القرآن كلام الله والمدارس النقدية
بقلم : مجذوب العيد المشراوي
القرآن كلام الله بواجب الإيمان للآية
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)
ومن هذا المنطلق فالمؤمن به يدرك أنّه فوق ما نظـَّرله الناس في فهم النصوص وإدراك متاهاتها . والعوامل التي تساعد على فهم بعض إيحاءاته كثيرة وغير منتهية لأنه جاء بلغة العرب في زمن محدد ومكان محدد مما جعل الناس يتنبهون إلى حسن إدراك لغتهم وحسن إدراك ما ترمي إليه في مجازاتها وتوريتها وتشبيهاتها كما سجلوا أسباب النزول بأمانة لتـُعينهم في النـّفوذ إلى أحكامه و عقائده جيدا .
السابقون ممن نزل عليهم ما كلّفوا أنفسهم عناء السّؤال بحكم أنه واضح في دلالاته وأنّه شفاف فيما يقول ، كانوا يفهمون التـّنزيه مع ورود الصفات والأسماء والجهة والزمن ..
كانوا يفهمون ( ليس كمثله شيء ) جيدا بحكم صفاء الروح وتوقّد البصيرة ..
أيضا عملوا على حفظه وحفـّظوه لأولادهم فكان متواترا في مراحل الرسالة حتى استلمناه سليما من النقص و الزيادة ..
إن صيغة الأفعال الزمنية المتعلقة بالله مثلا ما سأل عنها الصحابيّ أبدا ولا استشكل ذلك كأنما كان يعرف أن الماضي والمستقبل والحاضر في حق ّ الله موقوفة لصالح السّبحانية ولصالح هو الأول والآخر والظاهر والباطن ..
كما أن ّ منظومة القرآن المنطقية متكاملة وغير مهدّمة في جزء ما من العقيدة والعبادات والمعاملات ، تهاوى فيها من تهاوى و صوّبها بعدهم من كانت بصيرته أقوى وحسّه اللغوي أدق ّ .
وما إن دخل في الإسلام من غير العرب وتـُرجمت فلسفات الأمم حتى بدأت الأسئلة التي أخذت معناها من العقائد الأخرى ومن منظومة الشّرك الذي كان لا يزال يحيط بالجزيرة العربية وبدأت المهاترات ..
بدأ المعتزلة بمفارقات عجيبة تطعن في عقولهم عندما اعتبروا الملائكة والشياطين هي قوى الخير والشّر وأن الله لا أسماء له ولا صفات ..
وأن ّ القرآن يجب أن يتّبع العقل في معانيه وما استعصى يجب تأويله لصالح المعنى العقلي الواجب .. من هنا بدأت مشكلة القوم ..
إلى الآن ما زلنا نجترّ سخافات العقل وهو يطاعن الحروف الإلاهية ليخفق َ في كل ّ مرّة .
ما أحوجنا اليوم وقد رشدنا أن نفهم أن ّ العقل الديني هو آلية فهم منظومة ما جاء به الدين من داخل منظومة المنطق الموجود فيه وليس من خارجه ولا من منظومات أخرى مغايرة لأنه مبني ّ ٌ على (الإيمان ).
فالعقل الديني هي مجموعة المعارف الأولية التي تؤسس للدين وتشكل منطقه المرجعي الذي يجب الاحتكام إليه ومن ثمّة يسهل التحاجج في إطار منظومة تقوم في رأس هرمها المعرفي على الإيمان ( التصديق ) .
لا يمكن لغير المؤمن أن يتكلّم في الدين إلا بصيغة التشكيك المطلق في الهرم ككل ّ ..
كيف نخوض معارف دينية بمسلمات فلسفية مثلا أو العكس ؟ لا يمكن هذا لأن العقلين مختلفين جدا باختلاف المسلمات ..
وما( تشابه من القرآن) هو منطقة أخرى لمختلف العقول لتدلي بما عندها فجاء تحديد الله لهذه المنطقة بأنها منطقة جيدة للزائغين ليشككوا المؤمن فيما عنده .
ما قدّم هذا القرآن في نصوصه في منطقة العقل الكثير الكثير ولم تكن الحقائق منطقية في أزمنة معينة نظرا لتأخر المُعطى العلمي فكيف تعامل معها المؤمن ؟
هنا يجب أن نحدّد أن العقل الديني ينبني في الغيبيات على التسليم والتصديق والإيمان ومن ثم ّ فما أدرك من صحة في نصوصٍ تتعامل مع الأرضيّ الذي هو أمامنا عمل َ به وإن لم يدْرِك َ صحته عمل َ به لأنه مؤمن وهذا هو أحد أهم ّ تركيبات العقل الديني ..
قال لي صاحبي ما كنت َ تعمل مع ذبابة إذا وقعت في كأس به ماء تريد شربه قبل قرنين من الزمن ؟ قلت أغطسها في الماء ثم ألقيها وأشرب ولا ألتفت إلى عقل ِ بليد لم يأته من العلم إلا القليل . قال ومن لم يفعل ؟ قلت : على أي أساس ؟ قال منكرا الحديث قلت: مؤمن في رأسه شكوك .. أي مؤمن ناقص الإيمان ..
والنّص القرآني من متشابه منه فوق إدراكات البشر على الإطلاق في كيفياته لقوله تعالى ( وما يعلم ُ تأويله إلا الله .) وكأنه أراد أن يقول لوجود المتشابه به وهو كثير .في تأويل( الكيفية ) على الأرجح
وليس(( المعنى ))كأشياء الجنة والنار مثلا ؟؟؟
ثم يجزم بعد ذلك أن: (( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ))
فهل نذهب إليه لنشرحه بالبنيوية أو التفكيكية أو لست ُ أدري من مدارس البشر التي عجزت عن فهم نصوص البشر .
وما لحق بالقرآن من تفسير غريب كان نتيجة تقديم العقل للنّقل لهوًى أو سياسة أو قصد عقدي معين ..
فانظر مثلا لقوله تعالى ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) يقول بعض الشيعة وهم يكرهون عائشة إن البقرة هي عائشة .. ما كان هذا يحدث لولا أن ّ السياسة دفعت لذلك وهو من قبيل تقديم المعنى العقلي على المعنى المراد من القرآن ..
إن ّ أصعب مشكلة لفهم القرآن هو أن نشرحه وفق ما نعتقد سياسيا أو فلسفيا أو .... إلخ وأن نبحث فيه عن تأويل يلوي مقتضيات معاني النّصوص القرآنية نحو ما نريد ..
لهذا فالمنطلقات واضحة ومنطقية جدا في فهم القرآن بصورة مستقلة عن السياسة وعن العقائد ( السياسية ) التي نشأت في تاريخ الأمة وأهم مرتكزاتها لغة العرب وفهمها بالصورة التي كانت تدركها بها القبائل العربية ، سيرة الرسول ، أسباب النزول ، قواعد اللغة وبلاغتها بصورة عامة ، الحديث النبوي ، فهم جيد لبقية العلوم الحقيقية من فيزياء وكيمياء وعلم فلك ورياضيات وعلوم طبيعية وبيولوجيا وجغرافيا ... إلخ مما يعين العقل الديني على فهم المقصد العلمي من الآية . وقد يتساءل الجاهل لهذه العلوم عن مقصدي من هذا الكلام فأقول عندما تتحدث الآية عن الجنين لا يمكن أن نفهم معناها الدقيق إلا بمعرفة علم الجنين وعندما تتكلم الآية عن نزول الحديد لا يمكن أن نفهم ذلك إلا بمعرفة كثير من العلوم منها علم الفلك وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء .... إلخ .
وعندما تتكلم الآية عن جعْل الجبال أوتادا لا يمكن فهمها إلا بمعرفة علوم الأرض ..
لا يمكن في هذه الحالة إلا أن نفسر بمقتضى الدلالي للألفاظ الموجودة في الآية وما تعنيه من لغة العرب ونقارن بينها وبين حقائق العلم التي أصبحت يقينية وفق شروطها طبعا .
هكذا هو القرآن نص ربّاني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يستجيب أبدا لمدارس البشر النقدية التي قامت على طبيعة البشر في الكتابة وعلى منظومة الألفاظ النفسية التي لا بدّ أن يدلي بها الكاتب في سياق ما وإلا عددناه فاشلا وضعيفا ..
مشرية 19/07/2010