قيمة اللعب التربوية والاجتماعية
1 - القيمة الاجتماعية
بعد أن تم تحديد مفهوم اللعب , فالتأكيد عليه فقط لأنه استعداد فطري وطبيعي وضرورة من ضروريات حياة الطفل , لأنه مفهوم نعتبره قاسما مشتركا بين التفسيرات المتعددة للعب , والتي تتخذ كل واحدة منها اتجاها فلسفيا خاصا حين تناولها للإجابة على ماهية طبيعة اللعب . ولماذا يلعب الأطفال بهذه الطريقة وما فوائد اللعب ؟
فمختلف الإجابات خلال الأزمنة المتعاقبة من التاريخ , تشكل نظريات , من الأجدر معرفة مختصرها :
1- نظرية الطاقة الزائدة
والتي نادى بها كل من " فريدريك شيلر 1759- 1805 وهربرت سبنسر 1820 – 1903 وتقول : بأن اللعب عادة ما يكون نتيجة وجود طاقة زائدة لدى الكائن الحي وليس في حاجة إليها قصد كفاحه في الحياة 2- نظرية تجديد النشاط
وترى أن اللعب وسيلة طبيعية لإراحة الجسم من عناء العمل – وهذه تبدو أصلح للعب الكبار حيث يكون اللعب بمثابة تجديد نشاطهم فعلا – أما الطفل فقليلة هي تلك المرات التي ينشغل فيها بعمل جدي مرهق حتى يكون اللعب بالنسبة له نشاطا ترويحيا
ويشرح بعض من أصحاب هذا الاتجاه بأن " النشاط في اللعب يشتمل في الغالب على الأجزاء الأولية البسيطة من الجهاز العصبي , ونادرا ما يستخدم الأعصاب المركزية التي يتمثل فيها أعلى إنتاج العمليات العقلية والتفكير " أي أن نشاط اللعب لا يتطلب توثر الأعصاب والتركيز والانتباه كما يحدث عادة أثناء المجهود العقلي
3- النظرية التلخيصية
ووضعها : ستانلي هول سنة 1844 – 1924 نتيجة تأثره بنظرية داروين وبقول : " بأن لعب الأطفال إنما هو تعبير لغرائزهم المختلفة , وأنه يعود أصلا إلى الدوافع الموروثة عندهم من الأجداد , والتي تتمثل في السلوك البدائي لأجدادنا أثناء الأحقاب الأولى للتطور العقلي , وكأن التعبير الذي يحدث في ميول اللعب أثناء تقدم الطفل في السنوات المختلفة في نزر ستانلي هول . هو عبارة عن تفتح الدوافع والغرائز الموروثة في تكوينهم البيولوجي
لكن هذه النظرية تعرضت لانتقادات العلماء الذين يرون أن ألعاب الأطفال تتغير بتغير طبيعة الطفل نفسه وبحسب بيئته الاجتماعية , فاختراع السيارات مثلا , أحدث انقلابا باكرا في تقدم الإنسانية , فالطفل كثيرا ما يلعب بسيارة أو طائرة ويحاول إصلاحها وفك أجزائها , وهذا ما يكن معروفا عند أجداد أجداده . وفي هذا تأكيد على أن لعبه تغلب عليه مشاركة البيئة أكثر من التأثر بالوراثة
4- نظرية الإعداد للحياة
أعد هذه النظرية كارل جروس سنة 1896 . مؤكدا على أن وظيفة اللعب هي إعداد الطفل للمستقبل , وليس مجرد بيان نشاط الأجيال السابقة , وأساس اللعب في نظر جروس . ليس هو الطاقة الزائدة أو تجديد النشاط . ولكنه الدافع الداخلي لتكيف الشخص مع بيئته عن طريق اللعب , وبديهي أن أنسب وقت لهذا الاندماج هو مرحلة الطفولة والشباب التي يزدهر فيها اللعب بشكل واضح
إلا أن بياجيه يرى أنه إذا اعتبرت الألعاب لمجرد الإعداد للمستقبل . فسوف يبرز السؤال . لماذا يقلد الطفل في لعبه الشخص النائم ويظل هو بدون حركة ؟ فهل الإعداد للحياة يستلزم عدم الحركة أم يستلزم الحركة ذاتها ؟ وهذا المثال يظهر لنا كيف أن الكثير من الألعاب بعيد أن يتخذ هدفا له الإعداد والتدريب " فالطفل يؤدي ما يسره أو ما يجتذب انتباهه أو ما يساعده على أن يشعر بأنه جزء من البيئة المحيطة به , وما يساعده على أن يقوم بنوع ما , من التنفس أو التعويض أو التكامل " (1)
5- باللعب تتحقق اللذة
إن اللعب مهما كان معقدا أو بسيطا , يصاحبه كفاح مرتبط باللذة , وهذا ما اتجه إليه " فرويد " في تفريقه بين اللعب والعمل , فيرى أن اللعب يصاحبه إشباع مباشر يطلق عليه " مبدأ اللذة " بينما العمل
الموجه يتخذ أساسا له مبدأ الواقع والحقيقة . أما إذا كان مصحوبا بلذة , فإن ما يميزه عن اللعب . هو أن
اللذة تصاحبه دون أن تكون غاية له . إذ الغاية في هذه الحالة تكون خارجة عن الذات
.................................................. .................................................. .....
(1) ليلى يوسف . سيكولوجية اللعب والتربية الرياضية , مكتبة الأنجلو مصرية الطبعة 1 سنة 1953 ص : 27-28
.................................................. .................................................. .....

وحينما نتساءل : ألا توجد هناك بعض الألعاب التي يصاحبها كفاح قريب من الألم منه إلى اللذة ؟ فإن فرويد أجاب على مثل هذا السؤال : "بأنها وراء مذهب اللذة " إذ هي مهما بلغ ألمها تظل العنصر الأول في اللعب , فيقوم بها الفرد لذاتها ويحس باللذة نتيجة لها , ويكون الألم سببا للذة التي تشعر الذات نحوها بالرضا والارتياح
أما ألفريد أدلر , فيرى في لعب الأطفال : كونه مرآة لحاجات الطفولة , ويمكن إشباع هذه الحاجات عن طريق النشاط الجسمي أو التخيلي , ومن تم يأتي اللعب كتعويض للطفل عندما يفشل في ناحية معينة
ويضيف أدلر بأن الشخص – ولا سيما البالغ – الذي يكثر من اللعب إنما يفعل ذلك – غالبا – لأنه لم يصل في عمله الجدي إلى درجة الإتقان والنجاح التي يتمناها لنفسه , ويضيف أدلر كذلك . أنه عن طريق اللعب يمكننا مشاهدة جميع اتجاهات الشخص نحو الحياة , وخاصة إذا كان اتجاهه نحو تاسيطرة والقيادة , وبوجه عام , بملاحظة الطفل أثناء اللعب يمكنا تحديد – وبوضوح – مدى تكيفه الاجتماعي , وهذا ما يبدو طبيعيا , فنشاط لعب الطفل يتغير مع تطور نموه وتبعا لرقي ميوله ودوافعه , إذ يشبع الكثير من حاجاته ورغباته عن طريق المشاركة الاجتماعية , ومع تطور السن يصبح هذا الطفل في لعبه أكثر اجتماعية , نظرا لأن البيئة الاجتماعية هي المنظم الأكبر والأقوى لدوافعه
6- نظرية ديناميكية الطفولة
هذه تنصب حول وظيفة اللعب , ولا تهتم بتعليل ظهوره , وقد اهتم بهذه الوظيفة الكثيرون , وبنوع خاص بعض علماء النفس مثل " لانج " الذي يرى أن الهدف الأصلي للعب هو تكامل الذات , أما تيلور والسيدة كورني فيريان أن الهدف من اللعب هو الإشباع النفسي الحر
بينما " دو لا كروى " فيرى أن اللعب يرمي إلى هذا الإشباع عن طريق التعبير الحر عن الميول والمشاعر الفردية , ويقول " كلاباريد " إن وظيفة اللعب هي أن يسمح للطفل بأن يعبر عن ذاته وينمي شخصيته
إن هذه الآراء جميعها تتفق بأسلوب أو بآخر على أن اللعب هو في جوهره أسلوب تنمية الذات واتزانها حيث تمتص هذه الذات من الواقع الخارجي ما يتفق مع مصلحتها . لكن ما هي طبيعة ديناميكية الطفولة البشرية في اللعب ؟ ومن غير إطالة في التفسيرات تكفي الإشارة إلى أن الكثير يفسرها بأنها أربع خصائص :
* نقص التوافق الحسي الحركي أو العقلي
* الاندفاع الانفعالي
* الحاجة إلى التفاهم الراجع إلى المشاركة الوجدانية أكثر من الحاجة إلى المعرفة الموضوعية
* التذبذب بين الخجل من ناحية , واحترام الأشياء من ناحية أخرى مما ينشأ عنه التردد بين الإقدام والإحجام والتراجع
ومن طبيعة هذه الديناميكية التي تسيطر على العلاقات بين الطفل وبيئته , ينشأ اللعب
بعد هذه الإطلالة على عالم اللعب وواقعه ووظائفه . نتساءل عما هي قيمته التربوية ؟
محمد التهامي بنيس