فارما جو – بقلم د. طه خضر
بعيدا عن النظريات والتنظير الذي لا طائل منه، بل والذي لا يجيده إلا أولئك الجالسون
وراء المكاتب , سأبدأ هذا العرض بقضيّة رأيتها بالعين المجردة قبل ما ينوف عن إثنا عشر عاما، أي في عام 1998 لعلّ الزملاء والإخوة الصيادلة القدماء نسبيا يتذكرونها بحذافيرها، وفحواها ما يلي :


في تلك الفترة ولا أذكر الشهر بالضبط تعرّض الصيدلي فاروق ملحس لاعتداء ٍ آثم في صيدليته الكائنة في منطقة وادي النصر نتج عنه إصابته بجروح ٍ قاتلة أدت إلى وفاته، وقد سبق هذا بفترة أيضا تعرض الصيادلة لسلسلة اعتداءات ٍ نتج عنها أيضا أكثر من 3 وفيّات، وبمعزل ٍ عن دور النقابة حينها والذي كان موغلا في سلبيته على كلّ حال , فقد انعقد المجلس العتيد وبعد أخذ ٍ ورد قرر القيام بإضراب ٍ عام ٍ من باب الاحتجاج على ما يتعرض له الصيادلة من اعتداءات ٍ كلفت البعض حياتهم.



ولم نعرف حينها لمن وُجـّه هذا الاحتجاج مع علمنا أن قوات الأمن العام لم تقصـّر في هذا المجال بتاتا، بل ولعلها قبضت على الجاني بسرعة قياسيّة لم نستغرب منها ناهيك عن عدة شهادات من بعض الصيادلة كان يتعرض لهم بعض المدمنين وأرباب السوابق وكانت استجابة النجدة لهم بعد الاتصال بها قياسيّة ومدهشة تجعلنا ننحني احتراما لقاماتهم السامقة، .. المهم .. قــرر المجلس العتيد الإضراب لعدة ساعات، .. حينها وبحكم عملي في الدعاية الطبيّة خرجت ُ ولم أعلم بخبر الإضراب وتصادف أن كانت جولتي في المنطقة الممتدة من جبل عمان الدوار الأوّل وشارع الرينبو وانتهاء بالدوار الثامن، .. وإليكم ما رأيتُ بمختصر ٍ مفيد :

مررتُ بالصيدليّة الأولى ووجدت ُ الصيدلانيّة تقف على باب مؤسستها وقد أغلقتها وعندما فهمتُ منها الطابق تفاءلت ُ خيرا وقلتُ في سرّي يد الله مع الجماعة، وحتى لا نطيل بالسيرة المضحكة المبكية أكملتُ جولتي وبعد أن انتهيت منها أجريت جردة حساب سريعة لأخرج بنتيجة 3 – 12 والثلاثة اليتيمة هنا تعني مجموع الصيدليات التي التزمت بالإضراب على قـِصـَره الذي لم يتجاوز الساعتين، أما الرقم 12 فهو وبكل بساطة الباقية المتبقيّة التي تحججت بأنه لا علم لها بالإضراب أو أنه لن يؤدي إلى نتيجة، أو أن النقابة ومجلسها العتيد لن يقوم بدفع الشيكات المترتبة على الصيدلاني فيما لو أغلق صيدليته، أما أطرف الإجابات والتي جعلتني في حيرة ٍ من أمري أأضحك أم أبكي فهو أن أحد الأخوة الصيادلة فض الله فاه قالها لي وبالفم الملآن :" هي فرصة لن تـُعوّض ،، كل الصيدليات مغلقة وسيرتفع بيعي بالتأكيد "!!

انتهى سرد القصة، ولن أعلق عليها؛ فهي تتكلم عن نفسها وتشرح حالها من حالها!!

من سقط الكلام هنا توجيه اللوم أو النقد للنقابة وحصره بها وكأن الصيادلة بالبراءة المطلقة من كل عيب، ولكي نكون على شيء ٍ من المنطق لا بد من توجيه الأصابع بذات القدر إلى أبناء المهنة وأعمدتها، وسأسمح لنفسي بذلك ولا أنتظر من أحد الأخوة أو الزملاء أن يتصدر ليقول لي وما شأنك أنت فأهل مكة وأصحاب الصيدليات أدرى بشعابهم، بل لعلي وبحكم التصاقي بهذه المهنة لأكثر من 18 عاما تجعلني أعرف الناس بكل ما فيها من مشاكل وتناقضات وغرائب وعجائب يقطع أي إنسان ٍ بعدها أن الصيادلة مقذوفين بحجر ٍ بلغ من الحجم ِ ما إن لو حط على جبل ٍ أصم ٍ لانهار بالتوّ ِ ربْدُه!!

إن الناظر إلى المنشاة الصيدلانيّة عن كثب أو المُتـَعامل معها وخصوصا في مجالات البيع والشراء، بل والذي يعرف بمعادلات هوامش الربح والقطع المجانيّة والشيكات الآجلة التي قد يمتد بعضها لأكثر من 7 أشهر لن يلومه أحد فيما لو ظن أو وراء َ كل صاحب صيدليّة عدة عمارات، بل وأن حساباته تنوء بها البنوك، ولا نلومه في ذلك أبدا إن أخذنا بعين الاعتبار أن كل بقال ٍ أو جزار ٍ أو صاحب محل ملابس أو صاحب أية مصلحة أو منشأة صغيرة أخرى لا يدفع إلا نقدا ولا يتقاضى إلى هوامشَ ربح ٍ بسيطة ٍ جدا وبعضها لا يكاد يُذكر ومقابل ذلك يفتح أصحاب هذه المصالح بيوت ويعيشون في بحبوحة تضمن لهم حدا لا بأس به من الرفاهية يوازي ذلك وفي الجانب الآخر أصحاب الصيدليات وعلى ما يتمتعون به من مزايا بالكاد يستطيع أحدهم أن يوفر الحد الأدنى من معيشته إلا إن كان له باب رزق ٍ آخر ٍ يسد به ما انفتق من رقاع ٍ لا تفي مصلحته الأصليّة بحدها الأدنى!!

إذا ...

القضيّة هنا ليست قضيّة حظ أغبر، أو نحس ملازم، أو حتى عمل دُبـّر َ في ليل ٍ ديجوري ٍ مظلم، .. القضيّة هنا وبحسبة عقلانيّة بسيطة توحي بوجود ِ خلل ٍ لم يتم اكتشافه إلى الآن، .. خلل لا يجب أن يكون إن أخذنا بالاعتبار المعطيات المتوفرة عندنا من عمل ٍ منظم ٍ ومضبوط ٍ بقوانين َ صارمة ٍ وبعمل ٍ نقابي ٍ من المفترض به أن يكونَ ضابطا للمهنة وأصولها وأصول التنافس فيها!!

الأخوة والسادة والزملاء،، هذه هي مشكلتكم، وهذا عرضها بكل بساطة وبوضوح ٍ يوازيه وضوح شمس ٍ في نهار ِ هاجرة ٍ يقطعُ حرها ظهر العضاية، .. بل وأقول هذه هي كل المشكلة وبكل تفاصيلها، .. أما حلها أو السبيل إليه فللأمانة وبكل وضوح ٍ أيضا لم أجد لها من حل!!

http://www.pharmajo.com/news/4/2059-...-00-54-19.html