الطلاق ونكده وأفراحه
بدرالدين حسن قربي
اعتاد الناس الاحتفال بالمناسبات السعيدة ومنها الزواج، ولم يعتادوها في غيرها. ورغم أنه يفرض عليهم الاحتفال بمناسبات كئيبة تسبّبت بكوارث للبلاد والعباد وهم لايستغربونها رغم كارثيتها والعياذ بالله. ولكن مابين الاحتفالات على اختلافات مناسباتها يبقى هناك على أية حال مايلفت النظر فيها ويثير العجب.
سألني: عرفنا الاحتفال بالزواج، ولكن هل من المعقول الاحتفال بمناسبة الطلاق على كل مافيه..!؟
قلت: سؤال يثير عجباً، ولكنّ العجب يزول يوم تعلم أننا نحتفل بالمصائب منذ زمن، وليس جديداً في مناسباتنا الاحتفال بها ولاسيما يوم تكون كارثية. أتعجب من حفلة طلاقٍ بمناسبة انفراط عقد أسرة قد تكون صغيرة أو كبيرة، ولايثير عجبك احتفالٌ بكارثة قدوم الزعيم الفلاني وتسلم الرئيس العلاني، أو تصحيح القائد الفليتاني، مما يتسبب بدمار بلدٍ بحالها فقراً وجوعاً ونهباً واستبداداً وفساداً...!!؟
أجابني مبتسماً: تلك هي الدنيا وناسها، يلفتنا فيها صِغارها وتشدّنا صغائرها، ولانتوقف عند فواحشها وكبائرها، ونغمض عيوننا عن فاحشيها وكبرائها.
قد يستغرب كثيرنا أن يكون الطلاق بين زوجين فرّق بين قلبيهما النكد قبل أن تفصل بينهما كلمة الطلاق أو الخلع مناسبةً يحتفل بها من كان أكثر كهناً وكيداً من نصفه الآخر تعبيراً عن فرحه الذي لم تر منه معروفاً قط، والتي لم ير منها إلا القرف وسد النفس ونكد المعيشة.
وعليه، فيكون المستغرَب حقيقة هو ممارسات وسلوكيات للزوجين نكدًا وتنكيدًا، تسبق المفارقة يحاول كل طرف فيها ليّ ذراع الآخر بل كسره وتحطيمه وسحقه لو تمكن طمعاً في ألا تقوم له قائمة إلى يوم يبعثون. ومن ثم لاغرابة أن يركب كل طرف أعلى مافي خيله مركباً وطريقاً لبهدلة الآخر ومرمطته وإذلاله إن استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن ثم يصبح الأمر أيضاً كلحظة الميلاد التي يفرح فيها الناس، وساعة الموت التي تشيع جواً من الحزن والكآبة، وهم في الحالين يتكلّفون المناسبات استقبالاً ووداعاً وفرحاً وعزاءً. وبالتالي، فأن يقيم الزوج رجلاً أو امرأة حفلاً من بعد نكدٍ ماراثوني فرحاً بالانتهاء والخلاص وكيفما كانت النتيجة والأضرار، يبدو أقل من طبيعي مع ممارسات وسلوكيات ومعانات وآلام تطاولت غيظاً وقهراً وانتهنت بإعلان الانفصال.
وبهذه المناسبة، من منّا لايلفته في عموم حياتنا استخدام الرجل والمرأة إلا من رحم ربي لكل ماهو حرام فضلاً عن الحلال وإدارة الخلاف بطريقةٍ ملفتةٍ عنجهيةً وجبروتاً وكيداً وظلماً وبهتاناً وتجاوزاً على حدود الله في سبيل كسب معركته مع زوجه. فنجد الزوج رجلاً أو امرأة وهو من هو ديناً وحديثاً وتحديثاً، ومكاناً ومكانةً، إذا مااختلف مع زوجه وتوجه نحو الافتراق أصبح زوجاً آخر في حديثه ودينه وأسلوبه ومحاكمته لأمور خلافه.
وعندما نقرأ في كتاب الله الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، نواجه آيةً غاية في الجمال والبيان، فندرك بها عظم الخرق والاختراق في حياة المسلمين في عدم الالتزام والإنفاذ لما في بديع الآي الحكيم لدعوة ربانية كريمة إلى حسن التطليق وإحسان الفصل لميثاق غليظ بين زوجين، سكن كل منهما في فضاء الآخر، وكانت لحمته وسدوته المودة والرحمة.
حياة زوجية ودودة رحيمة يغذوها إكرام تلو إكرام من فيوضات شهامةٍ ونخوةٍ وعطاءاتِ مروءةٍ ورجولةٍ أقلها معاشرة بالمعروف، تستهدي بإرشادٍ وتوجيه رفيع، ما أكرمهن إلا كريم وماأهانهن إلا لئيم. فإذا مااضطربت هذه العلاقة لسبب ما، ووصلت إلى طريق مسدودة لاينفع معها توفيق وإصلاح وإمساك بمعروف، فليكن تسريحاً في أجمل حالاته لانهاء معاشرة كانت بالمعروف، بسراحٍ حسن أو أحسن بل تسريح بإحسان. ولاشك أن للطلاق أو الخلع متعلقات لما بعده من أولاد وهم مابين الاثنين حرصاً وعنايةً وتربيةً ومتابعةً ونفقة، ترتبط كلها فيما بين الجميع بالمعروف. وأتمروا بينكم بالمعروف.
واقعنا يشهد على كبيرنا وصغيرنا في هذه المسألة بالتفريط والاستهتار والتبرير إلا من رحم وهم قليل في زحامٍ هائل ومريع من تجاوز للحدود، مما جعل من واقع الطلاق الذي تميزت به الشريعة الإسلامية رحمة وتخفيفاً على العباد قصصاً من المآسي المخجلة، ومن المعاملات المهينة والمذلة والمعيبة بين أطرافها. ومن يشاهد الواقع يعتقد وكأن هذا هو الأصل لكثرة المخالفة والتجاوز، ولايعتقد بصورة من الصور أننا قوم مأمورون بأمر الله، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فإذا كانت كل هالممارسات القبيحة التي نشهدها على أرض واقعنا في ميدان النزاع والاختلاف بين الأزواج قائمة والناس مطالبون بالإحسان، فكيف لو كان الأمر غير ذلك ومتروكاً لرغباتنا ومزاجنا. إن المفارقات في حياتنا وممارساتنا لأكثر من أن تعدّ وتحصى، فلئن كنا نحتفل بمجئ الزعيم الأوحد والقائد الأمجد، وفي ذكرى تسلمه وخرابه البلد، فليس غريباً البتة أن يحتفل زوج معتّر بخلاصه وطلاقه وانعتاقه بعد قهر وعذاب ونكد.