2 – لماذا موضوع : العنف الرياضي
لم تتناول الأبحاث تصنيف العنف الرياضي , إلا بما يدخل في مجالات العنف الاجتماعي , وكأن السبب مرتبط بكونه واقعيا وليس نظريا , ويمارس في حقل كان أساسا عنفا, يضم التصنيفات النوعية وبصفة خاصة : العنف الجسدي , وما ظهر إلا من أجل العنف وتطوير أساليبه لتجسيد الغلبة والقوة القاهرة . سواء عند اليونان أو الرومان أوالتتارأوالوندال . أو الدول العريقة في القدم . في الحاضرة أو البادية . ولن أتردد في أن أشاطر هذا الطرح لو كان القصد من الرياضة في زماننا هذا . هو نفسه الغرض منها آنذاك . ففي مثل تلك الحال كان العنف أحد الدعائم التي تقوم عليها الممارسة , والتي تكرم من كان أعنف . وأشد صلابة وخشونة . بل تؤسس المعنفة في هذا البلد أو ذاك – ليكون الجمهور العنيف بدوره – شاهدا على مستوى تطورأساليب العنف . وبعد أن جاءت دعوة الفرنسي " شوبرتان " سنة 1894م لإيجاد ميدان آخر للأوربيين , من أجل التلاقي خارج ساحات الاقتتال , تلاقيا سلميا يجلب إليه الجمهور ويمنح لقب نجوم رياضيين , فتصبح بطولاتهم بديلا عن بطولات زعماء الحروب . أما ونحن في زمن اختفت فيه القوة الجسدية لقهر الأجساد الأخرى . بشرية كانت أو حيوانية . وحل العلم والاختراع والتكنولوجيا المتطوة كقوة متحكمة رادعة.فإن الممارسة الريا ضية أخذت أبعادا إنسانية تحمي الجسد والنفس , وتقوم الاعوجاج , وتقرب من شقة التباعد والتنافر بين الأشخاص , وبين الشعوب , وتروض الحيوان ليخدم الإنسان ويخدمه الإنسان , وأصبحت من جهة أخرى مصدر تنمية اقتصادية ,ومصدرتهذيب السلوك – إلى أن وصفت بالتربية البدنية, كما وصفت بالتربية الرياضية في المحافل المهتمة والمتخصصة, ومصدر إبداع ومهارة فنية وكفاءة واقتدار, كما أصبحت ضرورة لتوعية الشباب بالأدوار الطلائعية لحماية أجسامهم وعقولهم من العلل و الأمراض و ليشبوا في مجتمع سليم – له عليهم حقوق . وعليهم إزاءه واجبات – ومن الواجبات احترام القوانين والأعراف والآخر . ومن بينها قوانين وأعراف المما رسات الرياضية . وهذه توشيها وتجملها الأخلاق الرياضية والروح المثاليةالعالية. وما عدا ذلك يعود بالرياضة إلى بذاءتها ويحرمها النكهة التربوية والاستمتاعية. فتغدوعنيفة في التنظيم . عنيفة في الممارسة . عنيفة في الفرجة . عنيفة في بلوغ الغايات
قد يطرح سؤال آخر بنظرة ضيقة . ولماذا موضوع العنف الرياضي في البلاد العربية وعلى لسا ن عربي ؟ بينما هذه البلاد أ قل عنفا , وأقل جرأة , و أقل تنويعا في تجارب الحقل الرياضي ؟ ولعل نصف الجواب يكمن في صياغة السؤال . والنصف الثاني في التشبث بمبدأ أن الوقا ية أفضل من العلاج . فنحن مجبرين على الانفتاح على العالم المتطور لمسايرة ركبه . نعيش مستجداته . وعلينا أن نقتحم ميادينه وأصبح لنا شأن واعتبار في أوساط الرياضة – رغم محد ود يته – فعرفنا العالم ورفعنا عالم بلادنا خفاقا هنا وهناك . ولا زلنا نصحح تلك المفاهيم الخاطئة التي ظلت لوقت قريب . تصفنا بالتخلف والقصور – على الأقل رياضيا -
وبدونا كأمة عربية تخطط وتنفذ . وما نفدناه حالفه بعض النجاح وجانب بعضه الصواب وكي ينطلق ما هو آت من العطاء من منطلق الإقلاع الصحيح , يلزمنا أن نستفيد من أخطائنا ومن أخطاء الآخرين . فلا نبقى سذجا تنطلي علينا لعبة انكسا راتهم أو الارتكاسات التي طالت معظمهم , نأخذ أوزارهم بالتحليل و الدراسة . ونفحص بعض البوادر التي كان مسرحها الميدان الرياضي العربي , ونبحث عن الأسباب فنقتلع جذ ورها مستشهدين بمخلفا تها السلبية , مقترحين أ نجع الحلول وأ نسبها لعلاج ظاهرة هذا العنف أو ذاك . في هذه الرياضة أو تلك
وعلى المستوى الشخصي , كان الباعث في الأصل , رغبة عارمة في التغيير والانتقال إلى رياضة. تبحث عن التقدم , وتقلع عن مسببات العنف, الذي يؤخر ولا يقدم قيد أنملة . ولأن تجاربي في الحياة الرياضية , كانت على صلة بالألم والمتاعب, وآلام وبؤس ومتاعب من كان عرضة لعنف رياضي
وأدركت عن طريق أحزاني الشخصية. أحزان الآخرين ومتاعبهم الرياضية , كما أدركتها من التراكمات المترامية الحية التي جسدتها مكابدات موجعة ومرارات لاذعة , تبقى أقوى مما أكتبه عنها , ولكن وفي لحظات ناد رة تطل الفرحة – حينما تؤثر مقالة بالإيجاب - ترفع معنوية الرياضي المعنف , وتشعر العنيف با لندم
حتى إذا عاد العنف لهذه الرياضة وتلك , وفي هذا البقاع وذاك, أدركني اليقين , أنها ظاهرة عالمية, ولم تعد مجتمعية محدودة, و أن مناقشتها إقليميا ومحليا , تطغى عليها الحالات القارية والدولية. ولا أعتقد أنها وفت الموضوع ما يلزمه , مثلما لا أعتقد أننا سنحيط بخبايا العنف وظواهره جملة . بل نؤكد أننا نقدم أطروحات ونبسط تساؤلات , في عمل وصفي . تفسيري . تاريخي . استشرافي , مخالف – إلى حد ما – للمنهجية الغربية أو التبعية النظرية لها , رغم ما يظهر من تأثير لترسبا ت سلطتها المعرفية , وذلك انطلاقا واعتمادا على معطيات الوسط الرياضي المغربي أولا , فعسا ها وهي – تقف أو تحا ول الوقوف الصحيح – أن تجد من النقد ما يصححها , ومن الدعم ما يغنيها, فلا تظل يتيمة أو وحيدة , بل تعانق أخوات لها , يقومن طريق المسلك الرياضي القويم , و يبرزن سماته ومميزاته,الموشاة بالروح الرياضية العالية , والأخلاق المثالية
محمد التهامي بنيس . 28 أكتوبر 1986