سيادة الدولة في عصر العولمة

مقــدمة

يعد موضوع الدولة والسيادة من أهم المواضيع التي حضت اهتماما كبير ا من قبل المفكرين والفلاسفة والكتاب. وقد حاول العديد من تحديد مفهوم علمي واضح لهما . لهذا فقد اخدت الدولة والسيادة مفاهيم مختلفة عبر العصور التي مرت بها .

فإذا كانت الدولة هي ذلك الجزء من الكيان السياسي الذي يعتني بصورة خاصة بسيادة القانون والحياة العامة والنظام العام وتصريف الشؤون العامة.

إذن فان السيادة بالنسبة للدولة تعني تمتعها بالسلطة العليا التي تمكنها من تنظيم كافة شؤونها الداخلية بحرية كاملة . وهذا يعني إن الدولة صاحبة السيادة المطلقة . أي لا تتقيد بقيود خارجية عن إرادة الحكومة التي تمارسها .

والحقيقة من أهم سمات مرحلة ما بعد الحرب الباردة هو تغير النظرة إلى السيادة فلم تعد السيادة مطلقة كما كانت سابقا في عصر ما قبل التنظيم الدولي . لان ظهور المنظمات الدولية أدى إلى تغيير المفهوم السابق للسيادة المطلقة . فلم تعد الدولة تتمتع بالحرية المطلقة ، وأصبح التنظيم الدولي يحد من حريتها السابقة . وبالتالي أصبح الجدل حول مفهوم السيادة يأخذ أبعادا جديدة .

أي إذا كان مفهوم السيادة في بداية تشكله أعطى للدولة حق احتكار فيما حرم هذا الحق على بقية المؤسسات الأخرى " الإقطاعية والقبلية والطائفية ....الخ " فالسيادة لا تتجزأ وأصبحت الدولة وفق هذا المفهوم هي مؤسسة المؤسسات والمالك الأوحد للسيادة في الدولة الواحدة . فان العولمة والاتصال المعاصر ونتائجها الاقتصادية والسياسية والثقافية الملازمة بالضرورة سوف تؤدي في النهاية إلى حرمان الدول المتعددة من حق السيادة المطلقة . وصولا إلى مفهوم جديد للسيادة يركز على العالم اجمع بصفته الوحدة السياسية التي تحل محل الدول التقليدية المعتادة. أي تؤدي بأشكالها ومظاهرها المختلفة إلى الحد من سلطة الدولة وهشاشتها إمام القوى العظمى التي تسيطر على تيارات العولمة في السياسة والثقافة والاقتصاد والأعلام. وان تراجع دور الدولة في عصر العولمة لايعني إن الدولة سوف تزول . ولكن طابعها القومي والوطني هو الذي سوس يزول وسوف تتحول الدول شيئا فشيئا إلى وكالات عالمية تدير الشؤون المحلية في أقاليم مرتبطة بمركز يقرر جزءا كبير ا من السياسات التي ينبغي تنفيذها من دون إن يفرضها على احد .


المحور الاول : العولمة وسيادة الدولة:

إن أهم مظاهر الاختلاف بين عولمة الحاضر وعولمة الماضي هو أن عولمة الماضي كانت الدولة هي محور وأداة تطورها وبقائها . حتى على المستوى الفكري . لم يتحدث احد عن التخلي عن الدولة وإحلالها بمؤسسات أو حكومة دولية ، وربما لأنه لم يكن هناك وجود لتلك المؤسسات في ذلك الوقت . ولكن في ظل عالم المنظمات والمؤسسات الدولية فان العولمة تحطم الأمم بالحد من سيادتها . (1)
هكذا تصبح العولمة تعني تراجع دور الدولة القومية ومؤسساتها وسيادتها والحدود التقليدية التي تفصل فيما بينها . إمام كيانات ومؤسسات عالية تستهدف تحقيق قدر اكبر من الحرية لحركة السلع والأفكار والإفراد . (2)
ولقد شهدت العلاقات الاقتصادية الدولية بذور التحول من نمط الرأسمالية القومية إلى الرأسمالية العبرة للقوميات التي يرتبط بها ظهور مفهوم العولمة التي عبرت عن ظاهرة اتساع مجال فضاء الإنتاج والتجارة ليشمل السوق المالية ككل . حيث لم يعد الاقتصاد محكوما بمنطق الدولة القومية وحدها . بل ظهر الاقتصاديون من نوع جديد والفاعلية الاقتصادية لم تعد قاصرة على مالكي رؤوس الأموال من تجار وصناعيين ومدراء كان نشاطهم محكوما في السابق بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها وإنما أصبحت الفاعلية الاقتصادية مرتبطة بالمجموعات المالية الصناعية الحرة مع مساعدة دولها عبر الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات . (3)
بالتالي الدولة ستجد نفسها في طرق التحولات العميقة وستتنازل عن الكثير من صلاحياتها لتلبية متطلبات المنافسة ولكنها لن تتحول إلى وكيل للتحولات الاقتصادية لأنها لا يمكن تقبل تفكيك القاعدة الحمائية . إن تفكيك الإقليم قد تضاعف بشكل حتمي إذا اخدت الدولة تفقد جزءا مهما من الاحتكارات التي كانت خاضعة لاختصاصاتها الإقليمية . (4)
أي إن إزالة الحدود السياسية تؤدي بالمقابل إلى وضع الحدود الاقتصادية موضع التطبيق . وهناك العديد من مظاهر تراجع دور الدولة في عصر العولمة
هذا لا يعني أن الدولة سوف تزول . بل طابعها القومي والوطني هو الذي سوف يزول ، وسوف تتحول الدولة شيئا فشيئا إلى وكالات عالمية تدير الشؤون المحلية في أقاليم مرتبطة بشكل أو بأخر بمركز يقرر جزءا كبيرا من السياسات التي لابد من تنفيذها دون أن يفرضها على احد .

المحور الثاني : الدولة ومجالها الحيوي في عصر العولمة :

نلاحظ إن المجال الحيوي حتى سنوات قريبة كان يتحدد من قبل كل دولة على حدة اخذ في عين الاعتبار مصالحها الخاصة. وهذا أدى إلى الصراع والتنافس وجعل القوة العسكرية هي الحكم النهائي . لهذا صار المجال الحيوي لكل دولة يتسع أو يضيق وفق القوة العسكرية للدولة .
والحقيقة هذا المفهوم للمجال الحيوي وجد تعبيره في الاستعمار . فالاستعمار هو استيلاء بالقوة على ما يراه بلد مجالا حيويا بالنسبة له. والقوة ليست فقط في الاستيلاء على المجال الحيوي . وإنما أيضا في الحفاظ عليه .
إذن الدولة هي الكائن الحي ذو حدود ديناميكية تتحرك بنمو الدولة، وإنها يجب أن تقوي نفسها بتوسع رقعتها لكي تستطيع البقاء. (4)
أي الدولة لكي تحيى وتستمر لابد لها من النضال والعمل على توسع مجالها الحيوي. أي مجال نفوذها خارج رقعتها الأصلية. وهذا ما جعل الدول الأوروبية مثل أبريطانيا وايطاليا وفرنسا وغيرها تبحث عن مستعمراتها . دون الاحتكاك بالدول المجاورة لها . أي طبقت هذا المنهج من خلال احتلالها للدول النامية مثل مصر وليبيا وتونس وغيرها من الدول العربية والإفريقية . وهذه الدول الأوروبية أصبحت تلعب دورا بارزا في السوق الأوروبية المشتركة والتي تسعى إلى تحقيق الوحدة الأوروبية . بالإضافة إلى ذلك تلعب دورا بارزا في النظام العالمي الجديد ( العولمة).
ادن التطورات الاقتصادية والاجتماعية للدول واتساع مجالات التجارة والصناعة وثورة المعلومات أعطى المجال الحيوي إبعاد جديدة . وقد صار جغرافيا اقل تحديدا. لان الطرق التجارية ومصادر المواد الخام والطاقة والأسواق صارت مجالا حيويا مهما.
لهذا المجال الحيوي هو تجاوز الدولة القوية على المساحات والفضاءات والحدود للدول القوية الأخرى . وبحجج وذرائع أوجدتها نظريات المجال الحيوي لبعض الدول الأوروبية كألمانيا وفرنسا وأمريكا . لهذا تعتبر العولمة امتدادا للمجال
الحيوي القديم. لان العولمة مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية العالمية وان الكرة الأرضية " الكوكبة " أصبحت مجالا حيويا للرأسمالية العالمية التي تمثلها الشركات متعدية الجنسية ووحدات السياسية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية . (5)
أي حدثت تغيرات وتحولات عميقة وسريعة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . وبدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبرزت في نهاية القرن العشرين التي أدت إلى تغيير جذري في مفهوم المجال الحيوي .
بالتالي المجال الحيوي هو مجال يجمع شركاء أندادا يتبادلون المصالح والمنافع وفية يعترف كل شريك ويحترم هوية ومصالح الشركاء .
إذن هو متعدد الإطراف يتمثل في تجمع الإمكانيات والموارد وتنسيق خطط التنمية والتكامل والتبادل التجاري وتعاون الموارد البشرية بين الشركاء . وان استخدام القدرة الإنتاجية والاستهلاكية عند شركاء المجال الحيوي الواحد للحصول على مكانه أفضل في ساحة العولمة . (6)
والخلاصة إن المجال الحيوي يعني نفوذ الدولة وسيادتها خارج رقعتها الأصلية وهناك عدة قوانين تحكم حركة الدولة في مجالها الحيوي . وهي أن مساحة الدولة تنمو وتتزايد بنمو الحضارة الخاصة بها. كما يتم من خلال عمليات الدمج والاستيعاب للوحدات الأصغر منها . بالإضافة إلى أن نمو الدولة واتساع حدودها عملية لاحقة لمظاهر التقدم الأخرى الخاصة بسكانها مثل التجارة والأفكار وغيرها . وان الحدود السياسية هي الكائن الحي الخارجي للدولة الذي يعكس نموها وقوتها ويضمن لها الأمن والحماية

المحور الثالث : انعكاسات العولمة على الدولة والسيادة

لقد تعددت انعكاسات ظاهرة العولمة على المحال السياسي داخليا وخارجيا . أي للعولمة انعكاسات خطيرة على دول العالم الثالث. حيث تخلت الدول عن وظائفها السياسية وتراجع الحكومات عن دورها في وضع القرار السياسي . وتراجعها في مواجهة منظمات المجتمع المدني وانهيار مبدأ السلامة الإقليمية والسيادة المطلقة واحترام الحدود . وانتهاء احتكار الدولة لسلطة الاستخدام الشرعي للقوة في مواجهة مواطنيها . بالإضافة إلى ذلك تخلت الدولة عن وظائفها الدفاعية ، وذلك من خلال تامين المجتمع من الغزو الخارجي والعنف الداخلي ومن خلال ما تفرضه عملية العولمة من ضرورة خفض الإنفاق العسكري . (7)
ومع ظهور المتغيرات الدولية الجديدة وانتهاء الحرب الباردة ، دخل مفهوم السيادة في تطور جديد وأخذت بعض الآراء تعيد النظر في هذا المفهوم رغم أن الجدل حول موضوع السيادة ليس جديد وقد حصل تغيير في النظر إلى السيادة وان الاتجاهات الفكرية الجديدة اخدت تسعى نحو المزيد من تقييد سيادة الدولة . لهذا ترى إن السيادة لم تعد مطلقة وان هناك حاجة لإعادة النظر فيها ليس من اجل إضعاف جوهرها بل بقصد الإقرار بأنها يمكن أن تتخذ أكثر من شكل وان تؤدي أكثر وظيفة .
والحقيقة هذه الرؤية يمكن أن تساعد على حل المشاكل سواء داخل الدول أو خارجها أو فيما بينها . وحقوق الفرد وحقوق الشعوب تستند إلى ابعد من السيادة العالمية التي تملكها البشرية . (8)
كما تحولت السلطة من الدولة نتيجة العولمة إلى الشركات المتعددة الجنسيات . وبالتالي فقدت الدولة مصداقيتها تجاه شعوبها . مما خلق جوا من البيروقراطية الدولية فكانت النتيجة السليبة اندلاع حالات عدم الاستقرار السياسي . (9)
أي أن العولمة تفرض مجموعة من المهام والوظائف الجديدة على النظم السياسية في جميع الدول . كذلك لابد من إعادة هيكلة وبناء النظم السياسية لتكون قادرة على القيام بهذه المهمة والوظائف بكفاءة وفاعلية . بالإضافة إلى ذلك تفرض العولمة مسالة تحديث النظم السياسية وإعادة بناء مؤسساتها وهذه من الضرورات الموضوعية للحفاظ على كيان الدول .
إن إعادة تركيب الفضاءات الاقتصادية مسالة لا يمكن مناقشتها فهي تبدو وتتأثر بشكل واضح في ميدان الاستثمارات التي أصبحت المحور الحقيقي للعولمة . الاقتصادية ، ولم تعد الحدود قادرة على صدها وان هذا التفكك للحدود بواسطة الشبكات العالمية قد ازدادت خلال سيولة رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية . بالإضافة إلى التطور التكنولوجي وثورة المعلومات التي أدت إلى تغيير نمط الإنتاج وطبيعته وغيرت من شكل التفاعلات والمعاملات الدولية . أي في شكل الرأسمالية العالمية ، وكان ذلك يعني ضرورة تجاوز الحدود القومية وإزالة الأوضاع الاحتكارية والاستقلالية عن السلطة المحلية أي إزالة الحدود وتلاشي السيادات الوطنية . (10)
الحقيقة ظل مبدأ السيادة يمثل حجر الزاوية للتنظيم الدولي الحديث . رغم التراجع التدريجي الذي لحق بهذا المفهوم عبر العصور ، لهذا لابد ان نميز بين ( السيادة كمفهوم قانوني) . والذي يعني الاعتراف بجميع الدول قانونيا بحقها لحماية مصالحها الوطنية . وبين ( السيادة كواقع سياسي ) بمعنى القدرة الفعلية للدولة على إنفاذ إرادتها في المجال الدولي . ولكن رغم ذلك ظل مفهوم السيادة كفكرة قانونية مجردة لفترة طويلة . غير إن مفهوم السيادة تغير منذ منتصف القرن العشرين .
وهذا التراجع لمبدأ السيادة الوطنية للدول في عصر العولمة كان سببه التوسع المتزايد في إبرام الاتفاقيات الدولية والنظم الدولية التي تتضمن قواعد وإحكام ملزمة لجميع الدول . كذلك الاتجاه المتنامي تحو احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ونحو كفالة الضمانات الدولية . بالإضافة إلى الاتجاهات الحديثة في مجال تقنين قواعد المسؤولية الدولية وكذلك الاتجاه المتزايد نحو إقامة الكيانات الدولية عابرة القومية ، وظهور نوع من المشكلات الدولية التي تستلزم تكاتف الجهود الدولية للوصول إلى حلول ناجحة . كمشكلات البيئة وتلوث والطاقة والمياه والتصحر والإرهاب وغيرها . (11)
كما تراجعت قوة الدولة القومية وتضاؤل دورها . ولان التطورات العالمية التي شهدها العالم في التسعينيات أدت إلى إزالة قوة الدولة القومية . أي لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في النسق الدولي كما كانت عليه سابقا . بل تلاشت ومسحة المحال أمام قوى أخرى كالشركات المتعددة الجنسيات أي عابرة القومية ، ومنظمات الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي . وهذا يرجع إلى سقوط الاتحاد
السوفيتي كقوة قطبية وانهيار قوته وتفكك امراطوريته . (12)
وهذا يشكل بداية عصر انتصار الليبرالية والرأسمالية وسيادة القيم التي تمثلها . والذي يقود إلى بزوغ فجر" إنسانية كونية " تلقى بظلالها على العالم بأسرة . (13)
لهذا نلاحظ إن الحد من الحرية الاقتصادية والحد من التدخل الحكومي في تنظيم أو تقييد المعاملات الاقتصادية سواء كانت المحلية أو الخارجية وكان الهدف من ذلك إضعاف قدرة الدول والحكومات على إدارة الاقتصاديات الوطنية وإضعاف السيطرة الحكومية على الإفراد . وإتاحة المجال إمام رأس المال الخاص المحلي والأجنبي للسيطرة على الاقتصاديات الوطنية من خلال تملك حقوق الملكية في المشروعات الاقتصادية والاخد بسياسة الخصخصة والحرية الاقتصادية . لهذا فقدت الحكومات الوطنية القدرة على إدارة وتوجيه النشاط الاقتصادي بكفاءة وفاعلية .
كذلك الدولة فقدت دورها في حماية منتجيها من المنافسة الخارجية على الأقل تلك الدول التي لم تعد تخشى هذه المنافسة بسبب تفوقها على الآخرين ، وتم رفع شعار " دعة يعمل ، ودعة يمر " الذي يقصد به إن تترك الدولة المنتحيين وشانهم أو تترك التجارة الدولية والداخلية حرة . لذلك لم تختفي الدولة . بل طرا تغيير على وظائفها الأساسية. (14)
كما خلفت هذه السياسة اثأرا اجتماعية سلبية . لان فقد العديد من المواطنين والعمال وظائفهم وإعمالهم وهذا أدي إلى ارتفاع معدلات البطالة . وهذا سيؤدي إلى حدوث مشكلات اجتماعية خطيرة مثل ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار ظاهرة الإدمان . والتفاوت الكبير في المستويات الدخول . (15)

الخـاتمة

إن ما نراه اليوم من تغيرات على الساحة الدولية والساحات الوطنية هو بداية تحول سياسي جذري في تاريخ العالم السياسي وعلاقاته. فالحدود مثلا هي إطار الدولة وسيادتها عجزت في عن مواجهة العولمة التي لا تعترف بالحدود في الاقتصاد والاتصالات والمعلومات . لهذا نلاحظ أن الدولة القومية إما أنها تضعف أو تتآكل في أجزاء كبيرة من العالم. لأنها تفقد سيادتها بمرور الوقت على اقتصادياتها القومية وقضاياها الأمنية . فلقد أصبحت عاله تعتمد على المؤسسات المالية الدولية للحفاظ على وجودها المادي.
أي آدا كان مفهوم السيادة في بداية تشكله أعطى حق احتكاره فيما حرم هذا الحق على بقية المؤسسات الأخرى الإقطاعية والقبلية والطائفية وغيرها . فالسيادة لا تتجزأ وأصبحت الدولة وفق هذا المفهوم هي مؤسسة المؤسسات والمالك الأوحد للسيادة في الدولة الواحدة . فان العولمة والاتصالات المعاصرة ونتائجها الاقتصادية والسياسية والثقافية الملازمة بالضرورة سوف تؤدي في النهاية إلى حرمان الدولة المتعددة من حق السيادة المطلقة . (16)
بالتالي في ظل سيادة العولمة وفي البيئة الدولية ، تصبح الدول والكيانات الكبرى هي المتحكمة في أناط التفاعل الدولي . بما تفرضه من معايير تخدم مصالحها بدرجة أولى . بل دول الجنوب ( الدول النامية ) تعيش على هامش التفاعلات الدولية تنظر دون إن تشارك مكتفية بما تلقيه إليها الدول الكبرى ( الدول المتقدمة ) . كما يهدف دعة العولمة إلى تحويل دول النامية إلى مجرد تجمعات بشرية لا مجتمعات . حتى يسهل سوقها وقيادتها وتوجهها في الاتجاه الذي تريده . هذا يستلزم إضعاف دور الحكومات الوطنية وسيادتها .
وهذه الحالة أصبحت من بين أهم علاقات ركوب موجة العولمة من اجل اختراق سيادات الدول وخصوصياتها والتمكن من الوصول حتى إلى إفراد الدول السيادية . وان يكون لتلك الدول الناطقة بالسيادة حق الرفض والاعتراض ، وهذا يمثل أعلى درجات الهيمنة وفقدان الأمن القومي تم السيادي . والصفة الأكثر أهمية والأرقى درجة في أهداف وإعراض سيادة الدول وكرامتها .
لهذا فان الدول العظمى صاحبة السيادة زادت من سيادتها ترسيخا وأكدت عليها تأكيدا صارما في كل المجالات الاقتصادية والسياسية وبشتى الطرق الممكنة ، وامتدت بها عبر حدود السيادات الأخرى وقللت من سيادات تلك البلدان .

نتائج البحث

1- إن العولمة بإشكالها ومظاهرها المختلفة تؤدي إلى الحد من سلطة الدولة وهشاشتها أمام القوى العظمى التي تسيطر على تيارات العولمة وخاصة الاقتصاد.
2- عجز الدولة عن السيطرة على أصحاب القرار الحقيقيين. أي الأسواق المالية، والشركات العملاقة التي تتجاوز الدول والحدود.
3- ظهور مؤسسات اقتصادية كونية تحل محل المؤسسات الاقتصادية الوطنية . والسماح للشركات متعددة الجنسيات والاستثمارات الأجنبية في اخذ دور متزايد في إدارة الأنشطة الاقتصادية مع مراعاة أن بعضها ينطلق في استثماراته من مفاهيم وفلسفات تغاير الهوية الوطنية للدولة.
4- تقييد هامش المعركة المتاح أمام راسمي السياسات الاقتصادية الوطنية بعدم تجاوز المصالح الاقتصادية العالمية. وتقليص مساحة القطاع العام ونظم الرقابه الحكومية مقابل زيادة دور القطاع الخاص والمحلي والأجنبي .
5- فقدان الدولة لدورها بشكل متسارع من أن تكون تلك البؤرة التي يدور حولها كل شيء وتحدد مجال حركة كل شيء . وتحول دورها إلى مجرد أداة لحفظ الأمن، وتقدم الخدمات العامة بأقل التكاليف بالنسبة لأصحاب رأس المال.
6- تزايد دور جماعات الضغط العالمية كالمنظمات العالمية في مجال الحريات وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والرأي في التأثير على صناع القرار في كثير من الدول بما يخدم أهدافها ومصالح الدول الكبرى التي تزعمها .
7- انتشار القيم والأفكار الليبرالية التحررية المختلفة عن قيمنا وأخلاقنا وعقيدتنا الإسلامية التي تعد حراستها إحدى وظائف الدول الإسلامية الرئيسية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

قائمة المراجع

(1) رضا عبد السلام ، انهيار العولمة ، دار السلام للطباعة والنشر ، مصر ، 2003 ، ص 45
(2) فلاح كاظم المحنة ، العولمة والجدل الدائر حولها ، مرجع سابق ، ص 100
(3) سعد حقي توفيق ، مبادئ العلاقات الدولية ، دار وائل للنشر ، الأردن ، 2004 ، ص 402
(4) نبيل راغب ، أقنعة العولمة السبعة ، دار غريب للنشر ، القاهرة ، 2001 ، 226
(5) محمد عبد المجيد عامر ، دراسات في أسس الجغرافية السياسية والأوضاع العالمية الجديدة ، الإسكندرية ، دار الدعوة ، 1974 ، ص 19
(6) فلاح كاظم المحنة ، العولمة والجدل الدائر حولها ، مرجع سابق ، ص 109
(7) المرجع السابق ، ص 116- 117
(8) محمد عمر الحاجي ، ظاهرة العولمة الاقتصادية ، مرجع سابق ، ص 36
(9) سعد حقي توفيق ، مبادئ العلاقات الدولية ، مرجع سابق ، ص 386
(10)محمد عمر الحاجي ، مرجع سابق ، ص 35
(11) هالة مصطفى ، العولمة – دور جديد للدولة -السياسة الدولية ، مركز الأهرام ، القاهرة ، 1998، ص 43- 44
(12) احمد الرشيدي ، التطورات الدولية الراهنة ومفهوم السيادة الوطنية ، مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة ، 1994 ، ص11
(13) ممدوح محمود منصور ، العولمة – دراسة في المفهوم والظاهرة والإبعاد ، دار الجامعية الجديدة ، الإسكندرية ، 2003 ، ص47
(14)حسن البزاز – عولمة السيادة وحالة الأمة العربية ، المؤسسة الجامعية للدراسات – بيروت ، 2002 ، ص 117
(15) المرجع السابق ، ص 99
(16) ممدوح محمد منصور ، مرجع سابق ، 52