العملية نجحت لكن المريض مات ... م. عماد عبد الحميد الفالوجي


نجح أعداء الشعب الفلسطيني في تحقيق انجاز لهم باغتيال الأخ محمود عبد الرؤوف المبحوح ابن مخيم جباليا والذي جمعتني به شوارعها وحاراتها , وسيضاف هذا الفعل المجرم الى تلك القائمة السوداء الطويلة التى يفخر بها أعداؤنا بتمكنهم من النجاح باغتيال القادة العظام من أبناء شعبنا , وهذه القائمة لن تنتهي لأن القادة لن ينتهوا طالما بقي الاحتلال جاثما على صدورنا وستبقى القاعدة بأن لكل مرحلة رجالها , ولأن الشهداء لا يموتون بل يورثون أفكارهم للجيل الذي يليهم , وهكذا ستستمر قائمتهم وسيستمر الصراع معهم , حتى يفهم هذا العدو ولو متأخرا أن القتل الجسدي لن يغير المعادلة أبدا , وسيبقى صوتنا يصرخ فى وجوههم " خذوا ما شئتم من دمنا وارحلوا " .

ولكن اغتيال الأخ محمود المبحوح كان حدثا تجاوز ما أراده المخططون ولازالت خيوط العملية تتكشف أكثر وأكثر , فلم تسر الأمور حسب ما أرادوا لتلك العملية أن تنتهي , بالرغم أنهم بذلوا جهدا جبارا وكلفهم ذلك وقتا طويلا من المتابعة والتحري وزرع العملاء ونجحوا فى مراقبة هدفهم بامتياز وسارت الخطة دونما ارتكاب أي أخطاء تذكر , وهنأوا أنفسهم بالنجاح الخارق للعملية , لأن رد الفعل الأولي كان كما أرادوا فى خديعة الرأي العام ليقتنع بأن الموت كان طبيعيا ولا يدعو الى الشك فى شيء , هكذا أرادوا أن تسير الأمور , ولكن قدر الله كان لهم بالمرصاد وكما قال من سبقونا لا يوجد جريمة مهما بلغت تعقيداتها كاملة , لعلهم نجحوا بامتياز فى كيفية أن تكون البداية والتفاصيل ونجاح التنفيذ ولكنهم بالتأكيد لا يملكون القدرة على تحديد كيف يجب أن تكون نهاية العملية وما هي نتائجها وحجم ردود الأفعال عليها ؟ وكيف ستتعامل الأطراف المعنية بها والى أي مدى ستصل التحقيقات وانعكاساتها على مكانة وسمعة جهاز الموساد صاحب الصيت العالمي والتجارب الطويلة الناجحة وصاحب اليد الطويله فى مشارق الأرض ومغاربها , الذي نجح فى اختراق كافة الأماكن التى رغب فى الوصول إليها وصاحب بنك من المعلومات التفصيلية والدقيقة عن كل مجريات الأمور بفضل قوة وحضور عملائه فى الأماكن الساخنة التى يرغب فى الوصول إليها .

العملية نجحت فى نتائجها فقد فقد شعبنا رجلا شجاعا نجح فى تنفيذ المهمات الموكلة إليه ,ولم يتمكن عدوه من اعتقاله حيا لمحاكمته عندما كان مطاردا فى شوارع مخيم جباليا ثم نجح فى اجتياز الحدود عندما كانت تحتله إسرائيل بالكامل ليكمل مشواره الجهادي خارج فلسطين لسنوات عديدة , وفي نهاية المطاف عندما قدر الله له أن ينال الشهادة فقد نالها كما أراد , وهكذا فقد نجح العدو فى الوصول إليه ونفذ ما أراد فهل استطاع العدو أن يحتفل بنجاح العملية كما أراد أيضا ؟؟ بالتأكيد الأحداث الجارية الآن ستنغص على كل من خطط لهذه العملية من قادة الإرهاب الصهيوني لأنهم سيدفعون ثمن هذه العملية الكثير , وأهم الأثمان التى سيدفعونها هو اهتزاز صورة جهازهم الموسادي , وأنه لم يعد ذلك الجهاز القادر على تنفيذ عملياته دون فضحه وملاحقته حسب الأصول المتعارف عليها دوليا , وهذا سيراكم وضع صورة الكيان الإسرائيلي بأنهم لم يعودوا يتمتعا بالحصانة التى حلموا بها دائما واطمأنوا لها على مدار عقود من الزمن , وأن التكنولوجيا الحديثة لم تعد حكرا عليهم وملكا لهم بل أصبحت ملكا عاما , وأن عالم الجاسوسية السري وأجهزته الدقيقة بأنواعها التقليدية والغير تقليدية لم تعد خافية على أحد , بل سيفاجأ عدونا بحجم ودقة الأجهزة التى يمتلكها أجهزتنا الأمنية العربية وبراعة شرطتنا وذكاء محققينا , كما أثبتت ذلك بجدارة تدعو للفخر والاعتزاز شرطة دبي وامتلاكهم تلك القدرة والخبرة والحنكة المتناهية فى التعامل مع أدق القضايا حساسية بحرفية عالية وجرأة لم يسبق لها مثيل , بل ونجحت فى تحميل دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وإيرلندا وألمانيا مسئولياتهم من خلال تزويدهم بمعلومات دقيقة لا تقبل الشك أو الجدل فى تورط رعاياهم وانتهاك سيادة دولهم وبالتالي لابد من تحمل مسئولياتهم ولم يكن أمام تلك الدول أمام كل تلك المعلومات والدلائل إلا أن تحترم ذاتها وتتجاوب مع محققي دبي بالرغم من حجم وطبيعة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي , ومن هنا بدأت بوادر أزمة دبلوماسية أو خلل فى العلاقة بين تلك الدول والكيان الإسرائيلي , ونحن هنا يجب أن لا نبالغ فى التوقعات والنتائج لأنها أزمة وستنتهي ولكن بكل تأكيد ستبقى آثارها ماثلة أمام تلك الدول بسبب الحرج الذي أصابها فى قضية لا ناقة لها فيها ولا جمل , ولكن سيكون فى ذات الوقت انعكاس سلبي جدا على سمعة ومكانة جهاز الموساد وكذلك قيادته وأركانه , وعلى مجمل الصورة الأمنية للكيان الإسرائيلي , وبداية رسم صورة جديدة توحي بان هذا الكيان قد وصل بأجهزته الى سن الشيخوخة والخرف المبكر وعدم القدرة على التركيز فى كيفية تحديد مصالحه ومستقبله , وبدأ يتخبط فى توجهاته وقراراته ولم يعد يحقق تلك الانتصارات البطولية التى كان يحلم بها قبل سنوات , فلا يكاد يخوض حربا حتى يخرج منها على الأقل دون تحقيق نصرا كما يريد ولكنه ينجح فى تحقيق بعض الأهداف مستندا على ضعف وتمزق الجبهة المقابلة له فقط .

أما قضية مشاركة عملاء فلسطينيين في العمليه – بغض النظر عن هويتهم او اسمائهم او ميولهم او انتماءاتهم- فهذا شيء لاقيمة له ولا وزن ، وهذه ليست المره الاولى التي يشارك فيها عملاء مع جيش الاحتلال لان العميل هو في حقيقته جندي عامل في صفوف العدو والعميل لا وطن و لادين له .

هذا ما سيخسره الكيان الإسرائيلي من فشل أداؤه فى عملية الاغتيال أما الأمر الآخر فهو الثمن المباشر عبر الانتقام لدماء الشهيد كما تعودنا خلال السنوات التى سبقت هذه المرحلة فلا أعتقد ذلك بالرغم من خطابات التهديد والوعيد بالثأر للشهيد لأن هناك حسابات جديدة دخلت على معادلة الصراع مع عدونا ودخلنا مربع المصالح المشتركة والخوف من ضياع انجازات تم تحقيقها – حتى وإن كانت وهمية – فلم نعد نسمع عن أي رد فعل حقيقي لممارسات الاحتلال وكأنه يعلم هذه الحقيقة فلم يعد يخشى من رد الفعل القوي والمباشر على عملياته ولذلك نجده يقوم بكل الاستفزازات على الأرض دون أن يحسب لغضب الشعب حسابا , فلم تعد فصائل المقاومة قادرة على فعل شيء لأنهم وقعوا فى الشرك الذي تم نصبه لهم بإدخالهم مربع المصالح المتبادلة وأصبحت المقولة الكريهة سيدة الموقف " سنختار الوقت والمكان المناسبين للرد " أو " سنحتفظ بحقنا فى الرد فى المكان والزمان المناسبين " أو مقولة " لن نسمح لعدونا أن يجرنا لمعركة هو خطط لها " وهكذا من الجمل التبريرية التى ليس لها سوى معنى واحد وهو أننا لسنا جاهزين الآن لفعل شيء ليس ضعفا فينا بل خوفا على مصالح نمتلكها , وهذا ما يدركه عدونا لذلك فهو الأحرص على أن لا تخسر تلك الفصائل ما لديها من مكتسبات حتى تعمل على الحفاظ عليها وهو ينفذ مقابل ذلك سياسته على الأرض .



رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
www.imadfalouji.ps


مقال أعجبني للأخ المجاهد عماد الفالوجي احد قيادات العمل الوطني والإسلامي في الساحة الفلسطينية
- منقول -