وصفة عربية لتعزيز اليمين المتطرف في إسرائيل
صالح النعامي
لقد أرسل النظام العربي الرسمي رسالة واضحة للنخبة السياسية والرأي العام في إسرائيل مفادها أن اليمين المتطرف هو وحده القادر على إجبار العرب على التنازل بشكل مهين، فهكذا على الأقل قرأ الإسرائيليون قرار وزراء الخارجية العرب السماح للسلطة بإستئناف المفاوضات مع إسرائيل قبل أن توقف الإستيطان. واللافت أن السلوك العربي الرسمي أثر بشكل واضح على موازين القوى داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية لجهة أضعاف الأطراف التي يرى فيها محور الإعتدال العربي " معسكر السلام الإسرائيلي . فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقف مزهواً بشكل خاص عندما كان يتحدث أمام الكنيست الإسرائيلي بكامل هيئتها الخميس الماضي وهو يرمي زعيمة المعارضة تسيفي ليفني بنظرات الشماتة لأنها كانت قد انتقدت تجاهله متطلبات انجاح العملية التفاوضية مع السلطة، وكانت تجزم أن الدول العربية لن تساعده في تضليل العالم مرة أخرى. فقد اعتبر نتنياهو أن قرار وزراء الخارجية العرب دليلاً على صوابية تعاطيه مع السلطة والعرب. لم يغفل نتنياهو عن تذكير أعضاء الكنيست بدلالات القرار العربي الذي يأتي في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل الاستيطان في القدس، ورغم أن العالم العربي يعي حقيقة برنامج حكومته السياسي الذي ينص على الاحتفاظ بالمستوطنات والقدس الكبرى وغور الأردن ورفض حق العودة للاجئين. وحتى الصحافيين والمعلقين الإسرائيليين الذين كانوا يوجهون انتقادات حادة لنتنياهو بسبب مواقفه المتعنتة من متطلبات التسوية السياسية للصراع، توقفوا عن ذلك بل أن عدداً منهم مثل شالوم يروشالمي كال المديح له واعتبر أن نتنياهو أثبت " أن نهجه أكثر جدوى في التعامل مع العرب من غيره من السياسيين ".
ومن أسف فإن الذي أثار سخرية الكثير من المعلقين الإسرائيليين هو تبرير وزراء الخارجية العرب قرارهم بأنه يهدف لإعطاء فرصة لإسرائيل لإثبات " حسن نواياها ". فتسفي بارئيل معلق الشؤون العربية في صحيفة " هارتس " استهزأ بهذا التسويغ مستذكراً أن حكومة اليمين في إسرائيل ملتزمة بمواصلة الاستيطان في القدس والضفة الغربية أكثر من إلتزامها بشئ آخر سواءً الآن وبعد أربعة أشهر. ليس هذا فحسب، بل أن هناك من المعلقين الإسرائيليين من ذكر الوزراء العرب بأنه بعد أربعة أشهر من المفاوضات غير المباشرة سيكون وقت تجميد الإستيطان المؤقت في الضفة يوشك على الانتهاء، حيث وعد نتنياهو وكبار وزرائه بأن الحكومة الإسرائيلية تستعد لطفرة من المشاريع الاستيطانية في أرجاء الضفة الغربية، على رأسها بناء مدينة إستيطانية تستوعب 14 ألف مستوطن. ولكن السؤال المحرج للوزراء العرب وللسلطة الفلسطينية، والذي تردد في كثير من المقالات التي زخرت بها الصحف الإسرائيلية تعليقاً على قرار الوزراء العرب، هو: هل توقفت حقاً الاتصالات بين مسؤولي السلطة والمسؤولين الإسرائيليين حتى يحتاج نتنياهو وعباس لمفاوضات غير مباشرة. آفي سيخاروف مراسل الشؤون الفلسطينية في صحيفة " هآرتس " أوضح أن التنسيق الأمني يتواصل بين السلطة وإسرائيل بشكل غير مسبوق، حيث تتبادل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتلك التابعة لحكومة فياض الأدوار في محاربة وتعقب حركات المقاومة بشكل رتيب. ليس هذا فحسب، بل أن قادة أجهزة فياض الأمنية أخذوا يتعاطون مع عملياتهم ضد نشطاء المقاومة كدليل لدى الإسرائيليين على صدقيتهم. والذي يدلل على ذلك هو حرص هؤلاء على تسريب أنباء ألقاء القبض على عناصر حركات المقاومة وإحباط مخططاتهم للمس بالأمن الإسرائيلي، كما حدث مؤخراً عندما حرصوا على تسريب نبأ إلقاء القبض على خلية لحركة حماس خططت لإطلاق صواريخ على المستوطنات في محيط مدينة رام الله.
الذي يثير المرارة أن الكثير من المعلقين في إسرائيل يرون في قرار الوزراء العرب بمثابة تشجيع لنتنياهو ووزرائه على مواصلة تعنته واستفزازته والتي كان آخرها قراره تهويد عدد من الأماكن المقدسة للمسلمين في الضفة الغربية.
وهناك من المعلقين في إسرائيل من اعتبر أن قرار الوزراء العرب ليس إيجابياً لأنه يعد مكافأة لنتنياهو، بل لأنه يقطع الطريق على المصالحة الفلسطينية الداخلية. وكما يقول المعلق الإسرائيلي أمنون أبرموفيتش فإن إسرائيل تعي أنه طالما كانت مفاوضات فإن عباس وحكومته لا يجرؤون على مجرد التفكير بالتصالح مع حركة حماس على اعتبار أن هذا أمر غير مقبول بالنسبة لصناع القرار في تل أبيب وواشنطن.
ماذا يقول الوزراء العرب لمئات لعشرات العائلات الفلسطينية في القدس الذين أصدرت حكومة نتنياهو قراراً مؤخراً بتدمير منازلها لكي يتم بناء لليهود منازل على أنقاضها، وماذا سيقولون لمئات العائلات التي تنوي هذه الحكومة إصدار أوامر بتدمير منازلها.
ولا مجال هنا للحديث عن منهج التضليل والكذب الذي سلكه محمود عباس الذي قطع العهود بعدم العودة للمفاوضات إلا بعد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وأن يتم تحديد مرجعية للمفاوضات، وهذا ما تبنته بالمناسبة كل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية والمؤتمر العام السادس لحركة " فتح. لم يثبت عباس أنه يضلل ويكذب، بل أنه يتجاهل المؤسسات التي يقف على رأسها، فهو قرر العودة للمفاوضات دون الرجوع للجنة التنفيذية والفصائل الوهمية التي تشارك فيها.
كاتب هذه السطور ليس من أولئك الذين يؤمنون بصوابية تصنيف النخب السياسية في الكيان الصهيوني ليسار ويمين ووسط على اعتبار أنه لا يوجد فروق أيدلوجية ذات شأن بين هذه التصنيفات، لكن النظام العربي الرسمي مستلب لهذه التصنيفات وهو يغطي على استعداده الفطري للتنازلات بالقول أنها تعزز فرص " معسكر السلام الإسرائيلي "، قاصداً معسكر اليسار والوسط في إسرائيل، لكن هذا النظام بتنازلاته لا يسهم إلا في تعزيز معسكر اليمين المتطرف.