رسـالة مفتوحة الى الدكتور عامر العظم / هذه قصتي بين ماض من الزمان وآت!
المبجل الدكتور عامرالعظم
منذ ان انهيت دراستي الثانوية في الأعدادية المركزية في بغداد بعد ان لنهيت المرحلة المتوسطة في ثانوية الكرخ, كان المناخ السياسي في ذروته,.. والصراع بين العديد من الأصدقاء ولد عندي كراهية الأنتماء لأي حزب!
واحببت الأدب وتنورت بالثقافة المصرية وقرأت بنهم كل ما كان يرد الى مكتبات العراق من مجلات وكتب لفطاحل ادباء تلك الحقبة من الزمن مثل طه حسين والعقاد واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي والدكاترة زكي مبارك (كما كان يطلق على نفسه), ولذا لم تكن لي رغبة بالأنتماء او التحيز لأي تجمع اوحزب على الساحة العراقية آنذاك, ولهذه الأسباب او غيرها كنت اتجنب كل ما له علاقة بالسياسة !..ليس بسبب جهلي لأطروحاتها بل لعدم تقبل اي فئة للأخرى ,.. مدعية الكمال في منهجها لأنقاذ الشعب العراقي وجعله في مصاف الدول المتقدمة!
قدمت من الشطرة الى بغداد سنة 1948 لأكمل الدراسة المتوسطة في ثانوية الكرخ, لعدم وجود متوسطة في الشطرة, وشاركت في مظاهرة واقعة الجسر الشهيرة ,حيث قادنا المرحوم الشاعر شفيق الكمالي الذي كان طالباً في السنة الخامسة ثانوي , وقد كتبت عن تلك الفترة في مسلسل الدكتور صابر الذي نـشرته " واتا الغراء ",.. ولا ارغب في اعادة ماكتبته,واوجز كلامي بأنني تعايشت مع كل النظم التي حكمت بغداد منذ العهد الملكي ولغاية احتلال بغداد ,..ولم ينتابني اي أذى من تلك النظم البته !... وقد كتبت حول تلك الفترة كتابين بالعربي والأنكليزي بعنوان :
Denominationalism in IRAQ from the Royal Era until occupation of Baghdad
وهما يطلبان العون لطبعها , لأن اكرام الميت دفنه واكرام الكتاب طبعه , وقد راسلت الأخ ابو طه بناءً على اقتراح من الدكتور عامر العظم الذي نشر اعلان الناشر ابو طه , وفوراً ارسل رسالة يتعهد بموجبها بطبع كافة كتبي العلمية والأدبية,( في ادناه صورة من تعهده), ونفذت كل ما طلبه, وتركت تحديد العقد وفق معيارعمله,واستمرت المراسلات لمدة اسبوع ,..ولكن ومن دون سابق انذاراختفى ابو طه !... ورحت ارسل المزيد من الرسائل طالباً منه اعلامي عما حدث؟.. وانني اطمع بصداقته من دون النظر لطبع اوعدم طبع كتبي ,كما قال الدكتور طه حسين:
" لا تعدني بشيئ غير قادر على تنفيذه"
..وانا اضيف واهمس بأذنه لماذا لا تعتذر,..وهل من اللياقة ألتزام الصمت؟... كصمت ابو الهول!
تعمدت ان اكتب لكم عما دار بيني وبين ابو طه الذي نشرت له اعلاناً في واتا الغراء لتكون على علم بالذي عمله معي ,.. وهل سينفذ ما تعهد به ام انه غير رأيه ,..وانتظار الخبر أسـوء من وقوعه!
***
أعود الى اطروحتكم حول ما يمكن عمله في امريكا , واستميحكم عذراً لرغبتي بسرد الحياة التي عشتها في موسكو للمقارنة وليس للدعاية للحزب الشيوعي حيث انتهى على يد الرفيق كرباتشوف حينما اعلن البريسترويكا !
عشت في موسكو في حقبة الأتحاد السوفيتي (سابقاً), ستة سنوات وقد كتبت عن ذلك في احدى حلقات الدكتور صابر,..ولا اريد ان ابالغ ان الفرق بين الحياة الأجتماعية في روسيا آنذاك وبين الحياة في امريكا القرن 21 شاسع ,
فقد كنا نختلط مع العوائل الروسية وهم سعداء بالتعرف على اي اجنبي وبالخصوص العرب , وقد يتبادر للذهن ان الوضع الأقتصادي قد يكون هو العامل الذي يدفع البعض للهرولة خلف الأجنبي ,..فأقول نعم قد تكون هناك شريحة من هذا النوع , الا ان التي تداهمها شرطة الأخلاق ,..ويحلق رأسها وتهجرالى سبريا لمدة معينة,.. ان الدولة لا تمانع من عقد علاقات مع ابناء مجتمعها الا انها تمنع النساء الممتهنات بأقدم مهنة في التاريخ التجول في الساحات العامة ,..ولا ادري الوضع الآن,..فقد قيل لي انه صار مشابه لما هو عليه في الدول الأوربية وامريكا!
هذه المقدمة للحياة التي عشتها في الستينات في موسكو , وكان الفرد الروسي يعرف عن تاريخنا او آدابنا اكثر مما نعرف! ..ونسمع الأغاني العربية من مطربين عرب ومن مطربات روسيات يجدن اللغة العربية,..واما اذا ما دعوت لزيارة عائلة فسوف تشعر بالكرم العربي الحقيقي , واذا ما ارتبط الفرد بأي علاقة عاطفية مع صبية فستقدمه لأسرتها ويكون ذلك الشخص الأبن المدلل لتلك الأسرة !... والخطيبة بمثابة زوجة لحين توفرظروف الزواج لكلا الطرفين!
اما في امريكا ومنذ وصولي قبل خمسة سنوات وحصولي على الجنسيةالأمريكية ,..فأنني اشعر بالغربة او قل انني اعيش بهدوء يشبه هدوء المقابر! .. فبالرغم من ايماني بقول الأمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه , حيث قال:
" الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة"
والمقصود بالغـنى هنا الحصول على العيش الكريم , ولكن في امريكا, ما من احد يقتنع بما هو عليه, والكل يهرول من أجل المـزيد, حتى لو بلغت ثروته الملايين, ولا يرغبون بالتعارف الا بمن هو في مستواهم في الفكر والعمل !!
كما ان الثقافة الرسمية تضع لهم الخطوط الحمراء عند تعرفهم بشخص ما,..قيجب ان لا يـسأل عن عرقه ولا عن عمله ولا عن تاريخ ميلاده او هل هو متزوج او اعزب !
وهنا اتذكر السنين التي عشتها في تونس , حيث كنت استخدم ( التاكسي) في تنقلاتي,..وما من مرة لم يسألني السائق,..شكون انتي ؟..اي من اي بلد انت,.. ثم ( كما يقال بالشامي) , سيره وأنفتحت !... وما ان يعرف بأني عراقي حتى يسأل ان كنت من الشمال أم من الجنوب؟.. فأفهم قصده واقول له أنا شيعي , وابدأ اشرح له المفاهيم التي زرعت في اد مغة بعض الناس في البلدان العربية حول اسباب النعرة الطائفية في العراق بعد احتلال بغداد الى ان يدبً عندي الملل واردد ما قاله الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي : " ومللت حتى مما لا يمل "!
وفي احدى المرات سألني احد سواق التاكسي , نفس السؤال فقلت له : انني من الهند !.. فاستغرب وقال : ولكنك تتكلم عربي!..فقلت : ولماذا لا,. فأن المطرب المصري سـيد مكاوي قال: ( الأرض بـتـتـكلم عربي !) , ..فسكت برهة وعاد وسأل : وماذا تفعل هنا ؟..فقلت له : انا تاجر خيل وحمير!..فأصيب بالدهشة وتمعن في وجهي جيداً ..وكان ذكياً وحدس قصدي وقال: الحمد لله الحمير متوفرة في كل الأقطار العربية ! .. وابتسمت له,... ورحنا نتحث بصراحة!
الجالية العربية هنا متكونة من سـبعة عوائل عراقية وعدد كبير من العوائل الفلسطينية , ولن يجمعنا لقاء عام الا في المسجد ايام الجمعة والعياد الدينية ,..وهناك علاقات عائلية وطيدة ثنائية او ثلاثية بين ابناء القطر الواحد, تتبادل الزيارات بمناسبات معينة ,..ولا توجد خلافات سياسية , والكل يردد ماتذيعه الفضائيات العربية والقنوات الأمريكية!
وطيلة هذه السنوات لم ألمس علاقات حميمة بين عوائل عربية مع عوائل امريكية, بالرغم من ان الكل يعرف ان جميع سكان امريكا هم من الجاليات التي هاجرت اوهجرت من اوطانها منذ سنين , وما فيش حًد احسن من حًد !
ما من احد من الذين من حولي من افراد عائلتي وعوائل اخوالهم وعوائل زوجاتهم العراقية لا يشكون من قلة الوقت, و90% من التواصل يتم عن طريق التلفون او تبادل الرسائل الألكترونية !..وحتى المقالات التي تنشرها واتا الغراء اوزعها على كل المعارف بواسطة مواقعهم في الكمبيوتر,.. ومنهم من يعلق ومنهم من يلتزم الصمت لأنه متعب!
لا اريد الأطناب والدخول في جوهر الحياة هنا, وبأيجاز انني لم اشعر بوجود حكومة تحكم البلد , فكل شيئ تعمله من خلال التلفون , وكل عائلة تملك سيارة او اكئر وفي المدينة التي اعيش بها لا ترى من يمشي او يعبر الشارع الا ماندر ,..ولولا اشتراكي بمعهد رياضي ازاول فيه الرياضة بمعدل ثلاثة ساعات يومياً لنسيت المشي !
آمل ان تجد الوفت وبأقل من علىمهلك لمعرفة التغير الذي طرأ على الأستاذ طلعت مع خالص شكري لأهتمامكم.
ملاجظة / سعيكم وراء معرفة اختفاء كتبي الثلاثة في ليبيا لم يثمر لحد الآن فقد عادوا للصمت الرهيب ثانية!
في ادناه الرسالة التي بعثها الأستاذ طلعت , ونفذت طلباته ثم اصابه فايروس الصمت ,..فما العمل؟
الاخ الدكتور جعفر حفظه الله ورعاةانا على استعداد لطباعة كل كتبك سواء التى تختص بالكيمياء او الادبية ارجو ارسال عناوين هذة الكتب حتى نتفق على طباعتهالك احترامى وتقديرىطلعت ابو طة Kind RegardsTalaat Abu TahaGeneral ManagerUniversity Book HouseP.O.Box: 16983Al-Ain, United Arab Emirates.
المفضلات