- من المؤسف - ان يزداد كل يوم رصيد اليأس والإحباط والقنوط لدى النخبة الثقافية والأدبية في أمتنا الإسلامية وقلبها العربي النابض , و- من المؤسف - أكثر أن تقوم تلك الشريحة التي تعول عليها أمتها استعادة مكانتها ومجدها , وتحفيز شعوبها الى النهوض والتحرر وكسر أغلال الذل والتبعية , بتسويق ذلك الإحباط واليأس في كل صحيفة ومجلة ومنتدى ومحفل وملتقى أدبي وثقافي بين أجيالنا وأبناءنا وشبابنا , بل وتتحول كتاباتهم وكلماتهم الى سموم تنفث في شرايينها , وكان هذه الأمة العظيمة الخالدة قد كتب عليها ان لا تلتقي بذلك الرجل الذي يوجه خلافاتنا ونزاعاتنا وانقساماتنا الى أعداء الأمة الإسلامية وقلبها العربي 0
حقيقة نحن لا ندعو الى تحريف الكلم عن مواضعه , أو تزيين المصطلحات وتلميعها في أعين الآخرين , - وبمعنى آخر – قلب الحق الى باطل , وقلب الباطل الى حق , أو إضفاء صور جميلة على حقائق الأمر الواقع الأليم والمخزي الذي تمر به هذه الأمة العظيمة وقلبها العربي النابض , ولكن كل ما ندعو إليه كتابنا ومثقفينا وأدبائنا , ومن قيض الله لهم قيادة نهضتها من الشرفاء المخلصين في كل مجال , هو العمل على بذر روح الأمل في نفوس الأجيال القادمة لا إحباطهم , والسعي الى تحريك الهمم ( حيث تبدأ الثورات في أعظم الأدمغة ثم تهبط للجماهير ) , لتتحول تلك الثورات الى عصيان وتمرد على الظلم والقهر والاستعمار والخنوع , لا أن توجه تلك الطاقات وتلك الجهود الى نشر اليأس والإحباط , وصور الانحطاط والتردي الحضاري والاممي 0
فبالرغم من الجراح النازفة من كل مسامة من جسد هذه الأمة العظيمة الخالدة , وبالرغم من الفرقة والتشتت والانقسام والتباعد الذي ينهش خارطة العالم العربي , وبالرغم من تكالب الأمم وكثرة الخونة وعملاء الاستعمار , والمرتزقة من وراء لحوم الضعفاء والفقراء والبؤساء في أمة الإسلام وقلبها العربي الحبيب , وبالرغم من كل شي , وأي شي , ستظل هذه الأمة عظيمة كريمة مجيدة خالدة عبر الزمن , " رغم أنوفهم " 0
نعم 000 أيها الهازئين بجراحنا وانقساماتنا وتفرقنا , نحن ندرك بأننا نعيش أسوأ مراحل التاريخ وأشدها قسوة ومرارة وانحطاط , ولكن الم تعلموا وتتعلموا بان أجمل أوقات الشروق هي تلك اللحظات القاسية التي يسبقها الظلام الحالك ؟!! , وان هذه الأمة العظيمة قد مرت من قبل بمثل هذه الأوضاع العصيبة , ولكنها استطاعت " بفضل الله " ومن ثم بمن تبقى من الشرفاء المخلصين لها من تدارك الوضع , واستعادة مجدها التليد ومكانتها العالمية العظيمة بين أمم الأرض , وان كنتم لا تصدقون ذلك , فعودوا الى سفر التاريخ , يقول الحق سبحانه وتعالى { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } صدق الله العظيم 0
نحن نعترف بأننا خسرنا معارك كثيرة , وتخلينا عن فرص كثيرة كانت سانحة لاستعادة عزة هذه الأمة وشرفها وكيانها , ولكن ذلك لا يعني أننا خسرنا الحرب التاريخية والحضارية بأكملها , أو ان تلك هي النهاية التي أحكمتها قبضة الاستعمار وكتبنها علينا الى ابد الآبدين , وانه قد آن لنا ان نستسلم للأمر الواقع , فنرفع رايات الخنوع والذلة والمسكنة , والدليل على ذلك هو كل تلك الدماء الطاهرة الزكية التي لا زالت تضخ في شرايينها كل لحظة وفي كل مكان وبكل " وفاء وإخلاص " , بقصد إعادة الحياة والأمل الى جسدها الطاهر 0
نعم 000 يا أيها العابرون على جثث الشهداء في فلسطين العربية الغالية , والعراق العظيم , وكل شبر نازف في خير أمة أخرجت للناس , سيدميكم شوك الثوار وستغرقون يوما في دماء اليتامى والأرامل والثكلى والأحرار , ويا أيها الشامتين الحاقدين على حالها وحال أبناءها وما آلت إليه , يا تجار الكلمة الفاسدة المنحلة , يا باعة قضايانا العربية وأحزاننا وجراح امتنا الإسلامية على أبواب الساسة والحكام ومن يدفع لكم أكثر للتنازل , , سيرتد رصاص تجارتكم الخاسرة عليكم يوما , وستحترقون بأوراق الخيانة والارتزاق والعمالة , ويا من أدخلتهم التخم وموائد الطعام غرف الإنعاش , سيثور عليكم الجياع يوما , حينها ستدركون ما كان يشتعل تحت رماد الجوع والفقر والبؤس وصرخات الأطفال ودموع اليتامى والثكلى 0
فان ( مواكب الحرية تسير , وفي الطريق تنضم إليها الألوف والملايين – كل ثانية من الزمن - وعبثا يحاول الجلادون أن يعطلوا هذه المواكب أو يشتتوها بإطلاق العبيد عليها , عبثا تفلح سياط العبيد ولو مزقت جلود الأحرار , عبثا ترتد مواكب الحرية بعدما حطمت السدود , ورفعت الصخور , ولم يبقى في طريقها إلا الأشواك )0
فان أمة يساق الى معبد مجدها وشرفها العظماء والمخلصين وهم يضحكون لا تموت , وان أمة يزف الى خدرها كل يوم عشرات الشهداء لا تفنى , وان أمة يوقظها كل صباح صوت المؤذن " حي على الصلاة " لا تنام سوى لتنهض من جديد , ولهذا كان المستعمرون وأعوانهم عبر تاريخ هذه الأمة , يستغلون أوقات انحطاطها وتراجع مكانتها ويأس شبابها وضعف قياداتها , فيحاولون جاهدين إخماد " الهمم " , وتكميم أفواه الأحرار والشرفاء لأممهم وأوطانهم وقضاياها , لأنهم يدركون تمام الإدراك أن في تلك الأفواه المقهورة مفاتيح الحرية , وفي هذا السياق يقول هانوتو وزير خارجية فرنسا سابقا بأنه ( رغم انتصاراتنا على امة الإسلام وقهرها , فان الخطر لا يزال موجودا من انتفاض المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم , لان همتهم لم تخمد بعد ) 0
لذا فان إيقاظ الهمم في هذا اللحظات العصيبة التي تمر بها هذه الأمة العظيمة وقلبها العربي النابض , وإعادة الوعي المفقود في الشعوب الإسلامية والبلاد العربية بأهمية التمسك بالعقيدة الإسلامية والثقافة الإسلامية , وتشجيع التقارب ولم الشمل والوحدة وبذر الأمل في الغد برغم الجراح النازفة , وتشجيع الكتاب والدعاة المخلصين الشرفاء وأصحاب الأقلام والكلمة الصادقة على بث روح التراحم ونبذ الخلافات والفرقة والانقسام بين المسلمين , سيكون الحل العظيم ومفتاح الفرج لهذا الوباء الذي بدأ ينهش جسد الأمة وقلبها العربي النابض , وهو ما نوجه للدفع إليه والسعي لتحقيقه من قبل كل من يملك ذرة من حب وإخلاص ووفاء وتضحية لهذه الأمة الكريمة ولقلبها العربي العزيز 0
فان ( أخوف ما يخاف على امة ويعرضها لكل خطر , ويجعلها فريسة للمنافقين , ولعبة للعابثين , هو فقدان الوعي في هذه الأمة , وافتتانها بكل دعوة , واندفاعها الى كل موجة , وخضوعها لكل متسلط , وسكوتها على كل فضيعة , وتحملها لكل ضيم , وان لا تعقل الأمور , ولا تضعها في مواضعها , ولا تميز بين الصديق والعدو , وبين الناصح والغاش , وان تلدغ بجحر مرة بعد مرة ) 0