لسانيات النص من البنية الصغرى إلى االبنية الكلية
الكاتب: بن يحيى الطاهر ناعوس
09/06/2009


تهتم الدراسات اللسانية الحديثة و المعاصرة بالبنيات المشكلة للنص الأدبي بشتى تمظهراته اهتماما كبيرا يجعل من النص فضاء رحبا يتقبل جميع النظريات اللسانية و البلاغية التي تحاول الوقوف على أسرار التأثير و الجمال داخل النص او الخطاب.
و من هنا فإننا سنحاول الوقوف على أهم النقلات الدراسية التي مرت بها الدراسات اللسانية الحديثة،انطلاقا من حدود البنيـة اللغويـة الصغرى-الجملة- إلى بنية لغوية أكبر منها في التحليل هي النص،حيث نظرت هذه الدراسات إلى النص نظرة متكاملة و باعتباره بنية متماسكة و منسجمة تشكل الوسيلة الساسية للتواصل بين المرسل"الناص" و المرسل إليه"المتلقي".
فلا يمكن بتر هذا البناء المتكامل في جملة من اللبنات المتناثرة بل لا بد من النظر إليه نظرة متكاملة ،ليتسنى فهم الرسالة المخبوءة في طيات هذا الخطاب، ولهذا "عُدّ علم النص في رأيهم تطويراً وتوسيعاً لعلم لغة الجملة الذي شُغل به البنائيون الأمريكان منذ بلومفيلد كما شُغلت به مدرسة تشومسكي في الكفاءة اللغوية التي توصف توليدياً في إطار القدرة على توليد عدد لا متناه من الجمل، وقد استطاع هاريس بمناهجـه النصية المبكرة والمبتكرة التي اعتمدها في كتابه( تحليل الخطاب) تطوير المناهج المتبعة في تحليل الجملة" .
ماهية النص :
و لو حاولنا تتبع ما جاء في قواميس العربية عن كلمة لوجدنا عجبا ،فالنَّصُّ في اللغة هو رفْعُك الشيء. نَصَّ الحديث يَنُصُّه نصّاً: رفَعَه.
وكل ما أُظْهِرَ، فقد نُصَّ.
وقال عمرو بن دينار: ما رأَيت رجلاً أَنَصَّ للحديث من الزُّهْري أَي أَرْفَعَ له وأَسْنَدَ. يقال: نَصَّ الحديث إِلى فلان أَي رفَعَه، وكذلك نصَصْتُه إِليه.
ونَصَّت الظبيةُ جِيدَها: رفَعَتْه. و من هنا نفهم معنى النص الأدبي فهو إسناد الكلام إلى الصبغة الأدبية الفنية ،و قس على ذلك ما شئت من النصوص الأخرى.
وضع الكلمات في بنا ء محكم النسج و السبك هو عرضها للقراءة و الطهور كما جاء في المعاجم العربية القديمة ،وُضِعَ الشيء على المِنَصَّةِ أَي على غاية الفَضِيحة والشهرة والظهور.
والمَنَصَّةُ: ما تُظْهَرُ عليه العروسُ لتُرَى،وقد نَصَّها وانتَصَّت هي، والماشِطةُ تَنْتَصُّ عليها العروسَ فتُقْعِدُها على المِنَصَّة، وهي تَنْتَصُّ عليها لتُرَى من بين النساء.فالنص الأدبي على هذا يرى من بين النصوص و يتميز بجملة من العناصر و الأجزاء إذن فلا قيمة للجملة و هي بمعزل عن النص بأكمله.
وفي حديث عبدالله بن زمعة: أَنه تَزَوَّج بنتَ السائب فلما نُصَّت لتُهْدَى إِليه طلَّقها، أَي أُقعِدَت على المِنَصَّة، وهي بالكسر، سريرُ العروسِ، و نفهم من قولهم نَصَّصْت المتاعَ إِذا جعلت بعضه على بعض.كما يجعل الناص الكلام بعضه على بعض في بناء متراص ظاهر وكل شيء أَظْهرْته، فقد نَصَّصْته.
والمِنَصّة: الثياب المُرَفّعة والفرُشُ الموَطَّأَة.
ونصَّ المتاعَ نصّاً: جعلَ بعضه على بعض.
ونَصَّ الدابةَ يَنُصُّها نصّاً: رَفَعَها في السير، وكذلك الناقة.
وفي الحديث: أَن النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، حين دَفَع من عرفات سار العَنَقَ فإِذا وجد فَجْوةً نَصَّ أَي رفَع ناقتَه في السير، وقد نصَّصْت ناقتي: رفَعْتها في السير، وسير نصٌّ ونَصِيصٌ.
وفي الحديث: أَن أُم سلمة قالت لعائشة، رضي اللّه عنهما: ما كنتِ قائلةً لو أَن رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، عارَضَكِ ببعض الفلوات ناصَّةً قَلُوصَك من منهلٍ إِلى آخر؟ أَي رافعةً لها في السير؛ قال أَبو عبيد: النَّصُّ التحريك حتى تستخرج من الناقة أَقصَى سيرها؛ وأَنشد:وتَقْطَعُ الخَرْقَ بسَيْرٍ نَصِّ والنَّصُّ والنَّصِيصُ: السير الشديد والحثُّ، ولهذا قيل: نَصَصْت الشيء رفعته، ومنه مِنَصَّة العروس.
وأَصل النَّصّ أَقصى الشيء وغايتُه، ثم سمي به ضربٌ من السير سريع. ابن الأَعرابي: النَّصُّ الإِسْنادُ إِلى الرئيس الأَكبر، والنَّصُّ التوْقِيفُ، والنصُّ التعيين على شيءٍ ما، ونصُّ الأَمرِ شدتُه؛ قال أَيوب بن عباثة: ولا يَسْتَوي، عند نَصِّ الأُمو رِ، باذِلُ معروفِه والبَخِيل ونَصَّ الرجلَ نصّاً إِذا سأَله عن شيءٍ حتى يستقصي ما عنده.
ونصُّ كلِّ شيءٍ: منتهاه.فالأديب ينص ذاكرته الأدبية ليخرج ما فيها من معان و عبارات حول موضوع ما فكأنه يحركها تحريكا ليحدث التداعي الحر للأفكار و المعاني.
وفي الحديث عن عليّ، رضي اللّه عنه، قال: إِذا بلَغَ النساءُ نَصَّ الحِقاقِ فالعَصَبَةُ أَوْلى، يعني إِذا بلغت غاية الصغر إِلى أَن تدخل في الكبر فالعصبة أَوْلى بها من الأُمِّ، يريد بذلك الإِدراكَ والغاية. قال الأَزهري: النصُّ أَصلُه منتهى الأَشياء ومَبْلغُ أَقْصاها، ومنه قيل: نصَصْتُ الرجلَ إِذا استقصيت مسأَلته عن الشيء حتى تستخرج كل ما عنده، وكذلك النصّ في السير إِنما هو أَقصى ما تقدر عليه الدابة، قال: فنصُّ الحِقاقِ إِنما هو الإِدراكُ، وقال المبرد: نصُّ الحقاق منتهى بلوغ العقل، أَي إِذا بلغت من سِنِّها المبلغَ الذي يصلح أَن تُحاقِقَ وتُخاصم عن نفسها، وهو الحِقاقُ، فعصبتُها أَولى بها من أُمِّها.
ويقال: نَصْنَصْت الشيءَ حركته.
وفي حديث أَبي بكر حين دخل عليه عمر، رضي اللّه عنهما، وهو يُنَصْنِصُ لِسانَه ويقول: هذا أَوْرَدَني المواردَ؛ قال أَبو عبيد: هو بالصاد لا غير، قال: وفيه لغة اُخرى ليست في الحديث نَضْنَضْت، بالضاد.
وروي عن كعب أَنه قال: يقول الجبار احْذَرُوني فإِني لا أُناصُّ عبداً إِلا عذَّبْتُه أَي لا أَستقصي عليه في السؤال والحساب، وهي مفاعلة منه، إِلا عذَّبته.
ونَصَّصَ الرجلُ غريمَه إِذا استقصى عليه.
وفي حديث هرقل: يَنُصُّهم أَي يستخرجُ رأْيهم ويُظْهِرُه؛ ومنه قول الفقهاء: نَصُّ القرآنِ ونَصُّ السنَّة أَي ما دل ظاهرُ لفظهما عليه من الأَحكام. شمر: النَّصْنَصَة والنَّضْنَضَةُ الحركة.
وكل شيءٍ قَلْقَلْتَه، فقد نَصْنَصْته.
والنُّصَّة ما أَقبل على الجبهة من الشعر، والجمع نُصَصٌ ونِصاصٌ.
ونَصَّ الشيءَ: حركه.
ونَصْنَصَ لسانه: حركه كنَضْنَضَه، غير أَن الصاد فيه أَصل وليست بدلاً من ضاد نَضْنَضَه كما زعم قوم، لأَنهما ليستا أُخْتَين فتبدل إِحداهما من صاحبتها.
والنَّصْنَصَةُ تحرُّك البعير إِذا نَهَضَ من الأَرض.
ونَصْنَص البعيرُ: فَحَص بصدره في الأَرض ليبرُك. الليث: النَّصْنَصَة إِثبات البعير ركبتيه في الأَرْض وتحرُّكه إِذا همَّ بالنهوض.
ونَصْنَص البعيرُ: مثل حَصْحَصَ.
ونَصْنَص الرجل في مشيه: اهتز منتصباً.
وانْتَصَّ الشيءُ وانتصب إِذا استوى واستقام؛ قال الراجز: فبات مُنْتَصّاً وما تَكَرْدَسَا وروى أَبو تراب عن بعض الأَعراب: كان حَصِيصُ القومِ ونَصِيصُهم وبَصِيصُهم كذا وكذا أَي عَدَدُهم، بالحاء والنون والباء.

وفي كل ما سبق تبيان بأن النص بناء مركب من جملة من الجمل المتحدة بعضها فوق بعض لرسم صورة أدبية جلية واضحة المعالم و الأطر الفنية المسبوكة سبكا جماليا فنيا ، بعد أن حرك الناص مخيلته الفنية لتدر عليه بالأفكار و المعاني المتتالية لتشكيل رسم فني زيته العاطفة و ريشته الكلمات و ألوانه العبارات ولوحته العقل الواعي المتزن.

الأستاذ: بن يحيى الطاهر ناعوس.