السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام في واتا , الإخوة المتدخلين في هذا المسرد , الأخ هلال الفارع بصفة خاصة
لندعوا الله جميعا أن يغلّبنا على النفس ويمكننا من كبح جماح الغضب الذي هو من فيح الشيطان , فقد
روي عن ذي القرنين أنه لقي ملكاً من الملائكة فقال: (علمني علماً أزدد به إيماناً، قال: لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرُدّ الغضب بالكظم، وسكّنه بالتؤدة، وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظّك وكن سهلاً ليّناً للقريب والبعيد، ولا تكن جبّاراً عنيداً).
أتمنى أن تكون حدة الغضب لدى بعض الإخوة قد تناقصت وتقلصت وأن تكون كل الجهود متجهة الآن صوب وقف هذا النزيف من الأفعال .. والأفعال المضادة والتي ماكنا لنشهد حصولها لوحكمنا العقل , ودفعنا بالتي هي أحسن , والتمسنا لبعضنا البعض
عذرا , وكظمنا الغيض , وعلى كل حال وبقدر أسفي وانزعاجي لما حصل في واتا عموما , وفي هذا المتصفح على وجه الخصوص فإنني مازلت أرى أنه بالإمكان إنقاذ مايمكن إنقاذه هذا إن لم أقل إعادة الأمور الى وضعها الطبيعي فليس ثمة مستحيل
إذاما توفرت النية الصادقة والإرادة البنّاءة وتجنبنا دروب التعنّت والإستفراد بالرأي وممارسة سياسة " كسرالأنوف " التي هي أبعد ماتكون عن الممارسة الموضوعية والمسؤولة .
فالواقع ومتطلباته يطرح علينا جميعا أن نتجاوز هذا الفهم الضيّق الذي لا يحل مشكلة ولا يبني مستقبلا , ومن هنا أوجه دعوة الى كل الاخوة الذين يهمهم بقاء هذا الصرح مشعا ومتماسكا كما عهدناه دائما الى التجاوز عن كل ماهو ذاتي وخاص وضيّق
الأفق الى ماهو أشمل وأهم وأبقى , وأعتقد أن مراجعة الأخطاء ونقد الممارسة لا يعني ضعفا ولا يمثل إنتقاصا من قيمة أحد , بل العكس هو الصحيح فالذي يبادر بتصحيح الأخطاء والتعلم من الدروس المستفادة هو الأجدر بالإحترام وهو الأكثر كفاءة
وقدرة على المواصلة والبناء .
إخوتي الأعزاء أعذروني كوني لا أتدرجّ بالرد على كل مداخلة على حده , وذلك لشدة تداخل بعضها واتسامها بنسق واحد من الفعل الغاضب , وردّ الفعل الأشدّ غضبا وانفعالا , وإن كنت أرى في ذلك هدر كبير للطاقات والإمكانيات الا أني مازلت
متفائلة بخصوص تصحيح هذا المسار والتوقف عن كل ممارسة من شأنها أن تزيد الأجواء تلبدا والعجلة تعطّلا والنفوس إحتداما وغضبا , ولننظر الى ماقدمته واتا من عطاء إيجابي وعلى إمتداد ثماني سنوات مجبولة ومعمّدة بالعرق والتعب والبذل والتضحيات ونبني عليه , ولنعترف جميعا وبدون تكبر أو مكابرة أو إستفزاز أو تزلف أو تنكرللجهود أن واتا إستطاعت أن تخلق المعادلة الصعبة في كثير من مفاصل هذا الواقع الذي نحياه , وتحرك كثير من المياه الراكدة التى للأسف تعوّدنا في أحيان
كثيرة على التماهي مع ما ينبعث منها من عفونة دون أن نحرك ساكنا الى درجة أصبنا فيها بالإختناق والإنزكام . ولسائل أن يسأل هنا هل تخطّت واتا في رسالتها الحضارية " "الخطوط الحمراء المزعومة " ؟
- إن الحديث في قضايا وطننا ومشكلات واقعنا هو واجب كل إنسان عاقل سويّ يحمل همّ هذا الوطن ومعاناة الإنسان فيه , وإن كان لا يملك تنفيذا لحلول تلك المشكلات .
نعم , فنحن لسنا مطالبين بذلك ولا نملك أن ننفذ تلك الحلول في الواقع , ولكننا نملك أن نشخص الداء وهذا في حدّ ذاته يمثل نصف الطريق الى العلاج وهذا ما قمنا به ووقفنا عنده في قضية الحال , وبقطع النظر عن ما رافق ذلك من خروج عن
السياق في بعض المداخلات وهوما لم نكن نتمناه أو نحبذه , فإن ذلك يعتبر أمر وارد في مواضيع تطرح من هذا الحجم ونرى ذلك يحدث حتى في أعتى (قلاع الديمقراطية .. وفي حصون البرلمانات ) يقع الإختلاف و تتمّ المشّادّات الكلامية والإنقسام
بين مؤيد ومعارض , ولا يمثل ذلك كله نهاية العالم أو كتم الأنفاس أوكمّ الكلمة والرأي المخالف .
في واتا تأسست مبادئ , وأرسيت تقاليد لم يسبق لأي موقع أو منتدى فيما عرفت أن تميّز بها وهذا أمر لا يستطيع أن ينكره إلاّ جاحد .
فلماذا كان هذا التميّز ؟
- لأنها إقتربت من هموم الناس وجسّت قضايا الوطن وشرّحت الواقع بما فيه من مشكلات ومتناقضات وكشفت صوره حتى بدت الحقائق عارية تماما !
- تميزت واتا أدبيّا , وتميّزت فكريّا , وتميّزت حضاريّا بعدد منتدياتها وتنوّع الإختصاص فيها , وتميّزت وأشعّت نضاليّا ..نعم أشعّت نضاليّا فكانت ملاذا لصوت المقاومة العربية في وجه الأعداء والعملاء في وقت إمتدّت فيه أيادي
كثيرة داخل أنظمتنا لتخنق هذا الصوت وتتآمر عليه .
وتميزّت أكثر ما تميّزت بأن أتاحت مجالا وفضاءا رحبا للعقول من كل الأرض العربية لتلتقي وتفكّر وتنتج وتبدع وتعبر عن رأيها وتنقد , في الوقت الذي نعيش فيه التشرد والمصادرة والمنع وكمّ الأفواه في بلداننا على الأرض حتى إذا تحدّثنا عن
مجرد قضية غلاء في رغيف الخبز .
- واتا وحّدتنا معرفة وهموما , وألغت الحدود والحواجز بين أبناء الوطن جميعا , حتّى لكأننا نعيش في منزل واحد أبوابه مفتوحة للجميع كلّ هذا وواتا لم تكن " وكما قال أحد الإخوة " حزبا ولا دولة ولا بوقا لأحد ( ولن تكون بوقا لأحد
في حال بقيت على عهدنا بها ) ولكنها إستطاعت أن تقدّم لأمتنا وقضاياها ما لم تستطيع أن تقدّمه أحزاب وجمعيات عربية كثيرة , وكل الدول العربية ممثلة في جامعتها المعطّلة والتي لم تجرؤ الى حدّ اللحظة على إصدار بيان يدين بناء
جدار العار العازل الذي يحكم على أكثر من مليون ونصف من أبناء غزة الصامدة بالحصار والجوع حتى الموت , فهي على الأقل أتاحت لنا من خلال هذا الفضاء الرقميّ أن نتنفس جرعة أوكسيجين نقية , كنّا ولا زلنا يلاحقنا الإختناق
في وطننا على الأرض و داخل أقفاص التجزئة التي حشرنا بها , واتا وحدّتنا وجعلتنا نلتقي كإخوة بدون أن تصادر حقنا في المواطنة أو تعلّقنا على البوابات والمعابر والحدود , لذلك كله باتت تعيش في وجداننا وأقرب الينا من حبل الوريد
ولا نريد لهذا الشريان أن يقطع لأي سبب من الأسباب , فليس ثمّة مشكلة لا يوجد لها حلّ , وما حصل أخيرا من تداعيات (وبقطع النظر عن بعض المظاهر السلبية التي طبعت بعض تلك الردود ) هو دليل على قيمة هذا الصرح ومدى تأثيره
في الواقع العربي بما فيه من تناقضات , فالمخاضات الكبيرة هي التي تفرز معادن الرجال وتترك بصماتها المتميزة في تاريخ الأمم والتجمّعات الحضارية , وواتا أمة في الفضاء الرقمي حتى وإن أنكرنا ذلك وما هذا التواصل اليومي بل اللحظي
بيننا بالرغم من إختلاف الأمكنة وتباعد المسافات إلاّ أكبر دليل على صحة ما أقول .
ختاما أخوتي الأعزّاء أرجوكم , رجاءا , رجاءا , رجاءا , أن تحكموا العقل في كل ما يحيط بهذا الموضوع من جوانب , وأن تضعوا سيف الحجر في غمده الى غير رجعة وأن نفسح للحوار البنّاء طريقا لرأب الصدع , فلدينا في واتا عقول
وحكماء نثق في حنكتهم و حسن أسلوبهم فالنترك لهم فرصة للعمل , وإني أدعوهم من هنا للمبادرة والتفضّل بطرح ما يرونه مناسبا لتجاوز هذه الأزمة , مع إعتذاري وشكري للجميع .
المفضلات