المديح في الشعر العربي ...
بسط شعر المديح سلطانه على الشعر العربي منذ امرئ القيس وصولاً الى الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي امضى ما لا يقل عن نصف قرن في حياته محسوباً على اليسار وعلى الحزب الشيوعي العراقي بالذات.
وينهض هذا دليلاً على ان الترف والتكسب ليسا وحدهما دافع الشاعر العربي الى نظم قصيدة المديح هذه , وانما هناك اسباب اخرى كثيرة
والواقع ان من يدقق في الاسباب والعوامل التي انتجت شعر المديح الذي طرقه الشعراء العرب بكثرة لوجدها في طبيعة الحياة الاجتماعية قبل سواها.
فهناك حاكم يسعى اليه القوم جميعاً بمن فيهم الشعراء ومنذ وجد هذا الحاكم اعتاد الشعراء ان يتحفوه بشعرهم فهي عادة إذن. وليس لزاماً ان يكون وراء هذه العادة تزلف او تكسب فكثيراً ما اقترح شعر المديح بشعر الحماسة كما كان يسمى قديماً او بالشعر الوطني كما يسمى حديثاً. وكثيراً ما مثل الحاكم قيما وفضائل وجد فيها الشعراء قيم الامة فتغنوا بها وهذا ما نلحظه بوضوح ما بعده وضوح في الشعر الجاهلي وفي مراحل اخرى في الشعر العربي، منها قصائد المتنبي في سيف الدولة التي كان في دوافعها الاساسية اعجاب المتنبي بخصال هذا الامير ذي النزعة العروبية التي كانت نزعة الشاعر ايضاً.
ومن الظلم تجاه سيرة سيف الدولة وشاعره بناء العلاقة التي قامت بينهما على انها علاقة ارتزاق لا اكثر او لا غير فلا شك ان المال كان عنصراً من عناصر هذة العلاقة ولكن العنصر الاقوى فيها لم يكن المال ابداً.
فالشاعر الذي كان مهموماً بقضية امته وجد في هذا الامير ما يجده كثيرون اليوم في هذا الحاكم او ذاك ما يلبي طموحاتهم او ما يعلقون عليه الآمال.
على ان اسطح دليل على نفوذ قصيدة المديح في الشعر العربي ودخولها في نسيج الحياة العربية العامة هو ان كل الشعراء العرب القدامى ونكاد نقول المحدثين والى اية فئة او جماعة انتموا قد كتبوها
فكما كتبها المتنبي الذي لم يكن يجد فوق نفسه من مزيد كتبها ايضاً شعراء بلا حصر من طبقته.
كتبها ابو العلاء المعري كما كتبها البحتري وابو تمام والشريف الرضي
وفي زماننا كتب مثل هذه القصيدة شعراء كبار على مدار القرن العشرين يتوزعون على مدارس شعرية واجتماعية مختلفة، فكان ممن كتبوها شوقي وحافظ ومطران والزهاوي والرصافي والاخطل الصغير وبدوي الجبل وعمر ابو ريشة وصولاً الى بدر شاكر السياب امام الشعر الحديث الذي كتب قصائد مدح كثيرة في مواقف وشخصيات لا التقاء فيما بينها.
فقد مدح عبدالكريم قاسم الذي كاد يغزو الكويت كما مدح امير الكويت عبدالله السالم الصباح.
وعلى غرار بدر كتب شعراء محدثون قصائد مدح في عدد من الزعماء والحكام.
فأدونيس مدح زعيمه انطون سعادة مراراً ورثاه في قصائد كثيرة جاءت اقرب الى المدح منها الى اي شيء اخر.
منقول
المفضلات