالم الإسلامى ينتقد الاستعمار الإسلامى القديم وأعمال النهب البشعة التى مارسها، ومازال الإسلاميون يدافعون عما يسمونه بالفتوحات الإسلامية مطالبين الآخرين بالاعتراف بأنها كانت إنجازا فى تاريخ البشرية،. والأدهى أن هناك الكثير من التيارات الإسلامية المعاصرة وجماهير مسلمة عريضة تحلم بالأيام الخوالى حين حكم الإسلام العالم بل يطمح البعض فى استعادة الأندلس مثلما نادى حسن البنا: " ونريد بعد ذلك أن تعود راية اللـه خافقة عالية على تلك البقاع التى سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام. فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل".

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    الديماجوجيا الإسلامية / عادل الحريري



    "أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق اللـه الذى أولانا وسلطانه الذى أعطانا وأنا خليفة اللـه فى أرضه وحارسه على ماله"
    أبو جعفر المنصور

    == يقود الكيل بمكياين دائما إلى عدم الاتساق وإذا تمادى فيه المرء يصبح مدفوعا – إذا تمسك بموقفه – أن يلجأ للتزييف، بدون وعى إذا افترضنا حسن النية، وبوعى وإدراك حين يتعرض موقفه لانتقادات قوية ويظل متمسكا بموقفه. ولما كان الإسلام هو عقيدة دينية يكون تجاوزها صعبا للغاية من قبل المؤمنين بها كما لا يتقبل أصحابها انتقادها باعتبارها مستمدة من نص مقدس. ومن هنا يلجأ الفكر الإسلامى للدعاية الديماجوجية وكثيرا ما يرتكب الإسلاميون الكذب الصريح.

    وما يعنينا هنا الكشف عن الديماجوجيا الإسلامية فيما يخص فقط علاقة الإسلام ب"الكفار"؛المركزية الإسلامية


    لم يحتج المفكرون المسلمون للديماجوجيا كثيرا حين كانت الدولة الإسلامية قوية، كما لا يلجأ إليها الأصوليون والمتشددون المعاصرون لشعورهم بالقوة الزائفة ولكن يستخدمها بشكل يومى الدعاة والمفكرون المعاصرون الأكثر حنكة وبالتالى الأكثر اعتدالا حتى تسير بهم السفينة ويتفادوا الكراهية والاضطهاد، خصوصا فى فترات “الاستضعاف”ومع ذلك تصدر منهم من وقت لآخر التصريحات المستقيمة والواضحة فى لحظات الانتشاء أو الشعور بالقوة. ويفعل الشيء نفسه الإسلاميون الرسميون لدى حكومات شبه علمانية تستخدمهم فقط، من ذلك الأزهر.

    والديماجوجيا الإسلامية ليست أكثر من طريقة لتقديم الفكر الإسلامى بلغة رقيقة خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخرين الأقوياء؛"الكفار". والحقيقة أن خطاب المعتدلين هو نفسه من حيث الجوهر خطاب المتشددين (وهو موضوع بحثه بعمق نصر حامد أبو زيد ودفع ثمنه) ولكن يختلف الشكل والتفاصيل فقط، فالكل يؤمن بمبدأ الحاكمية رغم أنه ُطرح بوضوح فى العصر الحديث، وبالفقه الإسلامى الذى قدمه الأئمة المعروفون، وبتفاسير القرآن القديمة مع تعديل محدود هنا وهناك.. والكل تقريبا يوافق على قتل المرتد وعلى غزو البلاد الأخرى إذا سمحت الظروف.. إلخ. وكل هذا ينفر "الكفار" من الإسلام وأهله ويخلق عداوات متزايدة لهم ولذلك وفى سبيل تسويغ الإسلام للآخرين الأقوياء الآن وفى سياق الدفاع عن النفس يلجأ المحنكون إلى الدمججة بطرق مختلفة.


    يستند الإسلاميون بهذا المنطق إلى أسس موجودة فى النص المقدس نفسه وفى السنة العملية منها
    - فكرة التقية الموجودة بعمق فى الثقافة الإسلامية سواء لدى الشيعة أو السنة، وهى لدى السنة مباحة للضرورة؛فى حالات الاضطرار أو الإكراه، أما شروطها لدى الشيعة ففضفاضة أكثر وتُعد تكليفا بل فريضة لدى الإمامية، فلا دين لمن لا تقية له. ففى القرآن: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين. ومن يفعل ذلك فليس من اللـه فى شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة (آل عمران: 28) . من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبُهُ مُطمئن بالإيمان (النحل: 106 )
    والتقية – بمعناها الإسلامي- ببساطة هى الحذر من إظهار ما فى النفس من معتقد للغير أوإظهار المودة لل”كفار” وحتى إظهار "الكفر"حسب الآية الأخيرة، فيقى المسلم نفسه من العقوبة وإن كان يضمر خلاف ما يبطن إذا خاف من "الكفار". ووضع الفقهاء شروطا لممارسة التقية واختلفوا على مستوى الضرر والإكراه الذى يبيح للمسلم العمل بها ولكن لم يختلفوا على المبدأ.


    فالمبدأ العام مقبول. ونسوق هنا رأى الرازى فى تفسيره لآية سورة آل عمران: 28وهو مفسر ُيعتد به، لصراحته الكاملة: “ اعلم أن للتقية أحكاماً كثيرة نذكر منها: أن التقية إنما تكون إذا كان الرجل فى قوم “كفار”، يخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان بأن لا يظهر العداوة باللسان بل يجوز أيضاً أن يظهر الكلام الموهم للمحبة والموالاة، ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض فى كل ما يقول، فإن للتقية تأثيرها فى الظاهر لا فى أحوال القلوب”. وقد كان ابن تيمية أكثر غلظة وهو يُسمى شيخ الإسلام؛ يقول: “إذا أقمت فى دار الكفر للتطبب أو التعلم أو التجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم”. ولم يكن التلميذ أقل وضوحا من أستاذه فذكر ابن القيم الجوزية فى تعليق له على آية سورة آل عمران سابقة الذكر: ” ومعلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن مولاة "الكفار" اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان فى كل حال، إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية، وليست التقية موالاة لهم. والدخول ههنا ظاهر فهو إخراج من متوهم غير مراد”
    وشرحها ابن كثير كالآتى: ” أى إلا من خاف فى بعض البلدان أو الأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما حكاه البخارى عن أبى الدرداء: أنه قال: «إنا لنكشر فى وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم». وقال الثورى: قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، وكذا رواه العوفى عن ابن عباس: إنما التقية باللسان”


    أما سيد قطب فذكر: ” ويرخص فقط بالتقية لمن خاف فى بعض البلدان والأوقات.. ولكنها تقية اللسان لا ولاء القلب ولا ولاء العمل. قال ابن عباس - رضى اللـه عنهما - “ ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان “.. فليس من التقية المرخص فيها أن تقوم المودة بين المؤمن وبين الكافر – والكافرهو الذى لا يرضى بتحكيم كتاب اللـه فى الحياة على الإطلاق، كما يدل السياق هنا ضمنا وفى موضع آخر من السورة تصريحا - كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل فى صورة من الصور باسم التقية. فما يجوز هذا الخداع على اللـه !”. ولكن أقر أغلب الفقهاء أن الإكراه فى الفعل والقول سواء، أى التقية تكون أيضا بالعمل ولا تقتصر على القول، مثل الإكراه على ترك الصلاة أوعلى تناول الأطعمة والأشربة المحرمة أو الإفطار فى رمضان أو الزنا وحلف اليمين الكاذبة وشهادة الزور.


    والواضح أن العمل بمبدأ التقية يمنح دعاة الإسلام مرونة كبيرة فى إخفاء وإبراز ما يريدون وتقديم الأفكار بأشكال تلائم موازين القوى التى يعملون فى ظلها. ورغم نفى التقية أو تحديد مجالها من قبل دعاة الإسلام السنى فإن خطاباتهم المتغيرة حسب الظروف والمتلونة حسب المواقف والتصريحات التى يعلنونها ثم ينفونها بعد أيام أحيانا.. إلخ تضج بوجود هذا المبدأ بعمق


    ومن السنة العملية لبعض الصحابة الفتوى بخلاف الأحكام المعمول بها وهو ما يعنى إخفاء القناعة الحقيقية لمعالجة قضية وقتية ومن الأمثلة فتوى لابن عباس: "حين سأل سائل: ألِمَن قتل مؤمناً متعمداً توبة؟، قال: لا، إلا النار، فقال له جلساؤه بعد أن ذهب الرجل : كنت تفتينا يا ابن عباس: أن لِمَن قتل توبةً مقبولة، قال: أنى لأحسبه رجلاً مغضباً، يريد أن يقتل مؤمناً".


    - وهناك مباديء أخرى عامة مدعومة بنصوص مقدسة أيضا تسوغ مخالفة لنصوص مقدسة أكثر تحديدا، منها مبدأ”الضرورات تبيح المحظورات”، واللجوء إلى “المصالح المرسلة” فى التشريعات الفقهية إذا لزم الأمر، وذهب بعض “العلماء”إلى أن المصالح تُقدم على النص، أسوة بتعطيل عمر ابن الخطاب لبعض النصوص إما للمصلحة العامة مثل تعطيل حد السرقة عام المجاعة أو لانتفاء الضرورة مثل إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، إنما الأعمال بالنيات، يريد اللـه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وقد يعطل البعض من حين لآخر قاعدة لا اجتهاد مع النص استنادا لما سبق..


    - وهناك اعتقاد واسع الانتشار بل سائد تماما فى الإسلام القديم والمعاصر؛ أن آيات القرآن ُنسخت بعضها حسب الظروف وكذلك الأحاديث، بل هناك اعتقاد أقل انتشارا بأن الأحاديث نسخت آيات معينة من القرآن أيضا، قبل ذلك أبو حنيفة ورفضه الشافعي. ومن المهم أن نسجل ان كل الآيات التى تدعو المسلمين لمسالمة "الكفار" وموادعتهم ومودتهم قد نُسخت- حسب القائلين بالنسخ وهم أغلبية "العلماء"- بآيات تدعو لقتالهم وإكراههم على أداء الجزية “وهم صاغرون”وقتل من يرفض منهم. فسورة التوبة قد نسخت – كما ذهب جل المفسرين والفقهاء- ما قبلها، وآية السيف قد نسخت آيات الموادعة، وحتى القائلون بعدم النسخ يذهبون إلى أن الآيات قد تدرجت فى الأحكام أو صارت أكثر شمولا، مما لاينفى، بل يؤكد الأخذ بآيات القتال أو الموادعة حسب الظروف.


    - وفى السنة العملية كان محمد ( ص ) شديد المرونة أحيانا وقبل حلولا وسطا كما قدم تنازلات أحيانا مثلما فى صلح الحديبية.
    - فكرة “الستر” وفكرة “الكتمان“ عميقتا الجذور فى الثقافة الإسلامية. والحديث “الصحيح” يقول: كل أمتى معافىً إلا المجاهرين. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يُصبح وقد سترهُ اللـه فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربه ويصبح يكشف ستر اللـه عنه (صحيح البخاري-5930 ومسلم- 7434) . من ستر مسلماً سترهُ اللـه يوم القيامة (البخارى -2399) من ستر أخاه المسلم، ستر اللـه عليه فى الدنيا والآخرة (صحيح ابن حبان-533) . وقد اتفق الفقهاء أن من شهد فعلا يستوجب إقامة أحد الحدود ، فالمستحب أن لا يشهد به؛ لأن الستر مفضل وأكثر ثوابا. والمعنى المفهوم هنا هو الجهر بالمعاصى وستر المعاصى، والجهر المقصود حسب شروحات الحديث هو المبالغة فيه والتحدث بالمعاصى دون ضرورة والتفاخر بها.. إلخ.. والواضح أن فكرة ستر النفس وستر الآخر المسلم تضاد فكرة”الاعتراف”فى المسيحية والتى تهدف إلى التطهر من المعاصى. والحدود بين المبالغة أوالتفاخر ومجرد الإعتراف ليست محددة مما يجعل من فكرة الستر حجة للتغطية والمداراة والمناورة، ومما يوضح فكرتنا المثل القائل”إذا بليتم فاستتروا”، وهو مثل منتشر وسط العرب قديما وحديثا. كما يدعو أيضا إلى الكتمان: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذى نعمة محسود


    كل هذا يعطى الفرصة للتعامل بروح عملية وبراجماتية مع الواقع إذا تغيرت الظروف وإذا بدا أن التمسك الحرفى بالمباديء يضر الدعوة الإسلامية متمثلة بالطبع فيمن يدعو إليها. فإذا كان النص المقدس نفسه بهذه المرونة ويمنح الفرصة باللجوء إلى المحظورات أحيانا- فى حالة الاضطرار- فلننتظر من الفكر الإسلامى كثيرا من المرونة التى تخفى الأهداف أو النوايا الحقيقية، وهذا ما يفعله الإسلاميون المعتدلون والمؤسسات الإسلامية لحكومات شبه علمانية. وهذا مما يفسرجزئيا بعض اختلافات الإسلاميين المعتدلين والمتشددين وحتى "المستنيرين" فى مختلف مواقفهم من قضايا مثل الديموقراطية والعلاقة بين المسلمين و"الكفار" والموقف من العنف وحقوق الإنسان وغيرها.



    تُستخدم الديماجوجيا من قبل الإسلاميين بخصوص علاقة الإسلام بالآخر على ثلاثة محاور:

    1- محاولة نفى المركزية عن الفكر الإسلامي
    2- تقديم الفكر الإسلامى فى صورة فكر إنسانى
    3- تجميل وجه الممارسات الإسلامية فى الواقع والتاريخ مع تشويه الآخرين.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    1- محاولة نفى النزعة المركزية عن الإسلام:





    مسألة قبول الآخر:

    يذهب بعض الدعاة المعاصرين إلى أن الإسلام يعترف بالآخر بينما لا يعترف الآخرون بالإسلام. ومن الأمثلة محمد عمارة الذى انسحب من الحوار الإسلامى المسيحى بهذه الحجة بالذات، زاعما (وكرر هذا الكلام فى حوار تلفزيوني) أن الحوار صار مستحيلا بين طرفين يعترف أحدهما بالآخر بينما يرفض الأخير منح الأول نفس الاعتراف. وتفصيل حجته كما شرحها أن الإسلام يعترف بالأنبياء الآخرين وبدياناتهم بينما يرفض المسيحيون واليهود الاعتراف بالنبى محمد وبالإسلام. ومنهم أيضا عبد الواحد بلقزيز الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى الذى تحدث أمام المنتدى المشترك لمنظمة المؤتمر الإسلامى، والاتحاد الأوروبى حول الحضارة والإنسجام- التوافق السياسى، فى اسطنبول: 12 – 13 فبراير 2002، حيث ضمن ما قال: ”والإسلام دين التعارف بين الشعوب، وربط أواصر الوفاق والوئام معها، حيث يقول القرآن: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) . والإسلام دين الاعتراف بالديانات السماوية السابقة له، وأقربها له هى الديانة المسيحية – كما أسلفت - وباعتباره آخر ديانات السماء، فقد جمع الإسلام كل ما فى الديانات السابقة من فضائل ومحاسن”.
    والمغالطة فى الكلام واضحة تماما:
    1- فالآخر بالنسبة للإسلام عموما ليس هو المسيحى واليهودى بل كل "الكفار"، فهل يعترف الإسلام بكل "الكفار"؟وهل يعترف المتحدث المذكور نفسه ب"الكفار"؛هل ينفى عنهم صفة "الكفر"؟!وإذا كان الكلام عن الآخر يُقصد به المسيحى واليهودى فهل يعترف الفكر الإسلامى بهما أم يعتبرهما فى عداد "الكفار" المحرفين لكتبهم والعابدين لغير اللـه من أحبارهم؟!.
    2- يتم هنا تمييع مفهوم الاعتراف بالآخر، فإذا كان المقصود هو الاعتراف بأن مبدأه هو الحق فلن يكون آخر.. أما الاعتراف بأن مبدأه المختلف هو وجهة نظر لها ما يبررها فهذا يرفضه الإسلام بتاتا لأنه – فى عرف المسلمين- الدين الحق وكل ما عاداه باطل وضلال. أما التعارف بين الشعوب فموضوع لا علاقة له البتة بقبول الآخر المختلف، والمختلف عن الإسلام هو بكل بساطة: "الكفار". ولم يتغير الخطاب الإسلامى عبر التاريخ بخصوص هذه النقطة، ولا تتمتع الآراء الأخرى بهذا الخصوص بأى نفوذ وسط عامة أو خاصة المسلمين
    3- الإسلام لا يعترف – بالمعنى الذى تكلم به محمد عمارة وعبد الواحد بلقيز- بالأديان الموجودة بالفعل بل بالنسخة التى يعتبرها حقيقية، أما النسخ الموجودة فعلا فهى كما يرى مزورة ولا يعترف بها. فهل يعترف مثلا بأن المسيح هو الله؟؟! كما أنه لا يعترف ولا يتقبل الأديان “غير السماوية”.. فأين الاعتراف بالآخر؟.
    4- إن الآخر؛"الكافر" بوجه عام فى البلاد الديموقراطية يتقبل أن يكون المرء مسلما على أساس حرية الاعتقاد وفصل الدين عن الدولة. ويتقبل الخطاب الليبرالى عموما ذلك. ولكن يأبى الإسلام إلا تطبيق شريعته حتى على غير المسلمين إلا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، فالفكر الإسلامى السائد يرى الإسلام دينا ودولة.
    5- إذا كان الإسلام يقبل وجود أهل الذمة فى البلاد الإسلامية فهو يقبل وجودهم على أساس أنهم “كفار” وأعداء للإسلام بالضرورة وليسوا مجرد أصحاب ديانات أخرى، مختلفة فحسب. أما تقبل وجود أصحاب ديانات أخرى أو ملحدين فأمر لا يتقبله الرأى العام المسلم ويختلف فيه الفقهاء.
    6- لا يقبل الفكر الإسلامى السائد – باستثناء آراء نشاز- الآخر “المرتد”، وهو “آخر” لا شك، بل يرى قتله بعد استتابته.
    إن هذا الادعاء يصور الإسلام على أنه فكر ليبرالى وإنسانى بل ومظلوم بعدم قبوله من الآخرين الذين يُطالبون بالتعامل معه باعتباره الدين الحق، أى يُطالبون بالإسلام.. فأين قبول الآخر؟. أما الآخر العلمانى واللادينى فيقبل الآخر المسلم كصاحب عقيدة له الحق فى الإيمان بها وليس الاعتراف بالآخر هو الاعتراف بأنه على حق كما يريد محمد عمارة من الآخرين الذين يكفرهم. أما الآخر المسيحى واليهودى فلا نتصور أنه قد يعترف بغيره إلا بالمعنى الذى ذكرناه توا.
    ونقدم مثالا آخر من الدمججة، إذ حاول كاتب آخر أن يُظهر الإسلام فى صورة المعترف بغيره من الثقافات مستشهدا بأقوال آخرين: ”إن التعدد والتنوع الثقافى سنة الكون وناموس ثابت، فالحياة أساسها التنوع والتعدد... إن اختلاف الألسن يعنى تعدد القوميات، واختلاف الألوان يعنى تعدد الأجناس البشرية... وهذا يعنى تعدد الشرائع والأديان، وإذا كانت الحضارة تنشأ من فكرة دينية،... فإن الإيمان بتعدد الشرائع والأديان يفضى إلى الإيمان بتعدد الحضارات. وإذا كان هذا الاختلاف والتعدد من آيات اللـه، فإن الذى يسعى لإلغاء هذا التعدد يعد ساعيا إلى طمس آيات اللـه فى الوجود، بالشكل الذى يهدد الوجود الإنسانى على سطح المعمورة، مما يدفع بنا إلى التأكيد على ضرورة المحافظة على تنوع الهوية الثقافية لكونه يغنى الحياة الإنسانية. واحترامه أصبح أمرا واجبا لا إكراه فى الدين وجميع الأجناس متساوية، وكل تراث مجتمعى يسهم فى التراث الإنساني”.. إن الإسلام هو دين الحوار والاعتراف بالآخر[85] (التشديد من عندنا) .. ثم طالب الكاتب الغرب بعدم السعى للهيمنة على العالم كما دعا المسلمين إلى الحوار مع الآخرين دون التخلى عن الإسلام، ويستخدم آيات الموادعة كالعادة فى مثل هذه الكتابات منحيا آية السيف وآيات القتال العديدة. والواضح من مقاله الشعوربضعف الثقافة الإسلامية والخوف من سيطرة الغرب ولذلك راح يدعى أن الإسلام يعترف بالثقافات الأخرى ولكنه لم يسلم من التناقض الواضح حين اعتبر أساس الحضارات هو الدين متناسيا الحضارات اللادينية ومعتبرا أن اللـه هو مصدر كل الأديان متناسيا الأديان “غير السماوية”.. فهو إذن يخاطب الغرب الذى يعتبره مسيحيا، بينما هو ليس كذلك، مناشدا إياه أن يحترم الثقافة الإسلامية ولا يقصد العكس كما ادعى فى مقاله، فقد ادعى اعتراف الإسلام بالآخر؛"الكافر" طبعا، وهو يقصد أن يطالب الغرب باحترام الإسلام!ولم ينس وصف الغرب بالمسيحى حتى يبرر اعترافه به إسلاميا، وهو فى الحقيقة يعترف بالمسيحية المفترضة وغير الموجودة فعليا. فهو يعترف بشيء وهمى مدعيا أنه الغرب الموجود بالفعل، محولا الواقع إلى وهم كذبا وخداعا.

    وفى الحقيقة يعتبر الإسلاميون أن الحوار مع الجاهليين لا يجب أن يهدف إلى أخذ أفكار منهم وإنما لدفعهم إلى الأخذ بالإسلام فالهدف هو تبييض صورة الإسلام أمامهم حتى يقبلوه. ذلك أن قيمة الأفكار فى الإسلام تأتى من مصدرها، فالأفكار ذات المصدر الإلهى هى الأفضل حتما وحتى إذا اتفقت بعض أفكار الإسلام مع بعض أفكار "الكفار" يُعتبر هذا الاتفاق شكليا فحسب، ف"الكفار" يطرحون أفكارهم من أنفسهم ولغرض المصلحة أما الإسلام فيطرح تعليمات اللـه نفسها ولغرض طاعته. وعلى ذلك ينبذ الإسلاميون مبدأ التفاعل الثقافى والحوار الفعلى، إلا بغرض دعوة "الكفار" إلى الإسلام وليس بغرض التوصل إلى أرضية مشتركة على أساس التفاعل الفكرى، فكيف يتفاعل دين اللـه مع فكر الجاهلية؟. إن مبدأ الحوار نفسه يتضمن المساواة بين أطراف الحوار، أى بين الإسلام و"الكفر" وقبول الآخر كما هو باعتباره صاحب وجهة نظر، وليس ضالا وفى قلبه مرض. ومن ثم يكون التفاعل بين المتحاورين بغرض التوصل لأفكار مشتركة، بغض النظر عن اختلاف مصدرها من “وحي” أو عقل بشرى، وإلى أفكار جديدة تتجاوز أفكر الطرفين قبل الحوار. وهذا ما يرفضه العقل الإسلامى بتاتا لأن فيه تنازلا عن قدسية الإسلام وعلو شأنه قياسا بأفكار "الجاهلية".
    من هنا يتضمن الفكر الإسلامى دعوة مفتوحة لصراع الثقافات حتى تنتصر إحداها؛الإسلام، على الأخرى.. وهو ما يمهد لحرب دينية ممتدة. الحقيقة أن النص الإسلامى المقدس وغير المقدس مكتظ بنبذ وازدراء فكر الآخر؛"الكافر" وليس فى هذا أية مبالغة وهو ما يعترف به كثير من الإسلاميين الأكثر صراحة بوضوح شديد. وحتى الأقل صراحة يشيرون إلى ذلك مرارا، مثلما تكلم فهمى هويدى مثلا منتقدا ما أسماه “التقصير فى تحصين الشباب بالثقافة الدينية الرشيدة يمثل عاملاً أساسياً فى إضعاف مقاومتهم لجاذبية السلوك الغربى والانزلاق فى محاكاة نمط الحياة الغربية”، واستخدام لفظ “التحصين” يبدو فى سياقه كريها للغاية وكأن ثقافة الآخرين ميكروبا ومرضا. واللفظ يُستخدم كثيرا على المنابر الإسلامية بلا حرج.
    أما عن الحوار ففى القرآن: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهُم وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (العنكبوت: 46) ، والمفهوم بالذين ظلموا منهم من بقى منهم على "كفره". أما آية سورة النحل: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن (النحل: 125) ، فهى مشروطة بالرجاء فى الإسلام، حسب قول معظم المفسرين، وفسرها أحد أهم المفسرين بأنها فى التوحيد والنبوة وليس فى الفروع، وهو ما يساوى أن الحوار يجب أن يكون عبارة عن الدعوة للعقيدة الإسلامية وليس للأفكار الإسلامية الجزئية.


    أما الإسلاميون الأقل صراحة؛”المعتدلون” فبعضهم لا يرفض بصرامة فكرة قبول الآخر، ولكن يتم ذلك عمليا فى الحوارات الفعلية، فيُقبل اللفظ ويُرفض المحتوى
    ومن الأمثلة الفجة على “نفاق” الإسلاميين أنه حين أصدرت لجنة العقيدة والفلسفة التابعة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر توصيتها الشهيرة (المختلف حولها والتى نفى صدورها مدير عام مجلس مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشيخ مصطفى وهدان) بتقسيم المرتد عن الإسلام إلى مرتد غير مضر وآخر ضار واستتابة الأول مدى الحياة جاء فى القرار ذاته: إنها، أى اللجنة، "راعت فى توصيتها الظروف الدولية التى تحيط بالإسلام، والاتهامات الموجهة إليه بالتحريض على العنف والإرهاب.. وأن هناك قوى معادية تتربص بالإسلام وتريد النيل منه، فتصفه تارة بأنه عدو للحضارة، وتارة بأنه عدو للحرية” كما صرح عضو اللجنة، الدكتور عبد المعطى بيومي”أن ما تم ليس عن رغبة وإرادة، إنما “مراعاة للظروف الصعبة والشديدة التى يمر بها العالم الإسلامى، وحركات التشويه المنظمة ضد الإسلام واتهامه بأنه يحرض على الإرهاب ومصادرة الحريات”.


    وأخيرا يجب أن نلاحظ أن الإسلام بوجه عام لا يتقبل النقد، أو ما ُيسميه السب؛نقد النصوص المقدسة ونقد نبى الإسلام، فكيف يمكن أن يقبل الحوار مع الآخر دون تقبل النقد؟. كما أن الحوار مع المختلف، خصوصا العلمانى واللادينى يشترط الاحتكام إلى البرهان وهذا ما يتنافى مع أساس المعرفة فى الإسلام، ولنتذكر أن المعتزلة والعقلانيين عموما من الإسلاميين، القائلين بأسبقية العقل على النص، قد سُحقوا ويُسحقون من حين لآخر من قبل التيار السائد الذى يجعل من النص أولوية على العقل، فكيف يٌقام حواربين منظومتين فكريتين مختلفتين تعتمد إحداها على “الغيب” و”الوحي”كأساس للمعرفة ؟.



    == مسألة عدم الإكراه فى الدين


    - يكثر الإسلاميون الكلام على إقرار الإسلام لحرية الاعتقاد وفقا لآيات القرآن ومنها “فلا إكراه فى الدين”، ”لكم دينكم ولى دين”وغيرها. فهل فعلا يتضمن الفكر الإسلامى عدم الإكراه فى الدين؟
    لنلق الضوء على هذه الفكرة:
    يتضمن النص المقدس فعلا آيات وأحاديث تقول بذلك. ولكن هناك أيضا فى الفكر الإسلامى السائد ما يناقض ذلك، منها:
    - يُخير الناس المعرضون للغزوات الإسلامية من غير مشركى العرب بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو السيف. فإذا كانوا لا يحبون الدخول فى الإسلام ويأنفون أو يعجزون عن دفع الجزية فعليهم أن يدافعوا عن أنفسهم بالقوة، فإذا كانوا أضعف من المسلمين عسكريا فماذا يعنى ذلك؟ إما أن يقاتلوا حتى الموت أو يضطروا إلى إعلان إسلامهم.. أليس فى هذا إكراه؟أين شعار “لا إكراه فى الدين”؟؟. إن مجرد شن الحملات العسكرية “لجعل كلمة اللـه هى العليا” يساوى الضغط على الناس حتى يسلموا. وإن فرض الجزية والخراج وغيرهما من الضرائب على أهل الذمة ليمثل ضغطا ماديا عليهم لكى يسلموا، يضاف لذلك مختلف الضغوط المذكورة فى “الشروط العمرية” وأشكال التمييز المختلفة كما استعرضناها من قبل. كما رفض الكثير من الفقهاء أن تُعرض الثلاث خيارات المشار إليها على "الكفار" من غير أهل الكتاب كما رأينا سابقا، أى يُخيروا بين الإسلام أو السيف، وأجمع الفقهاء على أن هذا ينطبق بالذات على مشركى العرب.. أين عدم الإكراه؟؟.

    - وفى الواقع لا يوجد أى تناقض، فالآية 256 من سورة البقرة (لا إكراه فى الدين) لم تُفسركما يُفهم من ظاهر معناها، واختلف فيها المفسرون. وقد ذهب الكثير منهم إلى أنه نُسخت بآية القتال وذهب غيرهم إلى أنها لم تُنسخ ولكنها تنطبق على أهل الكتاب فقط واتفق جلهم فى الحالتين على أن الإسلام قد فُرض كرها على مشركى العرب، وبالتأكيد يوجد ويظهر دائما "مشركون"عرب. وقد جاء فى الحديث هذا المعنى واضحا: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللـه وأن محمداً رسول اللـه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللـه (البخاري-25 ومسلم -93 وغيرهما) .، والمقصود بالناس هنا - كما فهم معظم ال”علماء”- "المشركين"دون أهل الكتاب. وإلى هذا الحديث استند أبو بكر فى محاربة مانعى الزكاة بعد وفاة محمد.

    ونرى أنه من المفيد أن نقدم بعض الآراء فى هذا الموضوع: لخص الشوكانى التفسيرات التى قيلت فى هذه الآية: “قد اختلف أهل العلم فى قوله: “لا إكراه فى الدين” على أقوال: الأول إنها منسوخة لأن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام، والناسخ لها قوله تعالى: “يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين” وقال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن اللـه مع المتقين” وقال: “ ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون “، وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين. القول الثانى أنها ليست بمنسوخة وإنما نزلت فى أهل الكتاب خاصة، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية، بل الذين يكرهون هم أهل الأوثان، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وإلى هذا ذهب الشعبى والحسن وقتادة والضحاك. القول الثالث: أن هذه الآية فى الأنصار خاصة، وسيأتى بيان ما ورد فى ذلك. القول الرابع: أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره فلا إكراه فى الدين. القول الخامس: أنها وردت فى السبى متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام. وقال ابن كثير فى تفسيره: أى لا تكرهوا أحداً على الدخول فى دين الإسلام، فإنه بين واضح جلى دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه اللـه للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللـه قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول فى الدين مكرهاً مقسوراً، وهذا يصلح أن يكون قولاً سادساً. وقال فى الكشاف فى تفسيره هذه الآية: أى لم يجبر اللـه أمر الإيمان على الإجبار والقسر، ولكن على التمكين والاختيار، ونحوه قوله:
    “ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” أى: لو شاء لقسرهم على الإيمان، ولكن لم يفعل، وبنى الأمر على الاختيار، وهذا يصلح أن يكون قولاً سابعاً. والذى ينبغى اعتماده ويتعين الوقوف عنده: أنها فى السبب الذى نزلت لأجله محكمة غير منسوخة، وهو أن المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت يهود بنى نضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فنزلت، أخرجه أبو داود والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقى فى السنن والضياء فى المختارة عن ابن عباس. وقد وردت هذه القصة من وجوه، حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا: إنما جعلناهم على دينهم: أى دين اليهود، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وأن اللـه جاء بالإسلام فلنكرهنهم، فلما نزلت خير الأبناء رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم ولم يكرههم على الإسلام. وهذا يقتضى أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية. وأما أهل الحرب فالآية وإن كانت تعمهم، لأن النكرة فى سياق النفى وتريف الدين يفيدان ذلك، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات فى إكراه أهل الحرب من "الكفار" على الإسلام. قوله: “قد تبين الرشد من الغي” الرشد هنا الإيمان، والغى الكفر: أى قد تميز أحدهما على الآخر. وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله”. وما نريد إيضاحه هنا ليس التفسير أو المعنى بل أن آراء المفسرين الثقاة قد تضمنت الاعتراف بأن الإسلام يكره صنفا معينا من "الكفار" على الإسلام فى آيات وأحاديث وسنن عملية وهو ما يتجنبه بعض الدعاة المعاصرين حين يتكلمون عن السماحة الإسلامية المزعومة بينما يقرون بأحكام المرتد و"الزنديق " وينادون بتطبيقها.


    - ذكرت آراء ليست قليلة فى الفقه أن المرأة المرتدة والأطفاب يجبرون على الإسلام وقد تناولنا ذلك من قبل.
    - عدم السماح للمسلم بأن يغير دينه وتهديد من يعلن ذلك بالقتل أو الضغوط لكى يتراجع، ألا يُعد إكراها على إعلان الإسلام؟؟. وقد كان كثير من الفقهاء القدامى أكثر جرأة وصراحة من الإسلاميين المعاصرين "المعتدلين"، وقد اعترف كثير منهم بصراحة بأن الإسلام يكره العرب الوثَنِيِين و"المرتدين"عَلَى الإِسلامِ.


    - العالم الإسلامى هو عبارة عن محكمة تفتيش شعبية. فالفقهاء و”العلماء”والصحافة الإسلامية والرأى العام نفسه.. كل هذا يتربص بكل من يعلن التحول من الإسلام أو حتى ينتقد النصوص المقدسة أو حتى أحد الصحابة، ويوجهه بضغوط شديدة تصل إلى حد التهديد بالقتل أو حتى القتل نفسه. وفى الواقع الحالى لا ُيرفع السلاح، كظاهرة، ضد المثقفين إلا من قبل الإسلاميين سواء نعتتهم التيارات “المعتدلة”بالطيش أو بعدم فهم الإسلام الصحيح، ورغم هذا تمنحهم نفس المنظمات الفتاوى اللازمة لممارسة القتل بإهدار دم "الكفار"، ثم تتبرأ مما يفعلون من تهديد وقتل!بل كثيرا ما تقدم المبررات اللازمة لأعمال العنف محملة "الكفار"مسئولية استفزاز الشباب الجهادى. كما أن هناك محاكم تفتيش رسمية تتمثل فى محاكمات المرتدين. أليست استتابة المرتد هى محكمة تفتيش؟أو ماذا يمكن أن نسميها؟!.


    - إن الإسلام تحميه الدولة فى العالم العربى وبعض البلاد الإسلامية الأخرى، بالقوانين والسجون التى تفتح أبوابها “للمرتدين” و”الزنادقة” والقوانين تجرم نقد الدين والرسول والنصوص الدينية. كما أن الأغلبية العظمى من المسلمين لم يختاروا الإسلام أصلا بل ُفرض عليهم منذ مولدهم وحملوا صفة مسلم فى أوراقهم الشخصية وعوملوا على هذا الأساس وطالبتهم أسرهم بالتصرف كمسلمين.. فأين حرية المرء فى الاختيار؟. ويستند الإسلام فى هذه النقطة إلى الفكرة القائلة بأن الإنسان يولد مسلما!وهى فكرة لا دليل عليها إطلاقا ولا يمكن تصورها أصلا. ولنتخيل إذا اعتبر كل أصحاب الأيديولوجيات أن الإنسان يولد اشتراكى أو ليبرالى أو بوذى فهل يتقبل الإسلاميون هذا؟.


    إذا كان الإسلام يسمح بالحرية الدينية فلماذا مازال يستخدم الشرطة لحمايته بفرضه على المولودين من آباء أو أمهات مسلمين بقوة الدولة، وبحمايته بالقوة من “المرتدين” و”الزنادقة”و”المارقين”ومختلف أصحاب ما يسمونها “الأفكار الهدامة”؟.


    رغم كل هذا يزعم الإسلاميون أنه”لاإكراه فى الدين”على العموم، ومن هؤلاء سيد قطب (فى ظلال القرآن) الذى كتب يتغزل فى طرح الإسلام لمبدأ حرية الاعتقاد ومقارنا بينه وبين المسيحية التى فرضتها الدولة الرومانية قسرا، مقارنا - كعادة الإسلاميين- بين نص ووقائع، فالمسيحية كدين وثقافة لم تناد بالإكراه فى الدين فلم تفرض الثلاث خصال الشهيرة ولم تناد - كفكر- بقتل المرتد.. إلخ. وهناك فى تاريخ الإسلام من فرض التشيع بالقوة على شعب بأكمله (الفاطميون) ومن فرض السنة بالقوة على نفس الشعب (الأيوبيون) .


    ومن "المعتدلين" لجأ القرضاوى للدمججة بلا خجل ، فتحدث عن الحرية فى الإسلام وتغزل فى حرية الاعتقاد المكفولة.. بينما تمسك فى نفس الكتاب بقتل المرتد ومنتقد الإسلام، واتهم - مثل سيد قطب تماما- الحكومات العلمانية بالردة وأسماها "ردة السلطان"وسبق الإشارة إلى مناداته بتطبيق حكم الردة فى العلمانيين
    الحقيقة أن الإكراه على الإسلام ليس مجرد موقف فكرى مجرد، فإذا كان الإسلام لدى أهله هو الطريق إلى الجنة والسعادة فى الدنيا فلماذا يُفرض عقيدة أو نظاما على من يرفض الجنة والسعادة؟أليست النار أولى بهم؟!. فى الواقع تعكس هذه المركزية نزعة قوية للسيطرة وقهر الآخر وتهميشه. وفى سياق ذلك يستلب المسلمون أو قادتهم بمعنى أصح السلطة والأراضى والأموال. وإذا أردنا تحليل المحتوى الفعلى للخيارات الثلاثة: الإسلام أو الجزية أو السيف لوجدنا أن الإسلام يعنى عمليا بالنسبة للغزاة تحصيل الزكاة لحكومتهم فيكون الخيار بين دفع المال فى صورة من إثنتين: زكاة أو جزية، أو السيف.. وهى عملية استعمارية مغلفة بالمقدس والشعارات الطنانة حول الجنة والنار والموت فى سبيل اللـه.. إلخ. أما فرض الإسلام على مواطنى الدولة عقيدة أو نظاما فيعنى عمليا الخضوع لدولة شمولية ولبطانتها، وهو واقع التاريخ الإسلامى القديم والحديث. ونرى أنه لا يمكن الفصل بين الإصرار على فكرة قتل المرتد وأشكال الإكراه الأخرى عن وجود مؤسسة دينية قوية فى البلاد العربية والإسلامية التى يُعامل فيها "الكفار"بهذه القسوة مثل السعودية ومصروالسودان، مدعومة من السلطة وداعمة لها فى نفس الوقت، فالحفاظ على أكبر عدد من الأتباع والموالين لها – لتبرير وجودها- يتطلب قمع أى اتجاه مناويء لمنظومتها الفكرية، وسوف تستمر هذه المؤسسات فى مقاومة التحول الديموقراطى حتى تنهار قوتها بطريقة أو بأخرى. والمسألة لا تتعلق فقط بمصالح المؤسسة الدينية ولا مصالح الدولة، فهناك أيضا أرضية أوسع؛ف"المرتد" و"الكافر" عموما يمثل فى نظر الجماهير والإسلاميين من شتى الاتجاهات الثقافة الحديثة بكل ما تمثله من شبح الهيمنة الغربية ومضاعفات التحديث الناقص، وهذا ما يفسر مثلا اتهام “الزنادقة” المعاصرين بالعمالة للغرب وتصويرهم كعنصر من عناصر المؤامرة الغربية المزعومة على الإسلام

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  11. #11
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    2- تقديم الفكر الإسلامى فى صورة فكر إنسانى:




    يحاول الإسلاميون حتى المتشددين منهم تقديم الإسلام فى صورة المبدأ الإنسانى الذى يدعو إلى مباديء إنسانية مثالية رغم رفضهم للنزعة الإنسانية، باستثناء قليل جدا من المصلحين. ولإبراز هذه الصورة يلجأون إلى عدة أطروحات:
    - اللجوء إلى أحكام القيمة. فالإسلام يدعو إلى “العدل” وتوجد آيات كثيرة وأحاديث عديدة تقول بذلك. ولكن هل هناك أية شريعة أو عقيدة أو دعوة تنادى بالظلم أو تنكر أنها تدعو للعدل؟!وبالإضافة إلى الاستشهاد بالآيات والأحاديث يلجأ الإسلاميون إلى ضرب أمثلة فردية من التاريخ الإسلامى باتت محفوظة دون الانتباه إلى وجود أمثلة مضادة عديدة وإلى وجود أمثلة فردية مشابهة فى مختلف النظم حتى الاستبدادية. ويبدو مفهوم العدل لديهم مطلقا بينما هو نسبى فيختلف معنى العدل من ثقافة لأخرى بل من فرد لآخر، فمن العدل فى الإسلام حتما أن يُقتل المرتد وأن تغتصب نساء "الكفار" المحاربين وأن يُباع أولادهم فى السوق كأية سلعة.. رغم أن "الكفار" المعاصرين يرون فى هذا كله شيئا بشعا. ورغم أن الإسلاميين المعاصرين لا ينادون بذلك وقد يوافقون على مواثيق لا تبيح السبى والاغتصاب فى الحرب إلا أنهم يبررون ما حدث من ذلك فى التاريخ الإسلامى، بل ويقرونه بفخر واعتزاز، وأكثرهم اعتدالا، مثل القرضاوى فى حلقة تليفزيونية يبرره بأن الآخرين كانوا يفعلون ذلك، فإذن تقبل الشريعة الإسلامية أن يكون الآخرون قدوة للمسلمين، والأهم هل الشريعة الإسلامية ترفض هذا التصرف أصلا أم تبيحه؟!وهل الحاكمية يمكن أن تقلد "الجاهلية"؟!!فى الواقع أقر الإسلام كثيرا من قواعد الحرب السابقة عليه مع كثير من أفكار وعادات"الجاهلية" الأخرى وهو ما تهرب منه القرضاوى
    ومن أحكام القيمة كذلك استخدام مفهوم الرحمة بمعنى مطلق بينما هو مفهوم نسبى؛فإذا كان الإسلام يدعو للرحمة فيما بين المسلمين فقد دعا للغلظة على "الكفار": يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (التوبة: 73) ، محمد رسول اللـه والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (الفتح: 29) . وتحققت هذه الغلظة كثيرا فى الواقع، فما الرحمة فى سبى نساء وأطفال أهل الحرب وبيعهم فى السوق مثل أية سلعة؟!. فى الواقع لم يكن أى استعمار رحيما، ولا يستثنى الاستعمار العربي-الإسلامى.

    - يقدم الإسلاميون فكرهم على أنه يتبنى كل المباديء الإنسانية النبيلة من الحرية والإخاء والمساواة بل وقد سبق الثورة الفرنسية فى رفع وتحقيق هذه الشعارات.. ولكن بمعانى تختلف كليا عما تعنيه هذه المباديء للرأى العام فى العالم. فهل يدعو الإسلام إلى المساواة والإخاء بين المسلمين و"الكفار"؟وهل يوافق على حرية الإنسان فى فكره واعتقاده وفى التعبير عن رأيه وحريته فى جسده؟؟. حين تُناقش التفاصيل العملية يتراجع الإسلاميون فورا بحجة أن الإسلام قدم مفاهيما مختلفة لهذه الشعارات أكثر تقدما واكتمالا وعظمة.. إلخ.. أى يلجأون مرة أخرى إلى أحكام القيمة الفارغة من مضمون محدد. والشيء المثير للغضب أن الإسلاميين يصرون على أنهم يناضلون من أجل الحرية والمساواة بينما تمتليء كتاباتهم بالدعوة لقمع الآخر "الكافر" وفرض نظام الشريعة"السمحاء"- زعما- على كل البشر "لينعموا" بها. والحقيقة أنهم أبعد الناس عن الليبرالية التى يهاجمونها باستمرار وبشراسة غالبا.. فما هى هذه الحرية وتلك المساواة التى يدعون إليهما؟!وهم بدلا من تعليم الجماهير مباديء التسامح مع الآخر يدعونها لاختيار النظام الإسلامى الشمولى برغبتها.. نفس منطق الفاشيست من قبل. ويكثر الزعم بعالمية الإسلام وشموله كافة الناس وليس المسلمين فقط استنادا لتعبيرات مثل "ياأيها الناس"، "يا بنى آدم".. ويتناسى الإسلاميون أنه يدعوهم جميعا للإسلام وليس للمحبة بينهم أو للتعاون بغض النظر عن الدين!. وإذا كان كلامنا مبالغ فيه فهيا أيها الإسلاميون وافقوا على المساواة فى كل شيء بين المسلمين و"الكفار".. هل تستطيعوا؟سنرحب بذلك حتما.

    ويتكلم دعاة الإسلام عن أهدافهم وفكرهم كأعظم ما فى الدنيا منتهجين نهجا شكليا تماما.. فما هو مضمون هذه الأهداف؟ فيما تتمثل هذه العظمة المزعومة للإسلام ؟. إن غياب البرنامج العينى للإسلام السياسى يحصر الدعاية فى مجرد المديح وتحبيذ الحل الإسلامى؛فالإسلام هو الحل! أى كتاب اللـه وسنة رسوله (القرآن دستورنا..) وهو ما يدغدغ عواطف العامة دون أن يقدم تصورات عملية لمجتمع آخر

    - يتم إظهار فكرة “الشوري”وكأنها أعظم المباديء الديموقراطية فى الدنيا، وكأن حكام العالم جميعا كانوا حكاما فرديين لا يشاورون أحدا وهو طبعا ادعاء ساذج، فلا يمكن لفرد واحد أن يحكم دون “مجلس شوري” من بطانته على الأقل. ويُصور الإسلام وكأنه يدعو للديموقراطية الشعبية، رغم أن هذه الفكرة مرفوضة جملة وتفصيلا فى الثقافة الإسلامية، حيث مبدأ الحاكمية للـه وليس المبدأ الأساسى فى الديموقراطية: حكم الشعب، وحيث النص هو مصدرالتشريع حتى لو رأى الناس غير ذلك. وهو أمر يعلنه الإسلاميون كل لحظة.. ثم ألم يكن فى مكة قبل الإسلام أهل حل وعقد أيضا وكانوا يتشاورون أم كيف كان يسير هذا المجتمع المزدهر اقتصاديا؟. وبالعكس تماما لم تناد الغالبية العظمى من دعاة الإسلام بالديموقراطية إسميا إلا حديثا جدا فى حدود ضيقة: صندوق الاقتراع، لأنهم يظنون أنهم يضمنون أصوات الأغلبية، مع ربط ذلك بجعل الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع كإلزام وليس كاختيار ضمن خيارات أخرى ممكنة. ومن المعلن من قبل الإسلاميين المعتدلين أنصار الشورى الملزمة مثل الإخوان المسلمين أنه لا شورى فيما فيه نص أما ما ليس فيه نص من قرآن أو سنة فيجب التشاور فيه، فلا اجتهاد مع النص، وفى السنة العملية لم يقبل محمد بالشورى فى وضع مباديء الدين إلا نادرا ولم يُسمح لأحد بالاعتراض على ما اعتبر وحيا ولذلك رفض الشورى حول صلح الحديبية لأنه تم بوحى حسب ما ُذكر وكان يشاور أصحابه فى الأمور الفنية أساسا. وبغض النظر عن حقائق التاريخ الفعلى يعتقد عامة المسلمين والأغلبية العظمى من خاصتهم أن الإسلام هو رسالة أرسلها اللـه بواسطة جبريل إلى محمد الذى قدمها للناس الذين وفقا لهذا التصور اتخذوا موقف المتلقى. وفى أزهى عصور الإسلام من وجهة نظر أهله، دولة "الراشدين" لم ينتخب الشعب أى حاكم بل كانت المبايعة، أى الاستفتاء هو أقصى المسموح به ومن رفض مبايعة أول خليفة قُتل بتهمة الردة باستثناء الهاشميين. وبينما أنتج الفقهاء والمتكلمون ما لاحصر له من كتب العقيدة وأحكام الدين والأحاديث وتفسيرها وتفاسير القرآن.. إلخ نجد أن ما خلفوه فى مجال الفكر السياسى جاء هزيلا لغاية وكان أرقى ما كُتب هو كتاب الماوردى “الأحكام السلطانية”، ولم يهتم أحد منهم أبدا بفكرة العقد بين الدولة والشعب، باستثناء ابن رشد أساسا، ولا بأية فكرة ديموقراطية أخرى، وأقصى ما قُدم من شروط الإمامة هو التقوى والعدل ولم يتطرق أحد إلى حرية الناس أو حق المواطنة. وللمقارنة وحتى تكون الأمور أوضح نذكر بأن اليونانيين القدامى قد طرحوا فكرة المواطنة والديموقراطية صراحة وأقيمت ديموقراطيات ناقصة فى التاريخ القديم

    ومسألة الديموقراطية تُعد جوهرية فى علاقة الإسلام بالآخر. فتحقيق الديموقراطية فى دولة بها مسلمون و"كفار" يعنى ببساطة تحقيق المساواة بينهم، أى علمنة الدولة والمجتمع ككل وبالتالى إلغاء فكرة تطبيق "الشريعة"، أى إلغاء فكرة الدولة الإسلامية ليصبح الإسلام دينا فحسب.. فهل هذا مما يقبله الفكر الإسلامي؟.

    - دين السلام: وعادة ما يذُكر هنا أن كلمة إسلام مشتقة من السلام، وهى مغالطة لغوية مكشوفة فالإسلام يعنى بالنسبة لكافة المسلمين التسليم للـه وليس السلام مع البشر ولم يُستخدم اللفظ سوى بهذا المعنى، ويُضاف أن القرآن فى بعض آياته قد دعا إلى السلام، بل إن التحية فى الإسلام هى “السلام عليكم”. وإذا كان للسلام هذه القيمة العليا فى الفكر الإسلامى، فأين يقع مفهوم “الجهاد”وما علاقته بقيمة الغزو العالية جدا فى هذه الثقافة. ثم ما هو هذا السلام بالضبط؟أليست معظم الثقافات تتبنى فكرة السلام ومعظم الغزاة دعوا أعداءهم للسلام.. ولكن بأى معنى.. نقصد بأية شروط؟. ففى الإسلام على العالم كله أن يخضع للشريعة الإسلامية كنظام حياة وإلا يكون الغزو. بل أمر الإسلام أتباعه بألا يبدأوا "الكفار" بالسلام وحدد طريقة للرد على تحيتهم. فى الواقع دعا الإسلام إلى السلام بين المسلمين وتشدد فى إدانة من يقاتل جماعة الإسلام أو يخرج عليها ولكنه لم يدعُ للسلام مع "الكفار" إلا فى حالة الاستضعاف أو بشروط معينة كما استعرضنا.

    وبينما لم يقع المسلمون قديما فى لبس كهذا يلعب الإسلاميون المعاصرون لعبة الخداع هذه.

    - التسامح والمحبة والمساواة: الإسلام كما يقدمه بعض الدعاة المعاصرين هو دين المحبة والتسامح. وتدل النصوص المقدسة وآلاف الكتب والمقالات ومختلف النصوص أن الإسلام لا يتسامح أبدا مع الآخر "الكافر" ولم نصادف نصا يطالب المسلمين بأن يحبوا "الكفار" أو يتسامحوا معهم إذا انتقدوا الإسلام أو روجوا لفكرهم بينما هو يناهضهم بحرية. إن التسامح والعفو عند المقدرة فى الإسلام نصا وفقها وثقافة معاصرة ليست مفتوحة ولا فرضا، فلا عفو عن منتقد الإسلام مثلا أو من يخرج على عقد الذمة أو المرتد.. ولا خيار رابع أمام "الكفار" بين الإسلام أو الجزية أو السيف إلا إذا كانوا أقوياء فلا يستطيع المسلمون محاربتهم، كما أن العفو عن المسيء لشخص المسلم -لا لدينه - هو أمر اختيارى.. وبشكل عام لا توجد –عمليا- ثقافة للحب والتسامح المفتوحين على مصراعهما وأى ادعاء من هذا النوع هو ادعاء كاذب. وحتى التسامح المسيحى لم يتحول إلى وجدان الناس ولم ينسخ إلى عالم الفكر السياسى مثلا!.

    ومن الأمور المثيرة للضحك أن يُعتبر مجرد سماح الإسلام للرجل المسلم أن يتزوج من نساء الكتابيات “تسامحا كبيرا”، وهو ما يقدمه بعض الدعاة للتدليل على التسامح “الفريد” للإسلام كما ينعتونه، وأن يُعد مجرد عدم الدعوة لإبادة الشعوب الأخرى هو عين التسامح الإسلامي!. وكأن هذه ابتكارات جديدة فى الفكر البشرى لم تُعرف من قبل.. وكأن البشرية لم تعرف من قبل سوى الإبادة الجماعية واستئصال الشعوب لبعضها البعض!. وهل دعا بوذا أو المسيح أو حتى أرسطو إلى إبادة الآخرين وهل قام الفرس والروم بإبادة الشعوب التى حكموها؟؟. وإذا كان السماح بالزواج بين المسلمين والكتابيات من أشكال التسامح فهل منع “كفار” قريش الزواج بين أديان مختلفة؟ بالعكس كان الزواج قبل الإسلام عند العرب أكثر سهولة ومتعدد الأشكال وبالتالى كان التسامح – إذا استخدمنا منطق الإسلام- أكثر وقد حرم الإسلام كثيرا من أشكال الزواج السابقة عليه ولم يبتكر أشكالا جديدة عكس ما يوحى به الإسلاميون!. أليس الأكثر تسامحا هو الزواج المدنى، بغض النظر عن الدين وهو ما يرفضه الإسلام بتاتا؟

    أما المساواة فشعار جميل ولكنه يُقدم بمضمون يعنى عكسه. ويعنينا هنا العلاقة بين المسلم و"الكافر". فلم ينص الإسلام السائد لا القديم ولا المعاصرعلى ما يعنى المساواة بين سكان البلد من مسلمين و"كفار"؛ف"الكفار" هم أهل ذمة، يعيشون فى كنف المسلمين ولهم حقوق محددة ليس من بينها مثلا تولى الولايات العامة ولا إظهار شعائرهم ولا الدعوة لعقائدهم.. إلخ، ومع ذلك يرفع الإسلاميون الأكثر اعتدالا شعار" لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، بأى معنى بالضبط إذا كان نفس الإسلاميين يتبنون ما أشرنا إليه فورا من تحديد وضعهم كأهل ذمة، وكثيرا ما تتضمن كتاباتهم هذا التناقض ونجد هذا مثلا فى رسائل حسن البنا التى تناول فيها وضعهم بوضوح فى الدولة الإسلامية التى قرر إنشاءها هو وأتباعه ولدى القرضاوى فى كتيبه: غير المسلمين فى المجتمع الإسلامي- سبق ذكره، وكلاهما؛مفكر الإخوان القديم والحالى رفعا الشعار المذكور مع ذكر ما يناقضه من شروح.. وفى الحقيقة لا يمكن إلا اعتبار هذا خداعا لا يمارسه المتشددون أبدا



    - التعددية :

    زعم “نص البيان التأسيسى للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين” على أن الإسلام هو أول من نادى بالتعددية الثقافية (التشديد من عندنا) التى تعدها المجتمعات الغربية من مفاخرها الحديثة، داعيا الدول الغربية إلى كفالة الحقوق والحريات للمسلمين المقيمين بها، وتمكينهم من أداء واجباتهم الدينية بحرية، شأنهم شأن أهل سائر الأديان، ومنع التمييز بينهم وبين غيرهم من المواطنين بسبب الدين، واستيعاب الخصوصية الثقافية الإسلامية فى إطار التعددية.. متجاهلا المناداة الصريحة للإسلام بمناهضة فكر "الكفر" لصالح ما يسميه الدين الحق واعتباره كل ما عداه باطلا ويفتح الطريق إلى جهنم، ومتناسيا الشروط العمرية وقتل المرتد وفضائل الغزو لفرض النظم الإسلامية.. الخ!. وذكر جمال البنا: ويتفق الإسلام مع العلمانية فى أنه يرفض الدولة الثيولوجية ويجعل الحكم عقدا سياسياً فكأن الإسلام حقق العقد الاجتماعى الذى تصوره جان جاك روسو.. قبله بقرون طويلة . ويتجاهل البنا دور "الكفار" الذى يحدده لهم الإسلام السائد فى هذا العقد المزعوم، ناهيك عن موقع النساء حيث تُرفض ولاية المرأة إلا من قبل بضع أفراد من الإسلاميين فلم نسمع عن أى دور سياسى للمرأة، ناهيك عن وضع العبيد والسبايا من "العجم" فى دولة الخلفاء "الراشدين"التى يسميها "يوتوبيا" زعما!.

    وفى الماضى والحاضر يدرس مفكرو الإسلام الأديان الأخرى أساسا لكشف “تحريفها”بدلا من الاهتمام بالكشف عن اختلافاتها وتشابهاتها وسياق نشوئها.. إلخ. بل ونزعم أن مختلف الكتابات الإسلامية – مع استثناءات محدودة- عن الأديان الأخرى، خصوصا اليهودية والمسيحية تهدف إلى الكشف عما يُعد تشوهات وانحرافات واضعيها وعن طابعها البشرى مقارنة بالمصدر الإلهى المزعوم للإسلام.

    ولم يأخذ الإسلام بالتعددية منذ بدايته، مما تسبب كما نعتقد فى اصطدامه بالقرشيين، وتدل سورة الكافرون على ذلك: قُل يأيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون مآ أعبد * ولا أنآ عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون مآ أعبد. والتى حسب مختلف التفاسير جاءت ردا على أفراد محددين من مكة اقترحوا أن يعبد المسلمون و"الكفار" آلهة بعضهم البعض فرفض محمد مصرا على عبادة إله واحد دون سواه. والسورة لا تقبل بالتعددية بل تقرر واقعا مع إدانة من تخاطبهم ناعتة إياههم ب”الكافرين".


    ويلجأ كثير من الإسلاميين "المعتدلين"إلى التحايل باستخدام كلمة تعددية بمعنى مختلف عن المقصود بها فى مثل هذا السياق. فيلجأ بعضهم لبذل جهد مضنٍ للبرهنة على قبول الإسلام لوجود التنوع فى الكون واختلاف اللغات والأمم وتعدد أنواعى الكائنات.. إلخ وهو تنوع موجود سواء رضى الإسلام أم لا، والقضية طبعا ليست هنا حيث يعرف البشر بوجود التنوع. كما "يتنازل"آخرون فيقرون أن الإسلام يقبل وجود أفكار متنوعة بدليل وجود مدارس فقهية وتفسيرية متعددة داخله.. كل هذا طبعا داخل الإسلام. ومن المعتاد أن يتحدث آخرون عن قبول الإسلام لوجود أهل الذمة على أرضه كدليل على قبوله بالتعددية (مثل القرضاوي) متجاهلا كالعادة أنه يقبلهم ليس باعتبار أن أفكارهم مشروعة بل باعتبارهم ضالين وبالتالى صاغرين للإسلام ويعيشون "فى كنف" المسلمين. وكثيرا ما ُتقدم التعددية المقبولة فى الإسلام على أنها قبول المسلمين للتعامل التجارى وغيره مع "الكفار" من مختلف البلاد وإقامة المعاهدات.. إلخ. والاحتيال واضح تماما؛فالتعددية التى يدعو لها الديموقراطيون فى العالم هى قبول الفكر الآخر كوجهة نظر لا كحقيقة أو باطل والتوقف عن ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وتكفير الآخرين أو اتهامهم بالضلال والانحراف وبالتالى التقليل من شأنهم والحط من مكانتهم. والحقيقة أن الفكر الإسلامى الأكثر دبلوماسية، عكس الفكر الأصولى المتشدد، يجد نفسه أمام معضلة؛فلا هو قادر على إعلان رفضه للتعددية بوضوح خوفا من "الكفار" الأقوياء، ولا هو قادر على الاعتراف بها بالمعنى الذى يقصده هؤلاء "الكفار"، فهو متمسك بكون أفكاره مستمدة من السماء؛من المطلق نفسه وهى – لذلك- الحق المطلق وكل ماعداها باطل وشر.. ولا يستطيع الإسلاميون التقليديون أبدا تقديم نصوصهم المقدسة على أنها وجهة نظر لا حقيقة نهائية ولا اعتبارها نتاجا لواقع اجتماعى متغير ولا هم على استعداد لتجاوزها بل لإعادة تفسيرها فحسب. واتساقا مع ذلك يتشددون للغاية فى مسألة حق المسلم فى تغيير عقيدته ويصرون على قتله متذرعين بأن "الردة" ليست حقا بشريا بل تمردا وخروجا على العهد بين اللـه والإنسان.

    وللأمانة فقد حاول بعض المفكرين الإسلاميين الإصلاحيين تجاوز هذه المحنة مثل محمود شلتوت وجمال البنا وصبحى منصور، دون الوصول إلى النهاية ودون النجاح فى التأثير فى الجمهور المسلم من خاصة أو عامة.

    - رغم تحول الثقافة الإسلامية إلى مقدس يميل الإسلاميون عموما إلى الفصل بين النظرية والتطبيق ويشترك معهم فى ذلك آخرون مثل القوميين العرب والاشتراكيين، فأولا النظرية سليمة ولكن التطبيق شابته الأخطاء والانحرافات خصوصا منذ العهد الأموى. وثانيا يتبلور هذا الفصل فى التمييز بين الإسلام والمسلمين، فوفقا لرأى واسع الانتشاريوجد هنا فى العالم الإسلامى مسلمون دون إسلام أو دون إسلام كامل بينما يقبع الإسلام الصحيح فى الكتاب والسنة.. وثالثا يصبح هذا الفصل قاطعا حين يتراشق الإسلاميون من مختلف النحل بالاتهامات بعدم فهم صحيح الدين وأحيانا بالتكفير المتبادل. فالإسلام الحق بيِّن ولكن الفرق الأخرى لا تفهمه فلا تطبقه. أما هذا الإسلام الحقيقى المثالى والإنسانى.. إلخ فهو بالضبط “الشيء فى ذاته” الكانتى.. الجوهرة المكنونة، والتى خالفها كل المسلمين الآخرين حسب ما تنظر كل فرقة إلى غيرها: السنة والشيعة، الخوارج والمعتزلة والأشاعرة والمرجئة..، الجهاديون والمعتدلون، الوهابيون وأعداؤهم... فالجوهرة موجودة ولكن لا يراها الجميع، ولم توجد فى الواقع الحى إلا –حسب رأي مختلف فرق الإسلاميين - فى عصر أحد أو بعض أو كل "الراشدين" الذى ولى.. ويحاول دعاة الإسلام بمن فيهم الإصلاحيين كجمال البنا وصبحى منصور التدليل على ذلك

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  12. #12
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    3 - تجميل صورة الممارسات الإسلامية فى الواقع والتاريخ مع تشويه الآخرين




    يبذل الدعاة الإسلاميون المحدثون دون القدامى جهدهم لتقديم التاريخ الإسلامى فى صورة مثالية. ولأن التاريخ وقائع مكتوبة ومتوفرة بكثرة هائلة تتخذ الدعاية الإسلامية فى هذا المجال شكل الكذب المباشر من إخفاء الوقائع أو تجاهل بعضها والاكتفاء بضرب أمثلة فردية والمقارنة بين أمور لا علاقة لها ببعضها أو حتى اللجوء إلى النصوص المقدسة لنفى أو إثبات وقائع معروفة. وقد اعتاد الإسلاميون المعاصرون اتهام من ينتقدون تاريخ الإسلام بالافتراء والكذب وانتقاء وقائع مشكوك فيها دون تقديم روايات أخرى أو تفنيد مصادرهم وهى عادة من أمهات كتب التراث وكتب الأحاديث المقدسة مثل البخارى ومسلم.

    ولا نقول قطعا بأن كل ما كتبته كتب التاريخ الإسلامية هو صحيح لافتقاد التوثيق الجيد فى هذا المجال، ولكن ليس لدينا مصادر موثوقة أكثر. والأهم فى مجال هذه الدراسة ليس مدى صحة الوقائع بل مدى الاعتراف بصحتها من قبل المسلمين.. أى تحولها إلى جزء من الثقافة الإسلامية.

    ونبدأ بضرب مثال ملفت وهو ما قام به كاتب دفاعا عن تاريخ الإسلام فى عهد عمر ابن الخطاب. إذ قدم أحمد صبحى منصور دراسة عن عمر ذكر فيها الكثير من وقائع الاضطهاد الذى أوقعه الغزاة العرب-المسلمون على الشعوب المغلوبة وأعمال السلب والنهب والقتل والاسترقاق مع تراكم ثروات الصحابة وهذا بإشراف الخليفة عمر، وحين رد عليه الكاتب المشار إليه ، لم ينكر الوقائع ولم يحاول حتى تبريرها بشكل مباشر ولكنه راح يقدم أحاديثا نبوية تشير إلى أهمية عمر فى الإسلام ومدى تقواه.. إلخ.. هكذا رد على الوقائع بالنصوص المقدسة. وما يمكن استنتاجه أن ما ذكرت مصادر التراث أنه حدث أثناء حكمه مما نسميه اليوم بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب مقبول إسلاميا ويحقق العدل والحرية.. إلخ.


    من الأمثلة:

    - يزعم بعض الإسلاميين “المعتدلين”من حين لآخر أن الغزوات و”الفتوحات”الإسلامية كانت دائما عمليات دفاع عن النفس ضد اعتداءات "الكفار"، رغم أن التاريخ الإسلامى مكتوب ومنشور لكل من يريد أن يقرأ.. وتفصيلات احتلال الأراضى الممتدة من الصين إلى أسبانيا مكتوبة، والأوامر النبوية بغزو أراضى "الكفار"منشورة فى كتب السيرة. وقد حاول القليلون جدا من الإسلاميين من مناهضى النزعة المركزية نفى مسئولية الإسلام عن الغزوات واحتلال بلاد "الكفار" ولكن بدون ديماجوجيا بل بإدانة ما حدث فعلا وانتقاد الخلفاء “الراشدين”واتهامهم بمخالفة الإسلام”الحقيقي”وهو موقف أحمد صبحى منصور الذى تعرض نتيجة محاولته الإصلاحية للتهديدات والاضطهاد الشديد من قبل الإسلاميين الرسميين وغيرهم.


    - الزعم بأن الحضارة الإسلامية قد سبقت كل الحضارات فى أمور شتى فريدة من نوعها، منها أنها أول من أسس بيت المال فى التاريخ: "تعتبر الحضارة الإسلامية الرائدة فى مجال تنظيم الأموال الاقتصادية والموارد المالية للأمة الإسلامية وعرفت البشرية أول وزارة للمالية على نفس النمط الذى يسود الآن فى أرقى الدول المتحضرة وهذه الوزارة الرائدة كانت "بيت المال”، وأول من نادى بحقوق الإنسان، وأول من حقق الحرية الدينية بل وأول من طبق “العقد الاجتماعى الذى تصوره جان جاك روسو.. قبله بقرون طويلة”، وأن النقابات ليست طارئة على المجتمع الإسلامى فقد كانت موجودة بل ونقلتها أوروبا عنه وأن بالإسلام أول نظام قانونى حث على الشورى فى مجال‏ ‏الحكم وتدبير الأمور، وأن الصورة التى وضع بها عمر الديوان تثير الدهشة وتظفر بالإعجاب والتقدير لأنها جاوزت أرقى ما ذهبت إليه دولة الرعاية فى العصر الحديث. وفى الواقع لا نفهم سبب هذه الدهشة بسبب اقتباس بعض النظم من الدول الأكثر رقيا أو ابتكار طريقة لتوزيع الأموال المسلوبة حسب ظروف المجتمع القائم وتوازناته!!. وبخصوص توثيق وتحقيق الأحاديث النبوية المكتظة بالتضارب والمثيرة للشكوك دائما زعموا أنه لم يحدث فى تاريخ الثقافة الإنسانية نظيرا لهذا التأصيل والتوثيق. ونفى هذه الادعاءات لايحتاج سوى لقراءة أحد كتب التاريخ المدرسية ليعرف الإسلاميون أن كل الدول القديمة أنشأت نظاما ماليا دقيقا وأن كثيرا من المجتمعات عرفت الحرية الدينية، بينما جاء الإسلام ليقيدها وجاء معاديا للحرية الدينية التى عرفتها جزيرة العرب نفسها وكان هذا هو السبب المباشرلاصطدامه مع “كفار” قريش، حين سفه أديانهم وآلهتهم ودعا إلى نبذ عباداتها وبالتالى إنهاء التعددية

    أما العقد الاجتماعى المزعوم فى الإسلام فلا يُقارن بما أقامته القبائل القديمة وحكومة قريش نفسها!. أما النقابات فنشأت فى المجتمعات التى بها طبقات من الحرفيين والتجارقبل الإسلام ولم تتكون على يد الإسلام الذى لم يشهد عصر خلفائه "الراشدين" أية مبادرة لتكوينها، ولا تقارن الشورى بديموقراطية أثينا وغيرها ولا بديموقراطية المشاعات عموما فى كل البلاد، أما بخصوص التوثيق الدقيق فيجب فقط على الإسلاميين ان يتحلوا بفضيلة الخجل من توثيقهم المثير للجدل على جميع الأصعدة ودائما وفى كل المجالات.
    فمن المشهور عدم توثيق أى من الأحاديث النبوية وإنما تمت كتابتها بعد وفاة محمد بسنوات اختلف على تحديدها الإسلاميون وتفاوتت تقديراتهم تفاوتا كبيرا وتم التدوين نقلا عن روايات شفوية وتم الاعتماد على السند، أى الأشخاص الراوين لها ولم يتوقف أبدا الجدل على تحديد ما هو الصحيح منها وتعددت لذلك التصنيفات والمعايير بشكل يدعو إلى الشك..
    بل ولم يتم توثيق تاريخ الإسلام بل تمت كتابته اجتهادا وبالنقل الشفاهى فى أغلب الحالات مما أدى إلى وجود روايات عدة للحدث الواحد، بل وتشوب عملية جمع القرآن كثير من الشوائب حيث تم تدوينه اعتمادا على الوثائق التى قيل إنها كانت متاحة ومتناثرة عند الصحابة وكذلك على ما صرح به حفظة القرآن، ولذا لم يتفق الإسلاميون على ترتيب الآيات ولا على "مناسبات النزول" ولا على وجود ناسخ ومنسوخ ولا على أية آية نسخت غيرها ولا على عدد "الأحرف" والقراءات ولا ماهيتها ولا معناها، بل لم يتفقوا على رواية تاريخ أول جمع للقرآن.. إلخ، وهذا لا شك خاص بالتوثيق، وما جعل المسلمين يثقون فى صحة نصه إلا وجود الآية التى تقول: إِنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: 9) وهو مبرر لا علاقة له بالتوثيق ويساوى تفسير الماء بالماء.. فأين التوثيق الدقيق؟!!.

    - ومن الموضوعات المطروقة دائما وبشدة فى الفكر الإسلامى ما يخص علاقة الرجل بالمرأة. وهنا يتكلم الإسلاميون عما أنجزه الإسلام للمرأة مقارنة بالحضارات الأخرى ومنها الحضارة الغربية الحديثة. فالمرأة فى الإسلام –زعما- تتمتع بما لا تتمتع به المرأة الغربية من مساواة مع الرجل وحقوق فريدة من نوعها.. وأن الإسلام كرمها، بل يلجأ كثير من الكتاب لنشر بعض تصريحات لنساء من الغرب يعلنون فيها أنهن يفضلن الحياة على الطريقة الإسلامية الأكثر إنصافا للمرأة، بينما لا ينشرون ما يذكر عن رغبة نساء عرب مسلمات فى الحياة فى مجتمعات غربية. هكذا تنفى بالكامل الحركات النسائية فى بلاد العرب والمسلمين ويكتفى الإسلاميون بتكفير أو على الأقل إدانة دعاة تحرير المرأة وأحيانا يتهمونهم بالعمالة للغرب أو المشاركة فى المؤامرة الصليبية أو اليهودية المزعومة على الإسلام.

    - تتهم الحضارات الأخرى بأنها نهبت الشعوب المستضعفة واحتلت بلادا أخرى وأقامت المذابح.. بينما حقق الإسلام العكس تماما، فيزعم رشيد رضا مثلا أنه "ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب أعدل حكام الأمم حتى فى عهد الفتح "، وهذا حسن البنا يقول وبدون تحفظ أن الاستعمار الإسلامى لم يعرف غالبا ولا مغلوبا ولم يشعر أبناء البلاد المفتوحة بأن هناك من يستغلهم أو يستولى على خيرات بلادهم وأن المساواه قد تحققت بين الفاتحين وأهل البلاد!! كما زعم جمال البنا فى مخالفة فجة لوقائع التاريخ المدون أن ما أسماه بالسلام الإسلامى "أرحم سلام عرفته البشرية لأنه لا يعطى الفاتح حقاً فى الأرض، أو الممتلكات ولا يجيز للجيش أن ينهب أو يسلب أو يحرق زرعاً أو يهدم بيتا ويكون عليه أن يشترى كل حاجاته وأن يدفع ثمنها، كما يحمى حرية العقيدة لجميع الناس"، هكذا متغاضيا بالكامل عن ضم الأراضى لدار الإسلام واعتبار الأرض ملكا للدولة الإسلامية إذا لم توزع على الجنود وبالتالى فرض الخراج عليها والكثير من وقائع حرق دور ونهب العبادة والاستيلاء على الأموال وكذلك ما عُرف بالشروط العمرية.. إلخ. وكثيرا ما ُتضرب أمثلة جزئية للمقارنة، منها مذابح الحربين العالميتين وقنابل هيروشيما وناجازاكى وضحايا تجميع الأرض فى روسيا ومحاكم التفتيش.. الخ.

    وإذا ضربت أمثلة شبيهة من التاريخ الإسلامى أو حتى أكثر بشاعة يكون الرد هو أن هذا كان مخالفا للإسلام الحقيقى وهو بالتالى ليس منه بل من فعل بعض الخلفاء المنحرفين، ويكون الرد السحرى على الوقائع بتقديم نص مقدس أو حتى – أحيانا-غير مقدس للبرهنة على وقائع لم تحدث، ففى الحرب أمر أبو بكر قائد جيشه أسامة: ” لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقًا‏”، وتُقدم مثل هذه النصوص كدليل على نظافة الحروب الإسلامية رغم أن الوقائع تقول أن ما حدث لم يكن كذلك حتى فى عصر محمد نفسه كما رأينا من قبل، ‏ ونفس أبو بكر قبل ما فعلته جيوشه من قتل “المرتدين” حرقا وإلقاءً فى الآبار ومن أعلى الجبال وسمح باسترقاق الأسرى "الكفار" والمسلمين مانعى الزكاة كما أشرنا من قبل. فالحسنة دائما من الإسلام أما السيئة فمن أعدائه أو انحرافات أبنائه. إن الإسلام يتغير مفهومه حسب الظروف، فهو تارة النص المقدس أو غير المقدس وتارة أخرى إنجازات دولة الخلافة شاملة ما أنجزه أفراد متهمون بالزندقة من المسلمين أو عُذبوا بسبب كفرهم.

    - ُكتب الكثير عما يسميه الإسلاميون إفلاس الحضارة الغربية ومما يُذكر كدليل أعداد المنتحرين فى الغرب ومعدل مختلف أنواع الجرائم والعلاقات الجنسية غير المشروعة وأضرارها... إلخ، دون أن يقدم أحد تقريبا مقارنة إحصائية مع أوضاع المجتمعات الإسلامية سواء فى الماضى أو الحاضر. أما انتشار الأيدز فى الغرب وأفريقيا ففسره كتاب إسلاميون بحرية الجنس فى تلك البلاد مع الزعم بأن وجود القيم الإسلامية فى بلاد المسلمين حمى الناس من هذا الوباء دون تقديم إحصائيات موثقة!. وقد ذكرت مجلة الانترنت الإسلامية “البيان” فى عدد الأربعاء 26 صفر 1426ه -6 أبريل 2005 م ناقدة الحضارة الغربية : ”حتى وجدنا لديهم أفكارًا فى منتهى الفساد ربما لا تقبلها بعض الحيوانات تحولت عندهم إلى واقع ممارس أو قوانين يحتكم إليها الناس؛ ففى تلك البلاد توجد حرية الزواج بين المثلين [رجل لرجل، وامرأة لامرأة] بل يوجد عندهم زواج المحارم حيث يتزوج الرجل ابنته، وهكذا”. هكذا تكذب المجلة، فلا يتزوج أحد فى الغرب ابنته قط، أما حالات ممارسة الجنس بين”المحارم”فتحدث فى كل البلاد وعلى الكاتب أن يبحث عنها فى الأراضى الإسلامية المقدسة أكثر من غيرها، ورغم التعتيم والمراقبة الشديدة أمكن لعدد من الباحثين الكشف عن العلاقات الجنسية المثلية وخارج إطار الزواج وبين “المحارم”فى بعض بلدان الخليج والواضح من الأبحاث أنه ظاهرة ذات ثقل فى هذه المجتمعات. أما العنصرية فأخذت نصيبها أيضا من النقد بنفس الطريقة، ونحن نوافق على أن الفكر الأوربى قدم أفكارا ودعوات عنصرية بغيضة تستحق الإدانة كما مورست العنصرية فى بلدان مثل ألمانيا النازية والولايات المتحدة فى السابق وكذلك جنوب أفريقيا.. ولكن لا يجب أيضا أن نتناسى العنصرية القائمة فى بلدان الخليج ولم يهتم بها الإسلاميون وكان الأجدر بهم أن يصبحوا مناضلين من أجل المساواة فى البلدان الإسلامية قبل أن يهاجموا عنصرية الآخرين، أم أن الاكتفاء بسرد النصوص المقدسة التى تأمر بالمساواة كاف؟. لم نسمع الشيخ الشعراوى أبدا يهاجم العنصرية فى السعودية؛بلده الحقيقى ولا القرضاوى يهاجم العنصرية فى بلده قطر. وسكت كذلك محمد قطب على العنصرية فى البلد التى يقيم فيها؛السعودية، بينما انتقد الطريقة الأمريكية فى تحرير العبيد... ولا يتذكر الإسلاميون أن الغرب "الكافر" والتيارات الحداثية الموالية للثقافة الغربية فى العرف الإسلامى المعاصر هما اللذان ضغطا وأجبرا الدول المتخلفة إسلامية وغيرها على إلغاء الرق الرسمى (ألغاه الملك سعود فى السعودية عام 1955) .
    - يُكتب الكثير عن أهل الذمة وخصوصا مسألة الجزية فى التاريخ الإسلامى وتُقدم ادعاءات كاذبة تماما ومغالطات مقصودة بالتأكيد حولها. ومن الأمثلة الأرقام المتحدثة عن قلة مقدار جزية الرأس مع تجاهل الخراج الذى هو جزية الأرض والزعم أنها تفرض فقط على المحاربين من أعداء الدولة الإسلامية “أما المواطنون من غير المسلمين ممن لم يحاربوا الدولة فلا تفرض عليهم الجزية كما فعل عمر مع نصارى تغلب” حسب زعم مصطفى السباعى، الذى يغطى (أو يكفر!) فرض الجزية طوال تاريخ الإسلام حتى العصر الحديث على غير المسلمين المولودين بعد “الفتح”الإسلامى ولم يحاربوا أحدا.. أما نصارى تغلب فدفعوا ضعف ما يدفع المسلمون نظير استبدال لفظ الجزية المنفر لهم بلفظ الصدقة، وقد وافق عمر ابن الخطاب؛العادل للغاية!، على هذا الاستغلال بمضاعفة الجزية مقابل تغيير الاسم، وقد روى عنه أنه قال: ” هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبوا الاسم “، وإذا صح كلامه فلماذا لم يكتف بتغيير الاسم خاصة إذا كان شديد العدل كما تزعم الدعاية الإسلامية.. ويكثر الزعم أن غير المسلمين عاشوا فى المجتمع الإسلامى مُكرمين؛ لم يسلبهم أحد حقهم، ولم يعتد على إنسانيتهم حاكم أو محكوم، بل كان “لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم”.. وتُتناسى الشروط العمرية وقمع ثورات الذميين مرارا بقسوة مفرطة، بل وانتفاضات الجماهير المسلمة أحيانا ضد دور العبادة والأفراد من "الكفار"، ولنتذكر الأعمال البشعة التى قام بها الجمهور المسلم فى مصر مرارا خصوصا فى العقود الأخيرة.. ومنها الأعمال البشعة التى تمت فى الزاوية الحمراء عام 1981 وفى الكشح عام 2000 وفى الاسكندرية فى 2005 و2006.


    ومن المعتاد أن يكتب الإسلاميون ليصفوا وضع أهل الذمة فى دولة الإسلام كأنهم تمتعوا بكل أشكال المساواة وأنهم عوملوا معاملة فى غاية الكرم، متجاهلين احتلال بلادهم واغتصاب ثرواتهم. من الأمثلة المثيرة كتاب أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب تأليف د. نريمان عبد الكريم أحمد بعنوان: معاملة غير المسلمين فى الدولة الإسلامية تتغزل فى هذه المعاملة وتصفها بالسماحة والعدل رغم أنها لم تخف شيئا من الوقائع شاملة أشكال التمييز ضدهم والضرائب المفروضة عليهم وأشكال القمع الأخرى معتبرة هذا رد فعل للمسلمين ضد "تسلطهم" (ص 64) قاصدة مقاومتهم للشروط العمرية المجحفة. فأصحاب البلاد المستعمرة اعتبروا متسلطين وخونة للعهد بينما وُصف المستعمرون اللصوص بالسماحة والكرم

    - يكذب الإسلاميون “المعتدلون” كثيرا فى علاقتهم بأعمال العنف. فرغم ارتكابهم من حين لآخر أعمال قتل المخالفين ومن يعتبرونهم “كفارا” ينكرون ذلك باستمرار متهمين شبابا غرا أو جماعة خارجة عليهم وكثيرا ما يتهمون الحكومات بهذه الأعمال وتلفيقها لهم، رغم الفتاوى التى يصدرها ال”علماء” حتى “المعتدلين” منهم بتكفير وارتداد العلمانيين من حين لآخر وبالتالى إهدار دمهم وإعطاء مسوغ القتل لتلاميذهم الذين يتنصلون منهم بعد ذلك فى البيانات الرسمية بل ويتهمونهم أحيانا بالخروج على الإسلام، مثلما وصف حسن البنا قتلة النقراشى - رئيس الوزراء عام 1949 – من جماعته بأنهم”ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين”.

    والكثيرون من المحللين الإسلاميين أو المتعاطفين مع الإسلام السياسى يتهمون الغرب نفسه أو اليهود أو الموساد بتدبير أعمال العنف ونسبها للمسلمين رغم أن المنظمات الإسلامية لا تخفى توجهاتها وتعترف علنا بأعمالها العنيفة وتصدر الكتب والنشرات لتعلن فيها الحرب على “الصليبية والصهيونية العالمية” وتهدد وتتوعد وتقيم معسكرات التدريب وتجمع الأسلحة بشكل معلن وأمام العالم كله كما يقوم أفرادها بعمليات انتحارية أحيانا.. .


    - ينفى بعض الإسلاميين وقائع مشهورة فى التاريخ الإسلامى وفقا لعديد من كتب التراث وذلك بغية إظهار الإسلام بصورة أكثر مثالية. من أمثلة ذلك نفى البعض أعمال اغتيال المخالفين بأوامر محمد (مثل محمد سعيد العشماوي) ونفى إعدام أسرى بنى قريضة (مثل أحمد صبحى منصور) ونفى إعجاب محمد بزوجة ابنه بالتبنى زيد ابن حارثة (مثل محمد حسين هيكل) ، وذلك دون البرهنة على أن المؤرخين المسلمين وكتاب الأحاديث ومفسرى القرآن قد أخطأوا بذكر تلك الوقائع، وإن كان هذا التوجه يحمل ضمنا إدانة لمثل هذه الأعمال.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  13. #13
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    عادل الحريري.

    نظرية المؤامرة والبارانويا الإسلامية



    وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده ................ وإن الفتى بعد السفاهة يحلم
    زهير ابن أبى سلمي




    يمكن تعريف نظرية المؤامرة بأنها نسبة حدث ما أو سلسلة أحداث لفعل الآخر الذى يتم وفقا لهذه “النظرية” دائما بشكل سرى ولا يتفق مع ما هو معلن من قبل هذا الآخر ولا مع الوقائع المثبتة. وكثيرا ما يتم التفكير فى مؤامرة تاريخية؛أى تتم على مدى طويل وبأفق استراتيجى. وهذا يتضمن إلقاء تبعة ما يحدث لجهة ما على جهة أخرى معادية. وكلما راح المرء يكشف عن نتائج لبحثه بعيدة أكثر عما هو معلن ظهر أمام المؤمنين بالمؤامرة أقدر على التحليل السليم. وفى هذا التوجه ميل قوى للمبالغة فى قوة الآخر المتآمر فرضا وفى مدى تأثير القوى أو القدرات الخفية للخصم. وتفترض النظرية حتما أن الآخر لا يخطيء. ولا يستطيع أصحاب نظرية المؤامرة إثبات صحة تحليلاتهم فيكتفون بالسير وراء التهويمات والافتراضات الوهمية بدلا من الاعتماد على تحليل الوقائع المثبتة. كما يميل هؤلاء إلى تصور أعداء وهميين أو لا دليل على وجودهم أصلا. وفكرة خلق أعداء خارجيين تقوم بها الجماعات والمجتمعات غير المتماسكة أو التى تعانى من خلل داخلى تود طمسه وتصدير الصراعات الداخلية إلى الخارج.

    والأمر البين تماما لأى مراقب عادى أن الفكر الإسلامى المعاصر بالذات يتبنى نظرية المؤامرة وتتغلغل فيه حتى النخاع. فيرى أن العالم كله يتآمر على المسلمين على طول التاريخ. وتضج كتابات الإسلاميين، معتدليهم ومتشدديهم بهذا التصور. يقول القرضاوى مثلا: “العاملين للإسلام منذ عقود من السنين تصب عليهم التهم صباً من قبل خصومهم، فطالما وصفوا ب الرجعية ودمغوا ب التعصب ورموا ب الإرهاب بل اتهموا ب العمالة مع أن أى مراقب أو دارس يرى ويلمس: أن الشرق والغرب، واليمين واليسار، يعاديهم ويتربص بهم”، “أضف إلى ذلك كله ما لقيه ويلقاه العالم الإسلامى شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً من هجمة شرسة على أوطانه، ومقدساته، وما يشن على الأمة الإسلامية من حرب لا تخبو نارها: علنية حيناً، وخفية أحياناً، حرب اتفقت عليها كل القوى غير المسلمة: يهودية وصليبية وشيوعية ووثنية، حتى إنها لتختلف فيما بينها كل الاختلاف، ثم نراها تتفق كل الاتفاق إذا هبت ريح الإسلام فى صورة دعوة أو حركة أو دولة. ولهذا تجد كل القضايا من يناصرها مادياً، ويدعمها أدبياً من شرق وغرب، مستفيدة من تناقضات الدول الكبرى، وخاصة الدولتان العظميان: أمريكا وروسيا. إلا القضايا الإسلامية، فإنها لا تجد تأييداً حقيقياً عملياً من هؤلاء ولا هؤلاء. وصدق اللـه إذ يقول: ( (والذين كفروا بعضهم أولياءُ بعض ٍ))



    وهذا الإيمان العميق بنظرية المؤامرة يتضمن تقسيم الإسلام للبشر إلى خيرين (المسلمين) وأشرار ("الكفار") ، ففكرة التآمر فى حد ذاتها تعنى فى الثقافة الإسلامية وغيرها أيضا الشر فلا يتصور أحد أن هناك تآمرا من أجل الخير، ولذا يُعد الآخر الموصوم بالتآمر شريرا وسيء الطوية وهداما وحاقدا.. إلخ، ويشير التفسير التآمرى للأحداث إلى نظرة المسلمين لغيرهم كأشرار ومعتدين وغير ذلك بينما يحتفظ هذا التقسيم للمسلمين بمكانة الطرف الخير والمثالى والمسالم بل والمعتدى عليه دائما. وهى مسألة تشبه ما تقوم به الحكومات الشمولية من دمغ المعارضة بالتآمر عليها بدلا من البحث عن أسباب المعارضة وعوامل التمرد فى المجتمع، فقد درجت الحكومات العربية مثلا على تفسير المعارضة بوجود "قلة مندسة" من العملاء والمرتزقة وسط الجماهير، التى تُعامل كمجرد قطيع لا مصالح ولا وعى لديه، وهى دعاية تهدف إلى تبرئة النظم الشمولية ووضع المعارضين فى قفص الاتهام. ويؤدى طرح نظرية المؤامرة من قبل الإسلاميين إلى تحريض جمهور المسلمين ضد "الكفار" وحشدهم وراء القيادات الإسلامية ودفعه للبذل وتقديم التضحيات، والأهم: التغاضى عما يسم الفكر الإسلامى والنظم المستظلة به من أوجه لا تناسب مصالح الجماهير اليائسة.

    يفسر الإسلاميون انهزام دول الإسلام وانحطاطها بتخلى المسلمين عن الإسلام وتسرب عناصر جاهلية إلى الحكام والناس خصوصا بعد استيلاء الأمويين على الحكم، ولكن كيف حدث ذلك؟ولماذا وما هى العوامل الموضوعية للانهيار.. الإجابة عادة تكون إما غامضة وإما ُيفسر الأمر بالمؤامرات اليهودية والغربية على المسلمين. ولكن ما هو دور المسلمين أنفسهم؟ولماذا تركوا المباديء الإسلامية النقية- زعما- واستسلموا للتآمر المزعوم؟ فى الحقيقة لم يستطع أى مفكر إسلامى أن يقدم إجابة مقنعة. ومن الأفكار الطريفة أن كثيرا من مفكرى السنة يفسر ظهور المذهب الشيعى وأحداث فتنة مقتل عثمان وما تلاها من حروب أهلية إسلامية من تدبير بعض اليهود.. خصوصا شخص مشكوك فى وجوده أصلا أو على الأقل مشكوك فى تأثيره هو عبد اللـه ابن سبأ. فحتى فى عصر الخلفاء “الراشدين"، حين كانت الدولة فى أوج عنفوانها والعقيدة الإسلامية فى أوج قوتها تمكن يهودى أو بضعة يهود قلائل – حسب ما يعتقد ال”علماء”- من إثارة قلاقل وانقسامات عميقة للغاية وحروب دموية بين المسلمين، رغم عمق “إيمانهم” ووجود الصحابة... إلخ
    وإذا كان هذا صحيحا أفلا يدل على ضعف الإسلام أمام حفنة من الأفراد؟!.



    ومما لا شك فيه أن ليس كل شيء فى العالم معلن، بل هناك قرارات وخطط سرية وبالتالى أجهزة استخبارات وأعمال خفية ومؤامرات من قبل تلك الأجهزة. ولكن كل هذا يتم فى إطار الصراع الدولى المعتاد والقديم قدم الدول نفسها. والأهم أن كل الدول والجماعات البشرية تتصرف على هذا النحو. كل هذا لا علاقة له بنظرية المؤامرة. فرغم الأعمال السرية والأجهزة والتخابروالخطط.. إلخ يمكن للمرء أن يحلل ويفهم ما يحدث دون اللجوء إلى تفسير كل الأحداث كجزء من مؤامرة عليه. كما أن الخطط والتآمرات المستمرة تتم من جانب كل الدول تجاه بعضها البعض ولا يوجد ما يدل على أن العالم كله أو قطاع ما منه قد تفرغ للتآمر على الإسلام والمسلمين. بل ولا يوجد أصلا أى مبرر لافتراض ذلك.

    تكتظ كتابات الإسلاميين بتصورات غير معقولة على مؤامرات الغرب و"الكفار" فى العالم عموما على الإسلام والمسلمين. ومن الأطروحات اللافتة للنظر ادعاء كثير من الكتاب، بل وبعض كبار الكتاب العرب المسلمين أن عملية 11 سبتمبر ليست من فعل الإسلاميين الجهاديين بل من فعل الموساد أو المخابرات الأمريكية.. إلخ.. هذا رغم اعترافات الطرف الأول فى نشرات وكتابات منشورة عديدة، بل أسماها أحدهم “غزوة 11 سبتمبر” وسبقتها أعمال أخرى أعلن عنها تنظيم القاعدة وهو تنظيم مسلح وسبق أن أعلن الحرب ضد اليهودية والصليبية.. كل هذا معلن، ومع ذلك مازال الكثيرون من الإسلاميين وعامة المسلمين يصدق أنها مؤامرة صهيونية غربية.


    ومن المؤامرات الكبرى المفترضة ما يعلنه بعض الإسلاميين عما يعتبره مؤامرة إسقاط الخلافة العثمانية ومؤامرة إنشاء الحركة القومية فى العالم الإسلامى لتفكيك الإسلام، ومؤامرة قيام الانقلاب الناصرى فى مصر لضرب الحركة الإسلامية المتصاعدة، بل ذهب البعض لاعتبار محمد على قد استخدمه الغرب فى مؤامرة للقضاء على الاسلام .


    وقد لخص أحد الكتاب الإسلاميين ما اعتبره أدلة على المؤامرة الغربية الشاملة على الإسلام فى كتيب بعنوان: قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله، مكتظ بأقوال بعض قادة الغرب المبتورة من سياقها أو التى تحمل معنى يخالف ما يريد إثباته ومعظمها منقول من مصادر إسلامية وبعضها صحيح بالفعل جاء على لسان بعض القادة والكتاب الذين لا يمكن الزعم بأنهم يمثلون الغرب ككل والذين يطلق بعضهم تصريحات ذات مظهر بلاغى من قبيل اللغو لبث الحماسة، أراد بها البرهنة على أن الغرب يريد إبادة المسلمين منذ قرون طويلة. والمؤلف لا ينتبه إلى أن الغرب يستطيع بسهولة تهميش كل المسلمين إذا أراد، ولو بمجرد مقاطعتهم على كل الأصعدة ؤباستثناء شاطيء الخليج الذى يمكنه احتلاله فى ساعات، ولكن الغرب لا يهتم أصلا بمسألة الأديان إلا فى سياق ما يحقق استقراره ويحقق مصالحه الاقتصادية.. بل ونزعم أن قوى فى الغرب يمكن بسهولة أن تدخل فى الإسلام إذا رأت مصلحتها فى ذلك مثلما أعلن الامبراطور الرومانى قديما اعتناق روما للمسيحية، والأهم أن الغرب لا يمكن اعتباره كتلة واحدة يتفق كل أفرادها على التآمر على الإسلام، وليتذكر الإسلاميون أن من الغرب أيضا من فضح معاهدة سايكس- بيكو سيئة الصيت ومنه من تحالف مع دول العالم الثالث وبينها دول إسلامية فى صراعه ضد الآخر من الغرب نفسه.. إلخ.
    ومن الأطروحات التى نذكرها لطرافتها فقط ما ذكره محمد قطب من أن الغرب الذى بدأ الحروب الصليبية للقضاء على الإسلام قد تخلى عن الدين أصلا ولكنه ظل متمسكا بهدف تلك الحروب وهو القضاء على الإسلام.. أى أن العداء للإسلام وليس المصالح هو الذى يحرك الغرب، الذى وفقا لعادل حسين – كما أشرنا من قبل- قام بالتحديث وتطوير قدراته كعملية لترتيب البيت من الداخل استعدادا للسيطرة الخارجية.. وكأن للغزو فى حد ذاته قيمة لدى الغربيين كما هو لدى الإسلاميين، فالكاتب يقوم بعملية إسقاط على الآخر


    وتحتل المؤامرة اليهودية مكانة هامة للغاية فى الفكر الإسلامى القديم والمعاصر. فيعتقد مفكرو الإسلام المعاصر أن اليهود عموما يشكلون منظمة سرية عالمية تتآمر على العالم كله وخصوصا عالم الإسلام بكل الوسائل، بل إنهم يحركون الدول الكبرى والصغرى ويحدثوا القلاقل والثورات ويبثوا النظريات الإلحادية و”الهدامة” عموما. وضمن المؤامرات التى يُضرب بها المثل إنتاج نظرية التطور بل من المضحك أن الكثير من الإسلاميين كتب أن دارون صاحب نظرية التطور يهودى بينما هو مسيحي!، ونظريات فرويد فى التحليل النفسى التى يختزلها الإسلاميون فى نظرية جنسية، ونظرية ماركس الذى انتقد اليهودية بشكل أعمق من انتقادات الإسلام لها!.. وغيرها الكثير. ويصدق غالبية المسلمين أن كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون”أصدره اليهود فعلا دون أن يقرأه معظمهم وأن الذى نشر الكتاب عالم روسى أخذه من كبير أعيان روسيا القيصرية الذى أخذه – زعما - من سيدة فرنسية أخذته من أحد كبار اليهود الذى لم يُذكر لا إسمه ولا أية بيانات عنه ولم يلفت انتباه أنصار فكرة المؤامرة اليهودية أن لغة النسخة الأولى للكتاب هى الروسية وهى ليست لغة معظم المتآمرين المزعومين من اليهود!!، هذا علاوة على أن مضمون”البروتوكولات”نفسه يتميز بسذاجة مفرطة ومنافاة للمنطق البسيط ، وقد نشر فى العالم العربى فى سياق محاربة الشيوعية بزعم أنها من صنع اليهود. أما أسطورة الماسونية فتحتل العقل الإسلامى احتلالا، فيعتقد أن هناك منظمة ماسونية عالمية تخطط وتدير مؤامرات اليهود على العالم وأنها وراء أعمال كبرى مثل الثورة الفرنسية مثلا، وثورة 1830 و1848 وكميونة باريس فى 1870 والحربين العالميتين وغيرها الكثير، ويتناسى الإسلاميون أن المنظمات الماسونية قد ضمت القليل جدا من اليهود بل منعت دخول اليهود إليها فى بعض البلدان فى فترة ما وهى على العموم لم تؤسس على أيدى يهود بأية حال. والإصرار على المؤامرة اليهودية المزعومة إما أنه يضفى قوة هائلة على التآمر فى حد ذاته، وهو شيء متاح لكل البشر! أو لليهود بالذات الذين ليسوا بأى حال أقوى قوة فى العالم لا اقتصاديا ولا علميا ولا سياسيا والدولة اليهودية ليست إلا دويلة صغيرة تُستخدم كقاعدة أمريكية بشكل أساسي، وعددهم فى العالم نحو 12 مليونا فقط. ويتصور معظم المسلمين أن اليهود يسيطرون على العالم اقتصاديا وإعلاميا ويملكون الذهب والبنوك ويتغلغلون فى كافة المؤسسات الدولية.. إلخ وهى محض خرافات.
    والشيء الأكثر جوهرية ويغيب عن العقلية الإسلامية ان وضع الخطط والمؤامرات سهل لأية جماعة من الناس ولكن أن تُطبق على الآخرين فهذا يشترط قابلية هؤلاء للمؤامرات المذكورة واستعدادهم الذاتى للاستجابة لها وضرورة أن تتمتع الجماعة المتآمرة بقدر من القوة يمكنها من تنفيذ أهدافها.. فليضع المسلمون خططا ولينسجوا المؤامرات ولكن هل يمكنهم تحقيق ما يريدون؟؟أو بالأحرى هل يريدون شيئا محددا؟وهل هناك أصلا كتلة واحدة صماء اسمها المسلمون أو اليهود أو الغربيون؟

    الحقيقة أن نظرية المؤامرة فى الإسلام تجد جذورها فى النص المقدس ومنذ فجر الإسلام: إن الكافرين كانوا لكم عدُوا مبيناً (النساء: 101) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم (البقرة: 120) . وقد قسم الإسلام الناس إلى مسلمين و”كفار” منذ البداية وافترض أن الصراع بين الطائفتين حتمى حتى ينتصر أحدهما على الآخر. فالآخر؛"الكافر" هو عدو مبين للمسلمين ولن يهدأ له بال حتى يدفعهم إلى اتباع ملته، وبالعكس يجب على المسلمين أن يقاتلوا "الكفار" حتى يسود الإسلام: وقاتلُوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للـه فإن انتهوا فإن اللـه بما يعملون بصير (الأنفال: 39) ، فالواقع أن المسلمين وفقا للقرآن لن يرضوا عن الآخرين حتى يتبعوا ملتهم، إما اعتقادا أو نظاما للحياة. وتتنبأ أحاديث كثيرة بالانتصار النهائى المحتم للإسلام، حين يظهر”المهدى المنتظر” ثم يعود المسيح ليقتل الخنزير ويكسر الصليب ولا يقبل من "الكفار"إلا الإسلام او السيف ولن يقبل الجزية، وبذلك يصبح الإسلام هو المبدأ الوحيد فى العالم.

    وقد دعا الإسلام أتباعه إلى الحذر من "الكفار" وعدم موالاتهم من دون المسلمين وبالتالى عدم توليتهم مناصب رفيعة فى الدولة الإسلامية بافتراض سوء طويتهم وتآمرهم على المسلمين. بل افترض الفقه الإسلامى أن “المرتد” يثير الفتنة ويهدد الدولة والإسلام، فهو متآمر بالضرورة، وهو مما يستند إليه الفقهاء فى إصرارهم على قتله.

    أما اليهود فلهم منذ البداية وضع خاص. والعداء الإسلامى لليهود ظهر مبكرا ربما بسبب رفض قبائل يثرب الدخول فيه أفواجا وعداء قادة تلك القبائل له خوفا على وضعها المميز وليس وفقا لمؤامرة تاريخية مزعومة ضد النبى المنتظر المذكور فى التوراة. وقد صارت كلمة يهودى سبة لدى المسلمين والعرب عموما. والقرآن والأحاديث مليئين بالنصوص التى تلعن اليهود وتبين عداءهم الشديد للإسلام بل وتتنبأ بعض الأحاديث بأن المسلمين سيبيدونهم يوما ما بالتحالف حتى مع الحجارة: ذكر صحيح البخاري- 2859 لا تقوم الساعةُ حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودى: يا مسلم، هذا يهودى ورائى فاقتله.. وفيما بعد تفاوتت نظرة المسلمين العدائية لليهود من وقت لآخر حسب ظروف العصر وافترض مفكرو الإسلام المعاصرين أن اليهود يتآمرون عليه باستمرار كما أشرنا.


    ورغم الجذور العميقة لنظرية المؤامرة فى الإسلام فأعيد إنتاجها كما صارت إلى حالة من الهوس فى العصر الحالى، مع تدهور وضع الإسلام عالميا والهيمنة الطاغية للثقافة الحديثة. ولذلك يكثر الكلام عن التهديد الغربى للهوية العربية – الإسلامية، وقد غزّى كل من الفكر القومى واليسار نظرية المؤامرة فى العالم العربى، فهى لم تقتصر على الإسلاميين..

    وبسبب الشعور بالضعف يعبر الإسلاميون عن خوفهم البالغ علي”الهوية”الإسلامية المهددة. وهى إن كانت مهددة فعلا بسبب ضعفها أمام منجزات الحضارة الحديثة فلماذا يُفسر هذا على أنه نتيجة مؤامرة؟إن الصراع العادى بين الدول والأيديولوجيات والشركات الكبرى معلن وواضح الأهداف إلى حد بعيد من جانب كل طرف.. وليست مجرد مؤامرات تُحاك فى الظلام، وحتى أنشطة المخابرات لكل الدول لا تظل سرية إلى الأبد ولا بشكل مطلق، بل حتى يمكن للأجهزة المضادة لها اكتشاف معظمها وعلى الأقل يمكن للمحللين المتخصصين فى مختلف الدول استنتاج الكثير منها. والأهم أن هذه الأنشطة متبادلة بين الدول وليست من طرف واحد، والأكثر أهمية أنه حتى لو دُبرت مؤامرات سرية يمكن استنتاجها والرد عليها كما أن هذه السرية فى حد ذاتها لا تكفى لتفسيرهزائم البعض وانتصار الآخرين.

    ولكن أصحاب أنصار الدفاع عن الهوية والثقافة الوطنية يعتبران أن الهزائم المتوالية للعالم العربي-الإسلامى نتيجة لمؤامرات خبيثة تُحاك فى الظلام وتستهدف لا تحقيق مصالح معينة، بل أساسا هدم الإسلام والعروبة. فالعداء للإسلام والعروبة هو المحرك وليس السعى المعتاد وراء المصالح الحيوية للدول والمجموعات الدولية المختلفة. فالإسلام هو محور العالم كما يتصور الإسلاميون وعامة المسلمين مثلما تصور القوميون أن العروبة هى محور العالم فى عصر القومية العربية.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  14. #14
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    تابع ..............



    وحالة الخوف من الآخر المسيطرة حاليا على المسلمين تشبه حالة المسلمين الأوائل فى صدر الإسلام حين كان مايزال ضعيفا وناشئا والدولة الجديدة محاطة بدول كبيرة وقوية. ولكن لا يكفى الشعور بالضعف للغرق فى نظرية المؤامرة، فالفكر الإسلامى يتخيل الإسلام كمحور للعالم من جهة ومن جهة أخرى تعكس نظرية المؤامرة شعورا بالدونية. فالآخر هو الفاعل والإسلام مفعول به، والآخر متفرغ لمكافحة الإسلام. لكن اختلف الحال فى صدر الإسلام عما فى عصر أفوله؛فبينما تمكن فى بدايته من التغلب على الآخرين وسحقهم لم يعد يملك نفس القدرة، مما أنتج شعورا قويا بالدونية كان قد تم تجاوزه بعد انتشار الإسلام فى الماضى، وهو مما يضاعف الشعور بالخوف من الآخر. ومع الشعور بالدونية مع الثقة أنه الحق يميل العالم الإسلامى إلى اتهام الآخرين بالتسبب فى ضعفه وانهيار عالمه. وبالتالى تحميل الآخر المسئولية بدلا من بحث أسباب الانهيار المتواصل منذ قرون. فادعاء فقهاء الإسلام وشعور الشعوب الإسلامية بوجود مؤامرة عالمية ضد الإسلام يعكس فى الحقيقة عجزا عن تفسير تدهور أحوال الشعوب الإسلامية علميا واقتصاديا وعسكريا وأخلاقيا مع العجز المتزايد عن اللحاق بالغرب المتقدم.. وحيث أن أى تعليل منطقى سيقود حتما إلى الكشف عن الآليات الذاتية لانهيار العالم العربي-الإسلامى، شاملة الثقافة البدائية والمتحجرة السائدة، مما يضع المسلمين أمام أنفسهم مباشرة ويكون عليهم لتحسين ظروف حياتهم أن يقبلوا على الخيار الصعب: تغيير الذات.

    وتمتد نظرية المؤامرة إلى الخوف من كل ما هو أجنبى غير مسلم. فحتى الديموقراطية إذا جاءت بضغط خارجى يصبح مشكوكا فيها بل ومرفوضة أو على الأقل يُخشى منها.. أما الحوار مع "الكفار" مثل الحوار الإسلامى المسيحى، فيتم بحذر شديد ويظن الطرف المسلم أن الطرف الآخر يسعى لطمس هويتهم لا التفاعل معهم.

    لا يستطيع معظم الإسلاميين، اللهم إلا قلة منهم، الاعتراف بتدهور الإسلام نتيجة عوامل داخلية أساسا مثل أى شيء آخر فيتجهون بدلا من الاعتراف بالضعف الداخلى إلى إلقاء الاتهامات على الآخرين. فنظرية المؤامرة جزء لا يتجزأ من عقلية عاجزة تلجأ لشماعة تعلق عليها هزائمها وفشلها طويل المدى لأنها لا تملك أدوات النهوض، وهى حالة الإسلام حاليا بعد أن تغير الفكر البشرى كثيرا وظل هو يستخدم كثيرا من عناصرالخطاب نفسه تقريبا ولو بأثواب جديدة وفى سياق جديد. ولأنه نجح فى الماضى فى تحقيق انتصارات كبيرة بنفس الأفكار التى لاءمت عصرها يتصور الإسلاميون المعاصرون أن نفس الطريقة فى التفكير تصلح لتحقيق نفس الانتصارات، ولكن مع استمرار الهزائم لم تستطع العقلية العاجزة والمتكلسة أن تفهم أن أفكارها قد بالت وتجد نفسها لهذا السبب مدفوعة إلى إلقاء اللوم على الآخر المتآمر. ويأتى هنا سؤال مشروع تماما: لماذا لاتنجح المؤامرات الإسلامية بينما تنجح مؤامرات "الكفار"؟ أو حتى لماذا لا يستطيع الإسلام أن يتآمر بنفس الكفاءة؟مع ملاحظة أن التآمر على العدو مشروع فى الإسلام؛ف”الحرب خدعة”.



    إذا كان الآخر “كافرا” وشريرا ويتميز بكل الصفات السيئة فالواقع يكشف أن هناك جوانبا فى الحضارة الحديثة تعجب حتى المسلم العادى وهناك ظواهر كثيرة فى بلاد "الكفار" تتميز بالإنسانية والنبل بالمعانى الشائعة لهذه الألفاظ وهذه أمور يفتقدها إلى حد كبير العالم الإسلامى مثل منظمات حقوق الإنسان- منظمات الإغاثة الإنسانية-الجمعيات الخيرية الدولية – مظاهرات الغربيين المتعاطفين مع الشعوب الأخرى، وقد حدث مثلا أن رفض بعض الجنود الانجليز والفرنسيين والأمريكيين والإسرائيليين إطلاق النار على أبناء الشعوب الأخرى وتعرض الكثير منهم للسجن، بدوافع إنسانية ولم تُسجل فى التاريخ أن جنديا مسلما رفض قتل أى “كافر” أو سبى نسائه بدافع إنسانى كما أن الغرب به تيارات فكرية وسياسية معادية للاستعمار والصهيونية وتدعو لمباديء إنسانية مساواتية.. إلخ. وبناء على نظرية المؤامرة يرى معظم الإسلاميين وحتى معظم عموم المسلمين أن هذا ما هو إلا تقسيم عمل لخداع المسلمين!ويكثر مثل هذا الكلام لدى تناول الخلافات السياسية فى إسرائيل لأنها -حسب ظننا - العدو الأقرب، فاليسار واليمين واحد ولكنهم يتفقون على عمل تمثيلية الانقسام! وهو تصور ساذج للغاية. أفلا يوجد شخص واحد فى إسرائيل يصحو ضميره ليكشف عن هذه التمثيلية المزعومة؟!. وبذا تُستخدم نظرية المؤامرة فى تبرير ماهو “نبيل” فى الغرب واعتباره غير كذلك وإنما جزءا من المؤامرة الغربية على الإسلام.

    تنتهى نظرية المؤامرة بالعقل الإسلامى إلى تحميل "الكفار" مسئولية فشل العالم الإسلامى وانحداره، وهذه التهمة تؤجج الشعور بالعداء لهذا العدو الشرير والقادر، وتقود النظرية إلى ضرورة أن يناضل الإسلام بلا هوادة أو رحمة ضد العدو اللعين المذكور، وكلما زادت التصورات عن المؤامرة المزعومة ازداد العداء وراح رجال الدين والمفكرون يشحنون عامة المسلمين بكراهية "الكفار" والحقد عليهم والرغبة فى الانتقام


    تقود نظرية المؤامرة الفكر الإسلامى إلى التقوقع داخل جيتو فكرى، فباب الاجتهاد قبل إغلاقه وبعد “مواربته” حديثا لا يقود إلى تجاوز النص المقدس أو “الإجماع”، ولا اجتهاد مع النص لدى الأغلبية العظمى من الإسلاميين والعموم. وبالتالى لا يكون التفاعل مع المذاهب الأخرى حرا بل مقيدا بالنصوص الكثيرة والمعقدة. وتحذر نظرية المؤامرة من تلوث الهوية الإسلامية؛الفكر ذو النواة المقدسة، من أى اختراق من قبل فكر "الكفار"، فكل أطروحة من خارج الإسلام مشكوك فى هدفها، الشرير بالطبع والمستهدف للهوية الإسلامية. ويكون “الحوار” مع الآخر فى العادة عدائيا وغالبا ما تُستخدم الكلمات العنيفة والبذيئة للتقليل من شأن الفكر المغاير. وكثيرا ما ينظر الإسلاميون المعاصرون حتى إلى الكتابات التى تقدم التاريخ الإسلامى من أمهات المصادر الإسلامية كسموم موجهة إلى الإسلام، رغم أنها “سموم” داخلية ذكرها وشرحها مسلمون ثقاة. ويتهرب الإسلاميون عادة من المواجهات المباشرة بالرد على الوقائع بالنصوص العامة المقدسة وعلى نقد هذه النصوص بذكر وقائع مضادة كمجرد أمثلة. وبالتالى تستمر المراوغة ويستمر الفكر الإسلامى عاجزا عن الحوار الحقيقى، متقوقعا على ذاته وخائفا، فأى خطأ أو عدم دقة فى النصوص المقدسة تعنى للمسلم فورا انهيار الفكر الإسلامى بالكامل. كما يقاوم الإسلاميون الأرضية الإنسانية للحوار، فالإسلام هو المعيار المطلق ولا يوجد شيء إنسانى غير إسلامى. وفى معظم المناقشات والردود يعلن الإسلاميون أن لديهم كل شيء، فالإسلام مكتفى ذاتيا بكل القيم والمباديء الإنسانية ولا يحتاج لشيء من خارجه فهو فى عرف أهله كامل متكامل لايحتاج لفكر"الجاهلية"ولا يتفاعل بالتالى معه. فلدى طرح أى شعارات تستهدف تحقيق تعاون إنسانى أو حصول البشر على مزيد من الحقوق يرد الإسلامى بما لديه من النصوص التى تكفل كل ذلك دون أن يعلن أنه موافق على ما يُطرح بالفعل. فالرد مثلا على الشعارات الديموقراطية يكون عادة بأن لديه مبدأ “الشوري” الذى يكفل – زعما- أعلى مراتب الديموقراطية.. ولكن لا يعلن الإسلامى عن قبوله – حتى بناء على هذا المبدأ الذى يعتبره عظيما – بالديموقرطية، اللهم إلا فى حدود أن تكون الشريعة هى مصدر كل المباديء والتشريعات، فيعلن أنه الأكثر ديموقراطية ثم يتراجع بسرعة عائدا إلى قوقعته الأيديولوجية. ويتوالى التقوقع متمثلا فى محاولات كثيفة “لأسلمة” مختلف العلوم والمعارف. فالاقتصاد يصير اقتصادا إسلاميا لم ينجح أحد فى تحديده بوضوح، والطب “النبوي” يجد مزيدا من الأنصار فى هذا العصر حيث الطب الحديث صار معروفا جيدا فى العالم الإسلامى ولم يعد هناك مبرر لاستخدام الرقى والعلاج بالقرآن والأدعية ووسائل بدائية مثل بول الإبل وألبانها والحجامة.. وغيرها وهى مما أوصت به الأحاديث النبوية. بل أنشأ الإسلاميون ما يُسمى ب”الاتحاد الإسلامى الدولى للعمل”بدلا من النضال المشترك مع عمال العالم، فتعريف العامل نفسه لدى الإسلاميين يختلف عنه لدى الحركات العمالية ل"الكفار" بحيث يضم أصحاب العمل وأهداف النضال تختلف أيضا بحيث تحقق أهداف الإسلام الغامضة وغير المحددة بوضوح .


    ويقود الخوف المتزايد على الهوية معظم الإسلاميين إلى تجنب الاستفادة من المنظومات الفكرية الحديثة، حتى يتجنب معظم الإسلاميين استخدام المصطلحات ومناهج البحث والمفاهيم السياسية والاقتصادية والتاريخية للثقافة الحديثة. وقد استنكر سيد قطب بشكل واضح كافة محاولات الدمج أو التوفيق بين ما يسميه بالتصور الإسلامى ومناهج الفكر الغربى ويدين على هذا الأساس ما يسمى بالفلسفة الإسلامية وعلم الكلام على منوال السلف، وقد دعا لاستخدام ما أسماه قالبا إسلاميا لعرض الإسلام دون الاستعانة بقوالب فلسفية. وقد لجأ مع ذلك قليلون لاستخدامها، مثل سيد قطب نفسه فى كتابه: العدالة الاجتماعية فى الإسلام ومصطفى السباعى فى كتابه: اشتراكية الإسلام وعبد الوهاب المسيرى فى كل كتاباته، كما اهتم المودودى ودعا أنصاره إلى دراسة الثقافة الحديثة جيدا. ويستخدمها عمدا مفكرون يحاولون تطوير الفكر الإسلامى فى اتجاه أكثر انفتاحا. وقد جرت محاولات عدة لكتابة تاريخ الإسلام والسيرة النبوية كأحداث "دنيوية"؛أى بمناهج تستبعد الخوارق والمعجزات منها كتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل وكتاب طه حسين: الفتنة الكبرى وكتاب أحمد عباس صالح: صراع اليمين واليسار فى الإسلام وكتابات المستشرقين مثل كتاب "محمد" لمكسيم رودنسون ومن الإسلاميين ذوى الحيثية محمد الغزالى فى كتابه فقه السيرة ، الذى بذل جهدا كبيرا لعقلنة السيرة النبوية رغم عدم نفيه بوضوح للأحداث الخارقة... إلخ. ومقابل ذلك يرفض معظم الإسلاميين هذا النهج فى التفكير باعتباره تفكيرا غربيا أو متأثرا بمناهج الغرب أو حتى – أحيانا - جزءا من المؤامرة الغربية المزعومة على الإسلام، ويكتبون تاريخ الإسلام عادة على أنه سار وفقا لقواعد أو جرت أحداثه بشكل خارق لما هو معتاد بتوجيه مباشر أو شبه مباشر من السماء، ويبذلون الجهد لإبراز عدم انطباق كل ما يُسمى بقوانين التاريخ فى العالم على تاريخ الإسلام، وإبراز أن مسلمى صدر الإسلام لم تحركهم النوازع البشرية المعتادة وكأنهم صنف خاص من البشر، وأن أحداث الإسلام لا تتفق مع قواعد المنطق ولا يمكن تفسيرها بالعقل كما تفعل مدارس التاريخ العلمانية، ذلك أن الإسلام منبعه الوحى ودوافع المسلمين غيبية وكذلك أهدافهم، ولذلك يهتم الإسلاميون بإبراز الإعجاز فى تاريخ الإسلام وخاصة السيرة النبوية، ومن الأمثلة الدالة كتاب محمد سعيد رمضان، فقه السيرة النبوية ، المختلف كليا مع كتاب محمد الغزالى سابق الذكر رغم استخدامه له كأحد أهم مصادر معلوماته، إذ يصر الكاتب على نبذ أية محاولة لإخضاع دراسة السيرة للعقل أو لأية تفسيرات واقعية ويصر على تفسير الأحداث تفسيرا غيبيا إعجازيا مسميا هذا المنهج مع ذلك منهجا علميا!. وقد رد محمد ناصر الدين الألبانى بقسوة على البوطى ولكنه لم ينتقد منهجه الغيبى واعتماده على الخرافة، بل اهتم بنقد استناده إلى أحاديث وبعض الروايات الضعيفة.. دون أن يتطرق لمنهجه


    كذلك تتسم كتابات معظم الإسلاميين عن الفكر الآخر بالجهل به أو الرغبة فى عدم فهمه كما يطرحه أصحابه، والغرض، اللاواع غالبا، هو التقليل من شأنه وإظهاره بأسوا ما يمكن. ومن أمثلة ذلك انتقادات كثير من الإسلاميين للماركسية التى قدمها أغلبهم كمجرد فكر إلحادى يدعو للحرية الجنسية المطلقة والفساد الأخلاقى وتفسير كل الظواهر تفسيرا اقتصاديا محضا، وأنها من إنتاج اليهود أو بإيعاز منهم لماركس، كجزء من مؤامرتهم لإفساد العالم. ولا يخفى الإسلاميون دعوتهم بمقاطعة القيم والعلوم الاجتماعية وأشكال التنظيم الاجتماعى الغربية مع سماحهم بأخذ منتجات العلوم الفيزيائية والتكنولوجيا من الغرب.

    مقابل محاولات عملت على إضفاء طابع حداثى على مفاهيم تراثية إسلامية مساهمة فى تفكيك المركزية الإسلامية ينزع كثير من مجددى الإسلام المعاصرين إلى الاكتفاء بالمنظومة المعرفية الإسلامية التقليدية وبالتالى عدم ربط الإسلام بالحداثة “الغربية”خوفا على “نقائه”، وقد بدأ هذا التيار- وهو السائد- بالوهابية، ويهدف هؤلاء المجددين إلى “تنقية” الإسلام مما علق به من “شوائب” وإنشاء حداثة إسلامية خاصة مستقلة عن الثقافة الحديثة.

    ويتحقق هذا الجيتو الفكرى فى صورة جيتو اجتماعى فى بلاد "الكفار"، يشكله المسلمون المتمسكون بالهوية بل يزداد كثير منهم تشددا خوفا من الاندماج فى مجتمعات "الكفار"والوقوع بالتالى فى “المعاصى”. وما نرى توجه عدد متزايد من المسلمين لاستخدام زى معين للرجال والنساء وإطلاق اللحى والشوارب بطريقة معينة والجلوس على الأرض... وما إطلاق صيحات الفزع ضد منتقدى النقاب المسمى بالحجاب، سوى أحد آليات صناعة جيتو إسلامى، حتى ضمن مجتمعات إسلامية معصرنة بدرجة أو بأخرى.

    حين كان الإسلام فتيا استُخدمت نظرية المؤامرة لحث المسلمين الجدد لقهر "الكفار" وإلحاق الهزيمة بهم ولم تُستخدم لا فى النص المقدس ولا غيره فى تبريرالهزائم القليلة للمسلمين وحالات الفشل المحدودة آنذاك بل فُسرت هذه كلها بتخاذل المسلمين (معركة حنين مثلا) وعدم طاعتهم لنبيهم (فى أُحد مثلا) . ولكن اليوم صارت نظرية المؤامرة مبررا لفشل الإسلام المتوالى

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  15. #15
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    تابع ..............




    البارنويا الإسلامية




    تتسم الشخصية البارنوية بشعور بالأهمية الكبيرة أو العظمة والشعور فى ذات الوقت بالاضطهاد من قبل الآخرين. ويجرى فى العادة تفسير الاضطهاد المزعوم بالعظمة وكره الآخرين. وفى العمق يكمن ما يخلق هذا المركب: شعور داخلى عميق وغير مدرك وربما غير مبرر بالنقص.

    ويصل الأمر إلى حالة مرضية حين تنتفخ هذه المشاعر وتصبح لا واقعية بشكل ملفت للنظر ومهدد بانفصال الشخص عن العالم المحيط أوالدخول معه فى حالة كره وعداء.

    ويبدو مما سبق أن الإسلام المعاصر يتسم بهذه البارانويا المرضية. فالشعور بالعظمة بالغ وحاد دائما.. أما الشعور بالاضطهاد فيتبلور بوضوح فى تصور لمؤامرات مستمرة من قبل الآخرين.

    وهذا يخلق شعورا بالاستعلاء على الآخر "الكافر" والخوف منه فى ذات الوقت حيث أنه خبيث وتآمرى وشرير بالضرورة. وهو ما يفسر نفور الإسلاميين من التعاون والحوار البناء، وبدلا من ذلك يكون التهجم واتهام الآخر بسوء النية مما يبرر للهجوم عليه. ويقدم الإسلاميون أنفسهم كمضطهدين فى كل مكان ويضخمون من أعمال القمع الموجهة إليهم رغم تحالفهم الجزئى مع الحكومات نصف الإسلامية فى العالم العربى وغيره ومشاركتهم فى السلطة أحيانا وتمتعهم بحق الدعاية وامتلاكهم لأدوات الإعلام الضخمة مثل مئات الألوف من المساجد والزوايا والمدارس ومواقع الانترنت والصحف ودور النشر وتمتعهم كثيرا بدعم الحكومات فى مواجهة اليساروتغلغلهم فى أجهزة الدول مثل مصر والسودان والأردن والكويت والسعودية وغيرها. والحقيقة أن نمو نفوذهم وتضخم منظماتهم لا يمكن فصله عن أشكال الدعم الحكومى أو تشجيع السلطات الضمنى لشاطهم الذى يصب فى النهاية لمصالح القوى الطفيلية الحاكمة فى عموم البلاد العربية.

    ورغم الاختلافات والانقسامات اللامتناهية بين الإسلاميين يتسم الجميع بالبارنويا.
    وهذه الانقسامات قد يفسرها البعض أحيانا على أنها مؤامرة إسلامية أو نوع من تقسيم العمل بين المعتدلين والمتشددين. والحقيقة أن الفكر الإسلامى يؤول فى النهاية إلى الاستعلاء (الإسلام يعلو ولا يُعلي- البخارى -78) وازدراء الآخر "الكافر" وكراهيته. ومهما اختلفت اللغة وحتى بعض المباديء التكتيكية لا تتغير هذه النزعة. ولذلك لا نرى أية غرابة فى استخدام المتشددين لفتاوي”المعتدلين”لتنفيذ اعتداءاتهم على "الكفار"، ومن الأمثلة الفاضحة قتل فرج فودة بناء على فتوى من "علماء"من الأزهر.. المعتدل جدا.
    أما الشعور بالاضطهاد من قبل الإسلاميين فيفسر بخوف الآخر من الإسلام وحقده عليه.

    ومع ذلك يكشف الإسلاميون من حين لآخر عن الشعور الداخلى العميق بالدونية أو بمركب النقص ويتبلور ذلك فى عملية جلد الذات التى يلجأ بعضهم إليها من حين لآخر وهذا لا ينفى بل يؤكد النزعة المركزية لأنه ُيفسر بسبب الخروج من الذات.. عدم الالتزام بالدين وخيانة الرسالة التاريخية، فالخطأ فى تلك اللحظات يُعتبر خطأ الذات وتُجمد نظرية المؤامرة مؤقتا.

    وتتسم عملية جلد الذات بالتحول من اتهام الآخرين بالمسئولية عما يحدث لها إلى اتهام نفسها بالتقصير والفشل الذاتى، ليس نتيجة أخطاء يمكن علاجها بروية وفهم وهو النقد الذاتى العادى الذى يمكن أن يقوم به كل شخص متعقل، ولكن باتهام الذات بخيانة نفسها وتقاعسها المتعمد عن تحقيق مآربها بل وعدم أهليتها وفسادها المطلق وانحطاطها. وبدلا من نظرية المؤامرة يحدث العكس؛فالفشل يُفسر "بتآمر" الذات على نفسها لصالح الآخرفتكون هى سبب تفوقه وسيطرته عليها ولذلك تستحق كل ما يجرى لها ويتم بدلا من نقد الذات إهانتها وتوبيخها دون ما خطة لمعالجة أوجه القصور والخلل بشكل عملى وفعال.
    وهو شيئ يفعله بعض الإسلاميين فى ساعات اليأس خاصة

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  16. #16
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    لماذا المركزية الإسلامية

    كلما ازدادت الفكرة هشاشة كلما ازداد ارهاب أصحابها في الدفاع عنها

    نبيل فياض





    يتضمن النص المقدس منذ بداية الإسلام نزعة مركزية قوية وواضحة كما يتضح من سياق تحليلنا.
    فقد نشأ فى عداء بالغ للوثنية القرشية والعصبية القبلية طارحا فكرة التوحيد بقوة ونابذا أى حل وسط. كما أصر على وحدة النبوة أيضا فجعل شهادة لا إله إلا اللـه غير كافية لإسلام المرء مشترطا “محمد رسول الله” أيضا، وبذا نبذ كل مدعى النبوة ومنتظرى الرسالة الذين كانوا يقدمون شعرا يشبه آيات من القرآن.
    وقد شن حربا ضارية ضد الآخر "الكافر"؛فكرية فى البداية ثم مسلحة بعد ذلك.



    وقد ارتبطت هذه المركزية القوية بنزوع قوى نحو توحد العرب فى مواجهة الجوع المستمر الذى عانوا منه طويلا وفى مواجهة الدول المحيطة التى ازدرتهم واستخدمتهم لصالحها طويلا. ونظرا للتفكك الاجتماعى والتشرذم القبلى والصراعات والثأرات بين مختلف البطون وعادات وتقاليد راسخة كان من الصعب أن يتفق العرب على صيغة للوحدة أو حتى التعاون دون أن تكون متمحورة حول قيادة ملهمة وموضع ثقة مطلقة.
    وقد استخدمت النصوص النافية للآخر "الكافر" فى توحيد القبائل سواء فى عصر محمد أو بعد وفاته مباشرة فى الحروب الأهلية العربية، ثم استُخدمت كمبررات أيديولوجية لغزو الشعوب الأخرى وإخضاعها وتم بهذه الطريقة إنشاء امبراطورية عربية – إسلامية كبرى وغنية.

    وقد حقق الإسلام انتصارا ساحقا فى المنطقة كلها.
    ومع احتكاك العرب بحضارات أخرى وظهور مصالح جديدة تراخت المركزية الإسلامية إلى حد ما، بل وشهدت فترات كثيرة قدرا من التسامح مع "الكفار" خصوصا فى العصر العباسى ومع تغلغل نفوذ العنصر غير العربى فى الحكم واستقرار الدولة وثبات حدودها تقريبا واستسلام أهل الذمة إلى حد كبير.
    بينما شهدت فترات أخرى درجات عالية من التشدد بلغ حد إقامة محاكم تفتيش وقتل "الكفار" على نطاق واسع، خصوصا فى فترات تعرض الدولة للتهديد الخارجى.


    وقد شهدت بعض البلدان الإسلامية فى العصر الحديث تغيرات ثقافية هامة فى اتجاه تبنى الحداثة والعلمانية جزئيا ولكن لم تنجح التوجهات العلمانية فى تحقيق تحديث ناجز ومجز لكل الطبقات، لأسباب لا تخص علمانيتها على الإطلاق بل ربما ساهم موقفها المعادى للعلمنة الكاملة فى فشلها، فاستفادت الطبقات الثرية، بل أكثر العناصر طفيلية وأقربها للعمالة للاستعمار الأوربى، كما كان التحديث مرتبطا باستعمار تلك البلاد وقهر شعوبها من قبل الغرب، وفى النهاية خرج الاستعمار العسكرى ولكن استمرت أشكال الاستغلال والقهر قائمة بين الطرفين، مما دفع شعوب تلك البلدان إلى “الارتداد” إلى ثقافتها القديمة وراحت تستخرج من تراثها ما تتصور أنه يتجاوز أزماتها المتنامية. لقد أدى التحديث إلى تغيرات قيمية عميقة دون أن يصاحبها أو يترتب عليها مكاسب هامة للطبقات الدنيا التى هُمشت من أفرادها أعداد كبيرة، ففقدت قيمها ولم تكسب شيئا.. بينما قام الاستعمار الغربى بقهر تلك الشعوب والسيطرة على مقدراتها.

    وجاء قرار أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية دون تحقيق أية فائدة للشعوب الإسلامية، بل على العكس بدا الأمر كأن إلغاء الخلافة رفع بقايا الحماية العثمانية أو ما كان يبدو للمسلمين أنه كذلك، مما كان له دور لا يُنكر فى ردة الفعل بإنشاء ونمو حركة “الإخوان المسلمون” فى مصر، أهم منظمة إسلامية معاصرة فى العالم.

    مقابل ذلك فشلت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين الذى تحالف مع البريطانيين إلا فى استيلاء أبنائه على العراق والأردن، ثم أُعلنت معاهدة سايكس بيكو سيئة الصيت وأخيرا زُرعت اسرائيل فى الشرق الأوسط مما كلف بلدانه الشيء الكثير.
    وكانت الطامة الكبرى هى الفشل النهائى للقومية والاشتراكية العربية فى حرب 1967.

    ومن هنا بدأ التراجع الكبير للعلمانية غير الناجزة فى العالم العربى والإسلامى ومعها الإسلام الأكثر استنارة الذى سيطر لعقود عديدة وصعدت المركزية الإسلامية مع صعود الإسلام التقليدى من جديد وراحت التيارات الإسلامية تستلهم التراث الذى لم يُستبدل بشكل حاسم طوال التاريخ، وتوظفه فى خدمة مشروعها الخاص، الوهمى إلى حد بعيد. ويمكننا أن نشبه حالة العرب المسلمين فى العصر الحديث بحالة عرب الجزيرة قبل الإسلام من زاوية أو أكثر؛فهم واقعون تحت سيطرة الغرب الذى يعلن ازدراءه لهم والذى سطا على ثرواتهم واحتل أراضيهم طويلا وزرع لهم كيانا “كافرا”توسعى النزعى فى قلب بلادهم وصاروا يعانون من التشرزم والثأرات بين دولهم العديدة المتنازعة وقبائلهم الحاكمة هنا وهناك..

    وقد فشلت التوجهات القومية والاشتراكية وشبه الليبرالية فى توحيدهم بل كانت النتائج أكثر سوءا.. مما كان له أكبر الأثر فى إعادة إخراج التراث الدينى ذو النزعة المعادية بشدة للآخر شاملا الآخر الموالى للثقافة الحديثة التى يُنظر إليها كثقافة الاستعمار الغربى "الكافر


    لا شك أن المجتمعات الإسلامية على طول التاريخ قد شهدت صراعات طبقية وعرقية متواصلة ولكننا نتحدث هنا عن الغطاء الأيديولوجى أوالقالب الثقافى والقيم والمثل المتمتعة بالقبول النظرى بغض النظر عن ممارستها فى الواقع.

    من الضرورى أن نلاحظ أن الخطاب الإسلامى قد تغير فى العصور الحديثة عنه فى العصور الوسطى؛فلم يعد الكثيرون ينادون بتطبيق الشروط العمرية حرفيا ولم يعد هناك كثيرون يصرون على سبى واغتصاب نساء "الكفار" المحاربين، ويرفع الكثيرون شعار الديموقراطية ويستخدم بعضهم مفردات العلوم الاجتماعية الحديثة.. إلخ. كل هذا صحيح ولكن يجب أن نلاحظ مع ذلك أن هذه تحولات جزئية محدودة للغاية؛يُضاف أن من الإسلاميين كثيرون للغاية ممن يعارض هذه التوجهات، فالمرشد العام للإخوان المسلمين؛أهم تنظيم إسلامى فى العالم، دعا فى التسعينيات إلى فرض الجزية على أهل الكتاب ثم أنكر بعد موجة النقد القاسية، ونظرية الجهاد مازالت متماسكة ولكن يتم فقط إعادة توزيع للأولويات، بل تذكر بعض الإسلاميين وغيرهم فى فلسطين الشروط العمرية لدى معارضتهم لبيع بعض المسيحيين ممتلكات مسيحية لليهود، والبعض مارس سبى واغتصاب نساء من يكفرونهم فى الجزائر فى التسعينات وفى أفغانستان فى الحرب الأهلية وأثناء الحرب الأخيرة بين التحالف المدعوم أمريكيا وطالبان، وفى العراق فى مايو 2005 عرض أحد أتباع مقتدى الصدر، عبد الستار البهادلى فى خطبة الجمعة مكافأة مالية لأى عراقى يأسر مجندة بريطانية، وقال إنها ستُعامَل كجارية. أما شعارات الديموقراطية فلم تستبعد الدعوة لجعل الدستور إسلاميا.. إلخ.


    الحقيقة أن تجاوزات كثيرة حدثت للشريعة من قبل الدول شبه العلمانية القائمة فى معظم العالم الإسلامى خصوصا منذ الاحتلال الأوربى وبعد رحيله مثل إلغاء الجزية على "الكفار" والمساواة فى القصاص وتجنيدهم فى الجيش وتقديم مزايا أخرى. ولكن اتخذت هذه القرارات رغم أنف رجال الدين وحتى عامة المسلمين أحيانا، وفُرضت بقوة الدولة، وهذا التجاوز للشريعة حدث كثيرا فى عهد الخلفاء من حين لآخر. إلا أن القواعد الفكرية للإسلام لم تتغير جوهريا ولم يتم توجيه النقد للتاريخ الاستعمارى للإسلام بل مازال المسلمون عامة وخاصة يبكون على اللبن المسكوب فى الأندلس ويتباكون على عصر سيادة الدولة الإسلامية على العالم بالقوة. وما زال الخلفاء”الراشدون”هم المثل العليا للمسلمين خاصة وعامة وهم الذين اغتصبت حكوماتهم البلاد المجاورة وانتزعت الجزية والخراج من أهلها عنوة.

    لم يعمل الإسلاميون قطيعة معرفية مع الفقه القديم الذى مازال حيا ولم يتخلصوا من الأحاديث التى تحض على العنف ضد الآخر، وحتى من تجاوزوا بعض الأحكام القديمة برروها بطرق مختلفة ولم يقاطعوها من حيث المبدأ وما كانت محاولات التنوير ذات الأثر إلا محاولات داخل نفس قواعد الفقه القديمة، مما يعنى أن التراث الإسلامى التقليدى ما زال جاهزا للاستدعاء وقت اللزوم وهو ما شاهدناه خلال العقود الأخيرة بالفعل.


    لاشك أن الإسلام المعاصربمدارسه المختلفة قد نما كرد فعل لظروف معاصرة منها الهيمنة الغربية والمركزية الأوربية ومضاعفات عمليات التحديث الجزئية فى العالم الإسلامى كما أسلفنا، ولكنه مع ذلك ليس جديدا كل الجدة، بل لجأ الإسلاميون إلى أسلحة قديمة؛التراث الإسلامى الذى لم يتم أبدا تجاوزه حتى فى أزهى الفترات شبه العلمانية فى العالم الإسلامى، وفقط تمت تنحيته جزئيا بقوة الدولة فى بعض الفترات قديما وفى العصر الحديث، وضغط النخبة العلمانية التى أنتجتها الحداثة والتأثير الأوربى القوى.

    وهذا الاستدعاء للتراث لم يكن أبدا قراءة جديدة له كل الجدة بل تم استدعاء لعناصر كثيرة منه كما هى.. إنه استدعاء للإسلام بمركزيته الأصيلة والتى لم تختلف عليه جوهريا أى من المدارس الإسلامية قديما وحديثا. ومع ذلك يجرى توظيف عناصر التراث هذه فى سياق جديد وفى إطار نسق فكرى مختلف عن الأنساق الإسلامية القديمة، فلم يعد الفتح والسبى والنهب هى الأهداف الأسمى للمسلمين، بل تلح مسألة العدالة ومقاومة فساد الحكام وتحقيق الأهداف الوطنية فى تحرير البلاد الإسلامية وتحقيق تضامن بين الشعوب الإسلامية لمواجهة تفوق الغرب. ولم يعد الفقهاء يهتمون كثيرا بأحكام مثل تملك العبيد وحقوق الجوارى، بل تبرز قضايا مثل كيفية تصرف المسلمين المقيمين فى البلاد الأخرى ومدى ضرورة التزامهم بالقوانين العلمانية والتعامل مع العلوم الحديثة، وقضية الإرهاب ونظام الحكم الإسلامى..

    ولأن ظروف العالم الآن مختلفة تتبدى المركزية الإسلامية فى صور تختلف عما كانت عليه فى السابق، كما أنها تختلف فى فترة قوة الإسلام وهيمنته عنها فى ظروف الهيمنة الغربية الطاغية. من هنا نجد أن الهوس بنظرية المؤامرة وحالة الهوس الدينى عموما بارزتان فى العصر الحالى بما لا يُقارن بما كان عليه حال المسلمين فى صدر الإسلام وفى عزته. فكثير من الفقهاء القدامى كانوا أكثر تفتحا وموضوعية بكثيرمن الفقهاء المعاصرين وقبول التعدد داخل الإسلام كان أكثر فى فترات الرخاء وعصر هيمنة الإسلام.. ويبدو أن عمق الجروح التى أصابت الإسلام والشعور بالعجز أمام الحداثة قد ولدا حالة البارانويا الحادة الحالية، مقابل الشعور بالتفوق والقوة الذين سادا فى عصر تفوقه.



    الفكر الإسلامى فكر هوية، وهو يختلف عن الفكر الليبرالى الذى يجعل من الفرد الهدف النهائى، كما يختلف عن الفاشية التى تضع الأمة (بالمعنى المستخدم فى الغرب) فوق الجميع، ويختلف عن الاشتراكية كما طُبقت عمليا التى تضع المجتمع فوق الأفراد.. الإسلام يجعل من نفسه المرجع والهدف فى نفس الوقت، فالأيديولوجيا فوق كل شيء. ولكن إذا راعينا أن الأيديولوجيا تتضمن المصالح المرسلة ومبادىء مثل "الضرورات تبيح المحظورات" إلى آخر المبادىء العملية البراجماتية، تصبح الدولة الإسلامية أو دولة الشريعة هى الكل الحقيقى فى الفكر الإسلامى لدى الغالبية العظمى من المدارس الإسلامية قديما وحديثا، والتى توؤل فى الواقع إلى الدولة المستقلة عن "الغرب". فإن كان للفرد أيضا أن يطبق المباديء البراجماتية فالأهم أن المصالح "العامة"تعلو على مصالحه وضرورات المجتمع تفوق ضرورات الأفراد. ذلك أن الواجب فى الفكر الإسلامى يعلو على الحق، والواجب الأسمى للدولة هو حماية نفسها باعتبارها الممثل الأهم للإسلام، كما أن أهم واجبات الأفراد هى واجباتهم نحو الدولة؛القوة الأهم فى المجتمع وحامية الإسلام إلا إذا تجاهلت الحاكمية. ويمكن أن نضيف عددا آخر من النقاط التى تؤيد هذه الفكرة. منها أن الفكر الإسلامى يسعى لتطبيق الشرع حتى على غير المسلمين وهو شرع يتضمن ترك أهل الذمة يمارسون شرائعهم فى الأمور الشخصية مالم تمس المسلمين، ومنها أنه لا يسمح للمسلم إلا أن يظل مسلما، ومنها أنه يدعو – نظريا - لغزو بلاد "الكفار" يوما ما لتحريرهم من النظم الجاهلية. فالمهم هو تطبيق النظام والذى يتمتع بأولوية على نشر الفكر. والنظام يتضمن سلطة الدولة قبل أى شيء آخر.

    وفيما يخص الإسلام المعاصر وحيث لا توجد دولة إسلامية عالمية تضم مسلمى العالم بل دول قطرية أو قومية بالمعنى المعتاد، يكون الهدف الأسمى أن تطبق هذه الدولة شريعة الإسلام بديلا عن النظم الغربية الحديثة.. وإذا مددنا هذا على استقامته تصبح الحركة الإسلامية المعاصرة مجرد حركة وطنية أقل فى عقلانيتها من الحركات الوطنية العلمانية، ولكن أكثر منها غضبا ونقمة على الغرب. وتظل لديها الدولة القومية هى الكلى شريطة أن تطبق الشريعة الإسلامية من وجهة نظر هذا الفريق أو ذاك.





    يتبع ...........

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  17. #17
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    استنتاجات



    "من أغفل الصغير حتى يكبر واليسير حتى يكثر والخفى حتى يظهر لقى مثل هذه الحال التى نحن عليها وأغلظ"



    يمكن إيجاز ما سبق كالآتى:


    1- يقدم الفكر الإسلامى التقليدى نفسه باعتباره الحقيقة المطلقة وأنه يحوى كل شيء ولديه إجابة على أى سؤال. أما الآخر، فهو "الكفر"، وهو الأدنى من الإسلام حتما.. خرافة.. ادعاء كذب.. تزوير.. ضلال.. إنكار للحق.. وهم.. زيف.. وبذا تُحدد هوية الأفراد والجماعات بمعيار الإسلام فقط، فالمرء إما مسلم أو “كافر”، وينطبق هذا أيضا على المجتمعات لدى المدارس الإسلامية المتشددة. والإسلام التقليدى فى الممارسة يتسع ليكون مفهوم الحاكمية للـه، وباختصار حتى يكون المعنى واضحا: الانضمام "لحزب الله" ضد "حزب الشيطان"، وحتى من يرفضون تعبير الحاكمية يستخدمون المضمون نفسه بألفاظ مختلفة مثل “الربانية". أما "الكفر" فيصير فى الممارسة مفهوما أوسع هو "الجاهلية"، بمعنى استخدام مرجعية غير إلهية تتراوح فى نظر مختلف التيارات الإسلامية بين إنكار وجود اللـه واستخدام مرجعية غير ربانية للتشريع والقيم وصناعة الفكر. والطرفان على طرفى نقيض؛أعداء. ولأنهم كذلك وجب على الإسلام أن يحارب عدوه، وتحقيق السلام فى النهاية بشكل من ثلاثة: إما ان يسلم "الكفار" أو يستسلموا بدفع الجزية للمسلمين، أو بقتلهم، فالإسلام يعلو ولا يُعلى. ولأن الإسلام هو الحقيقة النهائية ولأنه من اللـه، يضمن اللـه انتصاره النهائى وهو مآل البشرية جمعاء. وفى النهاية سيصبح كل البشر مسلمين حين يعود المسيح ويرفع الجزية وبالتالى يقتل "الكفار" المعاندين ويقتل الخنزير ويكسر الصليب.

    هكذا يكرس الإسلام الحروب الدينية وصراع الحضارات الذى يشكو منه الإسلاميون الآن ويكرس انقسام البشر على أساس دينى إلى أخيار وأشرار، كما يعتبر المسلمين هم الأخيار مقررا أنهم خير أمة أُخرجت للناس وأن عليهم رسالة تاريخية هى إقامة الحاكمية فى الأرض كلها. مقابل ذلك ينبذ الصراع الطبقى والصراعات العرقية والقومية. هذه المفردات الفكرية – إن صح التعبير- تشكل المحتوى الرئيسى للإسلام القديم والحديث، وإن اختلف الإطار الذى يجرى فيه توظيفها من عصر لآخر حسب الأحوال المتغيرة للواقع وموازين القوى القائمة وتغير الأهداف والتحولات الاجتماعية فى بلاد الإسلام


    2- النزعة المركزية الإسلامية هى فى جوهرها مركزية ثقافية وجانبها العنصرى العربى غير أساسى ولا يمنح العرب سوى أفضلية ثقافية أيضا باعتبارهم الأقدر على حمل وتوصيل الرسالة التاريخية لأمة الإسلام مع ملاحظة أن هذه الأفضلية الثقافية تتضمن – بالقوة- سلطة أعلى من سلطة غير العرب. هذا الفرق بين المركزية الثقافية الإسلامية والعنصرية فى المركزية الأوربية هو ضمن العوامل التى تفسر لماذا لم يدع الإسلام إلى إبادة الشعوب الأخرى باستثناء مشركى العرب إذا أصروا على الشرك ولماذا لم يمل الاستعمار العربى – الإسلامى إلى ممارسة الإبادة الجماعية ضد الشعوب المستعمرة بنفس القدر الذى فعله الأوربيون.
    وقد كان الاستعمار العربى أقل قسوة مع معظم المغلوبين لأنهم ببساطة يمكن أن يتبنوا الثقافة الإسلامية واللغة العربية ويصبحوا متساوين مع الفاتحين إلى حد كبير، بالإضافة إلى ضعف مقاومتهم للعرب فالحاجز بين المستعمِر والمستعمَر كان دائما قابلا للتجاوز جزئيا على الأقل بمجرد النطق بالشهادتين.
    وكان من الممكن للعرب المسلمين أن يصروا على إبادة المشركين عموما مستندين لنصوص مقدسة ولكثير من الفقهاء الذين رأوا ذلك، ولكن يبدو أن هذا كان عملا صعبا للغاية من الناحية العسكرية كما أنهم حصلوا مغانم هائلة من عمل "الكفار" أبناء البلاد المفتوحة، ولم يكن لديهم فائض سكانى كبير يكفى للحلول محل السكان الأصليين ولا خبرة بأعمال الزراعة ولذلك رأينا محمد يوافق يهود خيبر على عدم طردهم وترك الأرض لهم لقدرتهم على زراعتها مقابل دفع 50% من إنتاجها كخراج وهو ما حدث مع ملايين السكان فيما بعد فى المشرق والمغرب.
    وباستثناء الأمويين منح الفاتحون المسلمون ما يشبه الجنسية الإسلامية للمغلوبين، وحتى أهل الذمة تمتعوا بكثير من الحقوق والمزايا لأنهم بكل بساطة شكلوا مجالا لانتشار الإسلام وكانوا يدخلون الإسلام بمجرد نطق الشهادتين وهو ما حدث على نطاق واسع فى المستعمرات الإسلامية، مما شكل أساسا لدولة أكثر رسوخا باعتمادها على شعوب أكثر ولاء بفضل إسلامها، وقد أدى هذا إلى تقوية الجسور بين المسلمين و"الكفار" فى المستعمرات الإسلامية. وبالعكس كان الفاتحون العثمانيون أشد قسوة من العرب لأسباب منها تقاليدهم الحربية الخاصة وقوة مقاومة شعوب بعض البلدان المفتوحة. وحتى العبيد فى الإسلام تمتعوا بحقوق كثيرة لم يعرفها العبيد لدى الشعوب الأخرى، ومما يفسر ذلك أن الأولوية فى الإسلام هى الإيمان بالإسلام نفسه وأن “التقوي”هى معياره لأفضلية الناس بعضهم على بعض. وقد أزاح القومية والطبقية – نظريا- لصالح التقوى.

    وفى الواقع حقق الإسلام انتصارات هائلة على أكبر دول العالم وقت صعوده لأسباب منها هذا الطابع الثقافى – الديني- لمركزيته، أو بمعنى أبسط بفضل معياره لأفضلية الناس وهو الدخول فيه والإخلاص له كفكر. وهو لم يشترط للإسلام سوى النطق بالشهادتين والالتزام العملى بالعبادات، ولم يتدخل فى وجدان الناس، ولم يشترط “الإيمان” لقبولهم فى صفوفه، ومن هنا قبل عناصر كثيرة لا تؤمن فى الحقيقة ولكن تعلن ولاءها الأيديولوجى وهذا سهل لأى شخص يريد أن يضمن سلامته وربما مزايا أخرى. وقد يفسر هذا لماذا تمكن بسرعة من كسب ولاء شعوب المستعمرات الرومانية التى عانت من العنصرية والقمع العنيف ولم يكن أمامها أية فرصة للتمتع بحق المواطنة الرومانية القائمة على أساس عنصرى، فقد حقق المساواة بين الرجال المسلمين - ولو نظريا- وهو مالم تشهده من قبل شعوب المستعمرات الرومانية.. مما شكل عامل إغراء قوى ليتبناه سكان المستعمرات.

    وعلى العكس لم يساو الإسلام بين البشرمن مختلف الأديان، فالتقسيم الحاد إلى مسلمين و”كفار” واعتبار المعسكرين أعداء تاريخيين وسم الفكر الإسلامى بنزعة لا إنسانية. ومهما استُخدمت عبارات مطاطة عن المحبة والمساواة يكتشف المرء أن الإسلاميين التقليديين لا يستطيعون تجاوز هذا التقسيم الحاد فعليا. ولا نقصد حتما أن الإسلام يدعو إلى تمزيق "الكفار" إربا أو إبادتهم ولكنه لا يساوى بينهم فى الحقوق وبين المسلمين الأعلون شأنا والأتقى والأعضاء بالتالى فى حزب اللـه. وحتى يكون الأمر واضحا نقدم تعريفا بسيطا للنزعة الإنسانية: هى الدعوة لاعتبار كل البشر متساوين بغض النظر عن اللون والعقيدة والجنس والانتماء الإثنى أو القومى والطبقى، وبالتالى المناداة بالتعامل على قدم المساواة أمام القانون والعرف، ونبذ العنصرية ومختلف أشكال التمييز وإزالة كل أشكال الاضطهاد

    وقد قدم حسن البنا مؤسس الإخوان محاولة لإظهار إنسانية الإسلام فى كتابه”السلام فى الإسلام”، فكان نموذجا للاإنسانية فى الإسلام؛فتحت عنوان: إعلان الإخوة الإنسانية والتبشير بالفكرة العالمية حدد أن عناصر هذه الإنسانية الإسلامية تتضمن وحدة الجنس والنسب: فالناس لآدم وكلهم سواسية بلا فضل إلا بالتقوي!أى بالإسلام طبعا، ثم تناول وحدة الدين والرسالة: الإسلام فى طبعات متتالية، فأين الإنسانية؟!، ووحدة الشعائرشاملة وحدة القبلة واللغة العربية فى العبادات، وتفضيل الإنسان على بقية المخلوقات.. وخلاصة ما يُفهم أن الإسلام إنسانى حين يسلم كل الناس فيتوحدوا فى العبادة وحول اللغة العربية وقيم الإسلام. وعلى درب البنا يسير الإسلاميون المعاصرون باستثناء قلائل من المصلحين الذين يدعون إلى علمنة الإسلام. وقد علق موقع إسلامى كبير على النزعة الإنسانية ناعتا إياها ب"الكفر" ومتهمها بالتسبب فى ظهور الفاشية، نافيا إياها بلا رتوش عن الإسلام

    هذا العداء للآخر "الكافر" وازدراؤه ثم تحميله مسئولية انحطاط العالم الإسلامى بكل مشاكله وفقا لنظرية المؤامرة، والدعوة للجهاد ضده وقهره، بالإضافة إلى ما يبشر به الإسلام من نظام شمولى، والطابع الشعبوى الديماجوجى للخطاب الإسلامى المعاصر يقترب كثيرا من الفكرة الفاشية والنازية ويطبع الحركات الإسلامية بطابع فاشى واضح. ويكتمل السيناريو الفاشى بالوصول إلى السلطة بالانتخابات الحرة وهو ما حدث فى الجزائر ووقتها أعلن زعماء الإسلاميين أن هذه هى آخر انتخابات فى الجزائر
    3- المركزية الإسلامية سمة للإسلام التقليدى عموما سواء فى تفاسير النص المقدس أو لدى الأصوليين أو التحديثيين. وكما استعرضنا من قبل كان الإسلام دائما دعوة لنبذ كل العقائد الأخرى لصالح الحاكمية، واعتبر نفسه الحقيقة الأخيرة والمعيار المطلق وأمة الإسلام أفضل الأمم. وكان الفكر الإسلامى أكثر جرأة فى عصر القوة والسيطرة واستطاع أن يتصدى للأفكار المناهضة مستعينا بأدوات الفلسفة اليونانية بدون حرج وأنتج كما هائلا من القواعد الفقهية وغيرها، ولكن فى عصر الأفول تم إغلاق باب الاجتهاد وتفاقمت النزعة المركزية باستمرار حتى صار الفكر الإسلامى يعانى من حالة بارانويا مرضية ورعب من الآخر "الكافر" وشعور بالدونية وصار يحبس نفسه فى جيتو فكرى لم تنجح محاولات البعض للخروج منه. وقد ساد لفترة طويلة اتجاه معتدل وأقل مركزية منذ بدء التحديث فى العالم الإسلامى كرسه الأفغانى ومحمد عبده، شكل محاولة من قبل الإسلام للتأقلم جزئيا مع عملية التحديث ولكنه اتجاه لم يحطم الأسس النظرية للفكر الإسلامى التقليدى؛لم يعمل قطيعة معرفية مع السلفية. ومع انهيار محاولات التحديث فى العالم العربى والإسلامى وظهور المركزية الأوربية، تقوقع أكثر فأكثر فصارت الوساوس من المؤامرات الغربية واليهودية تؤرق المسلمين خاصة وعامة، ونمت الدعوة للعنف والإرهاب ضد "الكفار" تعبيرا عن شعور عميق بالضعف واليأس مغلف بوهم القوة الزائفة المستمدة من الثقة فى حتمية النصر فى النهاية. إن تسيد الخطاب الإسلامى المتعصب منذ الهزيمة النهائية للقومية العربية فى الستينات شكل ردة إلى الإسلام القديم وفشلا للإسلام الأكثر تسامحا، ولكن فى سياق جديد هو الدفاع عن الذات المهانة والمقهورة ضد الأقوياء؛أبناء الحضارة الحديثة الذين يتم تكفيرهم والتقليل من شأنهم فى سياق نفس عملية الدفاع عن النفس هذه


    4- تقود المركزية الإسلامية المسلمين إلى تبرير الاستعمار الإسلامى فى الماضى وفى الحاضر - حيث يتم اضطهاد الأقليات الدينية فى معظم البلدان الإسلامية- وربما فى المستقبل وإلى الكيل بمكيالين كما أوضحنا من قبل، وإلى التحالف مع العدو الفعلى للمصالح الحقيقية للشعوب الإسلامية وإلى عرقلة التحديث والمقرطة.


    5 - يلجأ الإسلام الرسمى والتيارات المعتدلة كالإخوان المسلمين إلى رفع شعار فتح باب الاجتهاد. ولكن يقتصر اجتهاد هذه التيارات على إعادة ترتيب أولويات العمل الإسلامى واستخدام التقية لإظهار فكرهم فى صورة أكثر إنسانية دون نجاح يُذكر، مع تقديم بعض التنازلات اللغوية أساسا والفعلية أحيانا لتفادى التصفية فى الحرب الدئرة حاليا بينهم وبين الغرب، واتباع سياسة براجماتية للاستيلاء على السلطة، مثل الدعوة لاحترام قوانين البلاد الغربية (سيد طنطاوى والقرضاوى..) ، والقبول بالنظام البرلمانى (حسن البنا وتلاميذه حاليا الذين باتوا يقبلون كذلك بالنظام الحزبى..) . فى الواقع لم يستطع هذا الإسلام أن يتجاوز فكرة الحاكمية وهى مربط الفرس فى الفكر الإسلامى عموما، كما لم يتجاوز أبدا حتى الآن أولويات مصادر التشريع الإسلامى مما يجمد أية محاولة للتطوير الجذرى للإسلام. ولنتذكر أن إعدام محمد محمود طه فى السودان وإدانة نصر أبو زيد فى مصر فى محكمة تفتيش علنية وقتل فرج فودة وغير ذلك الكثير قد تم بدعم معظم الفقهاء و"العلماء" وحتى عامة المسلمين. ومن المفيد أن نلاحظ أن التيارات المعتدلة لم تعاد التيارات المتشددة (الإسلام الثورى بتعبير فرج فودة) والتى تعتبرها فى البيانات الرسمية مخالفة وضارة بالإسلام ولا تدينها، عدا حالات محدودة، إدانة فعلية. بل يقدم كثير من المعتدلين التبريرات الكافية لأعمال المتشددين الإرهابية (ما زال سيد قطب يُنعت بالشهيد من قبل الجميع تقريبا ولم يتبرأ منه “المعتدلون”) . وعلى الأكثر يتهمونهم بعدم الفهم مع حسن النية وعدم تقدير ظروف العمل الإسلامى فى الوقت الحاضر. وعلى النقيض نجد الثوريين يتهجمون – أحيانا بعنف – على “المعتدلين” ومن يمارسوا “التقية”أو يعيدوا ترتيب أولويات النضال الإسلامى أو تطوير الفكر الإسلامى فى اتجاه أكثر مرونة ويتهمونهم أحيانا بممالأة السلطات والغرب بحثا عن أهداف دنيوية وعلى حساب المباديء، مثل محمد الغزالى الذى دعا إلى تنقية الأحاديث وتحقيق بعض المساواة بين الرجل والمرأة ومثل القرضاوى الذى أباح أشكالا من الغناء والرقص وعمل المسلمين فى أماكن تقدم الخمر لمرتاديها إذا اضطروا، ومثل الأزهر الذى أباح فائدة البنوك متعرضا للانتقادات العنيفة ومثل جمال البنا الذى حاول تطوير أصول الفقه.. إلخ


    6 - مقابل المركزية الإسلامية ظهرت اجتهادات عديدة لتفكيك هذه المركزية وعقلنة الإسلام جزئيا أو كليا، سواء قديما قبل انتصار النصيين على العقلانيين، مثل محاولة أبى حيان التوحيدى الذى أعلن فشله وأوصى بحرق كتبه بعد وفاته يأسا من المسلمين، وابن رشد الذى استفاد منه الغرب وبصق عليه المسلمون وأحرقت كتبه سنة 1195بواسطة السلطان لإرضاء الشعب والفقهاء حسبما ذهب البعض، وحديثا تحت شعارات مختلفة مثل أنسنة النص (أركون) ، العودة إلى إسلام مكة باعتباره أصل الإسلام (محمد محمود طه) ، تاريخية النص والتأويل وبالتالى تجاوز النص واعتبار الغرض من العقوبات لا العقوبات نفسها (نصر أبو زيد) ، إعادة ترتيب مصادر التشريع بجعل الاجتهاد فى المقدمة وبالتالى علمنة الإسلام (حسن حنفي) ، واعتبار الإسلام دين وأمة بدلا من دين ودولة (جمال البنا) .. إلخ

    هذه الجهود العديدة تشكل محاولات جزئية لتفكيك المركزية الإسلامية، ولكنها للأسف لم تستطع أن تشكل تيارا شعبيا أو حتى تخاطب المسلم العادى ومازالت تستخدم لغة معقدة لا يفهمها سوى الأكاديميين والخواص عموما، باستثناءات محدودة أهمها جهود أحمد صبحى منصور الذى قدم قدم إسلاما ديموقراطيا وعلمانيا وعلى قدر كبير من التقدمية.

    الواضح أن الإسلام يواجه أزمة كبرى؛فالنصوص لم تعد تلائم الإنسان المعاصر والمركزية الإسلامية مثل أية مركزية أخرى لم تعد تتوافق مع العولمة السائرة بسرعة. وفى محاولة للتأقلم لجأ بعض مفكرى الإسلام الأكثر استنارة لمحاولة – بجهود خرافية- لتجاوز النصوص مع الاحتفاظ بها فى الوقت نفسه، ونزع سمة المقدس عن “دين الحق”مع استمرار اعتباره دين الحق، وتحويل المطلق إلى نسبى مع الاحتفاظ به كمطلق.. وباختصار يسعى هؤلاء إلى تحييد المطلق أو -أحيانا -السيطرة عليه.

    فى الواقع لا تصمد تلك المحاولات الجريئة حتى الآن فى وجه الإسلام التقليدى الذى يملك أرضية فكرية أكثر صلابة واتساقا وأرضية جماهيرية واسعة ودعما حكوميا قويا، مما يشير إلى ضرورة أن تصبح المواجهة أكثر راديكالية وقسوة.

    ومن أسباب فشل المجددين: - محاولات محمومة لتأويل النص وافتراض مرونة مطلقة له، مثل محاولة مصطفى محمود الأخذ بنظرية التطوربعد تعديلها واستخراجها من القرآن[154].. إلخ.. كلام يمكن الرد عليه بسهولة من قبل الفقهاء وحتى العامة.

    - والآن نأتى للسؤال الذى طُرح فى بداية هذا الكتاب على لسان جمهور المسلمين: لماذا يكرهوننا؟.

    كافة "الكفار" يكرهون الإسلام بلا شك. ألا يكفى ما قدمناه هنا من موقف الإسلام من الآخر؛ "الكافر" للإجابة على السؤال؟ نظن أنه كاف.

    حتى يصبح الإسلام متقبلا للآخر وغير مكروه لابد أن تُنزع القدسية عن نصوصه أو على الأقل تُعامل على أنها تاريخية، وأن يتخلى الإسلاميون عن اعتبار فكرهم هو الحقيقة النهائية أو أن الإنسان يحمل جينات إسلامية، وبالتالى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه وفتح باب النقد لكل النصوص حتى المقدسة وبالتالى يتقبل المسلمون تحليل "الكفار" لنصوصهم وحقهم فى الدعوة لأفكارهم بل والتوقف عن تكفير المخالفين وإنهاء تقسيم البشر إلى مسلمين و"كفار".

    من المحتمل حتما أن يرد إسلاميون على هذا الكتاب متهمينه بالمبالغة أو تصوير الإسلام بطريقة سوداوية.. إلخ.


    حسنا.. عليكم إذن أن تخيبوا ظننا وأن تعلنوا إيمانكم بالمساواة بين البشر جميعا مسلمين و"كفارا"، بل أن تنفوا أن الآخرين كفارا أصلا وأن توافقوا على شرعية كل الأيديولوجيات بما فيها اللادينية وأن توافقوا بوضوح على حقوق الإنسان وليس حقوق المسلمين، بما فيها الزواج المدنى وحق الفرد فى تغيير دينه كيفما شاء، وعليكم أيضا أن تقدموا اعتذارا للعالم عن الغزوات الإسلامية والأعمال الوحشية للغزاة العرب فى الماضى وأن تنادوا بإلغاء أشكال التمييز ضد"الكفار"فى البلاد الإسلامية.. إلخ.

    وأغلب الظن أنكم لن تفعلوا ذلك باستثناء قليلين يعدون على الأصابع. ولهذا السبب يبدو أن على "الكفار" تقع مسئولية هذا التغيير، بفتح الحوار المباشر والنقد الصريح للفكر الإسلامى. ومثلما تتعرض المركزية الأوربية للنقد العنيف حتى من قبل أبناء الغرب، يجب أن تتعرض المركزية الإسلامية لنفس النقد.

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  18. #18
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    ترشيد ثقافة الإفتاء أو إعادة تأصيل علم أصول الفقه / زهير الخويلدي
    2008-10-06


    "اعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدرا وأكثرها فائدة وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الأحكام والتآليف".
    عبد الرحمان ابن خلدون- المقدمة





    من مآثر بعض المفكرين العرب المعاصرين ومحاسن بعض المجددين التنويريين أنهم حاولوا عقلنة الظاهرة الدينية عقلنة فلسفية وسعوا إلى ترشيد التقول الديني ترشيدا علميا ووضعوا قواعد مضبوطة للاجتهاد والتأويل وتفطنوا إلى ضرورة إدماج مؤسسة الفقه التقليدية إلى العمارة العصرية للفلسفة وربطوا بين الفقه والعقل والواقع والمصلحة وأوجدوا ورقات أولى في سبيل فقه للفلسفة أو فلسفة للفقه وفقه للمقاومة والتغيير وفقه للتنمية والديمقراطية وفقه للمرأة وفقه للجمال والفن ولذلك فإنهم قد جسدوا في الآن نفسه شخصية المفكر والمثقف والسياسي والمصلح والداعية والفقيه والفيلسوف ولم يكونوا مجرد مختصين في مجال معرفي معين لا علاقة له بما يحدث في الشأن العام.

    ورغم أنهم لم يؤثروا تأثيرا كبيرا في الواقع ولم يسهموا في إحداث تغييرات كبيرة على الأيقونات التي تستند عليها الثقافة العربية ولم يشيدوا فقه وجود بالمعنى الأصيل للكلمة إلا أنهم نجحوا لفترة طويلة في حجب هيمنة الفقه التقليدي على الساحة الإعلامية والفكرية وأوقفوا نسبيا حمى الفتاوى الاعتباطية وغير المواكبة للعصر وجعلوا صوت العقل والمنطق والواقع هو الذي يفرض نفسه وسط صخب الجدال بين الدين والسياسة وبين طيات الانجذاب إلى الشعارات البراقة والجري وراء العقائد البالية.

    لكن هذا المنحى التنويري في الفكر العربي بدأ يترك الساحة للأسف وبشكل غير مفهوم لبعض الدعاة الجدد والفقهاء التقليديين ورجال الدين والشيوخ الذين يظهرون الوسطية والاعتدال والتيسير وصنع الحياة ويبطنون الفقر المعرفي وسطحية التحليل والموقف المهادن وماضوية القناعات ويشرعون إلى الموت والتنازع.

    الغريب أن بعض الفضائيات الإخبارية ذائعة الصيت وأيضا جل الفضائيات الدينية المختصة في نشر المذهبية والدعاية لثقافة طائفية قد ساعدت على إهمال الناس للرؤى التجديدية والأفكار الإستراتيجية لهؤلاء المفكرين العقلانيين ووجهت الجمهور نحو الاهتمام ببعض السخافات والتقليعات لأولئك الدعاة الجدد وفقهاء الحوزات والقصور وقد ساهمت في انتشارهم وتحولهم إلى نجوم كبار وشخصيات عالمية مؤثرة في صنع الرأي العام العالمي باعتراف مراكز سبر الآراء وشيوخ طريقة لهم العديد من المريدين والأتباع في جميع أنحاء العالم بحيث تباع كتبهم وتسجل محاضراتهم ويعاد إذاعتها وتزار مواقعهم الالكترونية ومدوناتهم من قبل الآلاف من الشباب التائه والناس الحائرين والذين يجدون في ركام الأجوبة الماضوية إرضاء لاستفساراتهم وأسئلتهم والمستجدة.

    كما أن بعض الأنظمة السياسية من خلال أدائها التسلطي الشمولي أو سياساتها الدينية الانغلاقية وبعض مؤسساتها التي تعتني بالشؤون الدينية مثل دار الإفتاء وبعض الجامعات الإسلامية شجعت بشكل أو بآخر على تزايد عددهم وتوجه الناس إلى هؤلاء والتلهف على سماع ما يقوله سواء عن كيفية السير في الدنيا أو حول المطلوب القيام به من أجل الفوز بالآخرة.

    ان الفقه هو من العلوم التطبيقية الأصيلة التي أبدعها المسلمون عندما تعاملوا مع القرآن وقد ارتبط بالتشريع وله مبادئ وأصول يحددها علم نظري مجرد هو علم أصول الفقه والمعنى اللغوي للفقه هو العلم بالشّيء والفهم له والفطنة فيه أي عبارة عن كلّ معلوم تيقّنه العالم عن فكر. أما المعنى الاصطلاحي فهو العلم بالأحكام الشّرعيّة العمليّة المكتسب من أدلّتها التّفصيليّة الصحيحة وفق أصول فقهية سليمة.‏ في يعني أصول الفقه العلم الذي يضع القواعد الأصولية لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها الصحيحة. ولذلك كانت الصّلة بين الفقه ‏وأصول الفقه صلة العيني بالمجرد والعملي بالنظري أي أنّ موضوع علم أصول الفقه هو الأدلّة الإجماليّة من حيث وجوه دلالتها على الأحكام الشّرعيّة أما علم الفقه فيعنى بالأدلّة التّفصيليّة لاستنباط الأحكام العمليّة منها.

    المشكلة ليس في انتصار دعاة التقليد على دعاة التجديد فهذه معركة أبدية والنتيجة معروفة مسبقة لأن حركة التاريخ دائما تتقدم إلى الأمام ودعاة التحديد هم الذين ينتصرون في نهاية المطاف رغم ما يلاقونه من إقصاء وإبعاد ونفور وما يعانونه من غربة وتجاهل وسخرية ودعاة التقليد سينسحبون من الأضواء ويتوارون عن الأنظار وينفض من حولهم المريدين رغم ما يلاقونه من تبجيل وتعظيم وتكريم وما يمتعون به من حظوة وسلطة ومنفعة في بدايات ظهورهم.

    ان المشكلة هي في طبيعة الفتاوى الفقهية التي يصدرونها حسب الاتفاق وتماشيا مع رغباتهم، فهم يعتقدون أنها متفقة مع النصوص المقدسة ومحترمة للأحكام والأصول ولكن إذا تحرينا مدى علاقتها بالواقع التاريخي الذي نعيش فيه فإننا نكتشف البعد الكبير الذي يفصلها عن روح العصر والانعكاسات الخطيرة التي تسببها والتأثيرات السلبية التي تمارسها على السلم الأهلي وعلى السياق الاجتماعي والتوجيه المنمط للمجال السياسي والاقتصادي الذي تقوم به والأخطاء الفضيعة التي تتخبط فيها في حق الدين والجماعة المتدينة الصغرى والجماعة الإنسانية العظمى بلغة الفارابي وذلك لصدورها عن بنية فقهية تهيكلت في واقع قديم ومحاولتهم فرضها على واقع جديد دون محاولة لتحريك أو عصرنة بنية العقل الفقهي ودون البحث عن أجوبة جديدة للأسئلة الراهنة.

    بعض الفتاوى اللاواقعية والمثيرة للجدل هذه الأيام تبعث على الاشمئزاز وتبين المستوى الفكري المتواضع والسلوك الأخلاقي المفقود الذي وصلت إليه حضارة اقرأ مثل التبرك ببول الرسول وإرضاع المرأة لزميلها أثناء العمل وإمكانية تزويج المرأة منذ السن التاسعة رغم كونها قاصرة التي صدرت عن فقيه مغربي اسمه المغراوي والذي رفعت ضده دعوى قضائية وحجب موقعه الالكتروني عن الناس، ثم قول أحد الفقهاء بأن ميكي ماوس هو من جنود الشيطان ولابد من هدر دمه وكذلك تحريم أكل بعض الحلويات في رمضان ومنع الناس من مشاهدة المسلسلات الأجنبية والأفلام المدبلجة مثل "نور" و" سنوات الضياع" واعتبار بعض الشخصيات التمثيلية مثل لميس ومهند سبب انحلال الأخلاق وفساد الشباب وما أجاز بعض الفقهاء إفطار الرياضيين في فترة الصيام من أجل تمكينهم من ممارسة أنشطتهم في أحسن الظروف وهو ما أدخل مجال الإفتاء إلى باب الارتجال وتلبية حاجيات اليومي المتغيرة والملحة مما جعل الفقه يتحول إلى فكر ذرائعي وممارسة ترقيعية لا غير .

    غير أن أهم فتوى أسالت الكثير من الحبر هو الإفتاء بتكفير وقتل من يملك قناة فضائية تنشر السحر والتنجيم وتبث أغاني الكليبات كما فعل الفقيه السعودي اللحيدان الذي زاد في غلطه حين دعا إلى إنشاء مجمع علمي فقهي تكون له سلطة الحكم على الفتاوى ويحتكر الحق في إصدارها ويمنع الآخرين من ممارستها بشكل اعتباطي ويلزم الناس باحترامها وإتباعها.

    رغم أن البعض من الفقهاء له رصيد في التحالف مع السلطان الغشوم من أجل تفادي الفتنة التي هي أشد من القتل والبعض الآخر وضع يده في يد الاحتلال وأفتى بالتعاون معه وحرم مقاومته والخروج عليه من أجل الدفاع عن العرض والشرف رغم علمه أن حب الأوطان من الإيمان.

    الشيخ القرضاوي الذي اشتهر بحملته المتبصرة على قوى التطرف ومناهضته الجمود والتقليد وتحمسه للتيار السني الاخواني وتزعمه تيار الوسطية والاعتدال وبتبنيه للقضية الفلسطينية ومناصرته للعراق وهو ما جعله يتعرض للتهديد والمحاصرة من طرف بعض الدوائر المعادية وصل إلى حد منعه من السفر للتداوي هاهو الآخر يصدر فتاوي وتصريحات في غير محلها تؤجج النعرة الطائفية وتؤدي إلى الانقسام والتباغض بين السنة والشيعة وذلك عندما دعا إلى مقاومة المد الشيعي وعندما اعتبر إيران بلد مطامع وقد قال أقوال غير حسنة في شخصية حسن نصر الله دون أن يهتم بالوضعية الحرجة التي يمر بها العرب اليوم وحاجتهم الماسة لرموزهم ولمساعدة جيرانهم وشركائهم في الحضارة والدين وخاصة من الفرس والأتراك والهنود، على الرغم من أن الرجل من الذين يتزعمون اتحاد العلماء المسلمين العالمي وينخرط منذ مدة في إطار مشروع التقريب بين المذاهب ويساهم من موقعه في حوار الأديان وجدل الثقافات.

    والحق أن القرضاوي قد أخطأ وكلامه عن خطر التشيع ليس مقبولا وربما كان كلاما في السياسة أكثر منه كلام في الدين لأن وجود بعض النوايا الإيرانية غير الحسنة وغير البريئة تجاه المنطقة العربية لا يبرر معاداة هذا الشريك الحضاري في المطلق والانخراط في لعبة عالمية الغاية منها هو التحريض عليه وشن حرب مدمرة ضده تعيده إلى غابر التاريخ كما هو الحال مع العراق والصومال وافغانستان.

    هذه المواقف غير الدقيقة عرضت رجل الدين السني البارز في مستهل القرن الواحد والعشرين إلى الهجوم الذي شنه البعض عليه من العديد من رجال الدين المناصرين للمذهب الشيعي وتيار الممانعة، ومثل هذا الصنيع هو أيضا غير لائق وغير حضاري ويخدم أجندات غير عربية وغير حضارية ويؤدي إلى الفرقة والتشتت بينما الفقيه الحقيقي والداعية المخلص هو التوحيدي والوحدوي الذي يدمغ الباطل بالحق ويحافظ على العروة الوثقى للأمة لأن الخطر الحقيقي ليس التشيع ولا التسنن ولا العلمانية بل هي الطائفية والتمذهب والتسبب دون وعي في الفتنة والحرب الأهلية، ان الكارثي على الجميع هو اللاتسامح الديني والتعصب للفرقة والتصديق الأعمى للميراث ومحاولة فرض الٍرأي الشخصي على الآخرين بالقوة وهو المد السلفي المنتشر في جميع المذاهب وفي كل الملل والنحل وآن الأوان كي تتكاتف الجهود لمعالجته معالجة فكرية شاملة تعود به إلى أسبابه وتتقصى جذوره وتفهم منابته وليس الاكتفاء بالحل الأمني والمعالجة العنيفة الاستئصالية غير المجدية.

    ان سبب مثل هذه الأخطاء وحالة الارتباك التي يبدو عليها بعض المتعاملين بالوراثة والتقليد مع الدين ولاواقعية فتاويهم هو انتشار الفقه التقليدي وانحباس حركة الاجتهاد وعدم أخذ المصلحة والواقع بعين الاعتبار وثبات بنية العقل الفقهي والاقتصار على ربط الفروع بالأصول والبحث على القياس بالمثيل والشبيه والنظير وإهمال المختلف والمتنوع والفريد والحادث والمباغت، وهذه الوضعية المزرية ناتجة عن حالة الجهل والغفلة والأمية والتصديق الساذج التي تبدو عليها المجتمعات العربية المسلمة ولذلك من الضروري التمييز بين دين التقليد ودين التجديد وبين الفقه النافع والفقه الضار وبين التعدد الايجابي المؤدي إلى إثراء الوحدة والتشعب السلبي الذي يحدث شروخا في جسد الأمة، كما ينبغي التمييز بين السنة الشريفة الحميدة والتسنن السلفي المغالي وبين التشيع الصفوي المرفوض والتشيع العلوي والزيدي المقبول وبين التثوير الهادئ والبطيء للدين والتثوير الهائج والمخرب له وبين احترام سلطة التقاليد المؤسسة للقيمة والحقيقة والخضوع التام لتسلط رموز قيم الماضي واستبدادها بالحاضر وتحولها إلى حواجز وعوائق أمام إمكانية استشراف المستقبل وتحول دون صنع الآتي .

    المثير للجدل هو كيف يتحول علم عزيز وكثير الفائدة مثل أصول الفقه إلى لغو وسفسطة تدعو إلى التظنن وتدور في دائرة التخمين والاحتمال وتسبب الفتن ومصدر فرقة وتطاحن ووسيلة للتباغض والتلاسن لأن الفتوى الفقهية تظل حكما ونحن نعلم أن الحكم الصواب يصدر عن التفكير الأصيل والاستنتاج السليم.

    ان الأجدى هو التبشير بالتنوير والعقلانية والإيمان بالقيم التقدمية وإجراء حوار بين مكونات الداخل واعتذار السنة عما اقترفوه بحق الشيعة من مظالم واعتذار الشيعة عما فعلوه الآن بحق السنة والكف عن نبش الماضي والحفر في الذاكرة المثخنة بالجراح والارتقاء بالأفهام إلى إسلام بلا مذاهب وبلا حدود ومتعال عن الفرق وعن الأحكام والأصول كما يرى طارق رمضان أو إلى إيمان ما بعد ديني وهذا المطلب لن نصل إليه إلا بتثوير القرآن وإعادة تأصيل علم أصول الفقه وإعادة كتابة السنة والحديث والتاريخ الإسلامي بأسره وفق منهاج العقل والطبيعة وبالاعتماد على مفهومي الزمانية والتاريخية حتى نجد إلى أرض الأنسنة سبيلا .

    المحرج أن بعض الأنظمة السياسية وتسارع إلى الحلول الأمنية والبعض من دعاة التنوير يلجؤون إلى القضاء ضد هؤلاء الفقهاء والدعاة التقليديين ويمارسون ضدهم وضد مؤسسة الفقه وتجربة الإفتاء الإقصاء والتهميش والتكفير المضاد، فتزداد شعبيتهم وترتفع أسهمهم ويصبحون أبطال ورموز في عيون مريديهم وتنتشر فتاويهم رغم تواضعها وضعفها ويستقطبهم التيار الديني ويستخدمهم في مواجهته مع أنظمة الحكم وتصبح بضاعتهم مطمح كل باحث طالما أن كل ممنوع مرغوب فيه.

    في واقع الأمر ان القيمة الكبيرة المعطاة لهؤلاء الفقهاء والهالة الإعلامية التي يحاط بها هؤلاء الدعاة الجدد هو أفق الانتظار لدى الناس الذين يصدقون فتاويهم ويعتقدون في مطابقتها لصريح النص وجوهر الدين ويستفسرونهم ويتبعون آرائهم ولو أمكن لأحدهم استعمال عقله بطريقة منهجية وخارج إطار سلطة الوصاية والتقليد لتبين له أن هذه الفتاوى مجرد اجتهادات بشرية وأن الإنسان يصيب ويخطئ وأن المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد ولنظر الناس إلى الفقهاء والدعاة نظرة دنيوية ولتعاملوا مع آرائهم على أنها مجرد اقتراحات وتوجيهات تدخل في أدب النصيحة والوعظ والإرشاد لا غير وليست وحيا يوحي أو علما لدنيا ناتج عن الهام رباني يتطلب التطبيق التام والتسليم المطلق بل مجهود إنساني قابل للتكذيب ويمكن أن يوضع موضع شك ويخضع لجدلية الهدم والبناء.

    صحيح أن التوفيق بين الدين والحياة صعب لأن التغيرات كثيرة الاحراجات بارزة نتيجة تغير نمط حضور الإنسان في العالم وصحيح أن الفقه التقليدي بجميع مدارسه وتياراته يبدو عاجزا عن المصالحة مع الواقع والإجابة على تحديات الراهن ولكن مواصلة إصدار الفتاوى واعتماد الأصول القديمة على أنها البنية الثابتة للعقل الفقهي التي تصدر عنها كل الأحكام هو تمادي في الخطأ وإصرار عليه وغلق لباب الاجتهاد الذي لا ينبغي أن يقتصر على تسامحات طفيفة في الفروع وتيسيرات في الحياة العملية بالقيام بترخيص ورفع مؤقت لبعض الحدود بل ينبغي أن الاجتهاد النظر والعمل، الفرع والأصل، المحكم والمتشابه، والقطعي الدلالة والمضنون بمعناه حتى يعاد تأصيل علم أصول الفقه وحتى يتمكن هذا العلم الناشئ من تحويل الدين إلى منهج في الحياة وطريقة للتقدم والنهوض من الغفوة.

    أن الإسلام حارب الاكليروس وهو دين خال من الكهنوت ولا توجد فيه طبقة تعتني بتنظيم الشعائر والعبادات بل ان الإيمان مرتبط بالحرية ولا توجد سلطة تكره الناس عليه وهو شأن فردي يهتم به كل امرئ بنفسه وحسب تفقهه الخاص في النص المقدس وله الحرية والمشروعية المطلقة في ذلك ولكن هناك في الإسلام العديد من العلوم التي تعتني بالكلام والاجتهاد والتأويل وتتدبر النصوص وعوض الإبقاء عليها في حالة جمود وتوظيفها من أجل غرض سلطوي معين لابد على العكس من ذلك استئناف النظر فيها والارتقاء بمناهجها ومفاهيمه وتطوير أساليبها وخاصة مؤسسة الفقه والإفتاء.

    على هذا النحو ان وجد من يتدبر النص الديني ومن يولي عناية بظاهرة المقدس فانه من الضروري أن تصدر عنه تأويلات فقهية وفتاوى اجتهادية تنم عن تبصر ويقظة وحنكة وتصورات منفتحة وملمة بمختلف جوانب الحياة ومراعية لكل أبعاد التجربة الإنسانية ويلزم أن تكون الفتوى في خدمة المصلحة المشتركة وتعمل على دفع الضرر وجلب الصلاح حتى يكون الدين هو الوسيلة والإنسان هو الغاية.
    ان إيقاف حمى الفتاوى الفقهية يمر لا محالة عبر ترشيد ثقافة الإفتاء والبحث عن إيجاد علم أصول فقه جديد لا يتمثل دوره في إصدار فتاوي عشوائية وفوضوية بل تقتصر مهمته على تقديم توصيات كلية وتوجيهات دقيقة ويعمل على رفض كل أشكال التكفير والتبديع والتفتين على غرار تراث التجديد الديني عند الأفغاني وعبده والكواكبي حيث وظفت الفتوى لمقاومة الاستعمار والاستبداد والاستغلال ونشر العدل والتأكيد على التسامح وتفضيل الرأفة بالضعيف والصداقة مع الغريب، كما ينبغي ألا نهمل محاولة جمال البنا الرائدة في مشروعه عن دعوة الإحياء الإسلامي وعن طريق امتلاك الناس للوعي التاريخي وتنسيب آرائهم واعتقاداتهم الدينية وإدخال عقلية الاختلاف والتعددية في رؤيتهم للعالم. علاوة على ذلك يجب الربط بين الفقه والواقع والرجوع إلى فلسفة كاملة في الفقه أو فقه فلسفي يرتقي إلى أن يكون فقه وجود وليس مجرد فقه لغة وهذا المقتضى يتطلب تخصصا أكاديميا ودراية دقيقة ويستلزم الارتقاء بالمؤسسة الفقهية ويستوجب تدخل السلطان السياسي قصد تحقيق التوازن داخل مجال السلطان الروحي ومن أجل أن يكون شوريا ديمقراطيا يبدأ بالعقل والإجماع والمصلحة والاستحسان والاستصحاب وشرع من قبلنا لكي يتفقه في الحديث والقرآن ويستنبط مجموعة من التوجهات والاستشرافات،فمن يوقف حالة الفوضى والارتجال والاعتباطية التي تشهدها ساحة الإفتاء في حضارة اقرأ؟ وأين هم المثقفين العضويين الذين يملؤون الساحة الثقافية والاجتماعية ولا يتركون الفرصة لمثل هؤلاء للبروز؟ متى يأتي اليوم الذي يتقنن فيه نشاط الفقيه أو يعوضه المشرع السياسي والفقيه القانوني؟ ألم يقل أبو حنيفة فقيه الرأي ونابذ التقليد ذات مرة عن الفقهاء الذين سبقوه:"هم رجال ونحن رجال" داعيا إلى إعمال العقل في السمع واستئناف التفقه في الدين والتجديد في الحكم؟


    كاتب فلسفي

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  19. #19
    عـضــو الصورة الرمزية بثينه عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    18/07/2009
    العمر
    61
    المشاركات
    2,203
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي رد: دراسات واراء بتاريخنا .

    الشهرة والعَظمَة
    المستشار محمد سعيد العشماوي
    الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2008




    نظراً لأن عام 1999 هو فى تقدير الكثيرين، عام تنتهى به الألفية الثانية للتقويم الميلادى، وتبدأ من ثم الألفية الثالثة، أول يناير، فقد لجئت بعض المجلات المصرية، والعربية والعالمية، إلى إجراء إستفتاءات أو إستطلاعات حول أهم الشخصيات فى الألفية الثانية أو فى القرن العشرين، والتى تكون قد خلفّت آثاراً بعيدة.

    وقد وضعتنى بعض المجلات المصرية على قوائم من تستطلع رأيهم فى ذلك، ولما حرصت على أن أعرف المفهوم الذى يحددونه للأهمية، والمدلول الذى يتخذونه للتأثير، لاحظت عدم وجود مفهوم علمى ومدلول واضح، وأن الغالب فى الفهم حين يضُطر السائل إلى بيان أن الأهمية تقاس بالشهرة وأن المعنىّ بالشهرة هو الإنتشار المحليّ، والذى قد يجرى الظن خطأ بأنه مؤشر عن العظمة.

    كانت وجهة نظرى غير ذلك تماماً، فاعتذرت من إبداء الرأى، وهو أمر استاء منه أحد الأصحاب، دون أن يضع فى التقدير ضرورة احترام وجهة نظرى، فإذا كان هناك معيار واضح محدد للجميع، كان ردّى متوافقا مع هذا المعيار ومبنيا على أساسه، أما أن لا يكون ثمت معيار واضح محدد، فى تقدير السائل والمسئول، فإن إجابتى سوف تكون غريبة، على الكثيرين، أو قد تضطرنى إلى أن ألحق بها مذكرة تفسيرية، توضح أساس اختيارى، وتنقض الأسس التى اتبّعها الآخرون، وهو ما لا تتسع له صفحات الموضوع.

    يضاف إلى ذلك أن الشعب المصرى والشعب العربى، تغلب عليه العواطف، وتأسر فكره المشاعر، وهو ما يعوقه عن التقدير العقلى السليم ويحول بينه وبين الحكم الصائب السديد. فالشخص منهم عادة يرى أن مغنّيته المفضلة أو ممثله المختار أو واعظه الأثير، هو أهم شخص فى العالم كله، وعلى مدى التاريخ، وهو قصور نظر واضح، وتقدير بالغ السطحية والسذاجة.

    الشيوع والذيوع والإنتشار ليس دليل الجودة أو الصلاحية أو الخيرّية. فالمخدرات، بأنواعها المختلفة، تكاد تكون أكثر السلع شيوعاً وإنتشاراً فى العالم كله، من أدناه إلى أقصاه، ولو أجرى إستطلاع للرأى عنها بين قطاعات كبيرة من الشباب والشيوخ، أو جماعات كثيرة من تجار المخدرات والمستفيدين منها، لكانت النتيجة فوزا ساحقا لها، بأكثر الأصوات.

    ولو سئل الذين مالوا إلى التأكيد على أهميتها لأبدوا تبريرات ممنطقة لكنها غير صحيحة، ولقدموا تعليلات منمَّقة مع أنها زور فى زور، وخطأ فى خطأ. مثل المخدرات أشياء كثيرة، تقطع بأنه لا تلازم بين الشيوع والجودة، أو الذيوع والصلاحية، أو الإنتشار والخيرية (أى الخير)، فقد يكون، وغالبا ما يكون الشائع غير جيد، والذائع ليس صالحا، والمنتشر ليس خيراً.

    والذى يؤدى إلى إختلاط أكثر الناس فى التمييز بين الصائب والخاطىء، والإلتباس بين الحقيقى والمزيف، والتقدير بين الأصل والتقليد، هو الجهل من جانب، والركون إلى العواطف من جانب آخر.

    فالعاطفة تتعلق بموضوع أو بشخص أو بشىء، أولاً، وبعد ذلك تقود العاطفة ما بقى فى العقل من تقدير بأن تحوّله إلى تبرير تعلّقها، وإضفاء هالات من الجمالات، وحالات من الكمالات على ما تتعلق به، وهذه الغلبة العاطفية، تنفى العقل وتمنع نموه وتعرقل نضجه، فيظل المرء ما عاش يحكم على الموضوعات والأشخاص والأشياء بعواطف مريضة وجوانح مهيضة، فيرى السيىء جيدا، والشر خيرا، والخطأ صوابا، والتافه عظيما.

    والجهل يورث سوء الفهم وسوء الحكم، فالجاهل غير مثقف فى العادة، وغير مهذب فى الأصل، وهو لذلك يفهم الأمور فى عوج وزيغ وخطأ، ويعبّر عن رأيه فى جلافة وصلافة وصلادة، أى إنه يؤكد العوج ويرفض الإستقامة، ويصمم على الزّيع ويتنكب السلامة، ويعضّد الخطأ ويابى الصواب، ويعتقد على غير الحق أن صلادته ثبات على الحق، يسفر عن نفسية صغيرة تخشى أن تنهار إن اعترفت بالحق، أو أقرت الصواب. ويترتب على الغلبة العاطفية والغيبة العقلية تصور موهوم بأن الشخص المفضل لدى المرء هو أهم شخص فى التاريخ، حتى ولو كان مهيجا أو كان مهرجا أو كان مغنيا أو كان مثيرا.

    فإذا كان ثم مّعُجب بأغانى مغنى الروك الفيس بريسلى، فسوف يختاره على أنه هم شخصية فى القرن، والذى تثيره نجمة الإغراء مارلين مونرو يعمد إلى إختيارها، على إعتبار أنها أهم شخصية، وهكذا.

    كذلك فإن مقتضى الغلبة العاطفية والغيبة العقلية أن يتخذ المرء مَثله من المجرمين أو المعتوهين أو من شاكلهم، فمع أن حوادث (ريا وسكينة) فى سرقة أموال النساء وإغتيالهن، وقعت فى أوائل القرن الحالى (العشرين) فإن اسميهما ما زالا على ألسنة الكثيرين، والدراسة فى الحوادث لم تتوقف وتقدم السينما أعمالا شتى عنهما، ويتمثل البعض بهما، كذلك فإن إسم أوزولد قاتل الرئيس كنيدى معروف للكثيرين الذين لا يعرفون اسم وزير خارجية الولايات المتحدة أو اسم من حصل على جائزة نوبل فى العلوم فى هذا العام أو فى أعوام سابقة.

    بدأت الصورة تتضح لبعض المصريين عندما نشُرت قوائم بأهم الشخصيات فى نظر علماء التاريخ، والرأى العام العالمى.

    فقد أجرى معهد سيفيا للبحوث فى نيويورك استطلاعا شارك فيه مائة من علماء التاريخ الأمريكيين، لإختيار أهم عشر شخصيات فى القرن العشرين، وجاءت النتيجة كالآتى، تنازليا:

    (1) أدولف هتلر، (2) جوزيف ستالين، (3) فرانكلين روزفلت، (4) فلاديمير لينين، (5) ماوتسى تونج، (6) ألبرت أينشتاين، (7) المهاتما غاندى، (8) ونستون تشرشل، (9) ميخائيل جورباتشوف، (10) سيجموند فرويد.

    وأجرت مجلة تايم (Time) الأمريكية استطلاعا عالميا بين قرائها، انتهى إلى أن الشخصية الأولى فى القرن الماضى (العشرين) هو أدولف هتلر.

    والذى يلاحظ فى الحالين:

    (أ‌) اختيار أدولف هتلر، بإعتباره الشخصية الأولى فى القرن العشرين.

    (ب‌) عدم اختيار أى فرد من الشرق الأوسط، مما قد يعنى أن شخصيات هذه المنطقة كانت ذات تأثير محلى غير عالمى.

    (ج) العلماء الأمريكيون، ومجلة تايم الأمريكية، كان اتجاههم فى الاختيار موضوعيا، فلم يفعلوا مثلما نفعل فى منطقتنا العربية، حيث لا نرى إلا أنفسنا، وننفى الغير ضمنا، كما نتصور أن بعض الشخصيات المحلية هى محور التاريخ، وبؤرة البشرية، ومدار الأحداث.

    فقد اختار هؤلاء العلماء، وأبرزت مجلة تايم اختيار، أدولف هتلر بإعتباره الشخصية الأولى فى القرن العشرين، ولم تغلب عليهم نوازع المغالاة الوطنية (الشوفينية Chauvinism) فتفضل أحد الزعماء، أو القادة أو العلماء الأمريكيين.

    (د) تضمنت قائمة العلماء الأمريكيين اسم جوزيف ستالين، الخصم اللدود لأمريكا أثناء الحرب الباردة (1945-1985) كاسم ثان لأهم شخصيات التاريخ، كما تضمنت اسم فلاديمير لينين فى الترتيب الرابع، وماوتسى تونج فى الترتيب الخامس.

    (هـ) الاختيار يلحظ تأثير الشخص عالمياً، ولا يقصد بالتأثير أنه يكون تأثيراً صحيحاً، أو خيرّاً أو سليما أو طيبّاً. فأدولف هتلر، حتى بين الغالبية الغالبة من الشعب الألمانى، شخص شرير، مدمّر وقاتل، مضاد للإنسانية ومحطم لألمانيا، أشعل حربا أدّت إلى مقتل ملايين الأشخاص، وتيْتيم وترميل الملايين فى أنحاء كثيرة من العالم، وانتهى أمره بهزيمة منكرة، وخراب شامل، وتدمير ألمانيا، ثم تقسيمها (حتى 1986).

    وجوزيف ستالين كان يمثل أبشع أنواع الدكتاتورية وفظائعه فى الإتحاد السوفيتى، بجميع بلاده، وخارج الإتحاد السوفيتى، لا تحيط بها المجلدات ولا تتسع الألفاظ لوصفها وصفا دقيقاً.

    وفى الوقت الذى عاش فيه أدولف هتلر وجوزيف ستالين اللذان تصدرا أسماء قائمة أهم عشر شخصيات، والتى سلف بيانها، عاش رجال آخرون كانوا غاية فى الفضل ونهاية فى الخلق، منهم – على سبيل المثال – المهاتما غاندى الذى لم يذكر التاريخ له فعلة سوء واحدة أو قولة باطل مفردة، والذى ضحى بنفسه ليمنع اضطهاد البشر المتعصبين لغيرهم من البشر الأبرياء، ومع هذا التاريخ الناصع نقاؤه، والفاقع بياضه، فإن إسمه ورد بإعتباره السابع فى القائمة، فتخطاه وحظى بالأولوية هتلر وتبعه ستالين، والعلة فى ذلك أن الشر أكثر ظهورا وأشد انتشارا من الخير، فضلا عن أنه أسرع فى النتائج، وأوضح فى الآثار، فالكلمة الطيبة قد تؤثر تأثيراً بعيدا عميقاً، لكن الأثر لا يكون واضحا للراصد، ولا يظهر بسرعة للملاحظ. ورسالة السيد المسيح لم تفلح فى حياته، ولا بعد ذلك بفترة طويلة، حتى عام 325م حين أمر الإمبراطور الرومانى قسطنطين بأن تكون المسيحية ضمن الشرائع (الديانة) الرسمية للإمبراطورية، فبدأت تظهر رسالة المسيح أكثر بكثير، وامتدت وانتشرت فى كل أنحاء المعمورة، ولو ان استطلاعا للرأى أو استقصاء للأمر حدث بواسطة وسيلة، كالصحافة المعاصرة، فى نهاية القرن الأول الميلادى، لما ظهر اسم السيد المسيح فى أى منهما.

    وحين يُضرب المثل بالسيد المسيح فإن القصد بيان شدة المفارقة بين الحقيقة وما تنتهى إليه الإستطلاعات أو الإستفتاءات أوالإستبيانات من قصور. فربما كان فى الوقت الحالى، بل فى الغالب أن يكون هناك، شخص أو أشخاص أكثر أهمية وأعظم أثرا، من كل من وردت أسماؤهم فى قوائم الإستطلاعات، لكن هذا الأثر وتلك الأهمية تكون لم تزل عماّلة فعّالة، لا تظهر بشدة ولا تبدو بوضوح إلا فى أوائل القرن القادم. وإذ ذلك، وفى حالة ما إذا أعيد إجراء استطلاع أو اتباع استقصاء، فسوف تتغير القوائم تماما، بل وربما انقلبت رأسا على عقب.

    لقد أجرى فى بريطانيا استطلاع للرأى عن أهم أشخاص فى الألفية الثانية (أى من عام 1000-2000م) فكان هناك شبه إجماع على أن أول شخص فى القائمة هو وليم شكسبير.

    وليم شكسبير (1564-1616) يعد من جانب الكثيرين من النقاد والدارسين أعظم الشعراء والكتاب المسرحيين، ومن أبرز الشخصيات فى الأدب العالمى، إن لم يُعّد أبرزها جميعا، ومع ذلك فإنه يصعب تحديد عبقريته بمعيار بعينه من معايير النقد الأدبى، كما أن حقيقة شخصيته يكتنفها الغموض والإبهام، لأنه كان فى حياته مغمورا لا يعرفه إلا عدد قليل من الناس.

    وفى عصر شكسبير عاش الكاتب المسرحى بن جونسون (1572-1637)، وكان أقل موهبة من شكسبير بكثير، لكن نظرا لأنه كان مقرَّبا من الملك جيمس الأول (زوج الملكة اليزابيث) فقد حظى بشهرة واسعة، وأعطته صلاته مكانة كبيرة، فكان له تأثير بالغ على مجموعة من الشعراء الشبان الذين اسموا أنفسهم (جماعة بنْ).

    ولما خَفَ وهج الصَّلة بالملك، وشرع النقاد يفحصون عمل كل من الشعراء بهدوء، وتؤدة، وبعيدا عن أثر السلطة، ومفعولها الدعائى بشهرة، فإنهم أعطوا شكسبير حقه، وأكدوا عالمية فنه وخلود أدبه، وبيّنوا أثره الكبير على أغلب الكتاب والشعراء والأدباء، فى كل البلاد، وفى كل العصور، وخاصة فى أوروبا والأمريكتين.

    واليوم لا يكاد أىَّ مثقف فى كافة أنحاء المعمورة يجهل اسم شكسبير، فى حين لا يعرف إلا الأقلون اسم بن جونسون، مع أنه لو أُجرى استطلاع للرأى حال حياتهما، لأجمع الناس على اسم بن جونسون، ولما ذكر أحد اسم شكسبير.

    ويعمل الحقد والحسد عمله فى المجال الفكرى والأدبى والفنى، إذ يحرص من لهم طبيعة العقرب التى تفرغ السم فى جسدها إن لم تجد من تفرغ فيه السم، بغير عداوة أو خصومة بينهما، كما يعمل من لهم طبيعة الحرباء المتقلبة مع كل ظرف والمتلوّنة بكل لون، يعمل هؤلاء وهؤلاء على تشويه أعمال من هم أفضل منهم وأكثر رصانة وعلما، أو اغتيال شخصياتهم (Character Assassination) بالزور الباطل، حتى لا يأخذوا وضعهم الحقيقى فى عصرهم، ولربما تساعدهم فى ذلك ظروف سياسية أو طرائق مكائدية، لكن مع مرور الوقت وسكون عواصف الحقد ورياح التشوية، يعود كل إلى أصله، ويتألق العمل الصحيح وصاحبه، وإن تراخى فترة قد لا تضعه فى الصدارة فى حينه. فعندما وضع بيتهوفن (1770-1837) سيمفونيتة السادسة، المسماة بالباستورال (pastoral) أى الريفية، هاج عليه بعض الحاقدين والحاسدين (من العقارب والحرابى: جمع حرباء) فحطوا وقللوا من شأن هذه السيمفونية، فى حين أنهم مدحوا وهللوا لسيمفونية باستورالية (ريفية) وضعها آنذاك موسيقى معاصر لبيتهوفين. ومع مرور الزمن، عفت الأيام على سيمفونية هذا الموسيقى المغمور وبقيت سيمفونية بيتهوفين أثرا خالدا شامخا يؤكد عظمته ويوطد عبقريته.

    كانت كل هذه المعانى فى ذهنى عندما اعتذرت من عدم إبداء الرأى، لعلمى أنى سوف أكون فيما أبدى واحدا مفردا، يبدو غير واضح وغير مفهوم.

    فالحق وسط الباطل يبدو غريبا، والصّح بين الخطأ يلوح نشازا.

    وعندما اعتذرت من عدم إبداء الرأى لم يرتح صاحبى، وظن أنها وسيلة منى لعدم التعاون معه، فراح يعاتبنى بمرارة.لكنى أخذت الأمر ببساطة ولم أرَ فى الكلام العابر إساءة، بقدر ما رأيت أن موقفى فى حاجة إلى إيضاح.

    بعد فترة وجيزة، ظهرت استطلاعات الرأى فى العالم الخارجى، على النحو الذى سلف بيانه، وكان فى ذلك مناسبة لأن نعاود الحديث، وفيه وضح لصاحبى ما لم يكن واضحا له.

    قال: لم أتصور الأمر على هذا المفهوم أبدا؟ قلت: ولا تصوره كل من استطلعتم آراءهم!

    قال: ما هو السبب فى ذلك؟

    قلت: إننا بكل أسف لا نضع تعريفا لأى كلمة نستعملها، ولا نتخذ بياناً لأى موضوع نتحدث عنه أو نكتب فيه، وإنما تجرى الأمور عندنا على السداح المداح، بلا أى تعريف ولا أى تحديد ولا أى بيان علمى ولا أى تقدير حاسم.

    قال: لهذا يكون الحديث بيننا على الدوام مضطربا ويكون الكلام مختلطا.

    قلت: كما يقال فى علم النفس عن الطفل. فالطفل، ومن لم يشب عن عقلية الطفل أو ينضج عنها، يظل على الدوام قاصر الفهم عليل النفس، يعبر عن أى شىء بأى لفظ، ولا يستطيع من يسمعه أن يدرك حقيقة ما يعنى إلا بجهد جهيد، وربما لا يستطيع إدراك الحقيقة أبداً، فيجرى الحديث بينهما وهو متفاصل غير متواصل، هو ما نقول إنه حديث الطرشان، هذا يقول ما لا يسمعه الآخر، وهذا يرد على ما لم يقله الأول، وهكذا.

    قال: كيف يكون هذا حالنا، ثم نستمر عليه فلا يوضحه أحد ولا يحلله كاتب؟

    قلت: إن وسائل الإعلام ساهمت وتساهم فى ترسيخ هذا الوضع الباطل، لأنها تحولت إلى مجرد ترفيه ومحض إعلان.

    قال: وما هو الدور الذى ينبغى أن يتجه إليه الإعلام؟

    قلت: دور تربوى بلا شك، بحيث لا يقوم الإعلام على ترويج التفاهة وتشييع الجهالة، وإنما يعمل من خلال خطة واضحة على أن يرسخ فى المفهوم العام ضرورة تحديد الألفاظ وتحليل المعانى ولكى يكون كل ما نقول واضحا محددا ويكون حديثنا عن بينة ونور.

    قال: الإعلام يركز على شخصيات بذاتها تزّيف الوعى وتحرّف الفهم.

    قلت: هذا هو ما يحدث بالفعل، فعندما يركز الإعلام سنوات طويلة على شخصية شائهة تفاهة، فإنه ينقل الشياهة والتفاهة إلى كل بيت، بل ويزرعها فى كل عقل، ومع الأيام تتشكل العقول وتتحدد القيم من هذه التفاهة وتلك الشياهة، فتختار ومثلها العليا على أساس هذه القيم الفاسدة، وتختل المعايير فى المجتمع كما تضطرب الموازين فى أى حكم وأى تقدير.

    قال: وذلك شبيه بمن يقدم طعاما رديئا فى كل وقت إلى بعض الناس، فإذا بأذواقهم تتحدد من هذه الرداءة، ولا يستسيغون من بعد أى طعام جيد أو أىّ شراب ممتاز.

    قلت: ذلك مثل مادى واضح، يقرّب إلى الفهم ما يحدث لعقول الناس ومفاهيمهم وأذواقهم عندما تعتاد على سماع الغث ورؤية التهريج، فتتشكل قيمهم من الهرج والتهريج وتتحدد مثلهم بالغثو والغثاثة.

    قال: ولماذا يحدث ذلك أصلاً؟

    قلت: ربما توجد أهداف خفية وراء ذلك، أو توجد رغبة فى دغدغة مشاعر الناس وتفتيت عقولهم بتقديم التافه والشائه، والإلحاح عليهما حتى تضطرب المشاعر وتختلط العقول، فيسهل قياد الناس بعد أن يصيروا إمّعات فقدوا ملكة التقدير الصائب والتحليل السليم والحكم الصحيح.

    قال: وينتهى الأمر إلى ألاّ يستطيع الناس تمييز الحق من الباطل، أو تحديد العظيم من التافه!

    قلت: لا يقّدر العظيم إلا عظيم مثله، أو مجتمع تشيع فيه معانى العظمة الحقيقية وتغلب عليه مفاهيم المُثُل الصحيحة.

    قال: لقد كنت أعتقد، كما يعتقد غيرى، أن المشهور عظيم، وأن العظمة شهرة.

    قلت: هذا خطأ كبير، فالشهرة قد تكون لمجرم أو آثم أو مهرج أو تافه؟ لكن العظمة حال داخلى لبعض الناس، يتجلى فى أفعالهم وأقوالهم، ويتبدى فى تصرفاتهم وتلفّتاتهم. إنه أمر يُفطر البعض عليه ولا يمكن اكتسابه، والمفطور على العظمة ينأى دائما عن الإعلان عن نفسه بتدنيات صغيرة، ويرفض أبداً أن يترك عمله ليجرى فى مسارات العلاقات العامة، يطبّل لهذا ويرمز لذاك، ويجعل خده مداسا لمن يرفع، ويحول قلمه خادما لمن يدفع.

    قال: للأسف الشديد، فإن النجاح فى مجتمعاتنا يحتاج إلى قدر كبير من العلاقات العامة.

    قلت: وهذا مما يُبدد وقت المرء، للجرى وراء هذا أو ذاك، ولا يترك له الوقت الكافى للتثقيف والتهذيب، حتى يصبح شخصية سوية، تعرف الفارق بين العظمة والشهرة، وتحدد الأمور بين العاطفة والعقل.

    قال: كما قلتّ وتقول فإننا شعوب عاطفية.

    قلت: لا بأس بالعاطفة على ألا تغلب العقل وتطمس الصواب، هذا إلى أن الثقافة العميقة العريضة، تلجّم هَوس العواطف وترشد هوج البدائية، لذلك فإن العواطف الجامحة مرحلة بدائية للشعوب وللأفراد، لابد أن يتجاوزوها، بالتثقيف المتوالى والتهذيب المتصل، حتى يحدث التوازن بين العقل والعاطفة، بين الفهم والحب بين الفكر والمشاعر.

    قال: إن الحديث ذو شجون، وقد تعلمت منه أننا نصدر فى تصرفاتنا بغير معايير محددة، ودون موازين مقّدرة.

    قلت: وأول خطوة فى طريق النجاح وسبيل التحضر أن نتعلم وضع المعايير الصحيحة لكل قول، ونصب الموازين الدقيقة لكل فعل.

    قال: هذه ما أتمناه.

    قلت: وهذا ما أدعو إليه.




    القاهرة

    ندوس على الجرح ....................... ونواصل .


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •