مهما زادت ثقافة ألإنسان فللموروث من العادات والتقاليد والحكايات أثر باق ، كما تبقى في ذاكرتنا حكايات سمعناها من ألأجداد أو الكبار .....
مرت أيام وأنا أراقب وجود هرة تقف أمام الشباك الذي أمامي وخلف الحاسوب الذي أجلس عليه ....ويوميا..
لست من النوع الذي يحمل ضغينة ضد الهررة ، أو أي حيوان آخر ، طالما تجنب إزعاجي أو أذيتي ، بل غالبا ما أحنو وأرق لهم .......
فمابال هذه الهرة ، ولماذا تقف هنا بالذات أمامي وخلف شباك غرفتي ؟
منظرها لايوحي بأنها مسكينة أو مستضعفه من بقية البزازين ، فهي سمينة للحد الذي يوحي لي بالتخمة والنعمة ، ومع ذلك تكررت المرات التي اختلس فيها من بيتي قطعة لحم وأرميها لها من الشباك ، فكانت تهرب ثم لاتلبث أن تعود فتأكل مارميت.
ولماذا تقف أمامي أنا بالذات ، وكل يوم ، وفي نفس المكان أمامي بالضبط حيث أجلس أتصفح ألإنترنيت ؟
إن مظهرها أيضا لايوحي بأنها من النوع ألأليف جدا ، فهي شرسه كما لاحظت عندما يقترب هر آخر من المكان الذي تقف فيه ، وفي كل ألأحوال كانت تنتصر على الجميع .....
حيرتني وشغلتني حقا تلك الهره ، وقد فكرت أن أستشير صديق لي في أمرها ولكني تراجعت إحتراما لنفسي وسمعتي من أن يُظن بي الظنون .....
فكرت أنها ليست قطه حقيقيه أو عاديه من قططنا ، وإنما قد تكون مِرسال ساحر أو وسيلته ، لِم لا ؟ السحرة لايتوانون عن إرسال فيل أو نبش قبر إن تطلب ألأمر
ولكن من أراد أن يسحرني ؟ ولست أعرف عن نفسي أني أظمر شرا لأحد
كما لايُعقل أن تكون هذه القطه نتاج عمل ساحر ليجعلني أميل لفتاة ما وتلك الفتاة هي التي طلبت من الساحر أن يسحرني لأعشقها .....ثم أن لونها لم يكن أسودا ، بل هي شقراء غاية في الجمال ، وقد سمعت بأن القطه السوداء هي الشيطان ذاته .
لا يُعقل ، فتفكير كهذا كفيل بأن يوصمني بالغرور ، فمن تلك التعيسه التي ضاقت بها الدنيا وعز عليها أن تجد غير رجل جاوز ألأربعين ولم يبقى في رأسه إلا شعيرات معدودة لم يغزوها الشيب ، وماعادت حتى زوجتي تتجمل لي لعلمها أني ماعاد بإستطاعتي إغواء الصبايا ، بل زهدت بي وبمنظري حتى ألعجائز .
أخيرا إستقر تفكيري على إحتمال واحد لاغيره ، إن هذه القطه ماهي إلا روح من ألأرواح .....
ولكن روح من هذه ؟
من المؤكد أنها روح شخص قريب مني أو عزيز عليّ ، بالتأكيد ، فهي لاتكاد تفارق مقابلتي أمام شباكي ، والعجيب أن وجهها دائما بإتجاهي وكأنها تنظر إليّ لتقول لي شيئا ما.
حقيقة أصابني الخوف وشك فيما عملته مع من مات ممن أعرف وخاصة الأقرباء لدي .
جميع أقربائي ماتوا وهم راضين عني كل الرضا ، إلا أبي (رحمه الله) فقد مات ولازال شيء في نفسه مني حيث لم أطاوعه وأسلك مسلكه في الشرطه ، ولطالما إستهزء بي وهو يراني أروح وأغدو في دراستي في الكليه ، وقد كرر أمامي مقولته الشهيره : مهما علا شأنك فبإستطاعة شرطي بسيط أن يزجك في السجن ويرهبك .
غير معقول أن تتجسد روح أبي الطاهره والذي كان مؤمنا مصليا صائما وحاجا لبيت الله في جسد قطه .
إذن ما أمر هذه الهرة ؟
في يوم وأنا مشغول بالتفكير بأمرها راودتني فكرة أن أراقبها عن بعد ومن حيث أراها ولاتراني .
بالقرب من دارنا خرائب مهجوره ، إخترت واحدة منها مقابل الشباك الذي أجلس أمامه ، وبحيث يكون خلف القطه ، ودخلتها .
رأيت القطه لم تتحرك من مكانها بل هي في نفس ألإتجاه ، أي أن وجهها لايقابلني حيث أرقبها ألآن ، بل أرى ذيلها وظهرها ، إرتحت لذلك أيما إرتياح ، فهي لم تعد روحا في نظري ، لأن ألأرواح تعلم النوايا .
طال إنتظاري في البيت المهجور لأكثر من ساعه ، وقد كان يُرعبني أن يراني أطفالي أو زوجتي حيث تسمرت دون حراك ، فما عساهم يعتقدون ؟
وماهي إلا لحظات حتى رأيت الهرة قد إستعدت لأمر هام وجلل ، ورأيتها تقف موقف المتحفز الحذر ، وفي لمح البصر إنقضت على فأر خرج من جحر قريب منها وإلتقمته ، ثم عادت إلى مكانها السابق .
خرجت من مخبئي وجئت بخلطة طين وماء وسددت الجحر الذي خرجت منه الفأره ، ومرت أيام ولم أرى القطة صاحبتنا ، ثم وفي يوم وأنا عائد من عملي لمحتها تقف بالقرب من دارنا ، نظرت إليها وكانت تنظر إلي أيضا، إبتسمت لها ، ولكني شعرت أن إبتسامتي كانت إبتسامة منتصر على مغلوب ، كما أحسست أنها تكن ليّ ضغينة وحقد ، وخمنت أنها تقول في نفسها : ماكان ضرك لو كنت أكثر رحمة للفئران وحنوا عليّ أيها المتعجرف..