لماذا نتمسك بألقابنا ونترك آباؤنا ؟
ميثم علي
خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، وجعلنا شعوباُ وقبائل لنتعارف ، لكن عزّ وجل جعل أكرمنا هو من تمسك ب " التقوى " ، وقد تطور المجتمع من أسرة إلى عشيرة ومن ثم قبيلة، والبعض يطرح موضوع ( إمارة ) ، بمعنى مجموعة من القبائل ، ومن ثم الدولة .
لقد شهدت البشرية ومن خلال نموها نماذج عديدة من القبائل ، والأمر ليس مقتصراً على الأمة العربية ، وإنما طالت المجتمعات الغربية وخاصة في القرون الوسطى ، لكن هذه المجتمعات تخلصت من هذا الانتماء ، نتيجة التطور الهائل في المفاهيم الاجتماعية ، أما العرب فقد تمسك غالبيتهم بموضوع القبيلة والعشيرة وخاصة قبل مجيء الإسلام ، وأصبح المرء يُعرّف نفسه بالانتماء إلى العشيرة أو قبيلة ينتمي إليها ، والبعض الآخر أخذ لقبا نتيجة انتمائه إلى الدولة التي ينتمي إليها ، فنجد هناك ( فلان المصري ، وفلان العراقي ، وفلان اليماني ) ، وغيرها من الألقاب التي تدل على أن عائلة فلان قد هاجرت في زمن من الأزمان إلى دولة أخرى وعُرف الشخص بدولته ، كما يوجد الكثير من البشر الذين ينتمون إلى مدينة معينة ، وهذا متداول في بلداننا العربية ، فنجد ( فلان الدمشقي ، فلان الإسكندراني ، فلان البغدادي ، فلان الصنعاني ) وغيرها من المدن التي أتخذ سكانها لقب المدينة .
هنالك ألقاب تتعلق بالمهنة، لذلك نجد ( فلان الحداد، فلان النجار، فلان العطار) وغيرها من المهن التي امتهن الأجداد بعض المهن وعُرف أبنائها وأحفادها بها.
وهنالك ألقاب تتعلق بصفات الإنسان، ( فلان القصير، فلان الطويل...إلخ ) ، وكذا الحال ألقاب ألصقت ببعض البشر وبمرور الزمن صارت لقباً للفرد ، وهذه جاءت نتيجة عاهة جسمانية ، فنقول " فلان الأخرس ، فلان الأطرش ، فلان الأعرج..إلخ " ، وهناك نوع من الناس يصرّ على أن يُعرف بلقبه رغم أنه يخدش الحياء ومثل هذه الألقاب لازالات تستخدم في الأردن مثلا ، فنجد " فلان الخصاونة! ، فلان الكسسانة! "وغيرها ، كما أن هناك نوع آخر يستخدم لقبه رغم أنه يثير الإستغراب فنسمع " فلان الأغبر ، فلان الأغبري ، فلان الأشعث " ، وغيرها من الصفات التي لاتليق أن تلصق بإنسان .
نتيجة هجرة بعض العوائل وخاصة ( الفُرس والأتراك ) من بلدان أعجمية إلى البلدان العربية، فإن هذه العوائل ولأسباب مقصودة منها ، أنهم لا يريدون الإحتفاض بألقابهم القديمة ، لذلك نجدهم يؤكدون على اتخاذ لقب " جديد " يتعلق بموضوع اشتهروا فيه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن عدد من العوائل ذات الأصل الإيراني اتخذوا ألقاباً مثل " بحر العلوم " حيث كان لقبهم " البروجردي " ، و" النجفي، والكربلائي " في حين كان لقبهم غير ذلك ، فالمرجع الديني
" بشير الباكستاني " في العراق يرفض أن يُلقب بلقبه القديم وإنما بلقبه الجديد " النجفي " ، وهذا ينطبق على الكثير ممن نزح من الدول الأعجمية وتوطنوا في الدول العربية .
بعض العوائل اتخذت ألقاباً تشير إلى انتسابها إلى آل بيت النبي محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومنها " الحسني ، الحُسيني ، العلوي ، الحيدري" ، وهذه الألقاب لم تكن معروفة في زمن النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإنما توارثت جيل بعد آخر ، نتيجة إطلاقها من العوائل نفسها .
آخرون أتخذوا ألقاباُ تتعلق بالطرق الصوفية التي ينتسب إليها مريديها وهذه الألقاب ليست تتعلق بالنسب ، وإنما بمن يتخذ إحدى الطرق الصوفية طريقاً له ، فنسمع ب" النقشبندي" ، نسبة إلى الطريقة النقشبندية ، و"القادري" ، نسبة إلى الطريقة القادرية، و"الرفاعي" ،نسبة إلى الطريقة الرفاعية ، وغيرها من الطرق التي تنتشر في أنحاء العالمين العربي والإسلامي .
مما تقدم نجد أن هذه الألقاب قد تؤدي إلى شرذمة المجتمع ، وذلك لأن من يتخذ لقباً معيناً فإنه وبكل تأكيد سيشير إلى أنه ينتمي إلى " فئة " محددة ، وقد تكون هذه الفئة من مذهب معين ، وكذا الحال بالنسبة إلى من يتخذ لقبه على المنطقة.
إن أٍسوتنا وقدوتنا نحن المسلمين هو نبينا " محمد بن عبد الله " صل الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهذا يجعلنا الإقتداء به ، ولو أستعرضنا أسماء بعض العظماء فسوف لن نجد من يتخذ اللقب عنواناً له ، إلا لماماً ، لذلك أرى حريُ بنا أن نستخدم أسماء آباؤنا الذين أنجبونا ، والله تعالى يأمرنا بذلك حيث يقول في كتابه الكريم { ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله} الأحزاب / الآية 5.