غداً نلتقي في القدس إن شاء الله
نبيه زكريا عبد ربه
لمدينة القدس منْزلة خاصة في تاريخ البشرية، فهي من الناحية التاريخية من أقدم مدن العالم، تعرضت لحكم معظم الفاتحين منذ أكثر من ستة آلاف سنة. أما من الناحية العقائدية فهي تعتبر مهوى أفئدة أكثر من نصف سكان العالم، من المسلمين والنصارى واليهود، ففيها الكثير من الأماكن المقدسة والآثار القديمة التي لها منزلة عظيمة في نفوسهم. وأما من الناحية الاسترايجية فإن موقع القدس في قلب فسلطين يكسبها أهيمة خاصة في كل من يرغب في بسط سلطانه على فلسطين كلها، فمنها ينتشر العديد من الطرق إلى رام الله ونابلس شرقاً، وبيت لحم والخليل غرباً، والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، ومنطقة أريحا والأغوار جنوباً. وأما من الناحية السياسية فإن مشكلة القدس تعتبر من أعقد المشاكل السياسية في العصر الحديث، استعصى حلها على جميع الأطراف المعنية. والواقع أن مشكلة القدس ليست معقدة إذا بحثت بحثاً تاريخياً مجرداً عن الأهواء والانفعالات، فالعرب ثم المسلمون هم أصحابها الشرعيون منذ أكثر من ستة آلاف سنة. وإن فترات الاحتلال التي تعرضت لها المدينة المقدسة، هي فترات طارئة على الحكم العربي ثم الإسلامي لها، إذ ما تلبث القدس حتى تعود إلى أصحابها الشرعيين.
من ناحية أخرى فإن فترة الحكم الإسلامي للقدس أكثر فتراتها التاريخية استقراراً وعدالة، وخاصة بالنسبة لليهود والنصارى، إذ عامَلَهم المسلمون معاملة حسنة، بما يمليه عليهم دينهم وإيمانهم، يؤكد ذلك أن كنائسهم ومعابدهم وحرياتهم الدينية كانت مصونة في ظل الحكم الإسلامي، ولا تزال شاهدة حتى اليوم على ذلك.
ومن ناحية ثالثة فإن نظرة المسلمين إلى بيت المقدس جاءت من وحي دينهم، فهم يعترفون بجميع الأديان، ويعتبرون الإيمان بأنبيائهم جزءً لا يتجزأ من عقيدتهم ودينهم، أما النصارى واليهود فالمعلوم أنهم لا يعترفون إلا بأنبيائهم فقط، ولهذا فهم ليسوا مؤهلين عقائدياً للوصايا على المدينة المقدسة، ويؤكد لنا التاريخ هذه الحقيقة إذ يبيّن أن المسلمين قد عاملوا اليهود والنصارى معاملة حسنة خلال حكمهم للقدس، بينما نجدهم يعاملون المسلمين معاملة غير إنسانية خلال سنوات احتلالهم المحدودة للمدينة المقدسة. فحينما استولى الصليبيون على القدس عام 1099م أبادوا كل من فيها من المسلمين، وحولوا الأماكن الإسلامية المقدسة اصطبلات لخيولهم. فأين هذا من حكم القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي حينما طهّر القدس من براثنهم بعد حطّين؟ فقد منح الذين يرغبون في البقاء في القدس الذمة، ومنح من أحب الهجرة منها الأمانَ. أما اليهود فمنذ إستيلائهم على القدس عام 1967 وهم يحاولون تغيير هويتها الإسلامية تغييراً جذرياً بتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، وترحيل المسلمين عنها، وإسكان اليهود مكانهم.
وإذا كانت نظرة المسلمين إلى القدس نظرة إسلامية عالمية، على أساس أنها أرض الأنبياء، وموطن الرسالات، وأنه ليس فيها شبر أرض إلا وقد صلى فيه نبي كريم، وأن الله تعالى بارك حولها وذكرها في قرآنه الكريم، وأن كل بقعة فيها تشهد بمجد المسلمين، لأن كل بقعة تشهد بأن عليها دم شهيد مسلم، أو قبر ولي صالح، أو مقام صحابي جليل، فإن نظرة اليهود والنصارى لها في القديم والحديث، هي نظرة إستعمارية عنصرية، فالتاريخ يوكد لنا أن الحروب الصليبية قامت على دوافع دينية صنعها أحبارهم ورهبانهم لتحقيق أهداف إستعمارية، كما أن هدف الصهيونية في العصر الحديث إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كموطئ قدم لتحقيق أهدافهم في إقامة دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل. وتستغل الصهيونية الدين اليهودي لتحقيق أهدافها الإستعمارية، إذ بغير العقيدة الدينية لن تستطيع تجميع يهود العالم في بقعة واحدة، لأن وضعهم المادي في دول العالم وضع ممتاز، فلن تشجعهم الإغراءات المادية في الهجرة من بلد غني مستقر إلى بلد مضطرب فقير.
قال تيودور هرتزل:"إذا حصلنا يوماً على القدس، وكنتُ لا أزال حيَّاً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل ما ليس مقدساً لدى اليهود، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون".
الموقع الجغرافي
تقع القدس في قلب فلسطين، في الجهة الغربية للبحر المتوسط، حيث تبعد عن ساحل البحر حوالي خسمة وعشرين كيلومتراً على خط مستقيم، أو 59 كيلومتراً على الطريق الطبيعية. وتقع على خط العرض الشمالي 31 درجة و 46 دقيقة، وخط الطول 36 شرقاً، على ارتفاع 800 متراً عن سطح البحر، و1173 متراً عن سطح البحر الميت، وتتراوح نسبة الأمطار فيها بين 500-900 مم (ثلاثة أضعاف أمطار دمشق) تهطل في مدة بين 40-65 يوماً في السنة، ويبلغ معدل الحرارة فيها (18) درجة تهبط في كانون أول (يناير) إلى تسع درجات، بينما ترتفع في شهر آب (أوغسطس) إلى (25) درجة.
جبال القدس
وتقع القدس على عدد من الجبال أهمها (جبل المشارف)، ويدعى أيضاً (جبل المشهد) لأن معظم الفاتحين أقاموا فيه معسكراتهم حين غزوا القدس، كما يسمى (جبل الصوانة) ويسميه الأروبيون (جبل سكوبيس) ومعناه باليوناينة (المراقب) لأن من يقف عليه يستطيع مراقبة المدينة المقدسة كلها، ويسميه اليهود (هارها تسوفين) وهي ترجمة حرفية للتسمية العربية. وقد اقام عليه اليهود الجامعة العبرية منذ عهد الانتداب ووسّعوها في عهد الاحتلال. ويرتفع هذا الجبل حوالي 850م عن سطح البحر، ويبتدئ من شمالي شعفاط وينتهي بجبل الزيتون شمالي القدس القديمة من جهة الشرق ويمتد حوالي كيلومترين، ويقع طرفه الشمالي على الطريق العام المؤدي إلى رام الله ونابلس.
و(جبل الطور)، يدعى أيضاً (جبل الزيتون) ويقع إلى الشرق من القدس القديمة يفصله عنها وادي (قدور) ويقع جنوب جبل المشارف وارتفاعه حوالي 825م عن سطح البحر، ولهذا الجبل أهميته خاصة عند حيث تنتشر على سفوحه وقممه الكنائس والأديرة. ويعتقد النصارى بأن المسيح عليه السلام كان يدرّس تلاميذه في منطقة (الأليا) الواقعة في قمة الجبل، كما تناول عشاءه الأخير قبل القبض عليه [!] في كنيسة الجثمانية، وفي هذه الكنيسة حديقة فيها ثماني شجرات من الزيتون، يقال إن تاريخها يرجع إلى أيام المسيح عليه السلام، فقد كان يستظل بظلها هو وتلاميذه للراحة والنوم.
(جبل موريا) وهو الجبل الذي يقوم عليه الحرم الشريف، وتقع على قمته قبة الصخرة المشرفة، بينما يربض على سفحه من جهة الجنوب المسجد الأقصى، كما يقع على سفحه من الجهة الغربية (البراق) أو حائط المبكى –كما يسميه اليهود- كما يقع عليه سور القدس القديم الذين يحيط بالمدينة المقدسة من جهاتها الأربع.
(جبل المكبِّر) وسمي كذلك لأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أطل منه على المدينة المقدسة وهو في طريقه لاستلامها، وقال: الله أكبر. ورددت جموع الجيوش الإسلامية النداء خلفه. ويقع في الجهة الجنوبية الغربية من القدس القديمة، ويدعى أيضاً (جبل صهيون) حيث يعتقد اليهودُ أن قلعة لليبوسيين العرب كان تربض فوق قمته احتلها داود عليه السلام حينما فتح القدس.
أقسام وأبواب القدس :
وتتألف القدس من قسمين: - القدس القديمة، والقدس الجديدة. أما القدس القديمة فهي التي تقع على جبل موريا ويحيط بها سور قديم من جهاتها الأربع وفيها كل المقدسات الإسلامية والمسيحية، كالمسجد الأقصى، وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة. وتتميز عمارتها بطراز شرقي قديم، فشوارعها ضيقة ومتعرجة، ومسقوفة في بعض جهاتها، وفيها أسواق التجارة القديمة كسوق خان الزيت، وسوق العطارين، وسوق القطانين، واللحّامين.
وفي الجهة الغربية من الحرم القدسي يقع حائط البراق، وطوله 30 متراً في حي المغاربة، ويسميه اليهود حائط المبكى، وتأتي التسمية الإسلامية له (البراق) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ربط الدابة التي حملته في رحلته عنده، وتأتي التسمية اليهودية (المبكى) لأن اليهود يبكون عنده أمجادَهم إذ يعتقدون أنه حائط الهيكل الذي دمّره الامبراطور هارديان، وقد أجرى اليهودُ بعد عام 1967م الكثير من الحفريات حول هذا الحائط فلم يثبت أي شيء يؤيد مزاعمهم، ولكن ثبت أن هذا الحائط هو أحد أسوار الحرم الشريف وله امتداد يصله بسور القدس القديم، بل أثبتت الآثار أنه محاط بالآثار الإسلامية من كل جانب، والذي يزور المغارات المحيطة به ويشاهد الحفريات يجد الآيات القرآنية والآثار الإسلامية واضحة على الجدران، وكان أول ما فعله اليهود بعد حرب 1967م أن هدموا حي المغاربة ووسعوا الساحة التي أمام حائط المبكى حتى أصبحت معبداً لهم طوله حوالي مائة متر وعرضه ثلاثون متراً. وتوجد في المدينة المقدسة (كنيسة القيامة) ويزعم النصارى أن عيسى عليه السلام دفن فيها بعد أن صلبه اليهود وقتلوه، وسدنة هذه الكنيسة وحملة مفاتيحها من عائلة إسلامية تتوارثها منذ زمن عمر بن الخطاب، حينما اختلفت الطوائف المسيحية على حيازة مفاتيح القيامة، وتُدعى هذه العائلة عائلة (نسيبة) نسبة إلى الصحابية الجليلة (نسبية بنت كعب الأنصارية). ويقع في الجهة الغربية من كنيسة القيامة (الجامع العمري) وهو الجامع الذي أقيم في المكان الذي صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن أمير المؤمنين حينما تسلم بيت المقدس، دعاه بطريكها لتفقد كنيسة القبر المقدس (القيامة)، فلبى عمرُ الدعوة، وبينما كان يزور الكنيسة أدركته الصلاة فالتفتَ إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال: مكانَك صلِّ. فقال عمر: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعده ويقولون هنا صلى عمرُ، ويبنون مسجداً. فابتعدَ عن القيامة رمية حجر وفرش عباءته وصلى. وجاء المسلمون من بعده فبنوا المسجد العمري.
ويحيط بالمدينة المقدسة سور قديم يبلغ محيطه حوالي خمسة أميال، ومتوسط ارتفاعه أربعون قدماً، وعليه 34 برجاً، وله ثمانية أبواب منها باب واحد مغلق ويذكر أن اليبوسيين هم الذين بنوا السور الأول للمدينة حوالي عام 2000 ق.م، وبنى سليمان عليه السلام السور الثاني، وبُنِيَ السور الثالث أثناء الزحف الآشوري، وقد هدمه نبوخذنصر، أما السور الرابع فقد بناه هيرودوس، وقد هدمه القائد الروماني (نيطس) عام 70 للميلاد. ولما استولى صلاح الدين على القدس رمّم أسوارها، وأقام عليها العديد من الأبراج وحفر حول السور خندقاً. أم السور الذي نراه اليوم فقد جدد معظمه زمن السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1542م.
وللمدينة المقدسة ثمانية أبواب: من الشرق باب الأسباط والباب الذهبي، ومن الغرب باب النبي داود وباب الخليل وباب الجديد، ومن الشمال باب العمود وباب الساهرة، ومن الجنوب باب المغاربة، وكلها مفتوحة عدا الباب الذهبي.
وأما القدس الجديدة: فتشمل جميع الأبنية الحديثة التي بنيت خارج السور القديم، من الجهة الشرقية جبل الطور ووادي الجوز والعيسوية والشيخ جراح، ومن الجهة الغربية جبل المكبر، ومن الجهة الشمالية أحياء الطالبية، والبقعة التحتا والبقعة الفوقا. ومن الجهة الجنوبية سلوان وأبو ديس والعيزرية. وقد توسعت القدس الجديدة من كل اتجاه فاتصلت برام الله من جهة الشرق وبيت لحم من جهة الغرب، وبيافا والساحل من جهة الشمال، كما امتدت جهة أريحا حتى قرية العيزرية.
وتتميز القدس الجديدة بالعمران الحديث والأحياء والشوارع الجديدة ، وهي التي احتلها اليهود منذ عام 1948م، وأكملوا احتلالها بعد عام 1967م.
وفي القدس الجديدة الكثير من الآثار الإسلامية، ففي جبل الطور يقع مسجد الصحابي الجليل سلمان الفارسي، ومسجد رابعة العدوية، وفي الجهة الشمالية من القدس القديمة (مقبرة ماملا) ويُروى أن فيها قبور (7000) شهيد استشهدوا في الحروب الصليبية، وقد حوّلها اليهود إلى حديقة عامة بعد أن داسوا جميع القبور التي فيها. وفي الجهة الشرقية خارج السور تقع (مقبرة باب الرحمة) وفيها قبور جماعة من الصحابة الذي استشهدوا في القدس، مثل شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت الأنصاري، أما ضريح الصحابي الجليل (عكاشة) فيقع في الجهة الغربية من القدس وقد هدمه اليهود بالمعاول.
تاريخ القدس السياسي
يؤكد التاريخ أن القدس مدينة عربية منذ حوالي ستة آلاف سنة، فقد سكنها اليبوسيون –وهم فرع من الكنعانين- في الألف الرابع قبل الميلاد، ويُعتَبر هؤلاء أول من أسس المدينة المقدسة حيث سمّوها (يبوس) في حوالي عام 2500 ق.م. وفي عهد أحد ملوكهم (ملكي صادق) ظهرت في المدينة أول جماعة اعتنقت التوحيد برعاية ملكي صادق، فوسّع يبوس وأطلق عليها (أورسالم) أي مدينة السلام، وبنى فيها معبداً كبيراً أسماه (بيت قدس) لعبادة الإله الأكبر (سالم) فسُمّيت من ذلك الوقت (بيت المقدس) وكان هذا الملك تقياً ورعاً محباً للسلام حتى أطلق عليه ملك السلام. ولمّا حكم (سالم اليبوسي) زاد في بُنيانها وشيّد على جبل صهيون قلعة للدفاع عن المدينة، وبقيت المدينة المقدسة عربية خالصة حتى فتحها داود عليه السلام وسمّاها (أورشليم) وهو تحريف عبري لاسمها العربي (أورسالم).
في عهد الملك العربي (ملكي صادق) وفد إبراهيم الخليل [عليه السلام] إلى فلسطين، فأحسن هذا الملك وفادته لأنه كان يدعو للتوحيد، وقدّم له الطعام والشراب –كما جاء في الإصحاح 14 من سفر التكوين، وحينما هاجر إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين كانت تسمى (أرض كنعان) لأنه كان يسكنها الحثيون العرب وهم فرع من الكنعانيين، فنَزل إبراهيم في منطقة حبرون وهي الخليل الآن، وكان يشعر أنه كان غريباً بين أهلها، حتى إن الكاتب اليهودي (جان ليجول) يقول: "بأن أبا الأنبياء لم يجزْ لنفسه أن يملك قطعة من أرض يجعلها قبراً لزوجته سارة، فالتجأ إلى الحثيين أصحاب الأرض وقال لهم: أنا غريب ونزيل عندكم أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتتي من أمامي. فأعطوه مغارة كان يملكها (عفرون بن صوحر) وهي المغارة التي يقوم عليها الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل". وما حدث لإبراهيم حدث لداود عليه السلام، فقد أراد داود أن يقيم مذبحاً في بيدر يخص (أورون اليبوسي) وعرض عليه ثمناً له، ولكن اليبوسي أعطاه إياه بدون ثمن، فإذا كان إبراهيم وداود عليهما السلام كانا لا يملكان قطعة واحدة في أرض فلسطين ونحن أحق بإبراهيم وموسى وداود منهم، فكيف يطالب اليهود بملكية فلسطين كلها على أساس أنها أرض الأجداد؟ وإبراهيم جد العرب لأنهم نسل ابنه إسماعيل؟
وفي عام 1360 ق.م تولى قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون، فعبر بهم الأرض واحتل مدينة أريحا وتركها دكاء وأباد كل سكانها، ولكن العبرانيين لم يستطيعوا الاستيلاء على القدس إلا في زمن داود عليه السلام، أي حوالي عام 1000 ق.م، فاتخذها داود عاصمة له، ثم حكم سليمان من بعد أبيه أربعين سنة (963-923) ق.م، فبنى الهيكل في القدس بأيدي البنائين الكنعانيين، وكلمة (هيكل) ذاتها كنعانية، وهكذا لم تدم دولة اليهود الموحدة إلا حوالي (97) عاماً (1020-923) ق.م وهي نفس المدة التي دامت فيها دولة الصليبيين فيما بعد تقريباً.
وخلف سليمانَ ابنُه (رحبعام) الذي انقسمت الدولة في زمانه إلى دولتين: مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم وقد عمرت من (923-586 ق.م)، ومملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها السامرة قرب نابلس، وقد عمرت من (927-722 ق.م)، وسيطرت الخلافات القبلية على هاتين المملكتين، ونشبت بينهما حروب دامية حتى إن الملك (يهواش) ملك إسرائيل أغار على أورشليم واستباح هيكلها. وهكذا دبّ الوهن في مملكتي اليهود مما فسح المجال أمام سرجون الآشوري فاستولى على مملكة إسرائيل عام (722 ق.م) وسبى أهلها إلى بابل، وأسكن محلهم قبائل عربية نزحت من سورية. أما مملكة يهوذا فقد قضى عليها نبوخذنصر عام (586 ق.م) فأحرق أورشليم وسبى أهلها ودمّر هيكلها وغنم كل ما فيه. وقد عمل اليهود جواسيس ضد الدولة الكلدية لمصلحة كورش الفارسي مما مكّنه من القضاء عليها حوالي عام (539 ق.م) فَعَلَتْ منْزلة اليهود عنده، وخاصة بعد أن تزوّج اليهودية (أستير) وسمح لهم بالعودة إلى أورشليم، وبنى لهم الهيكل عام (516 ق.م)، ولكن لم يكن لهم أي شأن سياسي فيها، فقد ظلت السيطرة الفعلية فيها للحثيين. وبقيت القدس تحت السيطرة الفارسية حتى فتحها الاسكندر المقدوني عام (332 ق.م) وبقيت القدس تحت حكم اليونان حتى استولى عليها القائد الروماني (بومبي) عام (63 ق.م) وفي عهد الامبراطور هارديان حوالي عام (130م) قام اليهود بثورة في القدس فسحقها بعنف وأبدل اسمها وسمّاها (إيليا) وحرّم على اليهود دخولها أو السكن فيها. وفي عام 624م اجتاح الفرس فلسطين واحتلوا إيلياء وذبحوا آلاف النصارى فيها وهدموا كنيسة القيامة، وقد ساعدهم اليهود على ذلك بل وشاركوهم جرائمهم فقتلوا الكثير من النصارى، ولكن هرقل استرد القدس . وبقي بيت المقدس تحت الحكم الروماني حتى فتحها المسلمون عام 15 للهجرة 636 ميلادية.
عن موقع الفسطاط
يتبع
المفضلات